أخي الكريم..لعل هذا النقل من كتاب الابانه عن أصول الديانه للاشعري يجيبك على تساؤلاتك..الباب الثاني الكلام في أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق
إن سأل سائل عن الدليل على أن القرآن كلام الله غير مخلوق .
قيل له الدليل على ذلك قوله تعالى: (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) من الآية (25 /30) وأمر الله كلامه، فلما أمرهما بالقيام فقامتا لا يهويان ؟ كان قيامهما بأمره .
وقال عز وجل: (ألا له الخلق والأمر) من الآية (54 /7) ، فالخلق جميع ما خلق داخل فيه؛ لأن الكلام إذا كان لفظه عاما فحقيقته أنه عام، ولا يجوز لنا أن نزيل الكلام عن حقيقته بغير حجة ولا برهان، فلما قال (2/ 64) : (ألا له الخلق) كان هذا في جميع الخلق، ولما قال: (والأمر) ذكر أمرا غير جميع الخلق، فدل ما وصفنا على أن أمر الله غير مخلوق .
فإن قال قائل: أليس قد قال الله تعالى في كتابه: (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل) من الآية (98 /2) .
قيل له: نحن نخص القرآن بالإجماع وبالدليل، فلما ذكر الله عز وجل نفسه وملائكته ولم يدخل في ذكر الملائكة جبريل وميكائيل وإن كانا من الملائكة، ثم ذكرهما بعد ذلك كأنه قال: الملائكة إلا جبريل وميكائيل، ثم ذكرهم بعد ذكر الملائكة فقال: وجبريل وميكائيل .
ولما قال: (ألا له الخلق والأمر) من الآية (54 /7) ، ولم يخص قوله الخلق دليل، كان قوله ألا له الخلق في جميع (2/ 65) الخلق، ثم قال بعد ذكره الخلق " والأمر " فأبان الأمر من الخلق، وأمرُ الله كلامه، وهذا يوجب أن كلام الله غير مخلوق .
وقال سبحانه: (لله الأمر من قبل ومن بعد) من الآية (4 /30) يعني من قبل أن يخلق الخلق ومن بعد ذلك، وهذا يوجب أن الأمر غير مخلوق .
دليل آخر:
ومما يدل من كتاب الله على أن كلامه غير مخلوق؛ قوله سبحانه: (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) (40 /16) فلو كان القرآن مخلوقا لوجب أن يكون مقولا له: (كن فيكون) .
ولو كان الله عز وجل قائلا للقول: " كن " لكان للقول قولا، وهذا يوجب أحد أمرين:
إما أن يؤول الأمر إلى أن قوله تعالى غير مخلوق .
أو يكون كل قول واقع بقول لا إلى غاية، وذلك محال، وإذا استحال ذلك صح وثبت أن لله عز وجل قولا غير مخلوق . (2/ 66)
سؤال:
فإن قال قائل: معنى قول الله: (أن يقول له كن فيكون) إنما يكون فيكون .
قيل: الظاهر أن يقول له، ولا يجوز أن يكون قول الله للأشياء كلها كوني هو الأشياء؛ لأن هذا يوجب أن تكون الأشياء كلها كلاما لله عز وجل، ومن قال ذلك أعظم الفرية؛ لأنه يلزمه أن يكون كل شيء في العالم من إنسان وفرس وحمار وغير ذلك كلام الله، وفي هذا ما فيه .
فلما استحال ذلك؛ صح أن قول الله للأشياء كوني غيرها، وإذا كان غير المخلوقات فقد خرج كلام الله عز وجل عن أن يكون مخلوقا، ويلزم من يثبت كلام الله مخلوقا أن يثبت الله غير متكلم ولا قائل، وذلك فاسد، كما يفسد أن يكون علم الله مخلوقا، وأن يكون الله غير عالم .
فلما كان الله عز وجل لم يزل عالما؛ إذ لم يجز أن يكون لم يزل بخلاف العلم موصوفا، استحال أن يكون لم يزل بخلاف الكلام موصوفا؛ لأن خلاف الكلام الذي لا يكون معه كلام سكوت أو آفة، كما أن خلاف العلم الذي لا يكون معه علم جهل أو شك أو آفة، ويستحيل أن يوصف ربنا (2/ 67) جل وعلا بخلاف العلم .
وكذلك يستحيل أن يوصف بخلاف الكلام من السكوت والآفات، فوجب لذلك أن يكون لم يزل متكلما، كما وجب أن يكون لم يزل عالما .
دليل آخر:
وقال الله تعالى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي) من الآية (109 /18) ، فلو كانت البحار مدادا للكتبة لنفدت البحار وتكسرت الأقلام ولم يلحق الفناء كلمات ربي، كما لا يلحق الفناء علم الله تعالى، ومن فني كلامه لحقته الآفات وجرى عليه السكوت، فلما لم يجز ذلك على ربنا سبحانه صح أنه لم يزل متكلما؛ لأنه لو لم يكن متكلما وجب السكوت والآفات، تعالى ربنا عن قول الجهمية علوا كبيرا . (2/ 68)
فصل
وزعمت الجهمية - كما زعمت النصارى - أن كلمة الله تعالى حواها بطن مريم رضي الله عنها، وزادت الجهمية عليهم فزعمت أن كلام الله مخلوق حل في شجرة، وكانت الشجرة حاوية له؛ فلزمهم أن تكون الشجرة بذلك الكلام متكلمة، ووجب عليهم أن مخلوقا من المخلوقين كلم موسى صلى الله عليه وسلم، وأن الشجرة قالت: يا موسى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني .
فلو كان كلام الله مخلوقا في شجرة لكان المخلوق قال: يا موسى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني، وقد قال تعالى: (ولكن حق القول مني لأملأنّ جهنم من الجنة والناس (2/ 69) أجمعين) (13 /32) وكلام الله من الله تعالى، فلا يجوز أن يكون كلامه الذي هو منه مخلوقا في شجرة مخلوقة، كما لا يجوز أن يكون علمه الذي هو منه مخلوقا في غيره، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
مسألة:
ويقال لهم: كما لا يجوز أن يخلق الله إرادته في بعض المخلوقات، كذلك لا يجوز أن يخلق كلامه في بعض المخلوقات، ولو كانت إرادة الله مخلوقة في بعض المخلوقات لكان ذلك المخلوق هو المريد بها، وذلك يستحيل، وكذلك يستحيل أن يخلق الله كلامه في مخلوق؛ لأن هذا يوجب أن ذلك المخلوق متكلم به، ويستحيل أن يكون كلام الله كلاما للمخلوق .
دليل آخر:
ومما يبطل قولهم إن الله قال مخبرا عن المشركين أنهم قالوا: (إن هذا إلا قول البشر) (25 /74) يعني القرآن (2/ 70) .
فمن زعم أن القرآن مخلوق فقد جعله قولا للبشر، وهذا ما أنكره الله على المشركين .
وأيضا فلو لم يكن الله متكلما حتى خلق الخلق ثم تكلم بعد ذلك لكانت الأشياء قد كانت لا عن أمره ولا عن قوله، ولم يكن قائلا لها كوني .
وهذا رد للقرآن، والخروج عما عليه جمهور أهل الإسلام . (2/ 71)
فصل
واعلموا - رحمكم الله - أن قول الجهمية: " إن كلام الله مخلوق "، يلزمهم به أن يكون الله تعالى لم يزل كالأصنام التي لا تنطق ولا تتكلم، لو كان لم يزل غير متكلم؛ لأن الله تعالى يخبر عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه لما قالوا له: (أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم) من الآية (62 /21) (قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) (63 /21) ، فاحتج عليهم بأن الأصنام إذا لم تكن ناطقة متكلمة لم تكن آلهة، وأن الإله لا يكون غير ناطق ولا متكلم، فلما كانت الأصنام التي لا يستحيل أن يحييها الله وينطقها لا تكون آلهة فكيف يجوز أن يكون من يستحيل عليه الكلام في قدمه إلها ؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . (2/ 72)
وإذا لم يجز أن يكون الله سبحانه وتعالى في قدمه بمرتبة دون مرتبة الأصنام التي لا تنطق؛ فقد وجب أن يكون الله لم يزل متكلما .
دليل آخر:
وقد قال الله تعالى مخبرا عن نفسه أنه يقول: (لمن الملك اليوم) من الآية (16 /40) وجاءت الرواية أنه يقول هذا القول ولا يرد عليه أحد شيئا، فيقول: (لله الواحد القهار) من الآية (16 /40) ، فإذا كان الله قائلا مع فناء الأشياء؛ إذ لا إنسان ولا ملك ولا حي ولا جان ولا شجر ولا مدر، فقد صح أن كلام الله خارج عن الخلق؛ لأنه يوجد ولا شيء من المخلوقات موجود .
دليل آخر:
وقد قال الله تعالى: (وكلم الله موسى تكليما) (164 /40) ، والتكليم هو المشافهة بالكلام، ولا يجوز أن يكون كلام المتكلم حالا في غيره، مخلوقا في شيء سواه، كما لا يجوز ذلك في العلم . (2/ 73)
دليل آخر:
وقال الله تعالى: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) سورة الإخلاص ورقمها (112) ، فكيف يكون القرآن مخلوقا وأسماء الله في القرآن ؟ هذا يوجب أن تكون أسماء الله مخلوقة، ولو كانت أسماؤه مخلوقة لكانت وحدانيته مخلوقة، وكذلك علمه وقدرته . تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
دليل آخر:
وقد قال الله تعالى: (تبارك اسم ربك) من الآية (78 /55) ولا يقال لمخلوق " تبارك " فدل هذا على أن أسماء الله غير مخلوقة، وقال: (ويبقى وجه ربك) من الآية (27 /55) (2/ 74) فكما لا يجوز أن يكون وجه ربنا مخلوقا، فكذلك لا يجوز أن تكون أسماؤه مخلوقة .
دليل آخر:
وقد قال الله تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط) من الآية (18 /3) ولا بد أن يكون شهد بهذه الشهادة، وسمعها من نفسه؛ لأنه إن كان سمعها من مخلوق فليست شهادة له، وإذا كانت شهادة له وقد شهد بها فلا يخلو أن يكون شهد بها قبل كون المخلوقات؛ أو بعد كون المخلوقات .
فإن كان شهد بها بعد كون المخلوقات؛ فلم يسبق شهادته لنفسه بآلهية الخلق، و كيف يكون ذلك كذلك ؟ وهذا يوجب أن التوحيد لم يكن يشهد به شاهد قبل الخلق، ولو استحالت الشهادة بالوحدانية قبل كون الخلق لاستحال إثبات التوحيد ووجوده، وأن يكون واحدا قبل الخلق؛ لأن ما يستحيل الشهادة عليه فمستحيل .
وإن كانت شهادته لنفسه قبل الخلق بالتوحيد فقد بطل أن يكون كلام الله تعالى مخلوقا؛ لأن كلام الله شهادته . (2/ 75)
دليل آخر:
ومما يدل عليه بطلان قول الجهمية، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق: أن أسماء الله من القرآن، وقد قال الله سبحانه: (سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى) (1 - 2 /87) ولا يجوز أن يكون (اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى) مخلوقا، كما لا يجوز أن يكون (جد ربنا) من الآية (3 /72) مخلوقا، قال الله تعالى في سورة الجن: (وإنه تعالى جد ربنا) من الآية (3 /72) ، وكما لا يجوز أن تكون عظمته مخلوقة كذلك لا يجوز أن يكون كلامه مخلوقا .
دليل آخر:
وقد قال الله تعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) من الآية (51 /42) فلو كان كلام الله لا يوجد إلا مخلوقا في شيء مخلوق؛ لم يكن لاشتراط هذه الوجوه معنى؛ لأن الكلام قد سمعه جميع الخلق ووجدوه - بزعم الجهميّة - مخلوقا في غير الله (2/ 76) تعالى، وهذا يوجب إسقاط مرتبة النبيين صلوات الله عليهم أجمعين .
ويجب عليهم إذا زعموا أن كلام الله لموسى خلقه في شجرة؛ أن يكون من سمع كلام الله عز وجل من ملك أو من نبي أتى به من عند الله أفضل مرتبة من سماع الكلام من موسى؛ لأنهم سمعوه من نبي ولم يسمعه موسى من الله عز وجل، وإنما سمعه من شجرة، وأن يزعموا أن اليهودي إذا سمع كلام الله من النبي عليه الصلاة والسلام أفضل مرتبة في هذا المعنى من موسى صلى الله عليه وسلم؛ لأن اليهودي سمعه من نبي من أنبياء الله، وموسى سمعه مخلوقا في شجرة، ولو كان مخلوقا في شجرة لم يكن مكلما لموسى من وراء حجاب؛ لأن من حضر الشجرة من الجن والإنس قد سمعوا الكلام من ذلك المكان، وكان سبيل موسى وغيره في ذلك سواء في أنه ليس كلام الله له من وراء حجاب .
مسألة:
ثم يقال لهم: إذا زعمتم أن معنى أن الله عز وجل كلم موسى أنه خلق (2/ 77) كلاما كلمه به في الشجرة وقد خلق الله عندكم في الذراع كلاما؛ لأن الذراع قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا تأكلني فإني مسمومة، فيلزمكم أن ذلك الكلام الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم كلام الله تعالى، فإن استحال أن يكون الله تكلم بذلك الكلام المخلوق فما أنكرتم من أنه يستحيل أن يخلق الله عز وجل كلامه في شجرة؛ لأن الكلام المخلوق لا يكون كلاما لله، فإن كان كلام الله وكان معنى أن الله تكلم عندكم أنه خلق الكلام؛ فيلزمكم أن يكون الله متكلما بالكلام الذي خلقه في الذراع، فإن أجابوا إلى ذلك؛ قيل لهم: فالله تعالى على قولكم هو القائل لا تأكلني فإني مسمومة . تعالى الله عن قولكم وافترائكم عليه علوا كبيرا .
وإن قالوا: لا يجوز أن يكون كلام الله مخلوقا في ذراع (2/ 78) .
قيل لهم: وكذلك لا يجوز أن يكون كلام الله مخلوقا في شجرة .
مسألة:
ثم يسألون عن الكلام الذي أنطق الله تعالى به الذئب لما أخبر عن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم .
فيقال لهم: إذا كان الله عز وجل يتكلم بكلام خلقه في غيره، فما أنكرتم أن يكون الكلام الذي سمعه من الذئب كلاما لله، ويكون إعجازه يدل على أنه كلام الله، وفي هذا ما يجب عليهم أن الذئب لم يتكلم به، وأنه كلام الله تعالى؛ لأن كون الكلام من الذئب معجز، كما أن كونه من الشجرة معجز، فإن كان الذئب متكلما بذلك الكلام المنقول فما أنكرتم أن الشجرة متكلمة بالكلام إن كان خلق في الشجرة، وأن يكون المخلوق فيه قال: (يا موسى إني أنا الله) . تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
مسألة:
ثم يقال لهم: إذا كان كلام الله عز وجل مخلوقا في غيره عندكم (2/ 79) فما يؤمنكم أن يكون كل كلام تسمعونه مخلوقا في شيء، وهو حق أن يكون كلاما لله سبحانه ؟
فإن قالوا: لا تكون الشجرة متكلمة؛ لأن المتكلم لا يكون إلا حيا .
قيل لهم: ولا يجوز خلق الكلام في شجرة؛ لأن من خلق الكلام فيه لا يكون إلا حيا، فإن جاز أن يخلق الكلام فيما ليس بحي فلِمَ لا يجوز أن يتكلم من ليس بحي . ويقال لهم: لِمَ لا قلتم إنه يقول من ليس بحي، لأن الله عز وجل أخبر أن السماوات والأرض: (قالتا أتينا طائعين) من الآية (11 /41) .
مسألة:
ثم يقال لهم: أليس قد قال الله عز وجل لإبليس: (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) (78 /38) ؟ فلا بد من نعم .
قيل لهم: فإذا كان كلام الله مخلوقا وكانت المخلوقات فانيات؛ فيلزمكم إذا أفنى الله عز وجل الأشياء أن تكون اللعنة على إبليس (2/ 80) قد فنيت، فيكون إبليس غير ملعون، وهذا ترك دين المسلمين، ورُدَّ لقوله تعالى: (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) (78 /38) ، وإذا كانت اللعنة باقية على إبليس إلى يوم الدين؛ وهو يوم الجزاء، وهو يوم القيامة؛ لأن الله تعالى قال (مالك يوم الدين) (4 /1) يعني يوم الجزاء، ثم هي أبدا في النار واللعنة كلام الله وهو قوله (عليك لعنتي) فقد وجب أن يكون الله عز وجل لا يجوز عليه الفناء، وأنه غير مخلوق؛ لأن المخلوقات يجوز عليها العدم، فإذا لم يجز ذلك على كلام الله عز وجل فهو غير مخلوق .
مسألة:
ثم يقال لهم: إذا كان غضب الله غير مخلوق، وكذلك رضاه وسخطه، فلِم لا قلتم إن كلامه غير مخلوق ؟ ومن زعم أن غضب الله (2/ 81) مخلوق لزمه أن غضب الله وسخطه على الكافرين يفنى، وأن رضاه عن الملائكة والنبيين يفنى، حتى لا يكون راضيا عن أوليائه ولا ساخطا عن أعدائه، وهذا هو الخروج عن الإسلام .
مسألة:
ويقال: خبرونا عن قول الله تعالى: (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) (40 /16)
أتزعمون أن قوله للشيء " كن " مخلوق مرادا لله ؟ فإن قالوا: لا، قيل لهم: فما أنكرتم أن يكون كلام الله الذي هو القرآن غير مخلوق، كما زعمتم أن قول الله للشيء " كن " غير مخلوق .
وإن زعموا أن قول الله للشيء " كن " مخلوق .
قيل لهم: فإذا زعمتم أنه مخلوق مراد فقد قال الله عز وجل (2/ 82) : (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) (40 /16) ؛ فيلزمكم أن قوله تعالى للشيء (كن) قد قال له: (كن) .
وفي هذا ما يجب أحد أمرين:
إما أن يكون قول الله لغيره كن غير مخلوق، أو يكون لكل قول لا إلى غاية وذلك محال .
فإن قالوا: إن لله قولا غير مخلوق .
قيل لهم: فما أنكرتم أن تكون إرادة الله للإيمان غير مخلوقة .
ثم يقال لهم ما العلة التي إنما قلتم إن قول الله للشيء (كن) غير مخلوق .
فإن قالوا: لأن القول لا يقال له (كن) فيقال لهم القرآن غير مخلوق؛ لأنه قول الله، والله لا يقول لقوله (كن) .
مسألة على الجهمية:
ويقال لهم: أليس لم يزل الله عالما بأوليائه وأعدائه (2/ 83) ؟
فلا بد من نعم .
قيل لهم: فهل تقولون إنه لم يزل مريدا للتفرقة بين أوليائه وأعدائه ؟
فإن قالوا نعم، قيل لهم: فإذا كانت إرادة الله لم تزل فهي غير مخلوقة، وإذا كانت إرادته غير مخلوقة فلِم لا قلتم إن كلامه غير مخلوق ؟
فإن قالوا: لا نقول لم يزل مريدا للتفرقة بين أوليائه وأعدائه، زعموا أن الله لا يريد التفرقة بين أوليائه وأعدائه، ونسبوه سبحانه إلى النقص . تعالى عن قول القدرية علوا كبيرا .
مسألة:
ويقال لهم: إن الشيء المخلوق إما أن يكون بدنا من الأبدان، شخصا من الأشخاص؛ أو يكون نعتا من نعوت الأشخاص .
فلا يجوز أن يكون كلام الله شخصا؛ لأن الأشخاص يجوز عليها الأكل والشرب والنكاح، ولا يجوز ذلك على كلام الله تعالى .
ولا يجوز أن يكون كلام الله نعتا لشخص مخلوق؛ لأن النعوت لا تبقى طرفة عين؛ لأنها لا تحتمل البقاء، وهذا يوجب أن يكون كلام الله قد فني ومضى . (2/ 84)
فلما لم يجز أن يكون شخصا ولا نعتا لشخص لم يجز أن يكون مخلوقا، على أن الأشخاص يجوز أن تموت .
فمن يثبت كلام الله شخصا مخلوقا لزمه أن يجوز الموت على كلام الله عز وجل، وذلك ما لا يجوز .
وأيضا فلا يجوز أن يكون كلام الله مخلوقا في شخص مخلوق، كما لا يجوز أن يكون نعتا لشخص مخلوق، ولو كان مخلوقا في شخص، وكلام الإنسان مفعولا فيه، كما لا يمكن التفريق بين كلام الله وكلام الخلق إذا كانا مخلوقين في شخص مخلوق، كما لا يجوز أن يكون علمه مخلوقا في شخص مخلوق .
مسألة:
ويقال لهم أيضا: لو كان كلام الله مخلوقا لكان جسما أو نعتا لجسم، ولو كان جسما لجاز أن يكون متكلما، والله قادر على قلبهما، وفي هذا ما يلزمهم، ويجب عليهم أن يجوزوا أن يقلب الله القرآن إنسانا أو جنيا (2/ 86) أو شيطانا . تعالى الله عز وجل أن يكون كلامه كذلك .
و لو كان نعتا لجسم كالنعوت؛ فالله قادر على أن يجعلها أجساما، لكان يجد على الجهمية أن يجوزوا أن يجعل الله القرآن جسما متجسدا، يأكل ويشرب، وأن يجعله إنسانا ويميته، وهذا ما لا يجوز على كلام الله، تعالى عن ذلك . (2/ 87)