عقيدتهم بضرورة الإمام - ولو مستتراً- ليعصمهم من الضلال تتناقض مع واقع الشيعة بالغيبة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فمن خلال دراستي لقضية الغيبة وأثرها على الشيعة الإمامية في ضوء مروياتهم وتقريرات علمائهم ثم مقارنتها برواياتهم التي تؤكد على ضرورة عدم خلو الأرض من حجة لله تعالى - ظاهر مشهور أو خائف مستور - وجدت هناك تصادماً صارخاً بين تقريرات كل من هذه وتلك ، إذ كل واحدة منهما تضمنت حقيقة تتصادم مع الأخرى بحيث لا يمكن الجمع بينهما ، وإليكم بيان ذلك بتفصيل وكما يلي:
الحقيقة الأولى: ضرورة وجود الإمام - ظاهراً أو مستورا - لكي لا يضل الخلق بعد هدايتهم ولا يحصل بينهم التفرق والتشتت
وهذه الحقيقة قد نطقت بها مروياتهم التي نصت بكل صراحة على أن من أهم الثمرات المرجوَّة من وجود الحجة أي الإمام بحالتيه - ظاهر مشهور أو خائف مستور - تعود إلى أوليائهم المعتقدين بإمامتهم والمتمثلة بما يلي:
1- الثمرة الأولى: منعهم من الوقوع في الضلال بعد أن هداهم الله تعالى لاعتقاد الحق في الإمامة.
وقد وردت هذه الثمرة في رواياتهم بعدة تعبيرات منها:[ ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم
، ولا يضل أتباع أوليائك بعد إذ هديتهم به ]
2- الثمرة الثانية: منعهم من الوقوع في التفرق والتشتت فيما بينهم
وقد وردت هذه الثمرة في روياتهم بالتعبير التالي:[ كيلا يتفرق أتباع أوليائك ]
وإليكم إخواني طرفاً من تلك الروايات الكثيرة التي نصت على الثمرتين المرجوَّة من ضرورة وجود الإمام وكما يلي:
1- روى صدوقهم ابن بابويه القمي في كتابه ( كمال الدين وتمام النعمة ) ص 302:[ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا هارون ابن مسلم ، عن سعدان ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام أنه قال في خطبة له على منبر الكوفة : اللهم إنه لابد لأرضك من حجة لك على خلقك ، يهديهم إلى دينك ويعلمهم علمك لئلا تبطل حجتك ولا يضل أتباع أوليائك بعد إذ هديتهم به ، إما ظاهر ليس بالمطاع أو مكتتم مترقب ، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم ، فإن علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة ، فهم بها عاملون ].
2- روى علامتهم محمد باقر المجلسي في كتابه ( بحار الأنوار ) ( 36 / 338-339 ):[ الكفاية : علي بن الحسن بن محمد ، عن عتبة بن عبد الله الحمصي ، عن علي بن موسى الغطفاني ، عن أحمد بن يوسف الحمصي ، عن محمد بن عكاشة ، عن حسين بن زيد بن علي ، عن عبد الله بن حسن بن حسن ، عن أبيه ، عن الحسن بن علي عليه السلام قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله يوما فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه : معاشر الناس كأني ادعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ، فتعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ، لا تخلو الأرض منهم ، و لو خلت إذا لساخت بأهلها ، ثم قال : اللهم إني أعلم أن العلم لا يبيد ولا ينقطع ، وإنك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك ، ظاهر ليس بالمطاع ، أو خائف مغمور لكيلا يبطل حجتك ، ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم ، أولئك الأقلون عددا الأعظمون قدرا عند الله ].
3- يروي شيخهم محمد بن جرير الطبري في كتابه ( دلائل الإمامة ) ص 530:[ عن مسعدة بن صدقة الربعي ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ( صلوات الله عليهم أجمعين ) أنه قال في خطبة له بالكوفة : " اللهم لا بد لأرضك من حجة لك على خلقك يهديهم إلى دينك ويعلمهم علمك ، لئلا تبطل حجتك ، ولا يضل أتباع أوليائك ، بعد إذ هديتهم به ، إما ظاهر ليس بالمطاع ، أو مكتتم ليس له دفاع ، يترقبه أولياؤك ، وينكره أعداؤك ، إن غاب شخصه عن الناس لم يغب علمه في أوليائك من علمائهم " ].
4- يروي شيخهم محمد بن إبراهيم النعماني في كتابه ( الغيبة ) ص 136-137 :[ وأخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة ، قال : حدثنا محمد بن المفضل وسعدان بن إسحاق وأحمد بن الحسين بن عبد الملك ومحمد بن أحمد القطواني ، قالوا : حدثنا الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي إسحاق السبيعي ، قال : " سمعت من يوثق به من أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في خطبة خطبها بالكوفة طويلة ذكرها : اللهم فلا بد لك من حجج في أرضك حجة بعد حجة على خلقك يهدونهم إلى دينك ، ويعلمونهم علمك لكيلا يتفرق أتباع أوليائك ظاهر غير مطاع ، أو مكتتم خائف يترقب ، إن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم في دولة الباطل فلن يغيب عنهم مبثوث علمهم ، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة ، وهم بها عاملون ، يأنسون بما يستوحش منه المكذبون ، ويأباه المسرفون بالله ، كلام يكال بلا ثمن لو كان من يسمعه بعقله فيعرفه ويؤمن به ويتبعه ، وينهج نهجه فيفلح به ؟ ثم يقول : فمن هذا ؟ ولهذا يأرز العلم إذ لم يوجد حملة يحفظونه ويؤدونه كما يسمعونه من العالم . ثم قال بعد كلام طويل في هذه الخطبة : اللهم وإني لأعلم أن العلم لا يأرز كله ، ولا ينقطع مواده ، فإنك لا تخلي أرضك من حجة على خلقك إما ظاهر مطاع ، أو خائف مغمور ليس بمطاع ، لكي لا تبطل حجتك ويضل أولياؤك بعد إذ هديتهم " ، ثم تمام الخطبة ].
5- روى ثقة إسلامهم محمد بن يعقوب الكليني في كتابه ( الكافي ) ( 1 / 339 ):[ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، ومحمد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ممن يوثق به أن أمير المؤمنين عليه السلام تكلم بهذا الكلام وحفظ عنه وخطب به على منبر الكوفة : اللهم إنه لا بد لك من حجج في أرضك ، حجة بعد حجة على خلقك ، يهدونهم إلى دينك ، ويعلمونهم علمك كيلا يتفرق أتباع أوليائك ، ظاهر غير مطاع ، أو مكتتم يترقب ، إن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مبثوث علمهم ، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة ، فهم بها عاملون . ويقول عليه السلام في هذه الخطبة في موضع آخر : فيمن هذا ؟ ولهذا يأزر العلم إذا لم يوجد له حملة يحفظونه ويروونه ، كما سمعوه من العلماء ويصدقون عليهم فيه ، اللهم فإني لاعلم أن العلم لا يأزر كله ولا ينقطع مواده وإنك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك ، ظاهر ليس بالمطاع ، أو خائف مغمور كيلا تبطل حجتك ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم بل أين هم ؟ وكم هم ؟ أولئك الأقلون عددا ، الأعظمون عند الله قدرا ].
وبعد هذا الاستعراض لتلك الحقيقة من مروياتهم آن الأوان لبيان مكمن الخلل فيها والمتمثل بدراسة واقع الشيعة في الحالة التي يكون فيها الحجة غائبا - خائف مستور - لمعرفة مدى تحقق تلك الغاية منه في حالة غيابه تلك - دون حالة ظهوره لشيعته - والمتمثلة بالحفاظ على أوليائه من الضلال بعد الهداية وعصمتهم من التفرق ؟!!!
والجواب عن هذا السؤال سيتبين من خلال الحقيقة الثانية وكما يلي:
الحقيقة الثانية: إن استتار الحجة وغيبته تسببت في ضلالهم بارتداد الكثير ممن كان يقول بالإمامة وتفرقهم وتشتتهم
وهذه الحقيقة قد نطقت بها مروياتهم وتصريحات علمائهم وإليكم طرفاً منها:
أ- الروايات:
1- يروي ثقة إسلامهم الكليني في كتابه ( الكافي ) ( 1 / 336 ):[ علي بن محمد ، عن الحسن بن عيسى بن محمد بن علي بن جعفر ، عن أبيه عن جده ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال : إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد ، يا بني إنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنما هو محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه ، لو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصح من هذا لاتبعوه قال : فقلت : يا سيدي من الخامس من ولد السابع ؟ فقال : يا بني ! عقولكم تصغر عن هذا ، وأحلامكم تضيق عن حمله ، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه ].
2- يروي صدوقهم ابن بابويه القمي في كتابه ( كمال الدين وتمام النعمة ) ص 323 - 324:[ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال : حدثنا القاسم بن العلاء قال : حدثنا إسماعيل بن علي القزويني قال : حدثني علي بن إسماعيل ، عن عاصم بن حميد الحناط ، عن محمد بن قيس ، عن ثابت الثمالي ، عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه قال : فينا نزلت هذه الآية : " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " وفينا نزلت هذه الآية : " وجعلها كلمة باقية في عقبه " والإمامة في عقب الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام إلى يوم القيامة . وإن للقائم منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى ، أما الأولى فستة أيام ، أو ستة أشهر ، أو ستة سنين. وأما الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به فلا يثبت عليه إلا من قوى يقينه وصحت معرفته ولم يجد في نفسه حرجا مما قضينا ، وسلم لنا أهل البيت ].
3- يروي صدوقهم ابن بابويه في نفس المصدر ص 286:[ حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه قال : حدثنا الحسين بن محمد ابن عامر ، عن عمه عبد الله بن عامر ، عن محمد بن أبي عمير ، عن أبي جميلة المفضل بن - صالح ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقا و خلقا ، تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ].
4 - يقول ابن بابويه والد شيخهم الصدوق في كتابه ( الإمامة والتبصرة ) ص 119-120 :[ سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمد بن يحيى العطار جميعا ، قالوا : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم وأحمد بن أبي عبد الله البرقي ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب جميعا قالوا : حدثنا أبو علي الحسن ابن محبوب السراد ، عن داود بن الحصين ، عن أبي بصير ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقا وخلقا ، تكون له غيبة وحيرة حتى تضل الخلق عن أديانهم ، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ].
ب- نصوص العلماء:
1- يقول شيخهم محمد بن إبراهيم النعماني في كتابه ( الغيبة ) ص 28:[ وشكُّوا جميعا إلا القليل في إمام زمانهم ، وولي أمرهم ، وحجة ربهم التي اختارها بعلمه ].
2- يقول شيخهم ابن بابويه - والد شيخهم الملقب بالصدوق - في كتابه ( الإمامة والتبصرة ) ص 9 :[ ورأيت كثيرا ممن صح عقده ، وثبتت على دين الله وطأته ، وظهرت في الله خشيته ، قد أحادته الغيبة ، وطال عليه الأمد حتى دخلته الوحشة ].
3- يقول شيخهم ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق في كتابه ( كمال الدين وتمام النعمة ) ص 16 :[ ولقد كلمني رجل بمدينة السلام فقال لي: أن الغيبة قد طالت والحيرة قد اشتدت وقد رجع كثير عن القول بالإمامة لطول الأمد ] ، ويقول أيضاً ص 2:[ فوجدت أكثر المختلفين إلي من الشيعة قد حيرتهم الغيبة ، ودخلت عليهم في أمر القائم عليه السلام الشبهة ، وعدلوا عن طريق التسليم إلى الآراء والمقائيس ].
4- يقول شيخهم على أكبر الغفاري في تقديمه لكتاب الصدوق السابق ص 10 :[ وعمدة الكلام في تلك المجالس إثبات مذهب الإمامية ولا سيما مسألة الغيبة . وذلك لأن الشيعة - الفرقة الاثنى عشرية - بعد ما فقدت راعيها تفرقت وارتابت ووقعت في الحيرة لخفاء الأمر عليها ... فتشابكت هذه العوامل وتتابعت وتضافرت حتى آل الامر إلى تزلزل العقائد وتحير الناس في أمر الإمام الغائب عليه السلام وأفضى إلى ارتداد الفئة الناشئة وصرفهم عما كانوا عليه هم وآباؤهم . وأحسَّ المؤلف - رحمه الله - هذا الخطر الداهم فنهض جاهدا لحفظ الشيعة عن هذا الشر المستطير والانهيار المحقق والانهدام المتحتم ].
وبعد هذا البيان التفصيلي للحقيقتين أعيد خلاصتهما وكما يلي:
خلاصة ما ورد في الحقيقة الأولى:
إن وجود الإمام غائب مستتر ضرورة لكي يعصم شيعته من الضلال بعد هدايتهم لاعتقاد الحق في الإمامة.
خلاصة ما ورد في الحقيقة الثانية:
إن وجود الإمام غائب مستتر كان هو السبب في ضلال شيعته وردتهم عن معتقدهم الحق في الإمامة.
ولذا أقول لكل العقلاء هل يمكن الجمع بين الحقيقتين وهما:
إن وجود الإمام غائب مستتر يعصم شيعته من الضلال !!!
إن وجود الإمام غائب مستتر أوقع شيعته في الضلال !!!