فصل
اعلم أنه لايجوز لأي أحد من الناس أن يوجب على العباد إلا ما أوجبه الله ورسوله أو يحرم إلا ما حرمه الله ورسوله .
فمن أوجب شيئا لم يوجبه الله ورسوله أو حرم شيئا لم يحرمه الله ورسوله فقد شرع من الدين مالم يأذن به الله ولاتجوز طاعته في هذه الحالة لأنه يأمر بمعصية الله ورسوله وقد دل الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة على أنه لاطاعة لمخلوق في معصية الله ورسوله .
وقد أمرنا الله جل وعلا بطاعة رسوله في نحو ثلاثة وثلاثين موضعاً من كتابه فلا يحل مخالفتها إذ أنه عين الضلال وعين المحادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد عمت البلوى في هذا الزمان فلا يقبل الكثير من إلا آراء الرجال. أما الكتاب والسنة فقد رغب عنهما الكثير ممن سفه نفسه وأعلن عليها بالفجور ولا يعول عليهما إلا عند الحاجة كالميتة لاتؤكل إلا عند الضرورة .
ومن العجائب والعجائب جمة أن كل متمذهب بمهب ينكر على صاحب المذهب الآخر عدم إنتمائه اليه ولا أدري ما هو الدليل الذي دلهم على مذهب غيرهم حتى يعلنوا النكير على أتباع المذاهب الخرى ؟!
وقد أقسم الله بنفسه في سورة النساء أنهم لايؤمنون حتى يحكموا النبي والأمي في الصغير والكبير في جميع الأمور فقال تعالى: ( فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم خرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ً)سورة النساء آية :65
والله تبارك وتعالى لم يوجب على أي فرد من الناس طاعة شخص بعينه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقد أمرنا بطاعته وعدم الخروج عن أمره لأنه مبلغ عن الله فلا يأمر إلا بما يحبه الله ولاينهى إلا عما يكرهه الله .
قال تعالى : (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) سورة آل عمران آية:132
فهذه الآية يأمر الله تعالى بها عباده أن يطيعوه ويطيعوا رسوله صلى الله عليه وسلم ، والأمر يقتضي الوجوب على الصحيح إلا لصارف و لاصارف له هنا .
بل الآيات كثيرة تؤكد هذا الوجوب، ثم إنه من المعلوم إذا ثبت الأمر يدل على الوجوب أن مخالفه آثم وعاص لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لأن مخالفة الأمر معصية .
قال تعالى : (فليخذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) سورة النور آية:63
فرتب الله تعالى على مخالفة الأمر الفتنة أو العذاب الأليم.
قال الإمام أحمد – رحمه الله- : (أتدري مالفتنة؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء م الزيغ فيهلك)
قال تعالى : ( ومن يطع الله والرسول يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها . وذلك الفوز العظيم .ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) سورة النساء الآيتان 13-14
وقال تعالى : (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم . وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين) سورة النور آية 54
فهذه الآيه فيها الأمر من الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم إن الله تعالى قال: (وإن تطيعوه تهتدوا ) فلا يحصل الإهتداء إلا بطاعته لأن الآية فيها فعل الشرط تخلف جوابه.
فعلى هذا لايحصل اهتداء إلا بطاعته فإن وجدت الطاعة حصل الإهتداء وإلا فلا.
ولذلك رتب الله على طاعته وطاعة رسوله الفوز والفلاح في سورة الأحزاب فقال تعالى: (ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) سورة الأحزاب آية 71
وقال تعالى مبنًا ما أعد للمتولين عن طاعته وطاعة رسوله : (ومن يتول يعذبه عذابا اليما) سورة الفتح آية 71
وقال تعالى ,حاكما بالضلال المبين على من عصاه وعصى رسوله : (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم . ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) سورة الأحزاب آية 36
ومخالفة الأمر معصية كما تقدم.
وقال تعالى ، ناهيا عباده عن التقدم بين يدي الله ورسوله : (ياأيها الذين أمنوا لاتقدموا بين يدي الله ورسوله .واتقوا الله إن الله سميع عليم) سورة الحجرات آية 1
وأي تقدم اعظم من مخالفة أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأقوال من يخطيء ويصيب وبعلم ويجهل.
وقال تعالى ، آمرا لنا بأخذ أقوا لالرسول صلى الله لعيه وسلم وتلقيها بالقبول دون توقف : (وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا ) سورة الحشر آية 7
وما الأحاديث الدالة على وجوب طاعة الرسول والأخذ بسنته صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة جدا.
منها قوله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ...الجديث)
قوله صلى الله لعيه وسلم (من رغب عن سنتي فليس مني)
قوله صلى الله لعيه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى . فقالوا يا رسول الله : من يأبى ؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومنعصاني فقد أبى )
وأعظم الناس وأقواهم تمسكا بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هم الصحابة- رضي الله عليهم-.
ومن أعجب ما وقفت عليه من حقيقة الطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم ،وتعظيم أمره ما فعله الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة – رضي الله عنه – وأرضاه ، وذلك أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فسمعه وهو يقول : (اجلسوا( فجلس مكانه خارج المسجد حتى فرغ من خطبته ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: (زادك الله حرصاً على طواعية الله ورسوله)