وصور المشاركة في هذه الأعياد يكون بإحيائها, أو إحياء الشعائر التي كانت عليها عند أهلها أو ابتدعت حديثاً, فيتخذ عيد العمال إجازة, وتُحيا شعائر عيد الأولمبياد وما يسمى بالألعاب الأولمبية, وهذا حرام قطعاً من وجوه عدة:
1- كون أصل هذه الأعياد وثنية كفرية.
2- وكون فعلها أو تعظيمها إقامة وفعلاً لشعائر الكفر.
3- وكون تشبهها بعيد المسلمين الشرعي من ارتباطها بتاريخ معين وشعائر معينة.
الثالثة: أعيـاد لا أصـل دينـي لها وتفعـل تديُّنـاً:
كعيد الأم حيث يجعل يوماً يتقرب فيه ببر الأم وزيارتها وتقديم الهدية لها, وهذا لا يجوز المشاركة فيه لأنه عيد ابتدعه الكفار لما قصروا في بر الوالدين, ولما فيه من مضاهاةٍ للعيد الشرعي وتشبهٍ بالكافرين.
الرابعة: مـن لا أصـل دينـي له؛ ولا يفعـل تديُّنـاً:
كيوم الصحة العالمي ويوم مكافحة المخدرات؛ ويوم النظافة ويوم التبرع بالدم وغير ذلك, وصور المشاركة فيها تكون بإحياء هذه الأيام بنشر التوعية عن هذه الموضوعات؛ وطالما أنها لا تأخذ مراسيمها مراسيم الأعياد؛ وإن كان أصل نشأتها عند الكفار؛ فيجوز نشر ما تدعو إليه هذه الأيام من خير؛ مع كراهة مشابهتهم في ذلك اليوم؛ بل لا يتخذ يوماً معيناً يتم الحث فيه على مراعاة الصحة والسلامة ومكافحة آفة المخدرات وغير ذلك" .
حـكم التهـنئة بأعـياد الكفـار
لقد دأب بعض المسلمين على تهنئة الكفار من يهود ونصارى وغيرهم بأعيادهم, عن جهل منهم بحكم هذا الفعل, أو عن علم مستنده بعض التلبيسات التي يلبسها بعض الذين فتنوا الأمة عن دينها, وسموا الأشياء بغير مسمياتها, رغبة عن الالتزام بما أمر الله تعالى, ورهبة من ضياع حطام الدنيا الزائل من أيديهم, فأصَّلوا وقعَّدوا أصولاً وقواعد, أخذوها من عموميات النصوص, وبنوا عليها أحكاماً نسفوا فيها الأدلة المقيدة أو المخصصة نسفاً, ومن أمثلة تلك العموميات تسمية اليهود أو النصارى "بإخواننا", تحت مسمى أنهم إخوة في الإنسانية, وأن الله تعالى قال في الأنبياء: "وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً", "وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً", "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً", وتناسى هؤلاء أن هذا الكلام السمج يضيع أخوة الإيمان, ويفتح باباً كبيراً من أبواب الفساد في العقيدة والسلوك, ويجعل في قلوب المسلمين نوع ود للكافرين, فإن أصل كلمة الأخ في اللغة هي توحد المقصد, كما قال ذلك الزجاج: "وأصل الأخ في اللغة أنه الذي مقصده مقصد أخيه, والعرب تقول: فلان يتوخى مسار فلان أي ما يسره" .
ولمزيد البيان عن معاني الأخوة كمثال, أبين أنواع الأخوة:
أنـواع الأخـوة:
لقد ورد ذكر الأخوة في القرآن الكريم مرات عديدة, وهي تدل على واحد من المعاني التالية:
أولاً: أخـوة النسـب والقـرابة والرضـاع: ومن ذلك قوله تعالى: "وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً", "وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً", "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً"
قال القرطبي: "قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أي ابن أبيهم" .
وقال البغوي: "أخاهم في النسب لا في الدين" .
وقال الخليل: "ولم يقل أخوهم شعيب لأنه لم يكن أخاً لأصحاب الأيكة في النسب؛ فلما ذكر مدين قال: " أَخَاهُمْ شُعَيْباًً" لأنه كان منهم"
وقال الشوكاني: "وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً", قال: ليس بأخيهم في الدين ولكنه أخوهم في النسب لأنه منهم، فلذلك جعل أخاهم, وأخاهم: أي واحداً من قبيلتهم أو صاحبهم"
ومن ذلك أيضاً الآيات التي بينت أحكام المواريث؛ وذكرت الإخوة من النسب والقرابة؛ والآيات التي تكلمت عما حدث بين يوسف عليه السلام وإخوته؛ وغير ذلك من الآيات التي بينت الإخوة النَسَبِيَةَِ والقرابة, كما والآية التي ذكرت لنا المحرمات من النساء ومنها: "وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ".
ثانياً: أخـوة الكفـر والنفـاق: ومن ذلك قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"آل عمران156.
قال القرطبي: "وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ", يعني في النفاق أو في النسب في السرايا التي بعث النبي إلى بئر معونة" .
ثالثاً: أخـوة الشـياطين: ومن ذلك قوله تعالى: " إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً"الإسراء27.
قال القرطبي: "وقوله: "إِخْوَانَ" يعني أنهم في حكمهم؛ إذ المبذر ساع في إفساد كالشياطين، أو أنهم يفعلون ما تسول لهم أنفسهم، أو أنهم يقرنون بهم غدا في النار؛ ثلاثة أقوال" .
- وقوله تعالى: "وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ"الأعراف202.
قال ابن كثير: "وقوله تعالى: "وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ", أي وإخوان الشياطين من الإنس، كقوله: " إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ" وهم أتباعهم والمستمعون لهم، القابلون لأوامرهم" .
وقال القرطبي: " قوله تعالى: " وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ " قيل: المعنى وإخوان الشياطين وهم الفجار من ضلال الإنس تمدهم الشياطين في الغي, وقيل للفجار إخوان الشياطين لأنهم يقبلون منهم, وقد سبق في هذه الآية ذكر الشيطان, هذا أحسن ما قيل فيه؛ وهو قول قتادة والحسن والضحاك" .
رابعاً: أخـوة الـدين والإيمـان: ومن ذلك قوله تعالى: "فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً":
قال الطبري: "وأما قوله: "فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً", فإنه يعني: فأصبحتم بتأليف الله عز وجل بينكم بالإسلام وكلمة الحق؛ والتعاون على نصرة أهل الإيمان؛ والتآزر على من خالفكم من أهل الكفر إخواناً"
وقال القرطبي: "ومعنى "فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً", أي صرتم بنعمة الإسلام إخواناً في الدين وكل ما في القرآن" .
وقال البغوي: "إخواناً في الدين والولاية بينكم" .
- وقوله تعالى: "فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ".
قال البيضاوي: "فإن تابوا عن الكفر؛ وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة؛ فهم إخوانكم في الدين؛ لهم مالكم وعليهم ما عليكم" .
وقال الطبري: " فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ", فهم إخوانكم في الدين الذي أمركم الله به وهو الإسلام" .
- وقوله تعالى: "فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ":
قال الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: فإن أنتم أيها الناس لم تعلموا آباء أدعياءكم من هم فتنسبوهم إليهم؛ ولم تعرفوهم فتلحقوهم بهم؛ فهم إخوانكم في الدين إن كانوا من أهل ملتكم؛ ومواليكم إن كانوا محرريكم وليسوا بب************م" .
وقال الشوكاني: "أي فهم إخوانكم في الدين وهم مواليكم فقولوا: أخي ومولاي" .
- وقوله تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ":
قال الطبري: "يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ", في الدين" .
وقال القرطبي: "قوله تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ", أي في الدين والحرمة لا في النسب؛ ولهذا قيل: أخوة الدين أثبت من أخوة النسب؛ فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين؛ وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب" .
قال الزجاج: "الدين يجمعهم؛ فهم إخوة إذا كانوا متفقين في دينهم؛ فرجعوا بالاتفاق في الدين إلى أصل النسب لأنهم لآدم وحواء" .
خامساً: أخـوة المـنافقين وأهـل الكـتاب: ومن ذلك قوله تعالى: "أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ"
قال الشوكاني: "وجعلهم إخواناً لهم لكون الكفر قد جمعهم؛ وإن اختلف نوع كفرهم فهو إخوان في الكفر" .
وقال البغوي: "وهم اليهود من بني قريظة والنضير؛ جعل المنافقين إخوانهم في الدين لأنهم كفار مثلهم" .
وقال البيضاوي: "أريد الذين بينهم وبينهم أخوة الكفر أو الصداقة والموالاة" .
وقال الألوسي: "والمراد بأخوتهم الأخوة في الدين واعتقاد الكفرة أو الصداقة" .
- وقوله تعالى: " قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً"الأحزاب18.
قال القرطبي: "وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ" فيهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم المنافقون؛ قالوا للمسلمين: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، وهو هالك ومن معه، فهلم إلينا.
الثاني: أنهم اليهود من بني قريظة؛ قالوا لإخوانهم من المنافقين: هلم إلينا؛ أي تعالوا إلينا وفارقوا محمداً فإنه هالك، وإن أبا سفيان إن ظفر لم يبق منكم أحداً.
والثالث: ما حكاه ابن زيد: أن رجلاً من أصحاب النبّي بين الرماح والسيوف؛ فقال أخوه - وكان من أمه وأبيه - : هلم إلّي، قد تبع بك وبصاحبك؛ أي قد أحيط بك وبصاحبك, فقال له: كذبت، والله لأخبرنه بأمرك؛ وذهب إلى رسول الله ليخبره، فوجده قد نزل عليه جبريل عليه السلام بقوله تعالى: "يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا", ذكره الماوردي والثعلبي أيضاً" .
سادساً: أخـوة أهـل الجـنة: ومن ذلك قوله تعالى: " وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ"الحجر47.
والسؤال الكبير الذي يلح بنفسه علينا؛ ويريد من الذين يقولون لليهود والنصارى إخواننا إجابة؛ أي أنواع الأخوة التي تجمعكم مع اليهود والنصارى؟ أهي إخوة النسب والقرابة؟ أم أخوة الدين والإيمان؟ أم أخوة الشياطين؟ أم أخوة الكفر والنفاق؟ أم أخوة أهل الجنة؟ ولا مناص من الإجابة بواحدة منها:
فإن قلتم إخـوة النسـب والقـرابة نقول: قطعها القرآن وأبدلها عداوة بين المسلمين والكافرين, حتى أنها جعلت الولد يقتل أباه؛ والأخ يقتل أخاه؛ والأب يقتل ولده انتصاراً لدينه, قال تعالى: " لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ"المجادلة22.
بل إن الله تعالى لما ذكر أصحاب الأيكة نفى الأخوة بين شعيب عليه السلام وبينهم بهذا السبب, قال ابن كثير: "وإنما قال: "إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ" فقطع نسب الأخوة بينهم للمعنى الذي نسبوا إليه – أي عبادة الشجر - وإن كان أخاهم نسباً" .
وعلى فرض أنها أخوة نسب وقرابة مع بعضهم؛ فهل خصص المهنئون تهنئتهم لأقاربهم؛ أم عمموها لكل نصراني ويهودي في بقاع الأرض؟! وهل هذا يصح؟ أم هي أمراض القلوب التي لم تسلم لله تعالى؟!.
وإن قلتم أخـوة الدين والإيمـان والجنـة فلا ريب أن ديننا غير دينهم ولا أظن أن عاقلاً مسلماً من صبية المسلمين يقول بأخوتهم في الدين, أو بدخولهم الجنة.
وأنا على يقين أنكم لن تقولوا بأخـوة الكفـر والنفـاق والشـياطين فوجب على من يتلفظ بهذا اللفظ مداهنة للكافرين واسترضاءً لهم, أن يعود لرشده ويذعن للحق؛ وإن أصر على ذلك؛ استعذنا بالله من متابعته على ضلاله وسألناه سبحانه السلامة والعافية في الدين وهو حسيبنا وحسبنا ونعم الوكيل.
بمـاذا نعـت رسـول الله أهـل الكـتاب؟
ثم إننا نسألكم يا من آذيتمونا بنعتكم للكفرة بالأخوة, - ونحن نعلم أنكم تعلمون الإجابة -, بماذا كان يخاطب رسولُ الله اليهود والنصارى؟ هل ثبت عندكم أنه قال لهم في يوم: أيها الأخوة, أو إخوتي أو إخواننا؟!! قطعاً لا, بل لقد ثبت عنه عكس ذلك, لقد قال لهم : "يا إخوة القردة والخنازير, ويا عبدة الطاغوت".
فعن عكرمة رحمه الله قال: لما كان شأن قريظة بعث النبي علياً فيمن كان عنده من الناس؛ فلما انتهى إليهم وقعوا في رسول الله , وجاء جبريل عليه السلام على فرس أبلق, فقالت عائشة رضي الله عنها: فلكأني أنظر إلى رسول الله يمسح الغبار عن وجه جبريل عليهما السلام, فقلت: هذا دحية يا رسول الله؟ فقال: هذا جبريل عليه السلام قال: يا رسول الله ما يمنعك من بني قريظة أن تأتيهم؟ فقال رسول الله : فكيف لي بحصنهم؟ فقال جبريل: فإني أدخل فرسي هذا عليهم, فركب رسول الله فرساً معرورى, فلما رآه علي قال: يا رسول الله لا عليك ألا تأتيهم فإنهم يشتمونك, فقال: كلا, إنها ستكون تحية, فأتاهم النبي فقال: يا إخوة القردة والخنازير, فقالوا: يا أبا القاسم ما كنت فحاشاً؛ فقالوا: لا ننزل على حكم محمد, ولكنا ننزل على حكم سعد بن معاذ ..." .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رحمه الله في قوله: "وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ", قال: هم بنو قريظة؛ ظاهروا أبا سفيان وراسلوه؛ ونكثوا العهد الذي بينهم وبين النبي ؛ فبينما النبي عند زينب بنت جحش يغسل رأسه, وقد غسلت شقه, إذ أتاه جبريل عليه السلام فقال: عفا الله عنك, ما وضعت الملائكة عليهم السلام سلاحها منذ أربعين ليلة, فانهض إلى بني قريظة؛ فإني قد قطعت أوتادهم وفتحت أبوابهم؛ وتركتهم في زلزال وبلبال؛ فأرسل رسول الله فحاصرهم وناداهم: يا إخوة القردة, فقالوا يا أبا القاسم ما كنت فحاشاً ..." .
قال ابن جريج: حدثني القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في قوله تعالى: "أًتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ", قال: قام النبي يوم قريظة تحت حصونهم فقال: يا إخوان القردة والخنازير، ويا عبدة الطاغوت" .
مـاذا قـال الصـحابة عـن اليهـود والنصـارى؟
عن عائشة رضي الله عنها قالت: بينا أنا عند النبي إذ استأذن رجل من اليهود فأذن له فقال: السام عليك, فقال النبي : وعليك, قالت فهممت أن أتكلم, قالت: ثم دخل الثانية فقال مثل ذلك, فقال النبي : وعليك, قالت: ثم دخل الثالثة فقال: السام عليك, قالت: فقلت: بل السام عليكم وغضب الله؛ إخوان القردة والخنازير, أتحيون رسول الله بما لم يحيه به الله؟! قالت: فنظر إليَّ فقال: مه إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش, قالوا قولا فرددناه عليهم, فلم يضرنا شيئاً ولزمهم إلى يوم القيامة, إنهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها, وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها, وعلى قولنا خلف الإمام آمين" .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم؛ فغلب على الأرض والزرع والنخل؛ فصالحوه على أن يجلوا منها؛ ولهم ما حملت ركابهم؛ ولرسول الله الصفراء والبيضاء ..., وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام يخرصها عليهم ثم يضمنهم الشطر؛ قال: فشكوا إلى رسول الله شدة خرصه, وأرادوا أن يرشوه, فقال: يا أعداء الله، أتطعموني السحت, والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليَّ, ولأنتم أبغض إليَّ من عدتكم من القردة والخنازير, ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم؛ فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض" .
وعن سعيد بن أبي سلمة أنه سمع أبيه يقول: قال عمر بن الخطاب : "اجتنبوا أعداء الله اليهود والنصارى في عيدهم يوم جمعهم؛ فإن السخط ينزل عليهم؛ فأخشى أن يصيبكم؛ ولا تعلموا بطانتهم فتخلقوا بخلقهم" .
وما سقت هذه الإطالة إلا لتوضيح السبب الذي أوقع القوم في كثير من المخالفات الشرعية والتي منها تهنئة الكافرين بأعيادهم, فلينظروا لأنفسهم أين يقفون؟ وبوصف من يتصفون ؟! لو كانوا يعقلون.
شـبهة جـواز التهـنئة:
لا أنسى أن أذكر قبل بيان الشبهة التي يتكئ عليها من يجيز تهنئة الكفار في أعيادهم تعريف أهل العلم للتهنئة, ثم أبين من أين جاءت الشبهة.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما نصه:
"التهـنئة في اللـغة خلاف التعزية، يقال: هنّأه بالأمر والولاية تهنئة وتهنيئاً إذا قال له: ليهنئك وليه************، أو هنيئاً، ويقال: هنّأه تهنئة وتهنياً.
والهنيء والمهنأ: ما أتاك بلا مشقة ولا تنغيص ولا كدر.
والهنيء من الطعام: السائغ، واستهنأت الطعام استمرأته.
وفي الاصـطلاح: لا تخرج التهنئة - في الجملة - عن المعنى اللغوي، لكنها في مواطنها قد تكون لها معان أخص كالتّبريك، والتّبشير، والتّرفئة، وغير ذلك مما يرد ذكره.
والتّبـريك في اللـغة: مصدر برّك، يقال: برّكت عليه تبريكاً أي قلت له: بارك اله عليك، وبارك الله الشيء وبارك فيه وعليه: وضع فيه البركة، ويكون معنى التّبريك على هذا: الدعاء للإنسان أو غيره بالبركة، وهي النّماء والزيادة والسعادة.
والتّبـريك في الاصـطلاح: الدعاء بالبركة وهي الخير الإلهي الذي يصدر من حيث لا يحس، وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر، ولذا قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة: هو مبارك، وفيه بركة، وإلى هذه الزيادة أشير بما روي أنّه "ما نقصت صدقة من مال" .
إن من شبهاتهم التي يدفعون بها في صدور النصوص المحكمة ويجيزون بها التهنئة:
قولهم: إننا نقول ذلك تأليفاً لقلوبهم؛ وعملاً بما أمرنا ربنا من البر بهم والإقساط في معاملتهم - زعموا-, ولتجلية هذا الأمر نبينه بما يلي:
لقد طلب الله تعالى منا البراءة والبغض والمعاداة, لأعداء كلمة التوحيد غير الملتزمين بها وبشروطها, براءة لا مودة فيها ولا محبة، وهذه البراءة والبغض تجعل المسلم يترك كل مظاهر الموالاة للكافرين, من مظاهرة الكافرين على المسلمين، والاستعانة بهم، واتخاذهم بطانة، وتوليتهم المناصب على المسلمين، وإعطائهم أسرار البلاد، والتشبه بلباسهم، والإقامة في بلادهم لغير حاجة، والتسمي بأسمائهم، ومشاركتهم في أعيادهم وتهنئتهم بها، وتقديمهم في المجالس, ومدح حضارتهم، والإعجاب بأخلاقهم ودينهم، والاستغفار لهم والترحم عليهم, وتبجيلهم عند ذكرهم بالألقاب المفخمة كفخامة الرئيس والسيد الوزير, وغير ذلك.
الفـرق بين المـوالاة والإحسـان في المعـاملة:
والبراءة والبغض والمعاداة لأعداء كلمة التوحيد، لا يمنع من العدل والإحسان في التعامل الدنيوي معهم، وخاصة مع من كفوا أيديهم وألسنتهم عن معاداة الإسلام والمسلمين، فلم يقاتلوا المسلمين, ولم يخرجوهم من ديارهم, ولم يظاهروا عليهم أحداً، فهؤلاء يبروا ويقسطوا، وهذا معنى قوله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَالتحريم8
قال القرطبي: "قوله تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ" هذه الآية رخصة من الله تعالى, في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم" .
قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ", أي يعاونوا على إخراجكم؛ أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين كالنساء والضعفة منهم, " أَن تَبَرُّوهُمْ ", أي تحسنوا إليهم, " وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ", أي تعدلوا, " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ "
والبر هو إيصال الخير، والقسط هو العدل، وهما لا يدخلان في الموالاة المحرمة, التي تتضمن المحبة والتواد, والنصرة باليد أو اللسان, أو المتابعة في الاعتقاد والأفكار والأفعال، يدلل على ذلك سبب نزول الآية حيث ثبت عن أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما قالت: "أتتني أمي راغبة في عهد النبي , فسألت النبي أفأصلها؟ قال: نعم, قال ابن عيينة فأنزل الله عز وجل فيها: " لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ " .
فالآية قالت لنا: "أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ"، ولم تقل توالوهم وتحبوهم؛ وتنصروهم وتعتقدوا ما هم عليه؛ وتهنئوهم بشركهم وشعائر دينهم، فالصلة والمكافأة الدنيوية شيء، والمودة شيء آخر.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "فإن الله سبحانه لما نهى في أول السورة عن اتخاذ المسلمين الكفار أولياء, وقطع المودة بينهم وبينهم, توهم بعضهم أن برَّهم والإحسان إليهم من الموالاة والمودة, فبيَّن الله سبحانه أن ذلك ليس من الموالاة المنهي عنها, وأنه لم ينه عن ذلك؛ بل هو من الإحسان الذي يحبه ويرضاه, وكتبه على كل شيء, وإنما المنهي عنه تولي الكفار والإلقاء إليهم بالمودة" .
بل هناك من أهل العلم من قال أن هذه الآية التي هي متكأ القوم منسوخة وممن قال بذلك:
- ابن زيد رحمه الله قال: " كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال ثم نسخ".
- وقتادة رحمه الله قال: نسختها "فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ" .
فتصبح الآية محتملة, وبالاحتمال يسقط الاستدلال؛ وإن كان الصواب عدم نسخها والله أعلم.
صـور مـن الإحسـان في المعـاملة:
والإسلام حث على الإحسان في المعاملة للكافر لمقصد عظيم, ألا وهو ترغيباً له في دين الإسلام، وطمعاً في هدايته, إذ هم محط دعوتنا، وذلك بعدة صور من صور البر والإحسان التي لا يوجد فيها موالاة منها:
1- الدعـاء لهـم بالهِـدَايةِ والدخـولِ في الإسـلام:
فقد ثبت أن رسول الله قد دعا للمشركين في أكثر من موضع، منها أنه قال : "اللهم اهد أم أبي هريرة" عندما طلب أبو هريرة من النبي ذلك.
عن أبي هريرة قال: "كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة, فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله ما أكره, فأتيت رسول الله وأنا أبكي, قلت: يا رسول الله؛ إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليَّ, فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره, فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة, فقال رسول الله : "اللهم اهد أم أبي هريرة", فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله , فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف, فسمعت أمي خشف قدمي فقالت: مكانك يا أبا هريرة, وسمعت خضخضة الماء, قال: فاغتسلت ولبست درعها, وعجلت عن خمارها, ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة؛ أشهد أن لا إله إلا الله؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قال: فرجعت إلى رسول الله , فأتيته وأنا أبكي من الفرح, قال: قلت يا رسول الله أبشر؛ قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة, فحمد الله وأثنى عليه وقال خيراً, قال: قلت يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا؛ قال: فقال رسول الله : "اللهم حبب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمه إلى عبادك المؤمنين, وحبب إليهم المؤمنين", فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني" .
ومنها ما صح عن أبي هريرة قال: قدم الطفيل وأصحابه على رسول الله ، فقال الطفيل: يا رسول الله إن دوساً قد كفرت وأبت, فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس، فقال : "اللهم اهد دوساً وائت بهم" .
وروي أن رسول الله دعا لثقيف فقال: "اللهم اهد ثقيفاً" ، وكانوا قد تحصنوا منه بعد فتح مكة في ديارهم، وامتنعوا من المسلمين، ولم يستطع المسلمون فتح الطائف، فدعا الرسول لهم بالهداية فأسلموا وقدموا المدينة، وفي كل هذا استحباب الدعاء للمعاندين من الكفار لعل الله يهديهم, وهذا ليس فيه مودة لهم بل فيه شفقة عليهم.
2- الإهـداء لهـم وقبـول الهـدايا منهم:
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله أهدى إلى عمر بن الخطاب حلة من حرير، فقال: يا رسول الله تكرهها وترسلها لي؟! فقال : "أني لم أرسلها لك لتلبسها، ولكن البسها بعض نسائك", فأهداها عمر لأخ له مشرك بمكة" .
وهذا دليل واضح على أنه يجوز الإهداء للكفار ما لا يحل لبسه للمسلمين كالحرير، وكذلك قَبِلَ رسول الله هدايا المقوقس، وقبل الشاة المصلية من اليهودية في خيبر, وكله ثابت عنه .
3- عيـادة المـريض منهم:
عن أنس أن غلاماً يهودياً كان يخدم النبي فمرض، فأتاه النبي يعوده فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم ، فأسلم فخرج النبي وهو يقول: "الحمد الله الذي أنقذه من النار" .
قال ابن حجر في الفتح: "وفي الحديث جواز استخدام المشرك وعيادته إذا مرض؛ وفيه حسن العهد؛ واستخدام الصغير؛ وعرض الإسلام على الصبي؛ ولولا صحته منه ما عرضه عليه" .
4- الصـلة والصـدقة والإحسـان:
عن أسماء بنت أبي بكر قالت: "قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا، فأتيت النبي فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال: نعم صليها" , وقد سبق بيانه.
فالصلة ترغيب للكافر في الإسلام بالتلطف في المعاملة والإحسان إليه، وهي وسيلة من وسائل الدعوة، بخلاف المودة والموالاة, فهما يدلان على إقرار الكافر على ما هو عليه والرضى عنه، وهذا من الكفر والعياذ بالله, فالصور السابقة كلها ليس فيها رضى عن دين المشركين, ولا عن شعائرهم, وغايتها هي معاملة ترغيبية في الإسلام بالسلوك الحسن.
عـدم تهـنئة المسلمين بأعيـاد الكفار في صدر الإسلام
ومن الأدلة الواقعية على عدم جواز تهنئة الكفار بأعيادهم؛ أن النبي لما بعثه الله تعالى وهاجر إلى المدينة المنورة؛ كان اليهود من بني قريضة وبني قينقاع وبني النضير يعيشون معه في المدينة، وقريباً منه في خيبر، وكان النصارى في نجران واليمن, فكان اليهود والنصارى موجودين في عهد النبي ، وكذلك كان الفرس وديانة المجوس في البحرين ونحو ذلك, وكانت أعيادهم موجودة ومنهم مشهودة.
ومـع ذلـك: من تأمل ونظر في سيرة النبي ، علم علماً يقينياً قطعياً، أنه لم يكن يهنأ أحداً منهم بأعيادهم ولم يفعله أحد من المسلمين, ولم يقع ذلك من أحد من الصحابة بعد رسول الله أو التابعين بعدهم.
حتى لو تتبعنا السير لا نجد أن أحداً من نساء المؤمنين ولا أطفالهم شاركوهم ولا هنئوهم في أعيادهم، لأنهم عرفوا ما لم يعرفه كثير من المسلمين اليوم, لقد عرف الصحابة الكرام ونساؤهم وأبناؤهم أن الأعياد من شعائر الأديان فلم يهنئوهم بها, عرفوا أن تهنئة الكفار بأعيادهم من الموالاة المحرمة فكفوا عن ذلك ولم يفعلوا, بل عرفوا أنهم على طريق الجنة والصراط المستقيم، وأن أولئك الأقوام على طريق الكفر والضلال واللعنة والغضب والنار، فكان لسان حالهم أن لا نسبة بيننا وبينهم، ولا يمكن أن نقاربهم أو ندانيهم في شيء من شعائر دينهم ومنها أعيادهم الملعونة.
نعـم: ثبت وجود التعامل في أمور الدنيا الاعتيادية مع الكفار, كالمبايعة، والمخالطة في الأسواق وفي البلاد، وفي السكنى والمجاورة، وكثير من الأحكام, وهذا يدلل أن وجودهم كان حاضراً بين المسلمين, ولم يثبت أبداً أي تهنئة لهم في أعيادهم، فهذا دليل على أن الصحابة علموا وأيقنوا أن أعياد المشركين جزء من عقيدتهم، فكما لم يوافقوهم على عبادة المسيح أو عزير , أو تحريفهم للتوراة والإنجيل, أو إنكارهم لنبوة محمد , فكذلك لم يوافقوهم بالتهنئة ولا بغيرها في أعيادهم، لأنها من دينهم وشرعتهم، فهذا كان حالهم ، وهذا ما نسميه دليل الواقع, ثم خلف من بعدهم خلوف من التابعين استقاموا على الطريقة فلم يهنئوا الكفار في أعيادهم؛ ولم يصلوهم فيها؛ حتى جاء هذا الزمان؛ بما فيه من آلام وأحزان؛ فلم يقف الحال عند عوام المسلمين وحكامهم المتسلطين على الحكم المنحين الشريعة بأن يهنئوا الكفار بأعيادهم ويشاطرونهم الفرح والسرور, بل سرى بين بعض المنتسبين زوراً وبهتاناً للعلم؛ ويزعمون أنهم إسلاميون يسعون لإقامة الدين بتهنئة الكفار بأعيادهم التي يحيون فيها شعائر الكفر والضلال؛ والفسوق والانحلال, تحت ستار البر والإحسان.
معـاملة الكافـر وموضـع التهـنئة منها:
ويحسن هنا أن أذكر موضع التهنئة من حيث معاملة الكفار, فقد قال أهل العلم: حالات معاملة الكافر ثلاثة:
الأولى: معـاملة مكفّـرة مخـرجة عن المـلة:
وهي كل ما دل الدليل على أنه كفر وردة فهو من هذه الحالة، وذلك نحو: محبة دين الكفار، ومحبة انتصارهم، والقتال معهم، والاستعانة بهم أو إعانتهم على المسلمين، وغيرها من الأمثلة.
الثانية: معـاملة محرمـة غيـر مكفّـرة:
وهي كل ما دل الدليل على تحريمه، ولم يصل هذا التحريم إلى الكفر، فهو من هذه الحالة، وذلك نحو: تصديرهم في المجالس، وابتدائهم بالسلام، وموادتهم التي لم تصل إلى حد التولي، ومنها تهنئتهم بأعيادهم.
الثالثة: معـاملة جائـزة مشـروعة:
وهي غير داخلة في الموالاة، وهي ما دلت الأدلة على جوازه مثل العدل فيهم، والإقساط لغير المحاربين منهم، وصلة الأقارب الكفار منهم، ونحو ذلك مما ذكرناه.
والفرق بين الحالتين الثانية والثالثة ذكره القرافي رحمه الله في كتابه الفروق حيث قال: "اعلم أن الله تعالى منع من التودد لأهل الذمة - ولاحظ أن الكلام على أهل الذمة التي لا يوجد صورتها اليوم - بقوله: َيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِالممتحنة1, فمنع الموالاة والتودد، وقال في الآية الأخرى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَالممتحنة8، فلابد من الجمع بين هذه النصوص، وذلك أن الإحسان لأهل الذمة مطلوب، وأن التودد والموالاة منهي عنهما،... ثم قال: وسر الفرق أن عقد الذمة يوجب حقوقاً علينا لهم, لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا؛ وفي ذمة الله تعالى وذمة رسوله ودين الإسلام،... إلى أن قال: فيتعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على موادات القلوب، ولا تعظيم شعائر الكفر، - ومنه الأعياد- فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع، وصار من قبل ما نهي عنه في الآية وغيرها، ويتضح ذلك بالمثل: فإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا، والقيام لهم حينئذ، ونداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها، هذا كله حرام، وكذلك إذا تلاقينا معهم في الطريق وأخلينا لهم واسعها ورحبتها والسهل منها، وتركنا أنفسنا في خسيسها وحزنها وضيقها؛ كما جرت العادة أن يفعل ذلك المرء مع الرئيس والولد مع الوالد، فإن هذا ممنوع لما فيه من تعظيم شعائر الكفر؛ وتحقير شعائر الله تعالى وشعائر دينه واحتقار أهله، وكذلك لا يكون المسلم عندهم خادماً ولا أجيراً يؤمر عليه وينهى،... إلى أن قال: وأما ما أمر من برهم من غير مودة باطنية كالرفق بضعيفهم؛ وإطعام جائعهم؛ وإكساء عاريهم؛ ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة؛ واحتمال أذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفاً معهم لا خوفاً وتعظيماً، والدعاء لهم بالهداية؛ وأن يجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم، فجميع ما نفعله معهم من ذلك لا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم؛ وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا وتكذيب نبينا ، وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا، واستولوا على دمائنا وأموالنا، وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل، ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره امتثالاً لأمر ربنا" .
فمن حرّر الفرق بين هذه الحالات الثلاث، كان على بينه من أمره في طريقة التعامل مع الكافرين عامة وأهل الكتاب خاصة؛ وإلا التبست عليه الأمور، خصوصاً وأن بعض دجاجلة العلم في عصرنا؛ يريدون إباحة الحالتين الأولى والثانية استدلالاً بالحالة الثالثة على طريقة أهل الزيغ في اتباع المتشابه الذي يلبسون به على الناس, وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَالأنعام26.
نعـم: يبيحون تهنئة اليهود والنصارى بأعيادهم؛ بأدلة يضعونها في غير موضعها ولغير أهلها, فيضيعون دين الله تعالى, ويلبسون الحق بالباطل, ويفقدون الأمة إمكانية التمييز بين سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين الكافرين, هذين السبيلين الذين لابد للمسلم من معرفتهما حتى يسلم له دينه, وقد قال تعالى وهو يبيِّن لنا أن هناك سبيلاً للمؤمنين لا ينبغي اتباع غيره: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراًالنساء115.
قال ابن كثير: "وقوله تعالى: "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى", أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول ؛ صار في شق والشرع في شق؛ وذلك عن عمد منه بعد ما ظهر له الحق وتبين له واتضح له" .
قال الشوكاني: "وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ", أي: غير طريقهم وهو ما هم عليه من دين الإسلام والتمسك بأحكامه" .
"وسبيل كل قوم طريقتهم التي يسلكونها في وصفهم الخاص، فالسبيل مستعار للاعتقادات والأفعال والعادات التي يلازمها أحد ولا يبتغي التحول عنها, كما يلازم قاصد المكان طريقاً يبلغه إلى قصده, قال تعالى: "قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي", ومعنى هذه الآية نظير معنى قوله: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ", وكأن فائدة عطف اتباع غير سبيل المؤمنين على مشاقة الرسول؛ الحيطة لحفظ الجامعة الإسلامية بعد الرسول " .
وقال سبحانه عن سبيل المجرمين: وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَالأنعام55.
قال الطبري: "وكذلك نفصل الآيات ولتتضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين" .
فإن في كسر حاجز الولاء والبراء؛ وذهاب معالمه من البلاد وبين العباد من الشر الكثير, يترتب عليه ما ذكر الله تعالى في سورة الأنفال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ الأنفال72- 73.
قال ابن كثير رحمه الله: "ومعنى "إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ", أي إن لم تجانبوا المشركين، وتوالوا المؤمنين وإلا وقعت فتنة في الناس، وهي التباس الأمر واختلاط المؤمنين بالكافرين؛ فيقع بين الناس فساد منتشر عريض طويل" .
فاختلاط سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين, فيه الشر المنتشر الطويل العريض الذي نراه اليوم في المسلمين في هذا الزمان, فلما وهيَ حاجز الولاء والبراء وكسر عند كثير من المسلمين, أصبح كثير من المسلمين يهنئون الكفار في أعيادهم, ولعلهم يهنئ بعضهم بعضاً بعيد الكفار, ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن المعلوم أن تعظيم أعيادهم بالموافقة فيها نوع من إكرامهم, فإنهم يفرحون بذلك ويسرون, كما يغتمون بإهمال أمر دينهم الباطل" .
وقد نقل ابن القيم رحمه الله الإجماع على حرمة تهنئة الكفار بأعيادهم حيث قال: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق, مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: "عيد مبارك عليك"، أو "تهنأ بهذا العيد" ونحوه, فهذا إن سلم قائله مـن الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب, بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر, وقتل النفس, وارتكاب الفرْج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، وهو لا يدري قبح ما فعل, فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات, وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء, تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه" .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "ما حكم تهنئة الكفّار بعيد الكريسماس؟, وكيف نرد عليهم إذا هنؤنا به؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة؟ وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئاً مما ذُكر بغير قصد, وإنما فعله إما مجاملة، أو حياءً، أو إحراجاً، أو غير ذلك من الأسباب؟ وهل يجوز التشبه بهم في ذلك؟
فأجاب: تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق, كما نقل ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه "أحكام أهل الذمة" حيث قال: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات, وهو بمنـزلة أن تهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه, وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية، أو بدعة، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه" انتهى كلامه رحمه الله.
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضى به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره, لأن الله تعالى لا يرضى بذلك كما قال الله تعالى: إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْالزمر7, وقال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناًالمائدة3، وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا, وإذا هنؤنا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم, وإما مشروعة لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً إلى جميع الخلق، وقال فيه: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَآل عمران85, وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها, لما في ذلك من مشاركتهم فيها, ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم, سواء فعله مجاملةً أو تودداً أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب, لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوي نفوس الكفار وفخرهم بدينهم, والله المسئول أن يعز المسلمين بدينهم، ويرزقهم الثبات عليه، وينصرهم على أعدائهم، إنه قوي عزيز"
وسئل رحمه الله عن حكم إقامة حفل توديع الكافر عند انتهاء عمله؟ وحكم تعزية الكافر؟ وحكم حضور أعياد الكفار؟
فأجاب: هذا السؤال تضمن مسائل.
الأولى: إقامة حفل توديع لهؤلاء الكفار: لاشك أنه من باب الإكرام أو إظهار الأسف على فراقهم، وكل هذا حرام في حق المسلم.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" , والإنسان المؤمن حقًا لا يمكن أن يكرم أحدًا من أعداء الله تعالى والكفار أعداء الله بنص القرآن, قال الله تعالى: مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَالبقرة98.
المسألة الثانية: تعزية الكافر إذا مات له من يعزى به من قريب أو صديق, وفي هذا خلاف بين العلماء, فمن العلماء من قال: إن تعزيتهم حرام، ومنهم من قال: إنها جائزة, ومنهم من فصل في ذلك فقال: إن كان في ذلك مصلحة كرجاء إسلامهم، وكف شرهم الذي لا يمكن إلا بتعزيتهم فهو جائز وإلا كان حرامًا, والراجح أنه إن كان يفهم من تعزيتهم إعزازهم وإكرامهم كانت حرامًا وإلا فينظر في المصلحة.
المسألة الثالثة: حضور أعيادهم ومشاركتهم أفراحهم، فإن كانت أعيادًا دينية كعيد الميلاد فحضورها حرام بلا ريب, قال ابن القيم رحمة الله: "لا يجوز الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله"، وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم, والله الموفق" .
وسئل الشيخ صالح الفوزان عن حكم تهنئة الكفار في أعيادهم فأجاب: ولا تجوز تهنئتهم بمناسبة أعيادهم؛ لأن ذلك موالاة لهم وإقرارًا لباطلهم"
حكـم التخصـيص غـير المعتاد في أعيـاد الكافـرين
وكما يحرم على المسلمين التشبه بالكافرين في أعيادهم ومشاركتهم فيها وتهنئتهم بها, يحرم عليهم تخصيص أيام أعيادهم بشيء زائد عما اعتاده المسلمون في أيامهم العادية, من طعام أو شراب أو لباس وغير ذلك, ولا يخصص ذلك اليوم بإجازة عن العمل كأعياد المسلمين, كما نرى اليوم في كثير من بلاد الإسلام, ومن فعل ذلك وقع في تعظيم عيد الكفار, نص على ذلك غير واحد من أهل العلم الذين تشهد الأمة لهم بذلك منهم :
1- شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: "ومن ذلك ترك الوظائف الراتبة من الصنائع والتجارات؛ أو حلق العلم أو غير ذلك؛ واتخاذه يوم راحة وفرح؛ واللعب فيه بالخيل أو غيرها؛ على وجه يخالف ما قبله وما بعده من الأيام, والضابط أنه لا يحدث فيه أمر أصلاً, بل يجعل يوماً كسائر الأيام, فإنا قد قدمنا عن النبي أنه نهاهم عن اليومين اللذين كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية, وأنه نهى عن الذبح بالمكان إذا كان المشركون يعيدون فيه" .
وسئل رحمه الله عمن يفعل من المسلمين في أعيادهم ما يخصهم مثل طعام النصارى في النيروز، ويفعل ذلك في سائر المواسم مثل الغطاس والميلاد؛ وخميس العدس وسبت النور؛ ومن يبيعهم شيئاً يستعينون به على أعيادهم؛ أيجوز للمسلمين أن يفعلوا شيئاً من ذلك أم لا؟ فأجاب قائلاً:
"الحمد لله، لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم؛ لا من طعام ولا لباس؛ ولا اغتسال ولا إيقاد نيران؛ ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك؛ ولا يحل فعل وليمة؛ ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك؛ ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار زينة؛ وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم؛ بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام؛ لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم؛ وقد كره جمهور الأئمة - إما كراهة تحريم أو كراهة تنزيه – أكل ما ذبحوه لأعيادهم وقرابينهم؛ إدخالاً له فيما أُهِلَ به لغير الله وما ذبح على النصب؛ وكذلك نهوا عن معاونتهم على أعيادهم بإهداء أو مبايعة؛ وقالوا: إنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحة عيدهم؛ لا لحماً ولا دماً ولا ثوباً؛ ولا يعارون دابة؛ ولا يعاونون على شيء من دينهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم؛ وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ"المائدة2, ثم إن المسلم لا يحل له أن يعينهم على شرب الخمور بعصرها أو نحو ذلك؛ فكيف على ما هو من شعائر الكفر؟! وإذا كان لا يحل له أن يعينهم هو فكيف إذا كان هو الفاعل لذلك والله أعلم" .
2- قال ابن قدامة رحمه الله: "ويكره إفراد يوم النيروز ويوم المهرجان بالصوم؛ لأنهما يومان يعظمهما الكفار، فيكون تخصيصهما بالصيام دون غيرهما موافقة لهم في تعظيمهما، فكُره كيوم السبت، وعلى قياس هذا كل عيد للكفار أو يوم يفردونه بالتعظيم" .
3- الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله قال: "وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة؛ أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى؛ أو أطباق الطعام أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك"
4- وقال بعض أصحاب مالك: "من ذبح بطيخة في أعيادهم فكأنما ذبح خنزيراً" .
5- جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: "وكما لا يجوز التّشبّه بالكفّار في الأعياد لا يُعَانُ المسلم المتشبّه بهم في ذلك بل ينهى عن ذلك، فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هديّة في هذه الأعياد، مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديّته، خصوصاً إن كانت الهديّة ممّا يستعان بها على التّشبّه بهم، مثل إهداء الشّمع ونحوه في عيد الميلاد, هذا وتجب عقوبة من يتشبّه بالكفّار في أعيادهم, وأمّا ما يبيعه الكفّار في الأسواق في أعيادهم فلا بأس بحضوره، نصّ عليه أحمد في رواية مهنّا, وقال: إنّما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم، فأمّا ما يباع في الأسواق من المأكل فلا، وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه لأجلهم" .
ويكفي ما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو الخليفة المهدي الذي أمرنا رسول الله أن نأخذ بسنته؛ عندما جاءه رجل بهدية فقال: يا أمير المؤمنين هذه هدية، فقال: ما هذه الهدية؟ قال: هذا يوم النيروز، فقال علي : فاصنعوا كل يوم فيروزاً، - بالفاء-, فغيَّر الاسم ولم يرضَ أن يشابهم حتى في الاسم -، وقال " فاصنعوا كل يوم فيروزاً "، حتى ينتفي تخصيص هذا اليوم بطعام يختلف عن عادة المسلمين, وحتى يصبح يوماً عادياً جداً غير محتفل به ولا مخصص بزائد عما اعتاده المسلمون قال: "فاصنعوا كل يوم".
وبهذا يتبين لك ما شرع الله سبحانه للمسلمين من مباينة الكفار؛ ومخالفتهم في عامة أمورهم ومنها أعيادهم؛ فلا يخصون أيام عيد الكفار بما لم يعتادوا عليه في غيرها من الأيام؛ لتكون المخالفة أحسم لمادة الشر؛ وأبعد عن الوقوع فيه.
وعلـى ذلك: فينبغي للمسلم إذا طلب منه أهله وأولاده شيئًا في أعياد الكفار؛ أن يبين لهم أن هذا يخالف دينهم الحنيف؛ ويحيلهم على ما عند الله تعالى ورسوله من أدلة على ذلك، ويقضي لهم في عيد المسلمين من الحقوق ما يقطع استشرافهم إلى غيره، ويبين لهم أننا لا نشارك الكفار في أعيادهم, فإن لم يرضوا فلا يجاريهم بمرادهم؛ بل يغضبهم ولا يغضب ربه سبحانه؛ ومن أغضب أهله لله أرضاه الله وأرضاهم, ومن أرضاهم في سخط الله سخط الله عليه وأسخطهم.
عن عروة قال: "كتب معاوية إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها, أن اكتبي إليَّ كتاباً توصيني فيه ولا تكثري عليَّ, فكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية : سلام عليك, أما بعد: فإني سمعت رسول الله يقول: "من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله الناس؛ ومن أسخط الله برضى الناس وكله الله إلى الناس" .
وللحديث شاهد من حديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ: "من أسخط الله في رضى الناس؛ سخط الله عليه وأسخط عليه من أرضاه في سخطه؛ ومن أرضى الله في سخط الناس؛ رضي الله عنه وأرضى عنه من أسخطه في رضاه؛ حتى يزينه ويزين قوله وعمله في عينه" .
أعيـاد أهـل الكتاب أخطـر من أعياد غيرهم من الكفار
قد يقول قائل: أعياد أهل الكتاب أمرنا شرعاً أن نقرهم عليها، فعندما يدخلون في عقد الذمة نقرهم على دينهم، ومن جملة دينهم الاحتفال بأعيادهم، أما أعياد غير أهل الكتاب فلا نخالفكم فيها.
هذه الشبهة نسمع بها من بعض المنتسبين للعلم, جعلوها أدلة يقدمونها على النصوص المحكمة المفهمة, وتعمل على ترويجها ماكينة إعلامية ضخمة بالصوت والصورة عبر الفضائيات والتلفزة والإذاعات والجرائد والمجلات وغير ذلك، فعندما تأتي هذه الأعياد؛ وتفتح كثيراً من الفضائيات والإذاعات المنتسبة زوراً للمسلمين، تجدها تحتفل بهذه الأعياد أو تنقل الاحتفال بها، ثم يأتي من يتفلسف ويبرر ويقول: إن هذه الأعياد أقرت من جملة دينهم الذي أقر، وأن الإسلام يحترم أهل الكتاب، ويأمرنا أن نبرهم ونقسط إليهم.
لقد رد شيخ الإسلام رحمه الله على هذه الشبهة رداً قوياً فقال: "أن المحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها, أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها، فإن الأمة قد حُذِّرُوا من مشابهة اليهود النصارى وأُخْبِرُوا أنه سيفعل قوم منهم هذا المحذور، بخلاف دين الجاهلية فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر عند اخترام أنفس المؤمنين عموماً، ولو لم يكن أشد منه فإنه مثله, والشر الذي له فاعل موجود يخاف على الناس معه أكثر من شر لا مقتضى له قوي"
وقال رحمه الله: "بل أعياد الكتابيين التي تتخذ ديناً وعبادة؛ أعظم تحريماً من عيد يتخذ لهواً ولعباً؛ لأن التعبد بما يسخطه الله ويكرهه؛ أعظم من اقتضاء الشهوات بما يحرمه؛ ولهذا كان الشرك أعظم إثماً من الزنا؛ ولهذا كان جهاد أهل الكتاب أفضل من جهاد الوثنيين؛ وكان من قتلوه من المسلمين له أجر شهيدين"
ويكفي فيما قاله شيخ الإسلام دلالة على خطورة أعياد أهل الكتاب وأثرها في المسلمين.
هـل دول الكفـر تسـمح للمسـلمين بأن يقيمـوا أعيـادهم ومناسـباتهم في بـلادها؟!
إن دول الكفر قاطبة والنصارى على وجه الخصوص؛ لا يسمحون للمسلمين الذين يعيشون في بلادهم أن يقيموا أعيادهم على النحو المشروع بشكل كامل؛ ولا حتى على الأقل تأبه لهم؛ فما سمعنا في يوم عن دولة من دول الكفر في الغرب أو الشرق أنها أعطت المسلمين العاملين في بلادهم عطلة رسمية لكي يحتفلوا بأعيادهم ويعبدوا الله عز وجل كما يريدون، وهناك بعض الدول الكافرة يبلغ فيها نسبة المسلمين أكثر من20%، ومع ذلك لا يعطون أية فرصة لرفع شعائر دينهم وأعيادهم، بل شعار دينهم وهو الأذان لا يستطيعون رفعه, وهناك كثير من المسلمين أو المحسوبين على الإسلام كذباً وزوراً من يقرهم على الكفر والبدعة, من باب التسامح معهم، والإسلام دين السماحة, ألا فليعلم دعاة التسامح أن التسامح لا يكون من الأضعف المقلد إلى القوي المبتدع، كما أن الأعياد الدينية النصرانية الكافرة ليست من أبواب التسامح مع الكفار في شيء, بل هي شعائر كفر يجب أن تطمس وتمنع من الظهور في بلاد المسلمين.
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه: لماذا نكرمهم وهم يهينوننا؟! ولماذا نقدرهم وهم يسخرون منا!! لماذا نمكن لهم في بلادنا وهم يحاربوننا؟!!!
والإجابة على هذا السؤال أنه وُجِدَ فينا من قال الله فيهم: "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ"المائدة52, ودب بيننا من قال الله فيهم: "وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"المائدة51
كيفـية مـواجـهة خطـر أعيـاد الكفـار
لم يعد يخفى على من قرأ هذه الرسالة متجرداً من هواه الذي إن أطاعه أرداه؛ وإن عصاه أرضى خالقه ومولاه؛ حرمة التشبه والمشاركة والتهنئة والتخصيص لأعياد الكفار.
فكيف لنا بمواجهة هذه الأعياد الكثيرة؛ وقد وصلت الأمور إلى حد خطير قد يظن الكثيرون أنه يصعب فيه المعالجة؟! فالمسلمون دب فيهم الضعف والوهن؛ وقويت شوكة الكافرين حتى جعلوا المسلمين لهم تبع؛ ووسائل الإعلام لم تبق بيتاً إلا دخلته؛ ولم تبق مسلماً إلا لطمته؛ إلا من رحم ربك تعالى؛ وكأني بها فتنة الدهيماء التي لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة؛ فإذا قيل انقضت تمادت؛ يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً؛ حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه؛ وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ؛ كيف نرشد المسلمين الشاردين عن دين الله تعالى حتى لا يلحقوا بالمشركين في أعيادهم ولا في غيرها؟؛ فقد صح عن رسول الله من حديث ثوبان قال: قال رسول الله : "ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان" وقد سبق تخريجه.
أقول يمكننا مواجهة هذه الأعياد الكفرية بكثير من الطرق وفي كثير من المجالات ومنها:
أولاً: نشـر العـلم الشـرعي:
لابد أن يعرف المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها أن طلب العلم عليهم فرض كما غيره من الفروض, فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : "طلب العلم فريضة على كل مسلم, وواضع العلم عند غير أهله؛ كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب" , والمقصر في طلب العلم غير معذور إلا في حالات معينة, كحديث عهد بإسلام, ومن نشأ في بلدة نائية عن العلم والعلماء, ومن لم يبلغه الدليل ممن يطلب العلم من المسلمين, وأشكل عليه أن يميز بين الغث والسمين، والصحيح والسقيم.
فمن لم يكن من هؤلاء ويعتذر بالجهل نقول له: عَجِّل يا أخي عَجِّل لتعذر عند الله تعالى بما يقبل, واطلب العلم والأحكام في كل أفعالك وأقوالك, ولا تخبط في دنياك بغير علم, فترتكس في الآثام, وتقع في أوحال المعصية وأنت لا تدري, ونشر العلم مسئولية العلماء الذين بغيبتهم حل بالأمة ما حل من شر؛ نحن اليوم بحاجة إلى العلماء الذين يحملون العلم وينفون عنه ما لحق به من لوثات؛ الذين جاء وصفهم في الحديث الصحيح الذي رواه البيهقي عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال: قال رسول الله : "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين" , وقد سبق ذكره.
قال ابن الوردي في "لاميته" المشهورة :
اطلب العلم وحصـله فمـــا أبعد الخير علـى أهـل الكسل
واحتفــل للفقه فـي الدين ولا تشتغـل عـنه بمـال وخـول
واهجـر النـوم وحصـله فمن يعرف المقصود يحـقر ما بذل
لا تقـل قـد ذهــبت أربابـه كل من سار على الدرب وصل
وما هذه الرسالة البسيطة إلا سبيلاً من سبل نشر العلم بين المسلمين؛ لإيقافهم أمام حقيقة أعياد المشركين وكيفية التعامل معها؛ فيعرفوا أن موقف المسلم من أعياد الكفار يجب أن يكون بـ:
- اجتناب حضورها ومشاركتهم فيها.
- واجتناب موافقتهم في أفعالهم التي يقومون بها.
- واجتناب بيع أو شراء ما يعينهم على إحياءها.
- واجتناب الإهداء إليهم أو قبول هداياهم المتعلقة بشعائرها - وإن كان في الأصل جواز الإهداء وقبول الهدية منهم في غير أعيادهم- خشية تعظيم عيدهم ومشاركتهم في شعيرة من شعائره.
- واجتناب تهنئتهم والمباركة لهم فيها.
- بل واجتناب ما يركبونه من دواب توصلهم إلى أماكنها.
- واجتناب إعانة من تشبه بهم ممن ضل من المسلمين.
ثانياً: اسـتخدام كل الوسـائل المتاحـة لإيضـاح الحكـم المتعلـق بالمسـألة
من وسائل إعلام بالصوت والصورة وعبر الفضائيات والتلفزة والإذاعات والجرائد والمجلات وغير ذلك، وعبر عقد الندوات واللقاءات بين العلماء وطلبة العلم والعوام ليبلغوا آيات الله تعالى ويوضحوا حكم الله سبحانه وينذروا من خطورة هذا الأمر, فإن الله تبارك وتعالى بعث رسله الكرام يدعون الناس بالكلام وبالبلاغ وبالنذارة.
كما يجب على الخطباء أن يخطبوا الجُمَع في هذه الأعياد الكفرية عن حكمها ويحذروا الناس من خطرها على دينهم وعقيدتهم.
فالخُطَب مهمة جداً، صلاة الجُمُعَةِ يحضرها عامة المسلمين، فلا بد من إقامة الحجة وتوضيح الأدلة ونشر المحاضرات والفتاوى المتعلقة بهذه القضية وبهذه الأعياد الكفرية في وقت هذه الأعياد الكفرية التي يحتفل فيها الكفار ينبغي أن نجدد فيها البلاغ والإنذار، والتحذير لهؤلاء ونذكر المسلمين بها، حتى لا يؤخذوا على غرة.
ثالثاً: العمـل عـلى تغييـر هـذا المنكـر
وذلك بمحاسبة من تسول له نفسه أن يتعدى أوامر الله تعالى، بعد توضيح الحكم المتعلق بها فإن علم الحكم المتعلق بأعياد الكفار ثم وجد من يعظمها بالمشاركة أو بالتهنئة والمباركة أو ببيع ما يعين على تعظيمها وجب أن يعاقب بعقوبة رادعة, لأن هؤلاء القوم لا ينفع معهم إلا الزجر والردع، وهذا من أوجب ما يجب على من بيده المسئولية في بلاد المسلمين, لأن الله سبحانه قال: الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِالحج41, وهذا من أعظم المنكر الذي يجب أن ينكر بلا ريب, كذلك يجب أن توضع رقابة على وسائل الإعلام يتم من خلالها سحب كل ما من شأنه تعظيم عيدهم من كروت وبطاقات التهاني مثلاً ومن مجسمات وألعاب وصلبان البابا نويل وغيرها ومن جرائد ومجلات وإذاعات وفضائيات وغير ذلك.
رابعاً: معـرفة أعيـاد المشـركين:
يعيش معنا كثير من المشركين على وجه البسيطة, لهم أعيادهم التي يحتفلون بها, منها ما نعرفه ومنها ما لا نعرفه, وحتى نعرف كيف نواجه خطر أعياد الكفار, لا بد لنا بداية من معرفتها.
وهنا أذكر موجزاً مختصراً لبعض أعياد الكفار وخاصة الأعياد التي لم تمت بل بقي من يفعلها من الكفار:
1- أعـياد الفـراعنة:
عـيد شـم النسـيم:
وهو لتقديس بعض الأيام تفاؤلاً أو تزلفاً لمن كانوا يُعبدون من دون الله تعالى, ويقع فيه من المخازي والفجور مما يندى له الجبين؛ حيث تمتلئ فيه المزارع والخلوات بجماعات الفجار وفاسدي الأخلاق، ينزحون جماعات شيباً وشباناً ونساءً إلى البساتين والأنهار, لارتكاب الزنا وشرب المسكرات، يظنون أن ذلك اليوم أبيحت فيه جميع الخبائث لهم.
ومن أوهامهم فيه: وضع البصل تحت رأس النائم وتعليقه على الأبواب زاعمين أنه يُذهب عنهم الكسل والوخم, وهو معدود في أعياد الفراعنة وقيل: أحدثه الأقباط، ولا مانع أنه لكليهما وأنه انتقل من أولئك إلى هؤلاء، ولا زال كثير من أهل مصر - خاصة الأقباط - يحتفلون به ويشاركهم فيه كثير من المسلمين، وفي الآونة الأخيرة كتب عنه عدد من الكتاب العلمانيين داعين إلى أن يكون عيداً رسمياً إحياءً لتراث الفراعنة, في الوقت الذي يصفون فيه شعائر الإسلام بالتخلف والرجعية والردة الحضارية, فحسبنا الله ونعم الوكيل.
2- أعـياد اليـونان:
أَشْهُر السنة عند اليونان كثيرة وكانت تسمى بأسماء أعيادهم، وعامة أعيادهم لها صلات بشعائر دينهم الوثني المبني على تعدد الآلهة عندهم، وقد كثرت أعيادهم جداً, وبلغ من كثرتها أنه ما خلا شهر من أشهرهم من عيد أو أعياد عدا شهر واحد.
وقد اتسمت أعيادهم بالفحش والعهر, والسكر وإطلاق العنان لغرائزهم الحيوانية تفعل ما تشاء، كما كان فيها شيء كثير من خرافاتهم وضلالهم: كزعم تحضير أرواح الأموات ثم إرجاعها أو طردها مرة أخرى بعد انتهاء العيد، وأهم أعيادهم:
عـيد الأولمـبياد أو العـيد الأولمـبي:
يقام في "إليس" وينعقد كل أربع سنوات، وكان الأولمبياد الأول المعترف به سنة "776 ق م" وهذا الأولمبياد من أكبر أعيادهم وتجمعاتهم الموسمية، ومنذ ذلك التاريخ كان يطلق على تلك الألعاب "الأولمبياد"، وكان لها صبغة وطنية، ومضامين قومية حتى قيل: إن اليونان كانت تفتخر بانتصاراتها الأولمبية أكثر من افتخارها بانتصاراتها في المعارك الحربية؛ فهو أكبر عيد في عالم الإغريق آنذاك, ولا تزال هذه الألعاب تقام وترعاها الأمم النصرانية بتسميتها القديمة نفسها وشعائرها الموروثة من إشعال الشعلة الأولمبية من أثينا ونقلها إلى البلد المنظم للدورة.
ومع بالغ الأسف فإن كثيراً من المسلمين يشاركون فيها، ويفاخرون بتلك المشاركات، ويجهل كثيرون منهم أن أصلها عيد من أعياد الكفار الكبرى؛ وأيام مقدسة في دينهم الوثني, فنعوذ بالله من الزيغ والضلال والتقليد الأعمى.
وكان لليونان أيضاً أعياد عظيمة كأعياد الجامعة الهيلينية، وعيد الجامعة الأيونية وغيرها.
3- أعـياد الرومـان:
من أكثر الأمم أعياداً الرومان؛ حيث كان عندهم في السنة أكثر من مائة يوم مقدس يعتبرونها أعياداً، من بينها اليوم الأول من كل شهر، وخصصت بعض هذه الأعياد لتقديس الموتى، وأرواح العالم السفلي، وكان يقصد بكثير من أعيادهم وما يقام فيها من احتفالات؛ استرخاء الموتى وإقصاء غضبهم وغير ذلك من الخزعبلات حسب زعمهم, ومن المعلوم أن الإمبراطورية الرومانية سادت بعد اليونان؛ فورثت كثيراً من شعائر اليونان وعاداتهم وأعيادهم, فغلب على أعيادهم إطلاق العنان للغرائز والانغماس في الشهوات
مـن أشهـر أعـيادهم:
عـيد الحـب:
يحتفلون به في يوم 14 من فبراير في كل سنة؛ تعبيراً عما يعتقدونه في دينهم الوثني أنه تعبير عن الحب الإلهي، وأحدث هذا العيد قبل ما يزيد على "1700 عام" في وقت كانت الوثنية هي السائدة عند الرومان، وقد أعدمت دولتهم أيام وثنيتها القديس "فالنتين" الذي اعتنق النصرانية بعد أن كان وثنياً، فلما اعتنق الرومان النصرانية أبقوا هذا العيد؛ وجعلوا يوم إعدامه مناسبة للاحتفال بشهداء الحب، ولا زال الاحتفال بهذا العيد قائماً في أمريكا وأوروبا لإعلان مشاعر الصداقة، ولتجديد عهد الحب بين المتزوجين والمحبين، وأصبح لهذا العيد اهتمامه الاجتماعي والاقتصادي, وانتشر شرر هذا العيد بين بعض المسلمين خاصة في المدارس والجامعات يتبادل فيها المحبين الهدايا والورود والرسائل وما هو أكثر من ذلك؛ نعوذ بالله من غضبه وأليم عذابه.
ويبدو أن عيداً آخر نشأ من مفهوم هذا العيد وهو عيد الزوجين أو الصديقين المتحابين؛ يحتفل به الزوجان في يوم ذكرى زواجهما من كل عام لتأكيد المحبة بينهما، وانتقلت هذه العادة إلى المسلمين بسبب المخالطة؛ حتى صار الزوجان يحتفلان بليلة زواجهما احتفالاً خاصاً في كثير من بلاد المسلمين, تشبهاً بالكفار؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
4- أعـياد اليهـود:
عـيد رأس السـنة العبـرية:
ويسمونه عيد "هيشا" وهو أول يوم من تشرين الأول، ويزعمون أنه اليوم الذي فُدِيَ فيه الذبيح إسحاق عليه السلام، حسب معتقدهم الخاطئ, لأن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق عليهما الصلاة والسلام, وهذا العيد هو بمنزلة عيد الأضحى عند المسلمين.
عـيد صـوماريا أو الكيبـور: وهو عندهم يوم الغفران.
عـيد المـظلل أو الظـلل أو المـظلة:
يكون في يوم الخامس عشر من تشرين الأول يستظلون فيه بأغصان الشجر ويسمونه أيضاً: عيد صوم مريم العذراء.
عـيد الفطـير وهو عـيد الفصـح:
يأتي في يوم الخامس عشر من أبريل نيسان, وهو بمناسبة ذكرى هروب بني إسرائيل من الاستعباد في مصر في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وقصة هذا العيد مروية في الإصحاح الثاني عشر من التوراة "سِفْر الخروج" ومدته ثمانية أيام؛ ولهم فيه احتفال يسمى "السيدار"؛ وفيه تُقرأ قصة هروب بني إسرائيل من كتاب اسمه: "الحقادا" ويأكلون فيه خبزاً غير مخمر، على اعتبار أن بني إسرائيل لما هربوا أكلوه, إذ لم يكن عندهم وقت لتخميره، ولا يزال اليهود يأكلونه إلى اليوم في هذا العيد.
عـيد الأسـابيع أو العنصـرة أو الخـطاب: