|
|
شبهات وردود
أرسل لصديق
إغلاق النافذة
شبهات وردود --> المادة المختارة
هل ضرب عثمان عمارا بحضور علي رضي الله عنهم لأنه اعترض على أدائه في الحكم؟
أضيفت في: 16 - 6 - 2022
عدد الزيارات: 1461
المصدر: | موقع الإسلام سؤال وجواب |
الشبهة: هل ضرب عثمان عمارا بحضور علي رضي الله عنهم لأنه اعترض على أدائه في الحكم؟
الجواب :
لم يثبت أن عثمان ضرب عمارا رضي الله عنهما ، فضلا عن أن يشهد ذلك عليّ فلا يُنكِره ، وكل ما روي في ذلك : لم يصح سندُه .
قال ابن شبة في " تاريخ المدينة " (3/ 1098) :
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفُضَيْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: دَعَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِيهِمْ عَمَّارٌ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكُمْ، أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْثِرُ قُرَيْشًا عَلَى سَائِرِ النَّاسِ ، وَيُؤْثِرُ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ مَفَاتِيحَ الْجَنَّةِ فِي يَدِي لَأَعْطَيْتُهَا بَنِي أُمَيَّةَ حَتَّى يَدْخُلُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ، وَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّهُمْ ، وَلَأَسْتَعْمِلَنَّهُمْ ، عَلَى رَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغِمَ . فَقَالَ عَمَّارٌ: عَلَى رَغْمِ أَنْفِي؟ قَالَ: عَلَى رَغْمِ أَنْفِكَ . قَالَ: وَأَنْفِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ فَغَضِبَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ فَوَطِئَهُ وَطْأً شَدِيدًا، فَأَجْفَلَهُ النَّاسُ عَنْهُ .
وهذا إسناد ضعيف ، سالم بن أبي الجعد لم يسمع من عثمان.قال الحافظ العلائي رحمه الله :
" سالم بن أبي الجعد الكوفي : مشهور ، كثير الإرسال عن كبار الصحابة ، كعمر وعلي وعائشة وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم ، وقال أبو زرعة : سالم بن أبي الجعد ، عن عمر وعثمان وعلي : مرسل " انتهى من " جامع التحصيل " (ص 179) .
وقال ابن عبد ربه في " العقد الفريد " (5/ 57) :
" ومن حديث الأعمش يرويه أبو بكر بن أبي شيبة قال: كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه ، في صحيفة، فقالوا : من يذهب بها إليه؟ قال عمار: أنا. فذهب بها إليه، فلما قرأها قال : أرغم الله أنفك، قال: وبأنف أبي بكر وعمر. قال: فقام إليه فوطئه حتى غشي عليه، ثم ندم عثمان، وبعث إليه طلحة والزبير يقولان له: اختر إحدى ثلاث : إما أن تعفو، وإما أن تأخذ الأرش ، وإما أن تقتص. فقال: والله لا قبلت واحدة منها حتى ألقى الله! قال أبو بكر: فذكرت هذا الحديث للحسن بن صالح، فقال : ما كان على عثمان أكثر مما صنع .
وهذا إسناد ضعيف كسابقه ، فإن الأعمش عداده في صغار التابعين ، لم يدرك عثمان ولا عليا ولا عمارا ، راجع : "ميزان الاعتدال" (2 /224) ، "التهذيب" (4/196) .
بل إن ابن عبد ربه ، الذي ذكر ذلك في كتابه : لم يسق إسناده إلى الأعمش.فكما يحتمل أن يكون الحمل في هذه الرواية على من هو فوق الأعمش ، فكذلك يحتمل أن يكون ممن هو دونه ، ممن أبهمه ابن عبد ربه ، بين ابن أبي شيبة ، والأعمش .
قال ابن أبي بكر المالقي : " فإن قيل : بأن عثمان (رضي الله عنه) ضرب عماراً، قيل: هذا لا يثبت ، ولو ثبت فإن للإمام أن يؤدب بعض رعيته بما يراه ، وإن كان خطأ.
ألا ترى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقصّ من نفسه ، وأقاد ، وكذلك أبو بكر وعمر (رضي الله عنهما) أدّبا رعيتهما باللطم والدّرّة ، وأقادا من أنفسهما .
فإن قيل : عثمان (رضي الله عنه) لم يقد من نفسه ؟
قيل له : كيف ذلك ، وقد بذل من نفسه ما لم يبذله أحد ، خصوصاً يوم الدار، فإنه قال : يا قوم ، إن وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في قيد فضعوهما " انتهى من " شبهات حول الصحابة " - ذو النورين عثمان (ص 144) .
وقد جاء ما هو أصح من ذلك مما يخالفه:فروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 521) : وابن شبة في " تاريخ المدينة " (3/1101) من طريق حُصَيْن بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جهيم ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ , قَالَ: أَنَا شَاهِدُ هَذَا الْأَمْرِ , قَالَ: جَاءَ سَعْدٌ وَعَمَّارٌ فَأَرْسَلُوا إِلَى عُثْمَانَ أَنِ ائْتِنَا , فَإِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَذْكُرَ لَكَ أَشْيَاءَ أَحْدَثْتَهَا ، أَوْ أَشْيَاءَ فَعَلْتَهَا , قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَنِ انْصَرَفُوا الْيَوْمَ , فَإِنِّي مُشْتَغِلٌ ، وَمِيعَادُكُمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا .
قَالَ: فَانْصَرَفَ سَعْدٌ ، وَأَبَى عَمَّارٌ أَنْ يَنْصَرِفَ .
قَالَ: فَتَنَاوَلَهُ رَسُولُ عُثْمَانَ ، فَضَرَبَهُ .
قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِلْمِيعَادِ وَمَنْ مَعَهُمْ ، قَالَ لَهُمْ عُثْمَانُ مَا تَنْقِمُونَ مِنِّي؟
قَالُوا: نَنْقِمُ عَلَيْكَ ضَرْبَكَ عَمَّارًا ؟!
قَالَ عُثْمَانُ: جَاءَ سَعْدٌ وَعَمَّارٌ ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِمَا , فَانْصَرَفَ سَعْدٌ ، وَأَبَى عَمَّارٌ أَنْ يَنْصَرِفَ , فَتَنَاوَلَهُ رَسُولٌ مِنْ غَيْرِ أَمْرِي ; فَوَ اللَّهِ مَا أَمَرْتُ وَلَا رَضِيتُ , فَهَذِهِ يَدِي لِعَمَّارٍ فَيَصْطَبِرُ – يَعْنِي : يَقْتَصُّ .
وهذا إسناد لا بأس به ، رجاله ثقات ، وجهيم - ويقال : جهم - تابعي روى عنه ثقتان ووثقه ابن حبان ، فحديثه محتمل للتحسين .
فهذا الخبر أصح مما ورد من ضرب عثمان عمارا .
والخلاصة :
أنه لم يثبت أن عثمان ضرب عمارا رضي الله عنهما أصلا ، فضلا عن أن يقال ضربه بحضرة علي ، وعلي ساكت لم يدافع عنه ، والواجب حفظ حرمة أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ، وحبهم ، والدفاع عنهم .
كما لا يجوز اعتماد كل ما ورد في كتب التاريخ إلا ما ثبتت صحته ، وما أحسن ما قال ابن خلدون رحمه الله :
" وكثيرا ما وقع للمؤرّخين والمفسّرين وأئمّة النّقل من المغالط في الحكايات والوقائع ، لاعتمادهم فيها على مجرّد النّقل غثّا أو سمينا ، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ، ولا سبروها بمعيار الحكمة ، والوقوف على طبائع الكائنات ، وتحكيم النّظر ، والبصيرة في الأخبار ، فضلّوا عن الحق ، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط " انتهى من " تاريخ ابن خلدون" (1/ 13) .
والله تعالى أعلم .