في وجوب الاهتمام بالتقية وقضاء حقوق المؤمنين
قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
مثل مؤمن لا تقية له كمثل جسد لا رأس له، ومثل مؤمن لا يرعى حقوق إخوانه المؤمنين، كمثل من حواسه كلها صحيحة فهو لا يتأمل بعقله، ولا يبصر بعينه، ولا يسمع باذنه، ولا يعبر بلسانه عن حاجته، ولا يدفع المكاره عن نفسه بالادلاء بحججه ولا يبطش لشئ بيديه، ولا ينهض إلي شئ برجليه، فذلك قطعة لحم قد فاتته المنافع، وصار غرضا لكل المكاره، فكذلك المؤمن إذا جهل حقوق إخوانه، فاته ثواب حقوقهم، فكان كالعطشان بحضرة الماء البارد فلم يشرب حتى طفى وبمنزلة ذي الحواس لم يستعمل شيئا منها لدفاع مكروه، ولا لانتفاع محبوب، فاذا هو سليب كل نعمة، مبتلى بكل آفة.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام:
التقية من أفضل أعمال المؤمن، يصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين.وقضاء حقوق الاخوان أشرف أعمال المتقين، يستجلب مودة الملائكة المقربين وشوق الحور العين.
وقال الحسن بن على عليهما السلام:
إن التقية يصلح الله بها امة، لصاحبها مثل ثواب أعمالهم، وإن تركها ربما أهلك امة، وتاركها شريك من أهلكهم. وإن معرفة حقوق الاخوان تحبب إلى الرحمن، وتعظم الزلفى لدى الملك الديان، وإن ترك قضاءها يمقت إلى الرحمن، ويصغر الرتبة عند الكريم المنان.
وقال الحسين على عليهما السلام:
لولا التقية ما عرف ولينا من عدونا ولولا معرفة حقوق الاخوان ما عرف من السيئات شئ إلا عوقب على جميعها، لكن الله عزوجل يقول

وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).
وقال على بن الحسين زين العابدين عليهما السلام: يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين:
ترك التقية، وتضييع حقوق الاخوان.
وقال محمد بن على عليهما السلام:
أشرف أخلاق الائمة والفاضلين من شيعتنا استعمال التقية، وأخذ النفس بحقوق الاخوان.
- وقال جعفر بن محمد عليهما السلام:
استعمال التقية لصيانة الاخوان، فان كان هو يحمي الخائف فهو من أشرف(خصال الكرم).والمعرفة بحقوق الاخوان من أفضل الصدقات والصلوات والزكاة والحج والمجاهدات.
وقال موسى بن جعفر عليهما السلام: - وقد حضره فقير مؤمن يسأله سد فاقته فضحك في وجهه، وقال: أسألك مسألة، فان أصبتها أعطيتك عشرة أضعاف ماطلبت، وإن لم تصبها أعطيتك ما طلبت - وقد كان طلب منه مائة درهم يجعلها في بضاعة يتعيش بها - فقال الرجل: سل.
فقال موسى عليه السلام: لو جعل إليك التمني لنفسك في الدنيا ماذا كنت تتمنى؟ قال: كنت
أتمنى أن ارزق التقية في ديني، وقضاء حقوق إخواني.
قال: فما بالك لم تسأل الولاية لنا أهل البيت؟ قال: ذاك قد اعطيته، وهذا لم اعطه، فأنا أشكر على ما اعطيت، وأسأل ربي عزوجل مامنعت.
فقال: أحسنت، أعطوه ألفي درهم، وقال: اصرفها في كذا - يعني العفص - فانه متاع يابسن وسيقبل [بعد] ما أدبر، فانتظر به سنة، وأختلف إلى دارنا وخذ الاجراء في كل يوم.
ففعل، فلما تمت له سنة، فاذا قد زاد في ثمن العفص للواحد خمسة عشر، فباع ما كان اشترى بألفي درهم بثلاثين ألف درهم.
وكان على بن موسى عليهما السلام بين يديه فرس صعب، وهناك راضة لا يجسر أحد منهم أن يركبه، وإن ركبه لم يجسر أن يسيره مخافة أن يشب به، فيرميه ويدوسه بحافره، وكان هناك صبي ابن سبع سنين، فقال: يا بن رسول الله أتأذن لي أن أركبه واسيره واذلله؟ قال: أنت؟ ! قال: نعم.
قال: لماذا؟ قال: لاني قد استوثقت منه قبل أن أركبه بأن صليت على محمد وآله الطيبين الطاهرين مائة [مرة]، وجددت على نفسي الولاية لكم أهل البيت.
قال: اركبه، فركبه، فقال: سيره.فسيره.
وما زال يسيره ويعديه حتى أتعبه وكده، فنادى الفرس: يا بن رسول الله قد آلمني منذ اليوم، فاعفني منه، وإلا فصبرني تحته.
[ف] قال الصبي: سل ما هو خير لك " أن يصبرك تحت مؤمن ".
قال الرضا عليه السلام: صدق [فقال:] اللهم صبره.فلان الفرس وسار، فلما نزل الصبي قال: سل من دواب داري وعبيدها وجواربها ومن أموال خزائني ما شئت فانك مؤمن قد شهرك الله تعالى بالايمان في الدنيا.
قال الصبي: يابن رسول الله [صلى الله عليك وآلك] وأسأل ما أقترح؟ قال: يافتى اقترح، فان الله تعالى يوفقك لاقتراح الصواب.
فقال:
سل لي ربك التقية الحسنة، والمعرفة بحقوق الاخوان، والعمل بما أعرف من ذلك.
قال الرضا عليه السلام: قد أعطاك الله ذلك، لقد سألت أفضل شعار الصالحين ودثارهم.
وقيل لمحمد بن على عليهما السلام: إن فلانا نقب في جواره على قوم، فأخذوه بالتهمة، وضربوه خمسمائة سوط.
قال محمد بن علي عليهما السلام: ذلك أسهل من مائة ألف ألف سوط في النار، [نبه] على التوبة حتى يكفر ذلك.
قيل: وكيف ذلك يابن رسول الله [صلى الله عليه وعلى آلك]؟ قال: إنه في غداة يومه الذي أصابه ما أصابه ضيع حق أخ مؤمن، وجهر بشتم أبي الفصيل وأبي الدواهي وأبي الشرور وأبي الملاهي، وترك التقية، ولم يستر على إخوانه ومخالطيه، فاتهمهم عند المخالفين، وعرضهم للعنهم وسبهم ومكروههم وتعرض هو أيضا، فهم الذين سووا عليه البلية، وقذفوه بهذه التهمة.
فوجهوا إليه وعرفوه ذنبه ليتوب، ويتلافى ما فرط منه، فان لم يفعل، فليوطن نفسه على ضرب خمسمائة سوط [وحبس] في مطبق لا يفرق [فيه] بين الليل والنهار.
فوجه إليه، فتاب وقضى حق الاخ الذي كان قد قصر فيه، فما فرغ من ذلك حتى عثر باللص، واخذ منه المال، وخلى عنه، وجاءه الوشاة يعتذرون إليه.
وقيل لعلى بن محمد عليهما السلام: من أكمل الناس [في] خصال الخير؟ قال:
أعملهم بالتقية، وأقضاهم لحقوق إخوانه.