وهل يتوب الليبرالي؟
بدر الغامدي
بين يديَّ مقال بعنوان: "توبة المغني، عن ماذا؟ عن الموسيقا!" كتبه حاطب من حطاب هذه الأيام الذين قذفتهم علينا الصحف، ولا شغل لهم إلا الكتابة، وليس هذا من باب الاختصاص أو الهواية المتقَنة - معاذ الله أن يكون هذا - ولكن لأنه لا معرفة ولا علم لديهم في أيِّ مجال، سوى الثرثرة على صفحات صحف المسلمين الذين ابتُلوا بهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، حتى صار أحدهم يضيق صدرُه إذا لم يسبق اسمه بتعريف (الكاتب)، وكأنها مرتبة علمية أو منزلة اجتماعية.
وقد قلت سابقًا وأقول: إن هذا من دلائل نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ إنه أخبر بمجيء زمان ينطق فيه الرُّوَيبِضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((الرجل التافِه يتكلم في أمر العامَّة))، وفي رواية: ((الفساق))، وفي رواية: ((سفلة الناس))، واختر ما شئت من أحد هذه الأوصاف لتطابقه على واقعنا اليوم.
وقد جاء عدي بن حاتم الطائي - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليجلس معه جلسة دعوة للإسلام، فممَّا قاله له - صلى الله عليه وسلم -: ((أليسوا - يعني: أحبار النصارى - يحلُّون ما حرَّم الله، ويحرِّمون ما أحلَّ الله فتطيعونهم؟))، قال عدي: بلى، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((فتلك عبادتهم)).
وهذه اليومَ من المنحنيات المفصلية، والقواعد الأساسية التي يختلف فيها أهل الإسلام من أهل السنة والجماعة، مع أصحاب الكلام في هذا الزمان، أعني بهم: أصحاب المذاهب الإلحادية المعاصِرة، من علمانية وما تفرَّع عنها من الليبرالية وغيرها، فهم يحرِّمون ما أحلَّ الله - تعدُّد الزوجات كمثال - ويبيحون ما حرَّم الله - نزْع الحجاب كمثال - سواء أطلقوا لفظ التحريم والتحليل صراحةً - وهو نادر - أو طبَّقوا هذا عمليًّا برفْضه وشنِّ الهجوم على شرع الله.
وهم في نشرهم للمحرَّمات بين المجتمع المسلم ومحاولة تطبيعها قد تخطَّوا خطوطًا حمراء شرعية، ابتداءً بارتكابهم هذه المحرَّمات، إلى تحليلها هوًى وشهوة، مرورًا بالمجاهرة بالمعصية، وانتهاء بدعوة الناس إلى الحرام، ومضادَّة شرع الله المعلوم بالنصوص الشرعية، فهذه ظلمات بعضها فوق بعض, ومَن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.
وعصاة أهل الإسلام يغلبهم الشيطان، والهوى، والنفس الأمَّارة بالسوء، فيقعون في الحرام، ولكنهم على يقين جازم بأن هذا محرَّم، وقد انتهكوا حدًّا من حدود الله، فتراهم يؤمِّلون التوبةَ ويعجلون إليها، ويسألون الله الغفران، وهو يقبل التوبة عن عباده.
أمَّا أهل الكلام المعاصرون من الليبراليين، فهل يتوبون إلى الله؟ وهل عندهم محرَّمات أصلاً؟ وما دائرة الحلال والحرام عندهم؟ أم أن هذه الحياة هي مرتَع لهم كالبهائم، يأكلون ويشربون بلا شروط أو قيود، وبلا حلال أو حرام؟
إن المتأمِّل في كلامهم اليوم ينهش فؤاده الحزْن؛ كيف وصل الحال ببعض أبناء المسلمين ممَّن اعتنقوا هذه المذاهب، فصار الأمر أشد؛ بعد أن كان يقع في الحرام ويُمَنِّي النفس بالتوبة، إذا به اليوم يحلله ولا يرى به بأسًا.
وماذا عساه يقول الليبرالي يوم يلقى الله ويقف بين يديْه؟! أم أن هذا أمرٌ فيه نظر لديه؟! وعلى كلٍّ: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [يونس: 30].