![]() |
|
![]() ![]() |

المقالات --> المادة المختارة
شيخ شيعي يطعن في ولاية الفقيه ويقول أنها سجن للعقول وتعطيل للتفكير
أضيفت في: 21 - 4 - 2008
عدد الزيارات: 2930
المصدر: | جريدة الوطن البحرينية |
قال أمين عام المجلس العربي بلبنان السيد محمد الحسيني إن ولاية الفقيه الوجه الآخر للسلطة الدنيوية التشريعية، وهي عملية تسلط ليس لديها أي مبدأ إسلامي واضح. مضيفاً في ندوة احتضنها مركز الحوار الثقافي في أم الحصم بعنوان ''المسلم من فكر الزنزانة إلى فكر الحضارة'' أن الكثير من علماء الأمة لم يقولوا بالولاية العامة وإنما الخاصة، فهذا المصطلح الذي أعطي لولي الفقيه كل الحقوق والصلاحيات، كالتسلط على الأمة وفق مبدأ أن حكمه هو حكم الله، ورضاه هو رضا الله، كمَن يعيدنا إلى السجون العتيقة البالية.
قدم الحسيني لمحاضرته بالقول: ''حديثنا اليوم هو عن السجن، والسجن -كما يقال- له مفاهيم عدة، وينطبق عليه عدة مصاديق، يقال إن معنى السجن التوقف والحصر والتترس والتجمد، وأن معناه -أيضاً- الانغلاق والسكون وعدم الحركة بأن يصبح الإنسان محاصراً ويسجن بجسده في مكان ما، لكن ما يعنينا هنا هو سجن الفكر، والذي يكبل بعادات وتقاليد وأعراف وانصياع وحصر وتترس وتجمد فكري، ويتبعه أيضاً تكفير الآخر بإعطاء العصمة لصاحب هذا الفكر، لذلك فإن أخطر ما يمكن أن نقوله هو أن السجن -بمعناه الفكري- هو الأكثر خطورة وتهديداً لحرية الأمة ككل''.
ويوضح الحسيني أن معاناتنا الكبيرة مع معتقدات وأعراف وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان بقوله: ''الفكر هو ذاته الذي جعل القوي يسيطر على الضعيف، وجعلنا في حالة من الأمية والجهل، وحصرنا في حيز صغير نرى من خلاله أفكاراً معينة دون سواها، وهو ذاته الفكر الجاهلي الذي رفضه الإسلام، ما جاء به الإسلام هو الخروج من الفكر المقلد إلى فكر الحرية والانفتاح، جاء ليخرجنا من الفكر العبودي إلى حرية الفكر، وبرفضه لهذه العادات والتقاليد الجامدة، بأن خلق المساواة بين الرجل والمرأة، وأبعد العبودية والانصياع للشخص الآخر، وميز الأوهام عن الحقيقة، وليبين الصحيح من السقيم، وبذلك آيات كثيرة منها قوله تعالى ''أفلا يتدبرون''، وقوله: ''أفلا يعقلون''، وقوله: ''أفلا ينظرون''، كل هذه الدعوات القرآنية نقلت عملية التفكير من الجمود إلى الانفتاح والحرية، فإذا توقفنا عن التفكير فماذا يميزنا عن الجماد؟''.
؟ رفض لتجميد العقل
ويشير الحسيني إلى رفضه القاطع للعادات والتقاليد البالية التي يتحصن خلفها البعض في العالم العربي، موضحاً: ''حتى على مستوى الأحكام الشرعية فأنه لا وجود للجمود أبداً، وإنما تحرر حسب الزمان والمكان، ونرى أن الكثير من فقهاء الأمة -الآن- لديهم فتاوى متحررة، وهذا ما دعا إليه الإسلام، فالإسلام أتى كي نتدبر ونفكر، وذم -بذات الوقت- للمقلدين من آبائنا وأجدادنا، فلا نقلدهم بهذا المضمار باعتباره شيء ملزم، إن عملية المعرفة مطلب قرآني، وهي بذلك لا يجب أن تكون متحررة، بل أن تنطلق إلى كل ما يمكن أن نتعلم منه ونستفيد منه، وكما يقولون: خذوا المعرفة حتى من المجانين''.
؟ ولاية الفقيه
ويضيف: ''نأتي اليوم لحاضرنا، للأنظمة الموجودة، وهي أنظمة سياسية بغالبها ديمقراطية، لدينا على الضفة الأخرى حكم ديكتاتوري منه نظام التفويض الإلهي، وهذا المصطلح أول ما وجد لدى المسيحية في القرون الوسطى، حين أدعو أن الله سبحانه وتعالى فوض الرهبان والخوارنة بالسخط والرضا، كأنهم أخذوا من جلالته الوكالة الإلهية الحصرية بحكم الكنيسة والتفويض الإلهي، وهنا الطامة الكبرى، بأن يحكم الإنسان باسم الله، وبأن يعطي صكوك غفران ومفاتيح وأراضٍ في الجنة، ونأتي الآن لابتلاءاتنا.. فأمة مثل هذه الأمة، بها مفكرين وشعراء وكتاب، تعاني اليوم الأمرين لنظام ولاية الفقيه، وهي سجن للعقول والتفكير، وإعطاء العصمة وحق تكفير الآخر''. موضحاً: ''وولاية الفقيه هي الوجه الآخر للسلطة الدنيوية التشريعية، وهي بذلك عملية تسلط ليس لديها أي مبدأ إسلامي واضح، والكثير من علماء الأمة لم يقولوا بالولاية العامة وإنما الخاصة، فهذا المصطلح الذي أعطى لولي الفقيه كل الحقوق والصلاحيات، كالتسلط على الأمة وفق مبدأ أن حكمه هو حكم الله، ورضاه هو رضا الله، كمَن يعيدنا إلى السجون العتيقة البالية، فالله سبحانه وتعالى حين خلقنا، خلقنا لغاية وهي ألا يحكم ويقرر عنا شخص آخر، وأن لا نكون أداة لغيرنا، وأن نمارس حقوقنا الفكرية والعقلية بلا تسلط أو رقابة من ذا أو ذاك، الممارسات التسلطية هذه تجعلنا أقرب ما نكون كأداة في يد هذا الشخص، وهو ما يتناقض تماماً لما دعا إليه الإسلام، بتركيزه على النظام من خلال المواطنة، وأن الوطن هو الدولة، فلا خلاف بين الإسلام والوطنية، يقول الرسول الكريم: ''حب الأوطان من صميم الإيمان''، فالإسلام مع الانصهار داخل الوطن، وهو بذلك لم يتدخل بالتفاصيل وإنما بالنظام نفسه''.
الأصل أن يكون التوجه لأجل الإصلاح
ويؤكد الحسيني أن ولاية الفقيه هي سجن للعقول وتعطيل للتفكير، وبمنح التفكير المطلق لصاحب الولاية، وهو ما ينم عن منطق تسلطي استبدادي.
ويرى أن هذا النظام هو الذي يحرض على مشروع الدولة، ويعمد على تغيير ولاء المواطن لوطنه بقوله: ''بعض الأحزاب السياسية تقول إننا لا نؤمن بالجغرافيا وإنما بما يوجهنا إليه ولي الفقيه، هذا المشروع بذاته يشكل مخالفة للمبدأ الذي خلق الله الإنسان عليه، فهو مبدأ يشل العقول ويحرض ضد الدولة بالخروج عنها أولي الأمر، وعن الانصهار بها وبمؤسساتها، وهذا ما يمكن أن أختم على أساسه أنه سجن للفكر، وبأن يكون الإنسان مجمد بعقله وبروحه تحت هذه المفاهيم''. مضيفاً: ''إن الوصية واضحة ولا تخضع لأية مغالطات فالأصل أن يكون التوجه من أجل ما فيه صلاح وإصلاح لكل مستمع ولكل قارئ، وأن يكون عمل كل خطيب ومحاضر لله، فبالنسبة للبنان -مثلاً- هناك فكر منفتح، وهناك أيضاً فكر متعدد وهو ما يتميز به اللبنانيون، نحن مع إعطاء الفكر وحرية التعبير، لسنا في وجه أحد، هذا ديدننا بلبنان، أقصى الديمقراطية، فنحن مع الدولة المدنية.. والإسلام دعا لحرية الفكر وعدم التصنم حول أحد، ولكن هناك حدود وضوابط لحرية الفكر''.
ويشير الحسيني إلى أن الخوض في الدين والضوابط والحدود، أي النقاش في أمور الدين مطلوب بقوله: ''الدين يدعو لذلك بشرط ألا يكون إساءة أو إهانة، وأما ما دون ذلك فهو مطلوب، وإذا لم يكن لديك برهان فلابد أن تخرج من النقاش ببراهين ونتائج قوية، فكثيراً ما أتى الناس للنبي الأعظم وناقشوه بالصفات الإلهية وبتأدب وذوق، وأشير هنا فيما يتعلق بالتحفظ، إن لكل إنسان الحق بذلك، فهو من الحرية الشخصية، نفرح حين يكون الإنسان سيد تفكيره، ونحزن حين يكون مصنم بذات التفكير'' .
المأساة تكبر عندما نعيش غربة الانتماء
من جهته قال رئيس مركز الحوار الثقافي سيد ضياء الموسوي: ''لقد وجدت في أمين عام المجلس العربي بلبنان، وهو شخصية عرفناها عبر الفضائيات، ومن خلال كتبه المتنوعة، وعبر مواقف يقال عنها إنها جريئة في زمن يشتم فيه الحكم الاستبدادي. تلاق واسع بيني وبينه، ورأيته كيف يرسخ الولاء الوطني في قبال أي مشروع آخر يحاول أن يقوّض الروح الوطنية ولم الشمل العربي، خصوصاً وأننا نلحظ حالة التشرذم الفكري العام، والألغام مكدسة تعمد إلى تدمير أي رأي تعددي، ويقول الأديب يوسف الخال: ''إن حجم الحرية في العالم العربي لا يكفي كاتباً واحداً''، والمأساة تكبر عندما نعيش غربة الانتماء حين يخنق الأديب عن استنشاق الحرية، وعندما يحاول الكثيرون إطلاق الرصاص ضد الأفق الإنساني. ومحاضرة اليوم نخرج بها من الزنزانة الفكرية المليئة بالرطوبة والطحالب حتى بحر الحضارة، فهناك فرق شاسع بين القنبلة والقبلة، فنحن لا نريد جفاء في طرح الفكر الإنساني، بل أناس شجعان يؤمنون بالتعددية ورأي الآخر'' .
وأضاف: ''مَن يؤمنون بولاية الفقيه هذا شأنهم، كما أن للآخرين الحق -أيضاً- في أبداء رأيهم، الحاصل أننا نعاني من أزمة شرطة العقيدة وهي الوصاية على الناس باسم الدين، وهي ذات الخطوات -كما ذكر السيد الحسيني- التي قامت بها الكنيسة بالقرون الوسطى، فقمعت الكثير من العلماء والمفكرين كجاليليو وغيره، لمجرد الاختلاف بالرأي، اليوم بات العالم مفتوحاً على مصراعيه للجميع، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الأدب.. الخ، مشكلتنا هي الوصاية الدينية، والنرجسية الدينية التي تقمع الآخر، كما يقول أحد الشعراء: ''إن دخول الحمام بات يحتاج لقرار. وشيء جميل أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولكن السيئ هنا أن يستخدم ذلك كسلاح لقمع الآخر، بأن يكون هذا وذاك مسؤولين عن الآخرين بأقرب ما يكون للوصاية الدنية، وذلك لا يعبر إلا عن الحالة المزرية التي وصل إليها الكثيرون والتي أعبر عنها بالشخير العام، بأن توزع المخدرات الدينية لتخدير الآخرين والسيطرة عليهم، الحديث السائد للكثيرين الآن عن النار وكأنه ليس هناك جنة يتحدثون عنها، أضرب لكم مثالاً: حين يحفز الأب ابنه لشرب الحليب يقول له اشرب وإلا ستدخل النار، بدلاً من أن يقول إذا شربت الحليب ستدخل الجنة، الحاصل أن الذوق العام ممزق، وقليلاً هم مَن يتحدثون عن الجمال، لا نحتاج لصنمية الفرد وإنما لفكر المؤسسات. لكن المؤسف أن الليبرالية تحولت لدى البعض في مجتمعاتنا لبعبع، وهذا غير صحيح، وأجد رغم ذلك أن خلف الاختلاف الثمرة، لأن عدم وجود هذا الاختلاف تأكيد لوجود التسلط والرأي الواحد، قيل لي في إحدى المقابلات أنني أسبح ببحيرة غربية فأجبت أنني أفضل ذلك من أن أزحف في الصحراء، في إحدى زياراتي للغرب اشتريت ذات مرة ما يقارب من عشرين قرص ألعاب ''بلي ستيشن'' لأولادي دفعة واحدة، فتفاجأت من موظف المبيعات حين قال لي إنها تعمل وفق نظام بلاده فقط وليس وفق نظام الشرق الأوسط، هل لكم أن تتخيلوا قدر الأمانة هنا، هذا الميكروفون الذي أحمله بيدي من أين؟ إن بعض رجال الدين يشتمون الغرب وإذا مرضوا يذهبون للمستشفيات الغربية، الحضارة أكبر مما نتصور، وأضيق ما يمكن لدى البعض الآخر''.
مداخلات الحضور
وفي سؤال من إحدى المستمعات قالت فيه: ''لدي سؤال أحب أن أوجهه للسيد الحسيني فيما يتعلق بولاية الفقيه، فولاية الفقيه هي تنظير لأهمية التوحيد بالنظام السياسي، وسؤالي هنا هل ترى التقليد بالأحكام الشرعية للشيعة سجناً فكرياً؟، وإذا كان كذلك ما البديل؟، كما أنني سمعت من السيد فضل الله عن دعوته للمؤسسة الفقيه فما فاعليتها؟ أجاب الحسيني: ''بالنسبة لمضمون ولاية الفقيه على أساس التوحيد السياسي، هنا تكمن المشكلة، فمن مبدأ الفقهاء الشورى، فكيف نبني مؤسسة فقهيه للفقهاء ونقول بذات الوقت أن هذا الفقيه متولٍ، نحن كشيعة نؤمن بالعصمة، ومن يزاحم مَن هم بدرجة العصمة فلنا معه رأي مخالف، ولاية الفقيه نشأت في الآونة الأخيرة مع عدم إجماع الكثيرين عليه، فأصبحت للأسف -لدى البعض- من أصول العقيدة، في زيارتي الأخيرة لطهران كانت هناك حشود ضخمة تهتف بالموت لأعداء ولاية الفقيه''.
ما قاله شريعتي
وفي مداخلة أخرى سألت إحدى الحاضرات الحسيني عن قول د. علي شريعتي أنه لا ينبغي أن يطرح الإسلام بصورته المكررة، بل بصورته الواعية التقدمية، كيف نفرق بين الإسلام التقليدي والتقدمي؟ أجابها الحسيني بالقول: ''هو طرح نظري ولكن هل هو مطبق؟، دائماً نتحدث عن الداء، وبعد فترة وجيزة عندما نرى بوادر العلاج لا نرى بذات الوقت أمكانية التطبيق، في عهد شريعتي لم تكن هناك الضجة الحاصلة على الصعيد الطائفي أو الديني الآن، أصبحت هذه الأمور بعيدة المنال، لست متشائماً لكنها أولى ابتلاءاتنا وأهمها الآن''.
إيران وإسرائيل
وفي سؤال لـ (الوطن) عن ترديد البعض أن إيران تشكل خطورة على أمن الخليج أكثر من إسرائيل نفسها، أجاب الحسيني ''لا اختلاف بأن عدونا الأول هو الصهيونية، أما بخصوص الموضوع الإيراني فلا أرى بالشعب الإيراني أية مشكلة، بل اختلافنا هو مع النظام الإيراني، وتدخلاته السلبية بالأمور الداخلية للدول الأخرى، لا يمكن أن أنكر تقديم إيران للمساعدات المستمرة للبنان، ولا أنكر في الوقت ذاته الدور الإيجابي للسعودية في لبنان، كما لا أنكر أيضاً التدخلات الإيرانية لبلداننا العربية، فلطالما تحدثنا مع العقلاء هناك بأننا لا نريد أزمة، وبأن إيران ليست عدوة لنا، فالمطلوب هنا تقوية العلاقات وترسيخ الأمن والاستقرار، لا نريد حرباً أو فتنة. وهناك مَن لا يريدون الاستقرار أو السلام بيننا مع الشعب الإيراني، ديننا هو دين الإنسانية، لا أخفي أن هناك ضجة مفتعلة بين السنة والشيعة، وأن هناك مَن يتخذون من المذهبية كجسر للوصول إلى رغباتهم الخاصة والحزبية، بالنسبة لبعض الأشخاص الذين يمثلون أنفسهم ويسيئون للصحابة وأمهات المؤمنين، فقد وقعوا بأفخاخ المذهبية، نحن مستهدفين بديننا وبقرآننا، بأمهات المؤمنين، والمطلوب أن نبين أننا أمة لها تاريخها''.