French | English | Thai (ภาษาไทย) | Shqipe | Türkçe | Indonesian | Tagalog | اردو | عربي | فارسي
 
 
القائمة البريدية
أدخل بريدك الإلكتروني من أجل الاشتراك معنا في القائمة البريدية
عداد الزوار
المتواجدون الآن على الموقع الرئيسي :

( 1105 )



















شبهات وردود
    أرسل لصديق

إغلاق النافذة

المقالات --> المادة المختارة

الكتاب الذي هم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبيل وفاته (1)

 

أضيفت في: 15 - 3 - 2023

عدد الزيارات: 1111

المصدر: جمهرة مقالات ورسائل الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور

الكتاب الذي هم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبيل وفاته

كان من شنشنة المرشدين - الأنبياء والحكماء - التهمم بتخطيط نظام لأقوامهم في الأحوال العسيرة، خيفة أن تعرض لهم العقبات الكؤود فلا يجدوا لاقتحامها جهودًا ولا حيلة، وما حيلة من يسلك مهمًا افتقد فيه دليله؟ وأشد ما تنصرف إليه هممهم أن يجعلوا من الإرشاد نبراسًا يضيء لهم في ديجور فقدهم مرشديهم.

لذلك كان من سنن الأنبياء والحكماء أن يثبتوا وصايا تحرض أتباعهم على ما فيه صلاحهم، أو تحذرهم مما يفضي إلى اختلال أحوالهم في النوائب التي كان من دأبهم عند اعترائها أن يهرعوا إليهم للاقتباس من هديهم المعصوم، أو من تدبير آرائهم الراحجة. فإذا فرض أن تحدث تلك النوائب بعد وفاتهم، [فإنهم] يتركون ما يأملون أن يكون إليه مفزع الأمة وفي معاقله معتصم لهم حتى يكون النفع مستمرًّا في حياتهم وبعد انتقالهم إلى أمد مقدر.

وإذ قد كان من المتعذر في طرق الإرشاد البشري إحاطة البيان بكل ما يُتوقَّع حدوثُه، كان شأن المرشدين انصراف وصاياهم إلى أهم ما به الصلاح والنجاح من الكوارث المبيدة، وما يكون الالتباس فيه يستنزل بالأمة الضلال والخسران. وإن آخر ما يقرع السمع من كلام القدوة المحبب إلى أمته وقعًا من نفوسهم يحرصون على وعيه، ويهتمون برعيه، ويرون العمل به إرضاءً لتلك الروح المفارقة، يرغبون به في مرضاتها، ويتفاءلون بعاقبته في ساعات الشدائد وأوقاتها.

وقد حكى الله تعالى عن إبراهيم ويعقوب عليهما السلام هذا المقام بقوله: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)} [البقرة: ١٣٢، ١٣٣]، وحكى عن موسى في وقت مغيبه للمناجاة: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢)} [الأعراف: ١٤٢].

ولم يخل نبي ولا حكيم من استيداع قومه أو مريديه ما فيه هديُهم عند الحيرة، وإعانتهم عند المشكلات. وما كتبت الصحف المنزلة، وأرسلت الأمثال والحكم السائرة، ودونت القوانين والتآليف النافعة، إلا وفاءً بهذا الغرض، وأداءً لهذا الحق المفترض. ومحمد - صلى الله عليه وسلم - أكملُ المرشدين إرشادًا، وأوفرُ النا صحين في مقاومة الضلال عتادًا؛ لأن الله تعالى اختصه باجتماع صفات جاء بها قولُه تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨].

وهذه الصفات ينبثق عنها إرشاد لا يوازنه إرشاد؛ لأن عزة عنت المسلمين عليه يناسبه تعجيل إرشادهم، والإسراعَ بالأخذ بأيديهم إلى مرافق العزة والكمال، واستيعاب أساليب إيصال الإرشاد إلى قلوبهم. ولأن حرصه عليهم، أي على نفعهم، يناسبه قصدُ وعي إرشاده بجوامع الكلم، ومنتهى البلاغة والإيجاز.

ولأن رأفته ورحمته بهم يناسبها تسهيل طرق دلائل هديه في مختلف الأحوال بما ليس بعده متطرق للضلال. وهذا المقام - مقام رأفته ورحمته - هو المقام الجامع لبقية الصفات النبوية، ولذلك قصره الله تعالى على حال الرحمة في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧]، فكانت تلك الرحمة دائمة بدوام شريعته، عامة لأتباعه والمتوسمين لهديه، في حياته المباركة وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى. وهذا مقام قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حياتِي خيرٌ لكم، ومماتي خير لكم".   فكان من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - أن هديه بعد مماته كهديه في حياته، بما فيه من جوامع الإرشاد. وليس هذا محل تفصيل هذا وتبيينه.

وقد نشأ عن الصفات الثلاث المباركة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حضرته الوفاة، ذكر ما عسى أن يعرض لأمته من الضلال في أشياء تحل بعد وفاته، وعز عليه ذلك، وحرص على انتشالهم منه، فرام أن يخص ذلك بوصية خاصة، وأن يكتب فيه كتابًا يعصمهم من الضلال فيه. ثم عرض وصف الرأفة والرحمة فانصرف عن ذلك إلى ما هو خير لهم.

روى البخاري في كتاب العلم وفي المغازي وفي الجهاد، وروى مسلم في كتاب الوصية بأسانيد مختلفة ترجع إلى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسعيد بن جبير كلاهما عن ابن عباس، وفي بعض أسانيده زيادةٌ على بعض، وأنا أجمعها هنا: "قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس! لما حُضِر رسول الله واشتد به وجعه وفي البيت رجال، قال: "ائتوني باللوح والدواة أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده أو بعدي أبدًا"، فقال عمر: إن رسول الله قد غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله، حسبنا كتاب الله! فاختلفوا واختصموا، فمنهم مَنْ يقول: قرِّبوا يكتب لكم، ومنهم مَنْ يقول غير ذلك. فتنازعوا وكثر اللغط، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه؟ أَهَجر؟ استفهموه، فذهبوا يردون عليه، فقال: "دعُونِي فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه"، فكان ابن عباس يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه".  

‌‌مشكلات:

وهذا الحديث معدودٌ في الأخبار والسيرة النبوية، [و] يتلخص إشكالُه في تسعة وجوه:

الأول: أن قول رسول الله: "أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده"، يقتضي أنه قد بقي فيما لم يبلغه الرسولُ إلى الأمة ما فيه عصمة من الضلال.

الثاني: كيف يكون كتابٌ يُكتب في مثل ذلك الوقت محيطًا بدفع كل ضلال يعرض للأمة مع أن أضعاف ذلك الكتاب مما نزل من القرآن وما صدر من الرسول من الأقوال والأفعال لم يكف في دفع الضلال عنهم والله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣]؟

الثالث: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عزم على أن يكتب لهم كتابًا، وقد تقرر أنه - صلى الله عليه وسلم - أمي، فكيف يكتب الكتاب؟

الرابع: إذا كان فيما سيقوله رسول الله ما يدفع عن الأمة الضلال، فما وجهُ توقفه عن الكتابة؟ ولماذا لم يبلغه إليهم الرسول بالقول دون كتابة؟

الخامس: كيف قال رسول الله: "دعوني فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه"؟ فإن كان الحال الذي فيه رسول الله من المكاشفات أو الوحي هو خيرًا للرسول من كتابة الكتاب، فقد فات الأمةَ ما كان فيه دفعُ الضلال عنهم، وإن كان خيرًا للأمة من الكتاب فهو أمر لم يبين لهم من بعد.

السادس: كيف أقدم عمر بن الخطاب على صد الناس أن يأتوا رسول الله باللوح والدواة ليكتب لهم؟

السابع: وكيف يقول عمر: إن رسول الله قد غلبه الوجع؟

الثامن: وكيف يقول عمر: حسبنا كتاب الله، مع أن رسول الله يقول: لن تضلوا بعده؟

التاسع: أن بعضهم قال: "ما شأنه؟ أَهَجر؟ استفهموه! " فإن معنى هَجر: قال هجرًا، أي: قال كلامًا غير مقصود كشأن المحموم، فيكون هذا القائل قد جوز أن يكون ما صدر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلامًا لا تعويلَ عليه، فيكون تجويزًا لجريان الخطأ على لسانه. وهذا يدافع اليقين بأن لا ينطق عن الهوى!

وجريًا على السَّنَن الذي سلكناه في الذكريات المولدية السالفة في القصد إلى ناحية من نواحي السيرة النبوية نراها جديرة ببحث أوفَى مما منحها الكاتبون، فنمدها من الفتوح الإلهية بهواطل تنضح قتام الإشكال، وتمد إليه من الحقائق ما يحوك سداها ولحمتها على أتقن منوال، نقول: إن رسول الله قد أرشد أمته في نيف وعشرين سنة إرشادًا لم يغادر دخيلة من دخائل النفوس صالحها وشريرها إلا أتَى على ما يثبت صلاحها ويهذبه، أو يقتلع شرها ويذهب به، فله إرشاد مستمد من علام الغيوب الذي يعلم خائنة الأعين وما تُخفِي الصدور.

وقد أومأ إلى هذا قولُه تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: ١٧٩]، فالمجتبَى هو محمد - صلى الله عليه وسلم - لتمييز الخبيث من الطيب في سائر الأحوال. وما نزل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣] إلا وقد كمل أمر الإرشاد إلى ما فيه صلاحُ العاجل والمعاد. وقد أرشد رسول الله بالقرآن، وبالخطب والمواعظ، والتعليم البالغ، وغير ذلك من مختلف طرق الإرشاد، في قوله وفعله، وسيرته وسمته، فكلها مفاتح هدى ورشد. وهذا الإرشاد باقٍ ما بقي هذا العالم، وملاكه هو القرآن المكتوب المقروء المحفوظ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكان ذلك مقنعًا للمسلمين إذا دعوا إليه أن يقولوا: سمعنا وأطعنا.

وقد عرضت أحوالٌ كان من المصلحة أن يكتب فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتبًا، إقامةً للحجة في مظان غلبة الهوى على الوازع الديني، فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ملوك من العرب وغيرهم، وكتب إلى بعض أمرائه كتبًا لتكون حجة لدى أقوامهم، وتذكرة لهم عند الاشتباه، مثل كتابه إلى عمرو بن حزم لما بعثه إلى بني الحارث بن كعب، فبين له فيه الفرائض والسنن والصدقات والديات؛ لأن العرب يأنفون من تغير عوائدهم ويشمئزون من دفع أموالهم كالمغارم. وكتب بالإقطاعات وبالعطايا لكي لا يُنازَع المعطَى في عطيته. كلُّ ذلك لمصالح لا تفي بها الأقوال.

فهمُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكتابة كتابٍ في آخر أيامه مع أصحابه ليس لقصد التشريع؛ لأن الشريعة قد كملت، ولأنه لو كان لقصد التشريع لما عدل عنه ولما قال: "فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه"، إذ التشريع هو المقصد الأهم من بعثته، وكيف والله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: ٦٧]؟ وكذلك ليس هو لبيان ما يحتاج إلى بيانه من المجملات الشرعية؛ لأن ذلك لا يناسب قوله: "ما أنا فيه خير مما تدعونني إليه"، وإن كان يجوز للرسول ترك البيان اكتفاءً بالأدلة التي تلوح لمجتهدي الأمة. فتعين أن يكون الكتاب الذي هَمَّ به مقصودًا لأمر غير متعلق بإفادة تكليف ولا بشرع أُنُف، وأنه إنما كان في أمر يرجع إلى تنبيه الأمة أو بعضها إلى شيء من شؤون تدبير أمورهم العامة، وتحريضهم أو تحذيرهم في شيء مما سبق الإشارةُ إليه في القرآن والسنة.

وإن مَنْ مارس السنة النبوية يستيقن أنه قد كثرت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العام الأخير من حياته أقوالٌ مشيرة إلى قرب انتقاله إلى الرفيق الأعلى، فبعضها صريح، وبعضها دونه، وأن أصحابه كانوا متفاوتين في التفطن إلى الإيماء منها، وقارن معظمَها إيقاظُ الأمة إلى الأخذ بالحزم في شؤون جماعتهم، والتعويل على استخدام مواهبهم في العمل بما سبق إليهم من الإرشاد، وحذرهم من عوارض تعرض للأمم، كقوله في خطبة حجة الوداع: "فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض"، وفي حديث الترمذي عن العرباض بن سارية: "وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظةً وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظةُ مودِّع، فأوصانا، قال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، فإنه مَنْ يعش منكم يَرَ اختلافًا كثيرًا. . .""، الحديث.  وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤)} [المائدة: ٥٤]. وفي حديث الصحيحين: "إني لأرى الفتن من خلال بيوتكم".

 


سجل تعليقك