حينما يكون الإسلاميون سفراء لليبرالية!!
هيثم بن جواد الحداد\\
لقد ظهرت في هذه الأيام طائفتان "مبتدعتان"، افترقتا في الدعوى، لكن مؤدى كلامهما واحد أو متقارب، إنه الانقضاض على المعهود السالف من الشريعة.. أما الأولون، فهم من نسبوا طريقتهم هذه إلى المنهج السلفي .. أما الفريق الثاني، فهم أصحاب المدرسة المقاصدية، الذين بالغوا في إعمال ما سموه هم "مقاصد الشريعة"..
ليس هذا ردا على من أباح الاختلاط بين الجنسين، ولكنه دراسة ـ أو ربما إشارة ـ لإشكالية في طريقة التفكير، ومنهج الاستدلال، كان القول بإباحة الاختلاط أحد مظاهرها، كما كان القول بعدم وجوب وحدة الأمة تحت خليفة واحد، وجواز بقائها ـ مبعثرة مشتتة ـ تحت أنظمة متعددة، مظهر آخر لها.
لقد أثارت تصريحات عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة، وقد نشرت في بادئ الأمر في جريدة عكاظ، والتي تمحورت حول موضوع الاختلاط بين الذكور والإناث، وأنّ "الاختلاط ليس كله محرمًا، وأنه كان ممارسًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم دون نكير"، أثارت موجة من الاستياء لدى شرائح كثيرة من المجتمع، بدءًا بطائفة بعدد من أهل العلم وانتهاء ببعض عوام الناس الذين استهجنوا هذه الدرجة من "الوقاحة" في إباحة الاختلاط بين الجنسين وقد نشأوا من نعومة أظفارهم على تحريم هذا الأمر والذي يعلم غير المتدين قبل المتدين أنه منبع كل شر..
وقد كان مستغربًا ـ إلى حد ما ـ أنّ هذه التصريحات جذبت انتباه بعض النخب العلمية من خارج السعودية، فسرعان ما أخرج بعض المشايخ والأساتذة والدعاة من دولة الكويت بيانا يستهجن ما أوردته الصحيفة من تصريحات عضو الهيئة، وأن ما تضمنه كلامه يعتبر شذوذا في الرأي، لم يقل به أحد من أهل العلم السابقين، وقد جاء بيان هؤلاء المشايخ قصيرًا على خلاف ردود غيرهم ممن رد على الغامدي، لكنه حمل معان كثيرة، ورسم منهجًا رصينًا غاب عن كثير من الردود التي فاقته طولا، أدعو إلى اقتفائه، وأسجل هاهنا ضم صوتي لصوتهم، ويجدر بالذكر أن هذه المبادرة كانت توسيعًا في رقعة "الرقابة الشرعية"، التي ربما كانت محصورة في وقت ما على علماء السعودية ومشايخها، فالثناء موصول لهم، وعلى بلائهم الحسن.
وقد كان من آخر هؤلاء الذين سلكوا ذلك الطريق وحمل بعضهم رايته من،
أتعب نفسه، وأضاع وقته
ـ على علم ـ ليخرج كتبًا في مئات من الصفحات، اكتشف فيها أن استعمال الآلات الموسيقية مباح، من ناحية أصولية، وفقهية، وحديثية! وأن حلق اللحية مباح، فمرد أمرها إلى عرف الناس، فتلقف فئام من الناس هذه المقولات فرحين بها، وكأنما كانوا يتنظرونها على أحر من جمر..، وثالث اكتشف أن صلاة الجماعة ليست فرضًا، ورابع اكتشف أن وحدة الأمة تحت خليفة واحد مجرد اجتهاد أملته الظروف السياسية في ذلك الوقت، وأن طبيعة النظام الدولي الجديد تقتضي أن لا توحد الأمة بهذه الطريقة، وخامس أن الجهاد دفاعي لحماية المشروع الإسلامي، وسادس أن الأمة مأمورة بالسكوت عن جور الحاكم، وأن مجرد التنفيس عن النفس ولو بالكلام "خروج" يبيح عرض الخارج، وماله ودمه، وسابع لم يبق بينه وبين أن يقول أخطأت الأمة بتحريمها لمبادلة المال بمثله متفاضلا إلا شعرات يسيرة، وثامن ...
لقد ظهرت في هذه الأيام طائفتان مبتدعتان، افترقتا في الدعوى، لكن مؤدى كلامهما واحد أو متقارب، إنه الانقضاض على المعهود السالف من الشريعة، وبذل الوسع في إثبات تناغمها مع القيم الغربية الليبرالية.
أما الأولون، فهم من نسب طريقته هذه إلى المنهج السلفي،
حتى قد قال بعض الصحفيين لأحدٍ مِن أشهر مَن عُرِف بالشذوذ في الآراء: "لقد رددت على أصحاب المنهج السلفي بأدوات سلفية!!، فالتترس بالدليل، ومحاربة التقليد، والتنقيب عمن قال بهذا القول، والمطالبة بالتثبت في حكاية الإجماع وعدم المبالغة في استعماله، هي تلك الأدوات التي أطلق عليها ذلك الصحفي أدوات سلفية.
أما الفريق الثاني، فهم أصحاب المدرسة المقاصدية،
الذين بالغوا في إعمال ما سموه هم "مقاصد الشريعة"، حتى أباحوا كل منصوص على تحريمه، وكل مجمع على المنع منه، بـ"مقاصد الشريعة"، بل قد رموا مخالفهم بالجمود، والوقوف عند الجزئي وإهمال الكلي، ثم نقبوا عن المخالف، ولا تخلوا مسألةٌ من قولٍ شاذ، فاحتفوا به، وجمعوا له شاذًا آخر، وضخموا الخلاف، وامتطوا ظهر الاجتهاد، فنقضوا المحكمات، وعمدوا إلى المشتبهات، ودعوا إليها، وهكذا حتى أصبحت مقاصد الشريعة أداة لهدم الشريعة.
وهكذا أغرق الفريقان القول، وتمالآ ـ إن أحسنا الظن بمراميهم ـ على إهمال قول السابقين مجتمعين، ولم يقيما وزنا لتتابع عمل الأمة، وتضخم لدى كل طائفة منها الاعتداد بفهمه لأدلة الشريعة، وبرز "احتقار" أفهام السابقين جليا في نتاجهم،
وكم تجد في كتاباتهم عبارة:
"وقد تأملت في الأدلة"، أو "وإذا تأملنا في الأدلة"،
ضاربين صفحا عن فهم الأئمة قبلهم، وكأنهم ـ أي أئمة العلم ـ، واحدًا تلو الآخر، عجزوا عن التأمل في الأدلة، وأهملوا كلياتها!.
نحن نتحدث عن طائفة ممن ينتسب إلى الخير ـ فيما يظهر ـ عمل أصحابها سفراء لليبرالية، شعروا أو لم يشعروا، فقد أحبهم الليبراليون واحتفوا بهم، ليمهدوا لهم الطريق، وهؤلاء الصالحون، كمغفلي رواة الحديث، أدخل عليهم أهل الفساد أحاديث فاستحسنوها، ورووها، وما هو إلا تترسا من أهل الباطل بمغفلي أهل الحق.
منقول بتصريف