هناك العديد من المؤرخين الذين تناولوا شخصية همفر وبينوا كذب ما حيك حولها وحول علاقتها بالشيخ محمد بن عبدالوهاب ...
ولعل من اوفى الدراسات التاريخية الموثقة عن همفر ما جاء في رد كتبه الدكتور فهد السماري وجاء فيه ما يلي :
همفر شخصية مزيفة وصنيعة إعلامية وسياسية
رداً على د. أحمد شوقي الفنجري
بقلم : د. فهد بن عبدالله السمارى
أمين عام دارة الملك عبد العزيز
ليس غريبا أن يستخدم التاريخ كأداة إعلامية لتزييف الحقائق من أجل النيل من دولة أو مجتمع أو شخصية أو حركة، فلقد ظهرت العديد من القصص المنسوجة والمزورة والتي حبكت بشكل مثير واستخدمت بعض الأحداث التاريخية من أجل التشويه والدعاية السياسية المضادة، ولكن الغريب في الواقع هو أن ينساق بعض المثقفين والباحثين والكتاب وراء تلك القصص المزورة التي هي جزء من حرب إعلامية قذرة لا تمت إلى العلم بأية صلة، فلقد اطلعت على ما نشر في مجلة «روز اليوسف» في 15-21/7/2006م بقلم أحمد شوقي الفنجري بعنوان «جاسوس بريطاني ينشر الوهابية» معتمدا على كتاب مزيف لمؤلف مزور هو «همفر»، وجاء في تلك المقالة ما يؤيد مضمون ذلك الكتاب والوقوع في فخ الدعاية والتزييف الذي قصد من خلال صياغته وتزييفه. وأود هنا أن أشير إلى بعض النقاط لإيضاح جوانب هذا الكتاب المزيف كي يتنبه إليه القراء والباحثون والكتاب.
أولاً: يعد هذا الكتاب من الصنائع الإعلامية التي يبدو أن مصدرها مؤسسات أرادت النيل من الدولة السعودية والدعوة الإصلاحية وإثارة الفتن وبذور الشقاق بين المسلمين. ولقد ظهرت العديد من المؤلفات المزورة ضد المملكة العربية السعودية ومواقفها وتاريخها في هذا السياق.
ثانياً: ظهر هذا الكتاب في عدة طبعات إعلامية منذ الثمانينيات الميلادية بشكل يدل على أنه عمل مقصود لتشويه أساس الدولة السعودية، فالعنوان يتغير من طبعة لطبعة، واسم المترجم غامض، إذ استخدمت الحروف المختصرة وهو الدكتور «ج خ»، ويكفى أن العنوان يكشف عن هدف الكتاب حيث وردت عبارات إعلامية مثيرة يستحيل أن تكون موجودة في الأصل إن كان موجودا، فالغلاف الخارجي حمل عنوان «مذكرات مستر همفر: الجاسوس البريطاني في البلاد الإسلامية»، وجاء في الغلاف الداخلي صيغة أخرى للعنوان وهى «سيطرة الانكليز ودعمهم لمحمد بن عبد الوهاب أو مذكرات مستر همفر الجاسوس البريطاني في البلاد الإسلامية»؟
ثالثا: جاء في مقدمة الكتاب المصنوع هذا صياغة واضحة للهجوم على المملكة العربية السعودية وقادتها والهجوم على المذهب السني. وقام بتوقيع المقدمة اسم غامض أيضا حمل الحروف المختصرة الآتية «د.م.ع.خ». وأرخت هذه المقدمة في عام 1990م مما يدل على أن هذه طبعة جديدة أريد بها إحياء هذا الكتاب المزيف.
رابعا: من المعروف علمياً أن الكتاب المترجم إلى لغات أخرى يوجد له أصل بلغته، وفى حالة كتاب همفر المصنوع هذا لا نجد أن أصلا له بالإنجليزية، ولم يسبق أن اطلع عليه أحد من الباحثين. بل لقد بحثت شخصيا في أرشيف دار السجلات العامة بلندن وأرشيف وزارة الهند ووزارة المستعمرات في لندن التي ورد في هذا الكتاب المزيف أنها هي الجهة التي كلفت المؤلف بالمهمة، ولم أعثر على أصل له، بل لم أعثر على شخصية بريطانية بهذا الاسم فى تلك الفترة المبكرة باعتباره موظفا في وزارة المستعمرات كلف بمهمة شركة الهند الشرقية.. كما زعم الكتاب.
وهل يعقل أن تظهر مثل هذه المذكرات بالإنجليزية ولا يعرف عنها أحد سوى الجهة التي تبنت صناعته ونشره بالعربية، مع علمنا بأن المصادر الإنجليزية واضحة ومعلنة ومتوفرة ومتاحة وليست مجالا للسرية والانغلاق؟! أين هذه الأحداث والتطورات وهى برعاية وزارة المستعمرات البريطانية من التقارير التي نشرها مبعوثون بريطانيون زاروا المنطقة في القرن التاسع عشر الميلادى مثل ويليام بلجريف ولويس بيلى، وإذا رجعنا إلى التقارير البريطانية المشهورة مثل تقارير سلدانا البريطانية، والتي صدرت فى عام 1904م حول شئون نجد خلال الفترة من 1804-1904م precis of nejd affairs 1804-1904 ja saldanha, simla1904 وتضمنت رصدا بأبرز التطورات في تاريخ الدولة السعودية من منظور بريطاني لم يظهر به أي إشارة إلى ما ورد في هذا الكتاب المزعوم. خامسا: باستعراض نص المذكرات يتبين عجب العجاب الذي يستغرب أن يصدقه أحد، فهل يعقل أن يأتي هذا الشخص البريطاني ويملى على الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما يريد، والشيخ رحمه الله معروف بعلمه الشرعي وموقفه الديني واستقلاليته، كيف يصدق أحد اختزال دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مثل هذه القصة الخيالية المنسوجة وغير المعقولة على الإطلاق، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن آثار تلك الدعوة الإصلاحية تجاوزت أرض الجزيرة العربية لتجد لها صدى في مصر والشام والمغرب العربي والسودان وغيرها من البلاد العربية والإسلامية.
سادسا: إذا سلمنا بمثل هذا التزييف وتلك العلاقة المصنوعة، فلماذا غاب ذلك عن المعارضين للدعوة في عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبعده؟ فلقد ناقش عدد من العلماء جوانب عديدة من دعوة الشيخ واعترضوا عليها ولم يشر أحدهم إلى تلك العلاقة المزعومة؟!
سابعا: إن هدف الكتاب كما يتضح من عنوانه ومضمونه هو الترويج لاتهام دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب وتأسيس الدولة السعودية بأنها صنيعة بريطانية!! والترويج أيضا لقوة الفرس الشيعة وحرصهم على حماية الإسلام ومحاربة الكفار من أجل نشر بذور الفتنة والشقاق بين الشيعة والسنة، كما هو واضح من ثنايا نصوص الكتاب، انظر على سبيل المثال ص «7» حيث قال: «وكان المسلمون «الشيعة» في البلاد الفارسية أخطر حيث إنهم يرون المسيحية كفارا نجسين، فإن المسيحي عند الشيعي بمنزلة القذارة المتعفنة في يد أحدنا حيث يصرف همته في إزالته» وفى ص «9» ورد:«إن أهل السنة كانوا أقل اتباعا لعلمائهم، فإنهم يقيمون الولاء بين السلطان وبين شيخ الإسلام، وأهل الشيعة كانوا أشد ولاء للعلماء لأنهم يخلصون الولاء للعالم فقط ولا يعيرون السلطان أهمية كافية»؟! وانظر إلى الحديث عن الشيعة الواضح من حيث التأييد حيث يقول المؤلف المزيف: «وإننى أظن أن الحق مع الشيعة.. لأن الثابت من التاريخ الإسلامي حسب مطالعاتي أن علياً كان يمتاز بصفات نفسية عالية تؤهله للقيادة»؟! أليس هذا دليلاً واضحا على مصدر نشر هذا الكتاب المزيف؟
ولكي يهيئ الأرضية للترويج لفكرته وزيفه الأساسي بسط الكتاب المزعوم مسألة اهتمام بريطانيا بنشر المسيحية والقضاء على المسلمين متجاهلا ما حدث فعلا من حيث الاستعمار البريطاني ومقاصده السياسية والاقتصادية. ولنقرأ ما طلب من همفر من حيث مهمته: « أن تجد نقطة الضعف عند المسلمين والتي نتمكن بها من أن ندخل في جسمهم ونبدد أوصالهم.. أن تكون أنت المباشر لهذا الأمر إذا ما وجدت نقطة الضعف»، هل يصدق أحد هذا الزيف؟ هل يصدق أحد اختزال السياسة البريطانية الاستعمارية في مثل هذه المهمة المنوطة بشخص واحد من حيث البحث عن نقاط الضعف ومباشرة العمل على تبديد الأمة الإسلامية؟!
وعندما بدأ الكتاب المزيف الحديث عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وقال بأن المؤلف تعرف عليه عندما كان يتردد على دكان نجار في البصرة، وكان الشيخ يتقن اللغات الفارسية والتركية والعربية، وهذه أولى المغالطات إذ لم يعرف عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب إتقانه للغات أخرى غير العربية، كما أن تردد الشيخ على دكان لنجار وهو في البصرة غير متفق مع ما تذكره المصادر المعاصرة التي أشارت إلى انشغاله بالعلم الشرعي وتلقيه من العلماء في مجالسهم والمساجد؟! والمثير للاستغراب أن يشير المؤلف المزيف إلى أن اعتماد الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الكتاب والسنة هو نقطة الضعف التي تمكن من التسلل منها إلى الشيخ، وهذا أمر غريب إذ إن الاعتماد على هذين الأصلين -القرآن والسنة- مدعاة لرفض هذا البريطاني وعدم الدخول معه في صداقة أو علاقة وليس العكس؟! ويواصل المؤلف المزيف الحديث عن إقناع الشيخ بتغيير رأيه في أصول من الدين لا يمكن الاختلاف حولها سواء حول تحريم الخمر أو الصوم أو الصلاة وغيرها، وهذه أمور غير مقبولة.
وفى نهاية الكتاب يتم سرد الخطة البريطانية لتدمير الأمة الإسلامية ويضع شخصية الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مركز هذه الخطة، ثم يتم الحديث عن أن وزارة المستعمرات تمكنت من استمالة الإمام محمد بن سعود إلى جانب بريطانيا ليكتمل بذلك الهدف الأساسي من تزييف الكتاب وهو اتهام الدولة السعودية بأنها «صنيعة بريطانية»، لقد أخطأ مزيفو هذا الكتاب اختيار هذه الدعوة الإصلاحية المعروفة باعتمادها على مبادئ أصيلة من مبادئ الإسلام، وأخطأوا أيضا في اختيار قلب الجزيرة العربية التي لم تعرف استعمارا أو احتلالا طيلة التاريخ، لكي يختزلوا تاريخ أمة بأكملها تمكنت من إنشاء دولة إسلامية واسعة النفوذ تقوم على أساس ديني صحيح في تهمة مزعومة ومزيفة، والدليل الأهم هو أن الدولة السعودية عندما قامت في أرض الجزيرة العربية وبدأت بالدرعية، لم تأت من فراغ، لأن استقرار أسرة آل سعود في المنطقة يعود إلى أزمنة قديمة باعتبارهم ينتمون إلى قبائل بني حنيفة التي كانت تستوطن المنطقة، وتاريخها معروف، وأعادوا تأسيس حكمهم في الدرعية في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، وناصروا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي ليؤسسوا بذلك الدولة السعودية الأولى، وعندما سقطت تلك الدولة بفعل الهجوم التركي عليها بقيادة إبراهيم باشا سنة 1818م، عادت الدولة السعودية الثانية إلى الظهور سنة 1824م، وعندما سقطت الدولة السعودية الثانية بفعل الخلافات بين أبناء الإمام فيصل بن تركي سنة 1891م، عادت مرة ثالثة لتظهر في بداية القرن العشرين الميلادي عندما تمكن الملك عبد العزيز رحمه الله من استعادة تأسيسها في الرياض سنة1902م، ولتصبح ما يعرف اليوم بالمملكة العربية السعودية، هل هذه الدولة المستمرة والتي تضرب بجذورها في عمق التاريخ صنيعة أو ضمن مخطط مختلق- كما زعم هذا الكتاب المصنوع- أليست هذه التطورات تدل على أن الدولة السعودية راسخة وقوية ومبادئها واضحة مكنتها من الظهور عند اختفائها لعوامل سياسية؟
إذن علينا أن ننتبه إلى مثل هذه الكتب المزيفة والتي تشوه تاريخ بلادنا الإسلامية وتتجه بها نحو تعزيز الطائفية وإحداث الفتنة بين المسلمين، خاصة إذا كانت تستخدم التاريخ أداة لها لتمرير تهمها وأغراضها السياسية القذرة.
فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والدولة السعودية بريئة من جميع التهم التي وجهت إليها من خلال هذا الكتاب المزعوم، وليس هذا مجالا لمناقشة هذه التهم لأنها لا ترقى إلى النقاش لسذاجتها من جهة، وخبث صناعتها من جهة أخرى، وعدم استنادها إلى مصادر أو أسس علمية.
http://www.alradnet.net/paper/paperA...php?id_pap=501