![]() |
|
![]() ![]() |
شبهات وردود
أرسل لصديق

إغلاق النافذة
المقالات --> المادة المختارة
فضائل عمرو بن العاص رضي الله عنه
أضيفت في: 5 - 10 - 2023
عدد الزيارات: 4872
المصدر: | مركز سلف للبحوث والدراسات |
مقدمة:
تطاول
أقوام على الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه، القائد العظيم
المحنك، الذي حمل أعباء الجهاد في سبيل الله بعد وفاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم، والتي توِّجت فتوحاته العظيمة بالنصر على أعداء الإسلام، فنالوا
من صدقه وأمانته، ووصفوه بالغدر والخبث زورًا وبهتانًا، ولكن هيهات أن
ينالوا شيئًا من طود شامخ، عالي القامة، راسخ القدم في تبليغ دين الله
والجهاد في سبيله؛ لذا دعت الحاجة إلى كتابة هذه الورقة العلمية للتعريف
بفضائل الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه ومناقبه وجهاده ونصرته
للإسلام والمسلمين.
وقد
كُتِبت فيه وفي فضائله رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مؤلفات كثيرة، ومنها: “عمرو بن
العاص” تأليف: بسام العسيلي، و”عمرو بن العاص” تأليف: عباس محمود العقاد،
و”درء الانتقاص عن عمرو بن العاص” تأليف: محمد بن كمال السيوطي، و”بذل
الإخلاص في سيرة عمرو بن العاص” تأليف: وليد عبد الحق.
اسمه ونسبه:
هو الصحابي الجليل عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم السهمي القرشي رضي الله عنه([1]). يكنى: بأبي عبد الله، وقيل: أبو محمد([2]).
يلتقي نسبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الجد السابع، وهو كعب بن لؤي بن غالب القرشي([3]).
فضائله:
اختص
عمرو بن العاص بمجموعة من الفضائل، ويكفي في فضله صحبة رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فهي أكبر منقبة له؛ إذ فضل الصحبة لا يعادله فضل، إلا أن عمرًا
رضي الله عنه ورد في فضله أحاديث خاصة به، منها:
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالإيمان:
فعن
عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص»([4]). وفي رواية شهد له ولأخيه بالإيمان
فقال صلى الله عليه وسلم: «ابنا العاص مؤمنان» يعني هشامًا وعمرًا([5]).
2-
ثقة الرسول صلى الله عليه وسلم بمقدرة عمرو بن العاص القتالية، ولذلك ما
عدل عنه صلى الله عليه وسلم في الحرب منذ أسلم، وذلك لعلمه وبصيرته بالحرب
وبفنون القتال:
قال عمرو بن العاص: (ما عدَل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد في حربه منذ أسلمنا أحدًا من الصحابة)([6]).
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لعمرو بن العاص بالصلاح:
قال طلحة رضي الله عنه: ألا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ إني سمعته يقول: «إن عمرو بن العاص من صالحي قريش»([7]).
4– ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم عليه بقوله: «نِعِمَّا بالمال الصالح للمرء الصالح»:
فعن
عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يا عمرو، إني أريد أن أبعثك وجها فيُسلمك الله ويُغْنِمك أرغب لك من المال
رغبة صالحة»، قلت: يا رسول الله، إني لم أسلم رغبة في المال، وإنما أسلمت
رغبة في الجهاد، والكينونة معك، قال: «يا عمرو، نِعِمَّا بالمال الصالح
للمرء الصالح»([8]).
5- أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من الصحابة رضي الله عنهم الاقتداء بعمرو بن العاص رضي الله عنه، وذلك لمّا وقع الفزع بالمدينة:
قال
عمرو بن العاص: (كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ، فَجَعَلَ النَّاسُ
يَذْهَبُونَ هَكَذَا وَهَكَذَا، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا سَالِمٌ
مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مُحْتَبٍ بِحَمَائِلِ سَيْفِهِ عِنْدَ
الْمِنْبَرِ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَقَعَدْتُ
مَعَ سَالِمٍ، وَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ
فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا كَانَ مَفْزَعُكُمْ إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ؟! أَلَا فَعَلْتُمْ مَا فَعَلَ هَذَانِ الرَّجُلانِ
الْمُؤْمِنَانِ؟!»([9]).
6- حياء عمرو بن العاص رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال
عمرو بن العاص رضي الله عنه: (ما كان أحد أحب إليّ من رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له،
ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه)([10]).
7- أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقرأَهُ خمس عشرة سجدة في القرآن:
قال
عمرو بن العاص: (أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن خمس عشرة
سجدة، منها في المفصل ثلاث، وفي سورة الحج سجدتان)([11]).
8- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَّره على سرية فيها أبو بكر وعمر:
فقد
أمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية نحو الشام، فسار حتى إذا
كان على ماء بأرض جذام يقال له: السلاسل -وبذلك سميت تلك الغزوة ذات
السلاسل- خاف فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الغزوة
يستمدُّه، فأمده بجيش من مائتي فارس من المهاجرين والأنصار أهل الشرف، فيهم
أبو بكر وعمر رضي الله عنهما([12]).
وفي
هذه الغزوة كان لعمرو بن العاص رضي الله عنه مواقف تدلُّ على قوة ذكائه
وبصره بالحرب، استنكرها كثير من الصحابة في البداية لخفاء مقصده، فلما
قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه؛ فأبان مقصده في منعهم
من إيقاد النار مع ما هم فيه من برد شديد، ومنعهم من تتبع العدو فقال: يا
نبي الله، أن كان في أصحابي قلة فخشيت أن يرى العدوّ قلتهم، ونهيتهم أن
يتَّبعوا العدو مخافةَ أن يكون لهم كمين، قال: فأعجب ذلك رسول الله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم([13]).
9- بعثه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة إلى سواع (صنم هذيل) ليهدمه:
قال
عمرو: فانتهيت إليه وعنده السادن، فقال: ما تريد؟ قلت: أمرني رسول الله أن
أهدمه، قال: لا تقدر على ذلك، قلت: لم؟ قال: تمنع، قلت: حتى الآن أنت في
الباطل؟! ويحك! وهل يسمع أو يبصر؟! قال: فدنوت منه فكسرته، وأمرت أصحابي
فهدموا بيت خزانته، فلم يجدوا فيه شيئا، ثم قلت للسادن: كيف رأيت؟ قال:
أسلمت لله([14]).
10-
بعثه صلى الله عليه وسلم في السنة نفسها إلى جَيْفَر وعمرو ابني
الجُلَنْدَى بِعُمان -وكان الملك منهما جيفرًا وكانا من الأزد- مصدِّقًا،
فخليا بينه وبين الصدقة، فأخذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم، وأخذ
الجزية من المجوس الذين بها، ولم يزل له بِعُمان حتى مات النبي صلى الله
عليه وسلم، فخرج منها فقدم المدينة([15]).
11-
بَعَثَه أبو بكر الصديق رضي الله عنه أميرًا إلى الشام، فتولى ما تولى من
فتحها، وشهد اليرموك([16]). قال عمرو: شهدت أنا وأخي هشام اليرموك، فبات
وبت ندعو الله أن يرزقنا الشهادة، فلما أصبحنا رُزِقها وحُرِمتُها([17]).
فهذه منقبة عظيمة لعمرو رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من سأل الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه»([18]).
12-
كان عمرو بن العاص من أمراء الأجناد في الجهاد بالشام في زمن عمر، وهو
الذي فتح قنسرين، وصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية، وولاه بعد موت يزيد بن أبي
سفيان فلسطين والأردن([19]).
13-
وبعد جمع الشام كلها لمعاوية كتب عمر إلى عمرو بن العاص، فسار إلى مصر
فافتتحها، فلم يزل عليها واليا حتى مات عمر، فأقره عثمان عليها أربع سنين
أو نحوها، ثم عزله عنها، فقدم عمرو المدينة فأقام بها، فلما نشب الناس في
أمر عثمان خرج إلى الشام فنزل بها في أرض له بالسبع من أرض فلسطين، حتى قتل
عثمان فصار إلى معاوية، فلم يزل معه يظهر الطلب بدم عثمان، وشهد معه صفين،
ثم ولاه معاوية مصر، فخرج إليها فلم يزل بها واليًا، وابتنى بها دارًا
ونزلها إلى أن مات بها([20]).
فتولية
عمرو بن العاص رضي الله عنه هذه المناصب والأعمال من قبل النبي والخلفاء
له من بعده تدل دلالة ظاهرة على فضله ودهائه وكفاءته وخبرته بالسياسة، وهذا
ما شهد له به الصحابة رضي الله عنهم.
14-
كان سببًا في هداية الكثير من الذين دخلوا في دين الله أفواجًا، ومن
ذراريهم إلى قيام الساعة، فكم له من الأجر والثواب العظيم عند الله U، فهذا
الفضل أجراه الله U على عمرو بن العاص وعلى أصحابه الذين جاهدوا معه في
فتوح الشام ومصر وغيرها، فلا يسجد رجل لربه في الأقصى، ولا يركع شيخ ركعة
متقبلة في قرية أو مدينة من مدن عُمان، ولا يصلي فلّاح في أرضه في دلتا
النيل بمصر، ولا يُذكر اسم الله في برقة أو طرابلس رجل إلا وكتب لعمرو بن
العاص وأصحابه مثل أجرهم جميعًا، لا ينقص من أجرهم شيء، كما قال الرسول صلى
الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا
يُنقص ذلك أجورهم شيئًا»([21]).
وكم
قطع عمرو بن العاص رضي الله عنه من الأودية والشعاب والصعاب التي تكبدها
في فتوح مصر والشام، أليس ذلك في ميزان حسناته؟! وقد أخبرنا الله U:
﴿بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخمَصَةٌ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطْئُونَ موطنا يغيظ الكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ
مِنْ عَدُو نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم عمل صالح﴾ [التوبة: ١٢٠]، وأخبرنا
أيضًا: ﴿وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ هُمْ لِيَجْزِيَهُمُ
اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: ۱۲۱]([22]).
فضل الصحبة في الكتاب والسنة:
ورد في فضل الصحابة رضي الله عنهم آيات وأحاديث كثيرة، بينها الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته؛ ليعرفوا لهم قدرهم وليتأسوا بهم، وقد أثنى الله سبحانه عليهم بما لم يثن على أمة من الأمم سواهم، وعمرو بن العاص رضي الله عنه يدخل ضمن هذه النصوص:
أولا: الآيات:
قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ يَرجُونَ رَحمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِيم﴾ [البقرة: 218].
وقوله تعالى: ﴿كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ ٱلمُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَو ءَامَنَ أَهلُ ٱلكِتَٰبِ لَكَانَ خَيرا لَّهُم مِّنهُمُ ٱلمُؤمِنُونَ وَأَكثَرُهُمُ ٱلفَٰسِقُونَ﴾ [آل عمران:110].
وقوله تعالى: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلمُهَٰجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحسَٰن رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنهُم وَرَضُواْ عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنَّٰت تَجرِي تَحتَهَا ٱلأَنهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدا ذَٰلِكَ ٱلفَوزُ ٱلعَظِيمُ﴾ [التوبة: 11].
ثانيا: الأحاديث:
1- بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن القرن الذي وجد فيه الصحابة هو خير القرون: فقال صلى الله عليه وسلم: «خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذي يلونهم»([23]).
2- نهى صلى الله عليه وسلم عن سب أصحابه فقال: «لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه»([24]).
3- بين صلى الله عليه وسلم أن الصحابة أمنة لأمته، فقال صلى الله عليه وسلم: «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون»([25]).
4- أوصى صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقال: «استوصوا بأصحابي خيرًا، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم…»([26]).
5- الأمر بالإمساك عند ذكر الصحابة بسوء، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا…»([27]).
فعمرو بن العاص رضي الله عنه لا شك أنه ممن حازوا قصب السبق في الدين، ونالوا شرف الصحبة الذي لا يعادله شرفٌ، وشملهم فضل هذه الآيات والأحاديث؛ وذلك لأنه هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبايعه وصحبه ونصر دينه وجاهد في سبيله.
الآثار عن الصحابة والسلف الصالح في فضائل عمرو بن العاص رضي الله عنه:
1- شهادة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لعمرو بن العاص بأنه أيقظ عينًا وأبصر بالحرب: عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما انتهوا إلى مكان الحرب أمرهم عمرو أن لا ينوروا نارا، فغضب عمر وهمّ أن ينال منه، فنهاه أبو بكر، وأخبره أنه لم يستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك إلا لعلمه بالحرب، فهدأ عمر رضي الله عنه([28]).
2- روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان شديد الإعجاب بعمرو بن العاص رضي الله عنه؛ فقد روي عنه أنه نظر إلى عمرو بن العاص يمشي فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا([29]).
3- أعاد عثمان رضي الله عنه الولاية لعمرو بن العاص رضي الله عنه لرغبة أهل مصر فيه: قال عثمان رضي الله عنه: فليقم أهل كل مصر، فليسألوني صاحبهم الذي يحبون فأستعمله عليهم، وأعزل عنهم الذي يكرهونه… وقال أهل مصر: اعزل عنا ابن أبي سرح، واستعمل علينا عمرو بن العاص، ففعل، فانصرفوا راضين([30]).
4- عن قبيصة قال: صحبت عمرو بن العاص، فما رأيت رجلا أبين قرآنا ولا أكرم خلقا ولا أشبه سريرة بعلانية منه([31]).
5- الانتقاص من أحد من الصحابة دليل على الخبيئة السيئة في النفس: فقد سئل الإمام أحمد بن حنبل عن رجل انتقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له: رافضي؟ فقال: إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئةُ سوء، ما انتقص أحدٌ أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا له داخلة سوء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني»([32]).
ورد في فضل الصحابة رضي الله عنهم آيات وأحاديث كثيرة، بينها الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته؛ ليعرفوا لهم قدرهم وليتأسوا بهم، وقد أثنى الله سبحانه عليهم بما لم يثن على أمة من الأمم سواهم، وعمرو بن العاص رضي الله عنه يدخل ضمن هذه النصوص:
أولا: الآيات:
قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ يَرجُونَ رَحمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِيم﴾ [البقرة: 218].
وقوله تعالى: ﴿كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ ٱلمُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَو ءَامَنَ أَهلُ ٱلكِتَٰبِ لَكَانَ خَيرا لَّهُم مِّنهُمُ ٱلمُؤمِنُونَ وَأَكثَرُهُمُ ٱلفَٰسِقُونَ﴾ [آل عمران:110].
وقوله تعالى: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلمُهَٰجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحسَٰن رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنهُم وَرَضُواْ عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنَّٰت تَجرِي تَحتَهَا ٱلأَنهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدا ذَٰلِكَ ٱلفَوزُ ٱلعَظِيمُ﴾ [التوبة: 11].
ثانيا: الأحاديث:
1- بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن القرن الذي وجد فيه الصحابة هو خير القرون: فقال صلى الله عليه وسلم: «خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذي يلونهم»([23]).
2- نهى صلى الله عليه وسلم عن سب أصحابه فقال: «لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه»([24]).
3- بين صلى الله عليه وسلم أن الصحابة أمنة لأمته، فقال صلى الله عليه وسلم: «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون»([25]).
4- أوصى صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقال: «استوصوا بأصحابي خيرًا، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم…»([26]).
5- الأمر بالإمساك عند ذكر الصحابة بسوء، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا…»([27]).
فعمرو بن العاص رضي الله عنه لا شك أنه ممن حازوا قصب السبق في الدين، ونالوا شرف الصحبة الذي لا يعادله شرفٌ، وشملهم فضل هذه الآيات والأحاديث؛ وذلك لأنه هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبايعه وصحبه ونصر دينه وجاهد في سبيله.
الآثار عن الصحابة والسلف الصالح في فضائل عمرو بن العاص رضي الله عنه:
1- شهادة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لعمرو بن العاص بأنه أيقظ عينًا وأبصر بالحرب: عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما انتهوا إلى مكان الحرب أمرهم عمرو أن لا ينوروا نارا، فغضب عمر وهمّ أن ينال منه، فنهاه أبو بكر، وأخبره أنه لم يستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك إلا لعلمه بالحرب، فهدأ عمر رضي الله عنه([28]).
2- روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان شديد الإعجاب بعمرو بن العاص رضي الله عنه؛ فقد روي عنه أنه نظر إلى عمرو بن العاص يمشي فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا([29]).
3- أعاد عثمان رضي الله عنه الولاية لعمرو بن العاص رضي الله عنه لرغبة أهل مصر فيه: قال عثمان رضي الله عنه: فليقم أهل كل مصر، فليسألوني صاحبهم الذي يحبون فأستعمله عليهم، وأعزل عنهم الذي يكرهونه… وقال أهل مصر: اعزل عنا ابن أبي سرح، واستعمل علينا عمرو بن العاص، ففعل، فانصرفوا راضين([30]).
4- عن قبيصة قال: صحبت عمرو بن العاص، فما رأيت رجلا أبين قرآنا ولا أكرم خلقا ولا أشبه سريرة بعلانية منه([31]).
5- الانتقاص من أحد من الصحابة دليل على الخبيئة السيئة في النفس: فقد سئل الإمام أحمد بن حنبل عن رجل انتقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له: رافضي؟ فقال: إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئةُ سوء، ما انتقص أحدٌ أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا له داخلة سوء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني»([32]).
(المراجع)
([1]) انظر: تهذيب الكمال للمزي (22/ 78)، والسير للذهبي (3/ 54)، والإصابة لابن حجر (4/ 650).
([2]) انظر: طبقات خليفة (61)، وطبقات ابن سعد (7/ 493)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 1987).
([3]) انظر: السير للذهبي (3/ 54).
([4]) أخرجه الترمذي (٣٨٤٤)، وأحمد (١٧٤١٣)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (٩٧١).
([5]) أخرجه أحمد (8042)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (45).
([6]) أخرجه أبو يعلى (7347)، قال محققه حسين سليم أسد: رجاله ثقات.
([7]) أخرجه الترمذي (٣٨٤٥)، وأحمد (1382)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٩/ ٣٥٧): رجاله ثقات. وصححه الألباني بشواهده في السلسلة الصحيحة (2/ 152).
([8]) أخرجه أحمد (17802) وصححه الحاكم (2130) وقال: على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
([9]) أخرجه النسائي في الكبرى (8301)، وأحمد (17810)، قال الهيثمي في المجمع (9/ 494): رجاله رجال الصحيح.
([10]) أخرجه مسلم (121).
([11]) أخرجه حاكم (1/ 223). قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 10): هذا الحديث حسنه المنذري والنووي.
([12]) انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (46/ 144).
([13]) انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (46/ 144).
([14]) انظر: الطبقات لابن سعد (9/ 499)، وتاريخ الطبري (3/ 66).
([15]) انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (46/ 151).
([16]) انظر: الطبقات لابن سعد (9/ 499).
([17]) انظر: الطبقات لابن سعد (4/ 146).
([18]) أخرجه مسلم (1909).
([19]) انظر: الإصابة (5/ 2).
([20]) انظر: الطبقات لابن سعد (9/ 499).
([21]) أخرجه مسلم (2674).
([22]) مقدمة: جامع الآثار القولية والفعلية الصحيحة لعمرو بن العاص (ص: 7).
([23]) أخرجه مسلم (2534).
([24]) أخرجه البخاري (3673)، ومسلم (2540).
([25]) أخرجه مسلم (2532).
([26]) أخرجه الترمذي (2165)، وأحمد (144)، قال شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند (144): إسناده صحيح.
([27]) أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 78)، وحسنه ابن حجر في الفتح (11/ 477)، والألباني في السلسلة الصحيحة (34).
([28]) أخرجه الحاكم (3/ 42) وصححه، ولم يتعقبه الذهبي.
([29]) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 155).
([30]) أخرجه ابن عساكر في تاريخه (39/ 398).
([31]) رواه ابن حجر في الإصابة في ترجمة عمرو بن العاص (6742).
([32]) أخرجه الخلال في السنة (1/ 350-690).
([1]) انظر: تهذيب الكمال للمزي (22/ 78)، والسير للذهبي (3/ 54)، والإصابة لابن حجر (4/ 650).
([2]) انظر: طبقات خليفة (61)، وطبقات ابن سعد (7/ 493)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 1987).
([3]) انظر: السير للذهبي (3/ 54).
([4]) أخرجه الترمذي (٣٨٤٤)، وأحمد (١٧٤١٣)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (٩٧١).
([5]) أخرجه أحمد (8042)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (45).
([6]) أخرجه أبو يعلى (7347)، قال محققه حسين سليم أسد: رجاله ثقات.
([7]) أخرجه الترمذي (٣٨٤٥)، وأحمد (1382)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٩/ ٣٥٧): رجاله ثقات. وصححه الألباني بشواهده في السلسلة الصحيحة (2/ 152).
([8]) أخرجه أحمد (17802) وصححه الحاكم (2130) وقال: على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
([9]) أخرجه النسائي في الكبرى (8301)، وأحمد (17810)، قال الهيثمي في المجمع (9/ 494): رجاله رجال الصحيح.
([10]) أخرجه مسلم (121).
([11]) أخرجه حاكم (1/ 223). قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 10): هذا الحديث حسنه المنذري والنووي.
([12]) انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (46/ 144).
([13]) انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (46/ 144).
([14]) انظر: الطبقات لابن سعد (9/ 499)، وتاريخ الطبري (3/ 66).
([15]) انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (46/ 151).
([16]) انظر: الطبقات لابن سعد (9/ 499).
([17]) انظر: الطبقات لابن سعد (4/ 146).
([18]) أخرجه مسلم (1909).
([19]) انظر: الإصابة (5/ 2).
([20]) انظر: الطبقات لابن سعد (9/ 499).
([21]) أخرجه مسلم (2674).
([22]) مقدمة: جامع الآثار القولية والفعلية الصحيحة لعمرو بن العاص (ص: 7).
([23]) أخرجه مسلم (2534).
([24]) أخرجه البخاري (3673)، ومسلم (2540).
([25]) أخرجه مسلم (2532).
([26]) أخرجه الترمذي (2165)، وأحمد (144)، قال شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند (144): إسناده صحيح.
([27]) أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 78)، وحسنه ابن حجر في الفتح (11/ 477)، والألباني في السلسلة الصحيحة (34).
([28]) أخرجه الحاكم (3/ 42) وصححه، ولم يتعقبه الذهبي.
([29]) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 155).
([30]) أخرجه ابن عساكر في تاريخه (39/ 398).
([31]) رواه ابن حجر في الإصابة في ترجمة عمرو بن العاص (6742).
([32]) أخرجه الخلال في السنة (1/ 350-690).