![]() |
|
![]() ![]() |
شبهات وردود
أرسل لصديق

إغلاق النافذة
المقالات --> المادة المختارة
وقفات مع كتاب (صحيح البخاري أسطورة انتهت ومؤلفه) الحلقة الثانية
أضيفت في: 18 - 4 - 2023
عدد الزيارات: 638
المصدر: | مركز سلف للبحوث والدراسات |
الحلقة الثانية
الانتقاء في نقل الأخبار والنصوص
مما يلفت انتباه المستعرض لكتاب “البخاري أسطورة انتهت” أن المؤلف حريص على انتقاء النصوص والأقوال التي تؤيد هواه، وتبرر له شتمه السنة النبوية وعلومها وعلمائها، بل وعلماء المسلمين كافة. فهو يتجاهل وينكر على المحدثين جهودهم، وينتقي منها نقد بعضهم لبعض، ويحرص على الاستشهاد بكتابات أذيال أعداء الإسلام، ويكذب الأخبار الموثقة ويصدق الأخبار غير الموثقة.
نقد المحدثين بعضهم لبعض
ينتقي المؤلف الأقوال التي تسند وجهة نظره من علماء السلف بعد أن يشمله في شتائمه المعممة، مع إضفاء فهمه المنحرف، ومثاله انتقاد بعض المحدثين للأخطاء المعدودة التي وردت عند البخاري.(ص 135-147) ويلاحظ أنه يعتمد على بعض هذه الآراء في البخاري وصحيحه غير الموثقة، وقد تكون مكذوبة على المنسوبة إليهم، دسّها المغالون في المحبة، أو المغالون في البغض، أو أعداء الإسلام.
الاستشهاد بأذيال أعداء الإسلام:
مما يجذب الانتباه حرص المؤلف على الاستشهاد بمن على شاكلته، ممن يُشك بأنهم أسرى للحضارة اللادينية، دون وعي، أو أنهم أذيال لأعداء الإسلام، وجاهزون لبيع كرامتهم ودينهم بدريهمات قليلة.
ومن هؤلاء محمود أبو رية، الذي يركز كتابه كله على الجوانب السلبية التي لا تخلوا منها العلوم الإنسانية، بل، ويعتبر المعايير التي يميز بها المحدثون بين الصحيح وغيره دليلا على فساد السنة النبوية، بدلا من حرصهم على الحفاظ على السنة النبوية. (أضواء على السنة؛ ص19-20)
ومنهم عماد حسن الذي نشر مقالا بعنوان “خرافة علم الرجال” ينكر فيه علم الرجال، بناء على المنهج المادي للبحث الذي ينكر وجود الغيبيات التي يؤمن بوجودها المسلمون. ويعتمد على معلومات متناقضة وأمثلة سخيفة ليقول باستحالة نقل قول النبي عبر الرواة، خرافة “الحديث” ليس علما، لأنه لا يملك من العلم شيئا، ومنهجها منهج أهواء وأسلوبها انتقائي مزاجي.”(ص 44-48) ويشبه عملية نقل الحديث بين الرواة الحريصين على التعلم بالهمس بين تلاميذ المدارس أثناء الدرس.
ومنهم أحمد صبحي الذي يعنون لموضوعاته بعناوين مثل: “تخاريف في صحيح البخاري” و”جهل البخاري”. (ص49)
ومنهم الدك تور عبد الفتاح عساكر الذي يجري عملية حسابية على معلومات مغلوطة، تخالف الحقيقة فيخرج بنتيجة يسند بها طعنه في البخاري وصحيحه.(ص123-126)
ومنهم إسلام البحيري الذي يسبح في الخيال فيضيف مدلولات مكذوبة بصراحة على نص حديث أبي هريرة وحراسة أموال الزكاة. (ص 157-160)
أين مخطوطة صحيح البخاري؟
يقول المؤلف: …لذلك نحن نريد المخطوطة الأصلية لصحيح البخاري كما خطتها يمين الشيخ البخاري. وهذا تحد رفعناه مرات عدة قبل خمس سنوات، ولا زلنا نرفعه إلى الآن، نتحدى هؤلاء الشيوخ المداحين، أن يقدموا لنا المخطوطة الأصلية… لا أحد من هؤلاء الشيوخ يعرف، لكنها الحقيقة التي يريدون إخفاءها، ونحن نعمل عبر هذا الكتاب اليوم على إظهارها، وهي أنه لا يوجد في العالم أجمع مخطوطة واحدة، بخط محمد بن إسماعيل البخاري، لصحيح البخاري! (ص 163-164)
والسؤال: هل يمكن لعاقل أن يجزم بعدم احتمال اكتشافها، وقد تم اكتشاف أجزاء من مخطوطات التوراة الإنجيل، حديثا.
ويتحدى المؤلف العلماء أن يظهروا المخطوطة الأصلية للصحيح، حيث يجزم فيقول: ” لا يوجد في العالم أجمع مخطوطة واحدة”.
والسؤال: هل يدعي المؤلف الألوهية؟ ليدّعي الإحاطة بالموجود وغير الموجود عبر المكان والزمان؟ أم أن المؤلف يقول ذلك وهو في حالة غياب الوعي؟
والسؤال الآخر: هل يمكن لأي عاقل أن يعتقد بأن المخطوطة هي أوثق من الرواية الشفوية من ثقة إلى ثقة، وبضوابط حازمة أو بصورة تلقائية؟
وهل من لديه أية ذرة من العقل أن يؤمن بأن المخطوطة أقل احتمالا للتزوير من النقل الشفوي من ثقة إلى ثقة إلى ثقة، بالنسبة للأحداث الماضية أو أخبار الأجيال التي مضت إلى رحمة الله؟
وأيهما أوثق المخطوطة أم أن يقول أبا المؤلف بأن المؤلف ابنه، ويقول الجد أنه حفيده، وأن يقول الجد أن أباه فلان الذي مات أو… إلى أن يصل نسب المؤلف إلى الإنسان المحدد في الجيل العاشر، أو إلى آدم عليه السلام؟
لو افترضنا أن أحدا اتهم المؤلف في نسبه إلى آدم عليه السلام، فهل نرجع إلى مخطوطة قد يزورها من اتهمه؟ أم نرجع إلى سلسلة الروايات الشفوية الموثقة أسانيدها؟
ويقول المؤلف متباهيا باكتشافاته الفريدة: “إن هناك ثلاثة عشر نسخة لصحيح البخاري”، دون أن يوضح أهي نسخ كاملة وبينها اختلافات؟ وما هي نسبة الاختلافات بينها؟ وما نوع الاختلافات؟ هل هي جذرية تؤثر فيما يستنبط منها؟ أم لا؟
إن الأصل أن العاقل يجمع ما يستطيع من روايات حول الشخصيات أو الأعمال غير المتوفرة بين يديه ولكن تتوفر كتابات حولها.فيطلع على كل أو جل الروايات والأخبار التي تدور حولها. ثم يُحكِّم قواعد البحث العلمي المحترمة. وذلك بالمقابلة بين نسبة الروايات الإيجابية في مقابل الروايات السلبية، واستبعاد المبالغات الواضحة في المدح أو الذم. ثم يرسم السمة العامة للشخصية التاريخية أو العمل التاريخي المحدد، غير المتوفر نسخة منه. (انظر مثلا، منهج أبحاث المؤرخين في خطوات) ولكن حرصا على مصداقية ما ينسب إلى النبي رحج بعض المحدثين كفة الأخبار السلبية ذات العلاقة الوطيدة.
الانتقاء في فهم النصوص
عندما يكون الإنسان متحيزا، قناعة أو استرزاقا، من الطبيعي أنه يميل إلى الفهم الذي يؤيد موقفه وينتقيه، وإن استوجب الأمر تزوير فهم فلا مانع لديه. ولذلك قد يأتي بتفسيرات، تثير السخرية عند العقلاء.
ينتقد المؤلف بشدة وعنف قول العلماء: “صحيح البخاري أصدق كتاب بعد القرآن الكريم”. فيفهم من هذه العبارة أن صحيح البخاري خال من الأخطاء، أو أنه منافس للقرآن الكريم.
لهذا ينتقي معنى يخترعه لقول عائشة أن الرسول يقول لقد أذكرني أية كذا. (64) باعتبارها تعني أنه كان نسي الآية، فذكّره بها القارئ، بدلا من “ذكّرني” بمعنى نبهني.
ولجهل المؤلف بأصول الفقه يقول بأن: تحريم لحوم الحمر الأهلية يتعارض مع قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ }(ص 33) فلم يدرك أن التحريم هو تقييد لمعنى مطلق في الآية، وجاء متأخرا للتدرج في الحكم، إذ كانت لحوم الحمر الأهلية مصدرا غذائيا شائعا في المجتمع.
ولجهل المؤلف وتكاسله عن البحث يقول هناك: حديث في صحيح البخاري أتحدى أن يفهمه أيّا كان، أو يستطيع شرحه اعتمادا على نصه فقط.
والنص يقول: قلت يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا، فقال إني سألت رسول لله، صلى الله عليه وسلم، فقال لي. قيل لي فقلت: قال فنحن نقول كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم. (ص 69)
ويعترف المؤلف بأن النص يحتاج إلى السياق لفهمه، ومع هذا يقول أنه يتحدى أن يفهمه النص أحد. ولو رجع المؤلف إلى الرواية الأخرى التي فيها سياق الحديث لاتضح معنى الحديث فهي تقول: سَأَلْتُ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ عَنِ المُعَوِّذَتَيْنِ؟ فَقالَ: سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: قيلَ لي فَقُلتُ فَنَحْنُ نَقُولُ كما قالَ رَسولُ اللَّه،ِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
ومن الفهم الخاطئ قوله عن بعض الأحاديث النبوية: ومن هاته الخرافات حديث “إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، رؤيا المؤمن جزء من النبوة. ويورد حديث “أصدَقُكُمْ رُؤيا: أصدَقُكُمْ حديثاً” وقول رسول الله “لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة”. ويورد قول النبي: ذهبت النبوة وبقيت المبشرات سئل عن المبشرات؟ قال: هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له فهي مبشرة بالخير.” فيعلق: الرؤيا الصالحة لا تصلح للمحاججة.(ص83)
والسؤال: هل ورد في النصوص المذكورة أنها مصدر للتشريع أو دليل في المحاججة، فمن أين أتى المؤلف بهذا المعنى لنص الحديث؟
ويعارض المؤلف بعنف تفسير صاحب أضواء البيان لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (سورة البقرة: 172) وذلك لأنه يقول بعدم وجود تعارض بين تحريم لحوم الحمر الأهلية والآية.
ويعلق على صاحب التفسير محتجا: هذا نموذج صارخ عن شيوخ اليوم الذين يميلون إلى إقصاء القرآن والتمكين لمرويات، وقولهم على الله ورسوله بهتانا عظيما. من الواضح أن جهل المؤلف حرمه من فهم هذا التفسير، فالحديث يقيد الإباحة المطلقة، لا يعارضها أو ينسخها. (ص 33)
ويتوهم المؤلف إن الأحاديث الوردة في الحبشة فيها “تعريض بالحبشة وذوي البشرة السمراء أو السوداء”.(ص 36)
الكذب والمبالغة:
يبدو أن المؤلف مولع بالمبالغة والكذب، فيقول مثلا: وهذا ما يفسر اتباع العديد من الشيوخ ما ورد في الأحاديث، ضاربين بعُرض الحائط كل الآيات والأحكام الواضحة الواردة في القرآن، ويمكن أن نضرب العديد من الأمثلة لذلك.(ص27)
ويقول: يمكننا أن نأتي بعشرات بل بمئات الأحاديث التي تعارض القرآن جملة وتفصيلا، وتسيء إلى مقام الألوهية والرسالة معا، والماتحة من مستنقع الخرافة، والمصادمة للعلم والعقل من كتب الحديث.”(ص29 -30). ويقول: وتفشت المرويات العرقية حتى بلغت مئات الألوف من الأحاديث المتضاربة المتناقضة، وكلها منسوبة إلى الرسول الكريم. (ص 34)
وتحت عنوان “”الخرافة بالأرقام” يقول: إن الغلو في كتاب صحيح البخاري، وجعله مع كامل الأسف فوق كتاب الله تعالى الموحى إلى نبيه، رغم كم الأباطيل والخرافات والأساطير التي يزخر بها هذا الكتاب، أصبح من الأمور المسلمة لدى الشيوخ، بل إن من يتصفح هذا الكتاب سيقف على إساءات كبيرة في حق الله، وفي حق نبيه، وفي حق كتاب الله، وفي حق أمهات المؤمنين، وفي حق الإنسانية جمعاء، وإهانة للعقل البشري بشكل لا يمكن وصفه. (ص119)
أكذوبة السُّنة القاضية على القرآن:
مما يشد انتباه المستعرض للكتاب أن المؤلف حريص على انتقاء الفهم الذي يبرر شتمه للسنة النبوية وعلومها وعلمائها، بل وعلماء المسلمين كافة. ليس هذا فحسب ولكنه يسبح في الخيال ليكذب على علماء الإسلام كذبة جريئة وصريحة تفوق تصور الإنسان الطبيعي، وهي تهمتهم بأنهم يقولون بأن السنة فوق القرآن.
يقول المؤلف: إذن فتحّول تدوين الحديث إلى آفة جعلت المسلمين يبتعدون عن كتاب الله و.أصبح التشريع يؤخذ بالأساس من الحديث بدل القرآن. فانشغل الناس بالحديث وجمعه والاستنباط منه في حين لم يعد للقرآن دور إلا في الاستشهاد للنص الحديثي. (ص17، 21-24، 27، 45، 55-5620)
ومع هذه الكذبة الكبيرة الجريئة التي يتهم بها علماء الإسلام يأتي باستشهادات تفسر المقصود الصحيح بكلمة “قاضية”، ولكنه لا ينتبه إلى معانيها، لأنه غارق في خياله، لا يدرك ما يقرأه ويكتبه، ويصر على ترديد الكذبة التي يلصقها بعلماء المسلمين ويهاجمهم عليها بعنف.
فمثلا، يستشهد بقول الأوزاعي: الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب. قال أبو عمر: يريد أنها تقضي عليه، وتبين المراد منه.(ص 27)
ويقول تحت عنوان “السنة ناسخة للقرآن”: بعد أن حكموا بأن السنة قاضية على الكتاب، بمعنى أنها مبينة ومفسرة وحاكمة، لم يجدوا مخرجا لإزاحة التناقضات الواضحات للحديث في مواجهة القرآن، إلا أن يحكموا بأن السنة ناسخة للقرآن. (ص 30) ويفسر قول الإمام أحمد بأنه ينكر المعنى الصحيح “ما أجسر على هذا أن أقوله بل أقول أن السنة تفسر القرآن وتبينه”.
ويناقض المؤلف نفسه بالاستشهاد بثمان عشرة حديث في فضل القرآن وردت في كتب السنة ومنها صحيح البخاري، (ص 21-24) ويكفي العاقل أن يتصفح كتابا من كتب أصول الفقه لينكشف هذا الكذب الجريء الذي يناقضه هو بنفسه. (مثلا أصول الفقه في خطوات)
والسؤال: ألا يعتقد المؤلف أن الذي لديه أدنى درجة من الذكاء والمعرفة يدرك أن المقصود بأن السنة “قاضية” لا تعني الضربة القاضية في الملاكمة، ولكنها تعني أنها تُبيِّن وتفصل الآيات المطلقة ظنية الدلالة؟
فالسنة تفسر وتضع الأحكام الشرعية في القرآن في صيغها التطبيقية المقيدة أو المحددة. ومثاله حين يأمر الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِين}.(سورة البقرة43}. فتأتي السنة لتوضح كيفية الصلاة وشروطها، وأنواع الزكاة وأنصبتها ومقاديرها. وفات على المؤلف أن تشريعات الحضارة اللادينية أيضا مراتب، حيث تفسر اللوائح ما يرد في الأنظمة العامة.
إنكار القدرات المتميزة للحفظ:
لا يعترف المؤلف بوجود القدرات المتميزة في الحفظ التي قد يهبها الله لمن يشاء من عباده، فيسمي فقرة من كتابه “أسطورة الحفظ الأسطوري.”. (ص99) فيعلق أحد الذين يعملون في إنشاء مدارس وحلقات القرآن الكريم ويدرسون فيها على هذا الإنكار بقوله: هناك احتمال بأن هؤلاء لا يعيشون مع البني آدميين، ولا يعرفون شيئا عن أنشطة تحفيظ القرآن، أو أنهم من المخلوقات التي لا تحسن إلا النهيق، فيحسبون أن جميع المخلوقات مثلهم، وليست هناك مخلوقات قادرة عن التعبير بدقة عالية عن المعلومات والأفكار والمشاعر.
أين مخطوطة صحيح البخاري؟
يقول المؤلف: …لذلك نحن نريد المخطوطة الأصلية لصحيح البخاري كما خطتها يمين الشيخ البخاري. وهذا تحد رفعناه مرات عدة قبل خمس سنوات، ولا زلنا نرفعه إلى الآن، نتحدى هؤلاء الشيوخ المداحين، أن يقدموا لنا المخطوطة الأصلية… لا أحد من هؤلاء الشيوخ يعرف، لكن الحقيقة التي يريدون إخفاءها، ونحن نعمل عبر هذا الكتاب اليوم على إظهارها، وهي أنه لا يوجد في العالم أجمع مخطوطة واحدة، بخط محمد بن إسماعيل البخاري، لصحيح البخاري! (ص 163-164)
والسؤال: هل يمكن لعاقل أن يجزم بعدم احتمال اكتشافها، وقد تم اكتشاف أجزاء من مخطوطات التوراة الإنجيل، حديثا؟
والسؤال: هل يدّعي المؤلف الألوهية، يحيط بالموجود وغير الموجود عبر المكان والزمان، فيتجرأ على نفي احتمال وجودها؟ أم أنه يقول ذلك وهو في حالة غياب الوعي؟
والسؤال الآخر: هل يمكن لأي عاقل أن يعتقد بأن المخطوطة هي أوثق وأقل احتمالا من الرواية الشفوية من ثقة إلى ثقة بضوابط حازمة لأخبار الماضي؟
وبعبارة أخرى، أيهما أوثق أن تكون هناك ورقة معرضة للخطأ أو التزييف، تثبت نسبه؟ أم أن يقول أبا المؤلف بأن المؤلف ابنه، ويقول الجد أنه حفيده، وأن يقول الجد أن أباه فلان الذي مات و… إلى أن يصل نسب المؤلف إلى الإنسان المحدد في الجيل العاشر، أو إلى آدم عليه السلام؟
ولو افترضنا أن أحدا اتهم المؤلف في صفاء نسبه إلى آدم عليه السلام، فهل نرجع إلى مخطوطة قد يزورها من اتهمه؟ أم نرجع إلى سلسلة الروايات الشفوية الموثقة أسانيدها؟
ويقول المؤلف مفتخرا باكتشافاته الفريدة: “إن هناك ثلاث عشرة نسخة لصحيح البخاري”، دون أن يوضح أهي نسخ كاملة وبينها اختلافات؟ وما نوع الاختلافات؟ وما هي نسبتها؟ هل هي جذرية تؤثر فيما يستنبط منها؟ أم لا؟
إن الأصل أن العاقل يجمع ما يستطيع من روايات حول الشخصيات أو الأعمال غير المتوفرة بين يديه، ولكن تتوفر حولها كتابات فيطلع على كل أو جل الروايات والأخبار التي تدور حولها. ثم يُحكِّم قواعد البحث العلمي المحترمة، أي المقارنة بين نسبة الروايات الإيجابية في مقابل الروايات السلبية، واستبعاد المبالغات الواضحة في المدح أو الذم والتفصيل غير الضرورية. ثم يرسم السمة العامة للشخصية التاريخية أو العمل التاريخي المحدد، غير المتوفر. (انظر مثلا، منهج أبحاث المؤرخين في خطوات)
الانتقاء في نقل الأخبار والنصوص
مما يلفت انتباه المستعرض لكتاب “البخاري أسطورة انتهت” أن المؤلف حريص على انتقاء النصوص والأقوال التي تؤيد هواه، وتبرر له شتمه السنة النبوية وعلومها وعلمائها، بل وعلماء المسلمين كافة. فهو يتجاهل وينكر على المحدثين جهودهم، وينتقي منها نقد بعضهم لبعض، ويحرص على الاستشهاد بكتابات أذيال أعداء الإسلام، ويكذب الأخبار الموثقة ويصدق الأخبار غير الموثقة.
نقد المحدثين بعضهم لبعض
ينتقي المؤلف الأقوال التي تسند وجهة نظره من علماء السلف بعد أن يشمله في شتائمه المعممة، مع إضفاء فهمه المنحرف، ومثاله انتقاد بعض المحدثين للأخطاء المعدودة التي وردت عند البخاري.(ص 135-147) ويلاحظ أنه يعتمد على بعض هذه الآراء في البخاري وصحيحه غير الموثقة، وقد تكون مكذوبة على المنسوبة إليهم، دسّها المغالون في المحبة، أو المغالون في البغض، أو أعداء الإسلام.
الاستشهاد بأذيال أعداء الإسلام:
مما يجذب الانتباه حرص المؤلف على الاستشهاد بمن على شاكلته، ممن يُشك بأنهم أسرى للحضارة اللادينية، دون وعي، أو أنهم أذيال لأعداء الإسلام، وجاهزون لبيع كرامتهم ودينهم بدريهمات قليلة.
ومن هؤلاء محمود أبو رية، الذي يركز كتابه كله على الجوانب السلبية التي لا تخلوا منها العلوم الإنسانية، بل، ويعتبر المعايير التي يميز بها المحدثون بين الصحيح وغيره دليلا على فساد السنة النبوية، بدلا من حرصهم على الحفاظ على السنة النبوية. (أضواء على السنة؛ ص19-20)
ومنهم عماد حسن الذي نشر مقالا بعنوان “خرافة علم الرجال” ينكر فيه علم الرجال، بناء على المنهج المادي للبحث الذي ينكر وجود الغيبيات التي يؤمن بوجودها المسلمون. ويعتمد على معلومات متناقضة وأمثلة سخيفة ليقول باستحالة نقل قول النبي عبر الرواة، خرافة “الحديث” ليس علما، لأنه لا يملك من العلم شيئا، ومنهجها منهج أهواء وأسلوبها انتقائي مزاجي.”(ص 44-48) ويشبه عملية نقل الحديث بين الرواة الحريصين على التعلم بالهمس بين تلاميذ المدارس أثناء الدرس.
ومنهم أحمد صبحي الذي يعنون لموضوعاته بعناوين مثل: “تخاريف في صحيح البخاري” و”جهل البخاري”. (ص49)
ومنهم الدك تور عبد الفتاح عساكر الذي يجري عملية حسابية على معلومات مغلوطة، تخالف الحقيقة فيخرج بنتيجة يسند بها طعنه في البخاري وصحيحه.(ص123-126)
ومنهم إسلام البحيري الذي يسبح في الخيال فيضيف مدلولات مكذوبة بصراحة على نص حديث أبي هريرة وحراسة أموال الزكاة. (ص 157-160)
أين مخطوطة صحيح البخاري؟
يقول المؤلف: …لذلك نحن نريد المخطوطة الأصلية لصحيح البخاري كما خطتها يمين الشيخ البخاري. وهذا تحد رفعناه مرات عدة قبل خمس سنوات، ولا زلنا نرفعه إلى الآن، نتحدى هؤلاء الشيوخ المداحين، أن يقدموا لنا المخطوطة الأصلية… لا أحد من هؤلاء الشيوخ يعرف، لكنها الحقيقة التي يريدون إخفاءها، ونحن نعمل عبر هذا الكتاب اليوم على إظهارها، وهي أنه لا يوجد في العالم أجمع مخطوطة واحدة، بخط محمد بن إسماعيل البخاري، لصحيح البخاري! (ص 163-164)
والسؤال: هل يمكن لعاقل أن يجزم بعدم احتمال اكتشافها، وقد تم اكتشاف أجزاء من مخطوطات التوراة الإنجيل، حديثا.
ويتحدى المؤلف العلماء أن يظهروا المخطوطة الأصلية للصحيح، حيث يجزم فيقول: ” لا يوجد في العالم أجمع مخطوطة واحدة”.
والسؤال: هل يدعي المؤلف الألوهية؟ ليدّعي الإحاطة بالموجود وغير الموجود عبر المكان والزمان؟ أم أن المؤلف يقول ذلك وهو في حالة غياب الوعي؟
والسؤال الآخر: هل يمكن لأي عاقل أن يعتقد بأن المخطوطة هي أوثق من الرواية الشفوية من ثقة إلى ثقة، وبضوابط حازمة أو بصورة تلقائية؟
وهل من لديه أية ذرة من العقل أن يؤمن بأن المخطوطة أقل احتمالا للتزوير من النقل الشفوي من ثقة إلى ثقة إلى ثقة، بالنسبة للأحداث الماضية أو أخبار الأجيال التي مضت إلى رحمة الله؟
وأيهما أوثق المخطوطة أم أن يقول أبا المؤلف بأن المؤلف ابنه، ويقول الجد أنه حفيده، وأن يقول الجد أن أباه فلان الذي مات أو… إلى أن يصل نسب المؤلف إلى الإنسان المحدد في الجيل العاشر، أو إلى آدم عليه السلام؟
لو افترضنا أن أحدا اتهم المؤلف في نسبه إلى آدم عليه السلام، فهل نرجع إلى مخطوطة قد يزورها من اتهمه؟ أم نرجع إلى سلسلة الروايات الشفوية الموثقة أسانيدها؟
ويقول المؤلف متباهيا باكتشافاته الفريدة: “إن هناك ثلاثة عشر نسخة لصحيح البخاري”، دون أن يوضح أهي نسخ كاملة وبينها اختلافات؟ وما هي نسبة الاختلافات بينها؟ وما نوع الاختلافات؟ هل هي جذرية تؤثر فيما يستنبط منها؟ أم لا؟
إن الأصل أن العاقل يجمع ما يستطيع من روايات حول الشخصيات أو الأعمال غير المتوفرة بين يديه ولكن تتوفر كتابات حولها.فيطلع على كل أو جل الروايات والأخبار التي تدور حولها. ثم يُحكِّم قواعد البحث العلمي المحترمة. وذلك بالمقابلة بين نسبة الروايات الإيجابية في مقابل الروايات السلبية، واستبعاد المبالغات الواضحة في المدح أو الذم. ثم يرسم السمة العامة للشخصية التاريخية أو العمل التاريخي المحدد، غير المتوفر نسخة منه. (انظر مثلا، منهج أبحاث المؤرخين في خطوات) ولكن حرصا على مصداقية ما ينسب إلى النبي رحج بعض المحدثين كفة الأخبار السلبية ذات العلاقة الوطيدة.
الانتقاء في فهم النصوص
عندما يكون الإنسان متحيزا، قناعة أو استرزاقا، من الطبيعي أنه يميل إلى الفهم الذي يؤيد موقفه وينتقيه، وإن استوجب الأمر تزوير فهم فلا مانع لديه. ولذلك قد يأتي بتفسيرات، تثير السخرية عند العقلاء.
ينتقد المؤلف بشدة وعنف قول العلماء: “صحيح البخاري أصدق كتاب بعد القرآن الكريم”. فيفهم من هذه العبارة أن صحيح البخاري خال من الأخطاء، أو أنه منافس للقرآن الكريم.
لهذا ينتقي معنى يخترعه لقول عائشة أن الرسول يقول لقد أذكرني أية كذا. (64) باعتبارها تعني أنه كان نسي الآية، فذكّره بها القارئ، بدلا من “ذكّرني” بمعنى نبهني.
ولجهل المؤلف بأصول الفقه يقول بأن: تحريم لحوم الحمر الأهلية يتعارض مع قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ }(ص 33) فلم يدرك أن التحريم هو تقييد لمعنى مطلق في الآية، وجاء متأخرا للتدرج في الحكم، إذ كانت لحوم الحمر الأهلية مصدرا غذائيا شائعا في المجتمع.
ولجهل المؤلف وتكاسله عن البحث يقول هناك: حديث في صحيح البخاري أتحدى أن يفهمه أيّا كان، أو يستطيع شرحه اعتمادا على نصه فقط.
والنص يقول: قلت يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا، فقال إني سألت رسول لله، صلى الله عليه وسلم، فقال لي. قيل لي فقلت: قال فنحن نقول كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم. (ص 69)
ويعترف المؤلف بأن النص يحتاج إلى السياق لفهمه، ومع هذا يقول أنه يتحدى أن يفهمه النص أحد. ولو رجع المؤلف إلى الرواية الأخرى التي فيها سياق الحديث لاتضح معنى الحديث فهي تقول: سَأَلْتُ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ عَنِ المُعَوِّذَتَيْنِ؟ فَقالَ: سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: قيلَ لي فَقُلتُ فَنَحْنُ نَقُولُ كما قالَ رَسولُ اللَّه،ِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
ومن الفهم الخاطئ قوله عن بعض الأحاديث النبوية: ومن هاته الخرافات حديث “إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، رؤيا المؤمن جزء من النبوة. ويورد حديث “أصدَقُكُمْ رُؤيا: أصدَقُكُمْ حديثاً” وقول رسول الله “لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة”. ويورد قول النبي: ذهبت النبوة وبقيت المبشرات سئل عن المبشرات؟ قال: هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له فهي مبشرة بالخير.” فيعلق: الرؤيا الصالحة لا تصلح للمحاججة.(ص83)
والسؤال: هل ورد في النصوص المذكورة أنها مصدر للتشريع أو دليل في المحاججة، فمن أين أتى المؤلف بهذا المعنى لنص الحديث؟
ويعارض المؤلف بعنف تفسير صاحب أضواء البيان لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (سورة البقرة: 172) وذلك لأنه يقول بعدم وجود تعارض بين تحريم لحوم الحمر الأهلية والآية.
ويعلق على صاحب التفسير محتجا: هذا نموذج صارخ عن شيوخ اليوم الذين يميلون إلى إقصاء القرآن والتمكين لمرويات، وقولهم على الله ورسوله بهتانا عظيما. من الواضح أن جهل المؤلف حرمه من فهم هذا التفسير، فالحديث يقيد الإباحة المطلقة، لا يعارضها أو ينسخها. (ص 33)
ويتوهم المؤلف إن الأحاديث الوردة في الحبشة فيها “تعريض بالحبشة وذوي البشرة السمراء أو السوداء”.(ص 36)
الكذب والمبالغة:
يبدو أن المؤلف مولع بالمبالغة والكذب، فيقول مثلا: وهذا ما يفسر اتباع العديد من الشيوخ ما ورد في الأحاديث، ضاربين بعُرض الحائط كل الآيات والأحكام الواضحة الواردة في القرآن، ويمكن أن نضرب العديد من الأمثلة لذلك.(ص27)
ويقول: يمكننا أن نأتي بعشرات بل بمئات الأحاديث التي تعارض القرآن جملة وتفصيلا، وتسيء إلى مقام الألوهية والرسالة معا، والماتحة من مستنقع الخرافة، والمصادمة للعلم والعقل من كتب الحديث.”(ص29 -30). ويقول: وتفشت المرويات العرقية حتى بلغت مئات الألوف من الأحاديث المتضاربة المتناقضة، وكلها منسوبة إلى الرسول الكريم. (ص 34)
وتحت عنوان “”الخرافة بالأرقام” يقول: إن الغلو في كتاب صحيح البخاري، وجعله مع كامل الأسف فوق كتاب الله تعالى الموحى إلى نبيه، رغم كم الأباطيل والخرافات والأساطير التي يزخر بها هذا الكتاب، أصبح من الأمور المسلمة لدى الشيوخ، بل إن من يتصفح هذا الكتاب سيقف على إساءات كبيرة في حق الله، وفي حق نبيه، وفي حق كتاب الله، وفي حق أمهات المؤمنين، وفي حق الإنسانية جمعاء، وإهانة للعقل البشري بشكل لا يمكن وصفه. (ص119)
أكذوبة السُّنة القاضية على القرآن:
مما يشد انتباه المستعرض للكتاب أن المؤلف حريص على انتقاء الفهم الذي يبرر شتمه للسنة النبوية وعلومها وعلمائها، بل وعلماء المسلمين كافة. ليس هذا فحسب ولكنه يسبح في الخيال ليكذب على علماء الإسلام كذبة جريئة وصريحة تفوق تصور الإنسان الطبيعي، وهي تهمتهم بأنهم يقولون بأن السنة فوق القرآن.
يقول المؤلف: إذن فتحّول تدوين الحديث إلى آفة جعلت المسلمين يبتعدون عن كتاب الله و.أصبح التشريع يؤخذ بالأساس من الحديث بدل القرآن. فانشغل الناس بالحديث وجمعه والاستنباط منه في حين لم يعد للقرآن دور إلا في الاستشهاد للنص الحديثي. (ص17، 21-24، 27، 45، 55-5620)
ومع هذه الكذبة الكبيرة الجريئة التي يتهم بها علماء الإسلام يأتي باستشهادات تفسر المقصود الصحيح بكلمة “قاضية”، ولكنه لا ينتبه إلى معانيها، لأنه غارق في خياله، لا يدرك ما يقرأه ويكتبه، ويصر على ترديد الكذبة التي يلصقها بعلماء المسلمين ويهاجمهم عليها بعنف.
فمثلا، يستشهد بقول الأوزاعي: الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب. قال أبو عمر: يريد أنها تقضي عليه، وتبين المراد منه.(ص 27)
ويقول تحت عنوان “السنة ناسخة للقرآن”: بعد أن حكموا بأن السنة قاضية على الكتاب، بمعنى أنها مبينة ومفسرة وحاكمة، لم يجدوا مخرجا لإزاحة التناقضات الواضحات للحديث في مواجهة القرآن، إلا أن يحكموا بأن السنة ناسخة للقرآن. (ص 30) ويفسر قول الإمام أحمد بأنه ينكر المعنى الصحيح “ما أجسر على هذا أن أقوله بل أقول أن السنة تفسر القرآن وتبينه”.
ويناقض المؤلف نفسه بالاستشهاد بثمان عشرة حديث في فضل القرآن وردت في كتب السنة ومنها صحيح البخاري، (ص 21-24) ويكفي العاقل أن يتصفح كتابا من كتب أصول الفقه لينكشف هذا الكذب الجريء الذي يناقضه هو بنفسه. (مثلا أصول الفقه في خطوات)
والسؤال: ألا يعتقد المؤلف أن الذي لديه أدنى درجة من الذكاء والمعرفة يدرك أن المقصود بأن السنة “قاضية” لا تعني الضربة القاضية في الملاكمة، ولكنها تعني أنها تُبيِّن وتفصل الآيات المطلقة ظنية الدلالة؟
فالسنة تفسر وتضع الأحكام الشرعية في القرآن في صيغها التطبيقية المقيدة أو المحددة. ومثاله حين يأمر الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِين}.(سورة البقرة43}. فتأتي السنة لتوضح كيفية الصلاة وشروطها، وأنواع الزكاة وأنصبتها ومقاديرها. وفات على المؤلف أن تشريعات الحضارة اللادينية أيضا مراتب، حيث تفسر اللوائح ما يرد في الأنظمة العامة.
إنكار القدرات المتميزة للحفظ:
لا يعترف المؤلف بوجود القدرات المتميزة في الحفظ التي قد يهبها الله لمن يشاء من عباده، فيسمي فقرة من كتابه “أسطورة الحفظ الأسطوري.”. (ص99) فيعلق أحد الذين يعملون في إنشاء مدارس وحلقات القرآن الكريم ويدرسون فيها على هذا الإنكار بقوله: هناك احتمال بأن هؤلاء لا يعيشون مع البني آدميين، ولا يعرفون شيئا عن أنشطة تحفيظ القرآن، أو أنهم من المخلوقات التي لا تحسن إلا النهيق، فيحسبون أن جميع المخلوقات مثلهم، وليست هناك مخلوقات قادرة عن التعبير بدقة عالية عن المعلومات والأفكار والمشاعر.
أين مخطوطة صحيح البخاري؟
يقول المؤلف: …لذلك نحن نريد المخطوطة الأصلية لصحيح البخاري كما خطتها يمين الشيخ البخاري. وهذا تحد رفعناه مرات عدة قبل خمس سنوات، ولا زلنا نرفعه إلى الآن، نتحدى هؤلاء الشيوخ المداحين، أن يقدموا لنا المخطوطة الأصلية… لا أحد من هؤلاء الشيوخ يعرف، لكن الحقيقة التي يريدون إخفاءها، ونحن نعمل عبر هذا الكتاب اليوم على إظهارها، وهي أنه لا يوجد في العالم أجمع مخطوطة واحدة، بخط محمد بن إسماعيل البخاري، لصحيح البخاري! (ص 163-164)
والسؤال: هل يمكن لعاقل أن يجزم بعدم احتمال اكتشافها، وقد تم اكتشاف أجزاء من مخطوطات التوراة الإنجيل، حديثا؟
والسؤال: هل يدّعي المؤلف الألوهية، يحيط بالموجود وغير الموجود عبر المكان والزمان، فيتجرأ على نفي احتمال وجودها؟ أم أنه يقول ذلك وهو في حالة غياب الوعي؟
والسؤال الآخر: هل يمكن لأي عاقل أن يعتقد بأن المخطوطة هي أوثق وأقل احتمالا من الرواية الشفوية من ثقة إلى ثقة بضوابط حازمة لأخبار الماضي؟
وبعبارة أخرى، أيهما أوثق أن تكون هناك ورقة معرضة للخطأ أو التزييف، تثبت نسبه؟ أم أن يقول أبا المؤلف بأن المؤلف ابنه، ويقول الجد أنه حفيده، وأن يقول الجد أن أباه فلان الذي مات و… إلى أن يصل نسب المؤلف إلى الإنسان المحدد في الجيل العاشر، أو إلى آدم عليه السلام؟
ولو افترضنا أن أحدا اتهم المؤلف في صفاء نسبه إلى آدم عليه السلام، فهل نرجع إلى مخطوطة قد يزورها من اتهمه؟ أم نرجع إلى سلسلة الروايات الشفوية الموثقة أسانيدها؟
ويقول المؤلف مفتخرا باكتشافاته الفريدة: “إن هناك ثلاث عشرة نسخة لصحيح البخاري”، دون أن يوضح أهي نسخ كاملة وبينها اختلافات؟ وما نوع الاختلافات؟ وما هي نسبتها؟ هل هي جذرية تؤثر فيما يستنبط منها؟ أم لا؟
إن الأصل أن العاقل يجمع ما يستطيع من روايات حول الشخصيات أو الأعمال غير المتوفرة بين يديه، ولكن تتوفر حولها كتابات فيطلع على كل أو جل الروايات والأخبار التي تدور حولها. ثم يُحكِّم قواعد البحث العلمي المحترمة، أي المقارنة بين نسبة الروايات الإيجابية في مقابل الروايات السلبية، واستبعاد المبالغات الواضحة في المدح أو الذم والتفصيل غير الضرورية. ثم يرسم السمة العامة للشخصية التاريخية أو العمل التاريخي المحدد، غير المتوفر. (انظر مثلا، منهج أبحاث المؤرخين في خطوات)