العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الحــوار مع الــصـوفــيـــة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-04-09, 12:57 AM   رقم المشاركة : 1
صالح عبد الله التميمي
عضو ذهبي






صالح عبد الله التميمي غير متصل

صالح عبد الله التميمي is on a distinguished road


التبرك بآثر النبي صلى الله عليه وسلم بين المشروع والممنوع للشيخ عائض الدوسري

التبرك بآثار النبي بين المشروعوالممنوع [للشيخ عايض الدوسري]

بسم الله الرحمن الرحيم


*(كتبَالأستاذ (زهير كتبي) مقالة بعنوان بـ (التبرك بآثار سيدنا محمد مشروع وسنة مأثورة) ونُشرت في صحيفة الوطن السعودية في العدد (3045)، وقد رستُ ردي هذا للصحيفة، لكنهاللأسف لم تنشره!)
قبل أن أبدأ في التعليق التفصيلي على ما كتبه أخيالكريم (زهير)، أود أولاً أن أسجل شكري وتقديري لأخي الفاضل (زهير) على ما تضمنهمقاله من أمور صحيحة، وما فاض منه من محبة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم،ولا شك أن محبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فرضٌ لازمٌ لا يكون الإسلام إلابه، ومكانة نبينا الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم لا تعدلها مكانة، وحبه مغروسٌ فيأفئدة أهلِ الإيمان، تتجمل به القلوب وتتزين به الصدور، صلى الله عليه وآله وسلم.
وأعظم ما تكون هذه المحبة حين يلتزم المحب في التعبير عنها بما جاءت به سنةالمحبوب صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ الاتباعُ له هو أعظم برهانٍ على محبته محبةًحقيقيةً شرعيةً. ولأجل هذه النقطة بالذات أحببتُ التعليق على بعض ما كتبه الأخ زهيروفقه الله حول التبرك بآثار النبي –صلوات الله وسلامه عليه-، فقد لحظت في كلام الأخزهير أمرين اثنين:
الأمر الأول: أن أخي (زهيراً) يستدل بما لا يكون مطابقًا معدليله، فأدلة التبرك الصحيح يستدل بها على التبرك الممنوع، بل أحياناً يكون الدليلمعاكسًا للاستدلال، كما في قصة عمر رضي الله عنه مع الحجر الأسود، وتأتي.
الأمرالثاني: أن الأخ الكريمَ يُطلق دعاوى عريضة ومُطلقة بدون دليلٍ، فضلاً أن يكونالدليل صحيحًا، كقوله إن هذه الآثار المنسوبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، حقائقمتواترة، نقلها جيل عن جيل، أو كقصة منديل المسيح عليه السلام، إلى أخر تلكالدعاوى، ولم يكلّف نفسه التحقق من صحة ذلك، مع أن القاعدة عند العلماء: (إذا كنتناقلا فالصحة، أو مدعيا فالدليل).
وبعد هذه المقدمة، أشرعُ -بإذن الله- فيالبيان التفصيلي:
أولا: لم يُنكر أحد من علماء المسلمين قاطبة أو يشك في أنَّنبينا صلى الله عليه وآله وسلم هو أفضل الأنبياء وسيد البشر وخاتم المرسلين، كماأنهم يؤمنون ببركته صلى الله عليه وآله وسلم،وأنَّ بركتهنوعان:
النوع الأول: بركة معنويَّة، وهي نبوتهورسالته وشريعته، وما اشتملت عليه من الحق المحض، والرحمة العامة، والسعادة التامة،وأنها السبيل الوحيد إلى الفلاح والنجاح والفوز بمرضاة الله.
النوع الثاني:بركة حسيَّة، وهي بركة ذاتِه، وبركة آثاره الحسيَّةالمنفصلة عنه. فمن ذلك: تكثير الطعام، ونبع الماء بين أصابعه، وإبراء المريض، وغيرذلك مما ثبت.
وأما بركة ذاته وآثاره فلم يقع خلافٌ في ثبوتها، وجواز التبرك بها،ولا شك أنه صلى الله عليه وآله وسلم مباركٌ في ذاته وأفعاله وأقواله وآثاره، وقدكان أصحابه -رضوان الله عليهم- يتبركون بآثاره أثناء حياته وبعد مماته، وقد وقع بعضذلك تحت سمع وبصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أقرهم على فعلهم، وكل حديثصحيح ساقه أخي (زهير) في مقاله؛ فهو من هذا القبيل، لا يتجاوزه، ولهذا فلا خلاف حولهذه المسألة بالتحديد.
فالصحابة رضوان الله عليهم، كما ثبت في الصحيح، قد تبركوابمسح يده الشريفة الطاهرة أو غمسها في الماء رجاء بركتها، وتبركوا بشعره، وريقه،وعرقه، وما فَضُلَ من ماء وضوئه، أو بما لبسه من الثياب، أو ما فَضُلَ من طعامهوشرابه، وكان ذلك وقت حياته صلى الله عليه وآله وسلم.
أما بعد مماته، فقد ثبت فيالصحيح، أنَّ الصحابة رضي الله عنهم تبركوا ببقايا الآثار الحسيَّة المنفصلة منالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، كخاتمه، وبرده، وسيفه، وعصاه، وشعره، وثيابه،وآنيته، ونعله، وما شابهها.
ولذا فإن التبرك بآثار النبي، صلى الله عليه وآلهوسلم مشروعٌ، فعله الصحابة، ومن بعدهم التابعون لهم بإحسان، لأن بركة النبي، صلىالله عليه وآله وسلم، باقيةٌ في آثاره، وعلمنا مشروعية ذلك بما صح من الروايات التينقلت لنا فعل الصحابة وإقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فعلوا.
وهذهالأمور ليست كنوزًا مجهولةً مدفونة في أمّهات الكتب، بل هي معروفة ومنشورة ومشتهرةعند طلاب العلم، يَدرُسونها ويُدرِّسونها، لكنهم يفهمون المقصود منها فهمًاصحيحًا.
ثانيا: إذا ثبت أن التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشروع؛فلا بد من التنبه للنـتيجة العملية الواقعية للمسألة، وهي: هل بقي للمسألة وجود فيالواقع؟ بمعنى: هل يثبت الآن صحة أي أثر من الآثار التي يُقال إنها من الآثارالنبوية؟ ذلك لأن المسألة شرعية، فلا بد من التثبت فيما يُقال إنه من آثار النبيصلى الله عليه وآله وسلم، فنحن أمة إسناد وتثبت، وكما جاء الوعيد في نسبة القولالذي لم يقله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إليه؛ فكذا الأمر في نسبة فعلٍ أوأثرٍ له وهو ليس كذلك، وكما يُعرفُ ثبوت الحديث الشريف بأدلة وضوابط حدَّها علماءالحديث الأجلاء، فكذا لا بد من ثبوت ما يُزعم أنه من آثار النبي صلى الله عليه وآلهوسلم بأدلة وبراهين، و إلا جاز أن يَنسِبَ كلُّ أحدٍ إلى النبي صلى الله عليه وآلهوسلم ما يشاء من الآثار والأغراض للاتجار، أو نحوه من الأسباب.
فالكذبُ علىالنبي صلى الله عليه وآله وسلم جريمة شنيعة، وموبقة عظيمة، وكما كُذِبَ على النبيصلى الله عليه وآله وسلم في قوله وفعله وفي الانتساب إلى نسبه الشريف: كذلك كُذِبَعليه بادعاء آثارٍ له، وهي ليست كذلك في الحقيقة.
فالذي عليه العلماء المحققونسواءً المحدّثين المتثبتين أو حتى الآثاريين أنه لا يثبت شيء من ذلك اليوم! كماستأتي النقول.
وقد كان الذين كانوا يملكون شيئًا من آثار النبي صلى الله عليهوآله وسلم، ضنينين بما عندهم، فلم يكونوا يُؤثرون به غيرهم، ومنهم من كان حريصًاعلى أن تُدفن معه تلك الآثار، كما ثبت في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد رضي اللهعنه، أنَّ الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بردته إنما سألها ليجعلهاكفًا له إذا مات، فذهبت بدفنه.
وكما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليهوآله وسلم أعطى مُغَسِّلة ابنـته زينب -رضي الله عنها- إزاره كي تضعه على جسدابنـته في قبرها.
وقد رُويَ أنَّ بعض الصحابة والتابعين الذين كانوا يمتلكونشيئًا من آثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم جعلوها معهم في قُبورهم تبركًابها، كما رُوي عن معاوية –رضي الله عنه-، وكما رُوي عن الإمام أحمد رحمهالله.
وبعضُ آثاره، صلى الله عليه وآله وسلم، قد ثبت أنها فُقِدت، كما ثبت فيالصحيحين عن ابن عمر –رضي الله عنه- أن خاتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقع منعثمان –رضي الله عنه- في بئرٍ في المدينة يُدعى (أريس).
أيضًا نقلت كتب التاريخ،الاختلاف الكبير في مصدر البردة والقضيب، أما مصيرهما، فمنهم من قال إنها فُقدتِبدفنها مع معاوية –رضي الله عنه-، ومنهم من قال إنها من ضمن ما أحرقه التـتار فيبغداد سنة 656هـ، وأنها تلطخت بدم الخليفة العباسي المقتدر حينما داسه المغولبأحذيتهم حتى مات من الرفس، وأخذ هولاكو البردة والقضيب وأحرقهما وذر رمادهما، كمانقل ذلك السيوطي في كتابه كتاب تاريخ الخلفاء، والبغدادي في خزانة الأدب، والقرمانيفي تاريخ الدول. وكذلك نقلت كتب التاريخ ضياع (نعلين) يُقال أنهما للنبي صلى اللهعليه وآله وسلم في فتنة تيمورلنك سنة 803 هـ.
ولذلك علق العلامة والمؤرخ (أحمدتيمور باشا) في كتابه (الآثار النبوية) على ما يُوجد من آثار نبوية في (اسطنبول) بقوله: (لم نر أحدًا من الثقات ذكرها بإثبات أو نفي، فالله سبحانه أعلم بها، وبعضهالا يسعنا أن نكتم ما يخامر النفس فيها من الريب، ويتنازعها من الشكوك). وعلق أيضًاعلى موضوع الشعرات المنسُوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: أنه منالصعوبة معرفة الصحيح منها من الزائف!
ويقول خبير الآثار العالمي الشهير أ.د. عفيف البهنسي: إنه تمت دراسة الآثار التي يقال إنها نبوية في متاحف اسطنبولوالنـتيجة أنه لا يُمكن إثبات أي شيء منها تاريخيًا، حتى ما يُنسب للصحابة الكرام،وغاية الأمر أن النادر منها يُمكن أن يرقى زمنياً للقرن الأول، دون أن يوجد أيإثبات أثري وتاريخي أنها لفلان من الناس دون غيره.
وقال المحدث الألباني، وهوالمعروف بتبحره في علم الحديث: (ونحن نعلم أن آثار النبي صلى الله عليه وآله وسلممن ثياب، أو شعر، أو فضلات: قد فقدت، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجهالقطع واليقين).
ومما أدلة ذلك ما يُزعم أنه أثر قدم النبي صلى الله عليه وآلهوسلم في بعض البلدان الإسلامية، حيث قام العلامة المؤرخ (أحمد تيمور باشا) بالمقابلة بين تلك الآثار، ووجدها سبعة أحجار، لا يشبه أحدها الآخر، لا في الصورةأو المقدار أو الحجم!!
وهذا واقع يدركه الباحث المنصف، خلافًا لما ذكره أخي (زهير) حين قرر أنَّ الآثار النبوية الشريفة اليوم هي حقائق لا يمكن للأيام والسنينمحوها، وأنَّ المسلمين حفظوها في قلوبهم وأرواحهم .. إلخ. وهو كلام غير علمي.
وقد اختلف العلماء والمؤرخون في تعيـين مكان ولادة النبي صلى الله عليه وآلهوسلم، ولا تُوجد أدلة صحيحة يمكن التعويل عليها في إثبات ذلك. فقد قال المؤرخ (أبوسالم العياشي) في (الرحلة العياشية) : (والعجب أنهم عيّنوا محلاً من الدار مقدارمضجع، وقالوا له: موضع ولادته صلى الله عليه وآله وسلم، ويـبعد عندي كل البعدتعيـين ذلك من طريق صحيح أو ضعيف).
وقال المؤرخ (حمد الجاسر) : (هذا الاختلاف فيالموضع الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يحمل على القول بأن الجزم بأنهالموضع المعروف عند عامة الناس باسم المولد، لا يقوم على أساس تاريخيصحيح).
واختلاف العلماء في موضعٍ مثل هذا، يدل دلالة قطعيَّة على عدم اهتمامالصحابة والتابعين بتلك المواضع، وإلا لو كانت محل زيارة وعناية لما خفيَّ الموضعألبتة.
ومما يدل دلالة برهانيَّة: ما ثبت في الصحيحين، عن طارق بن عبدالله، أنهقال: (انطلقتُ حاجًا، فمررتُ بقوم يصلون. قلتُ: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرةحيث بايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيعة الرضوان. فأتيتُ سعيد بن المسيبفأخبرته. فقال سعيد: حدثني أبي، أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وآلهوسلم تحت الشجر، قال: فلما خرجنا من العام المقبل أنسيناها فلم نقدر عليها. فقالسعيد: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم يعلموها، وعلمتموها أنتم! فأنتمأعلم؟!).
وكما ثبت في صحيح البخاري عن عبدالله بن عمر أنه قال: (رجعنا العامالمقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها! كانت رحمة منالله).
فهذا يدل دلالة واضحة جدًا أن هذا الموضع مع أهميته العالية، ومناسبتهالشريفة جدًا، ومع كونه في طريق حجهم وعمرتهم، ومع كونهم شهدوا الموضع وهم أعدادٌغفيرة، إلا أن جمهور الصحابة لم يعرف الموضع، واختلط عليهم، فإذا كان ذلك في مثلهذا الموضع الشهير ولهؤلاء: فكيف بغيره من المواضع ولغيرهم؟
قال الإمام النوويالشافعي: (قال العلماء: سبب خفائها؛ أن لا يُفتن الناس بها، لما جرى تحتها من الخيرونزول الرضوان والسكينة).
ومع ذلك، فإنه لما نسبَ بعضهم مكاناً للشجرة، وأخذوايأتونها للتبرك، وبلغ ذلك الفاروق رضي الله عنه: أمر بقطع تلك الشجرة، قطعًا وحسمًالأي موضعٍ أو مادة تُفضي إلى الشرك.
وكمثال واقعي على تخبط العوام اليوم وعدمالاعتداد بما يُشتهر عندهم: أنه تُتداول صورة مشتهرة يُزعم أنها صورة قبر النبي صلىالله عليه وسلم من داخل الحجرة، ويعلّقها وينشرها كثيرون مصدقين ما قيل لهم،ويعتزون بها، وهي في الواقع صورة قبر جلال الدين الرومي الصوفي في قونية بتركيا! لكن العوام -بل حتى بعض الخواص- لا يتثبتون كما أمر الشرع! ورسخ عندهم أنها منالحقائق على تعبير الأخ المكرم زهير!

ثالثا: وهنا نأتي لما احتج به الأخالفاضل (زهير)، فنقول: أما ما احتج به من فعل عبدالله بن عمر –رضي الله عنه- الذيكان يتـتبع مواضع وأماكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يصح الاحتجاج به، لأنهكان يفعل ذلك متابعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس تبركًا بتلك الأماكن التيلم يقصدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذاتها أو لبركة فيها، بل من غير قصد. وقداشتهر عبدالله بن عمر بحرصه على متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل شيء،فلم يكن يفعلها طلبًا للبركة في تلك الأماكن، بل كان يفعل ذلك لشدة حرصه على متابعةالرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
والذي يدل عليه ما رواه المعرور بن سويد،بإسناد صحيح على شرط مسلم، حيث قال: (خرجنا مع عمر بن الخطاب، فعرض لنا في بعضالطريق مسجد، فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر: أيها الناس، إنما هلك من كانقبلكم باتباعهم مثل هذا، حتى أحدثوها بِيَعاً، فمن عرضت له فيه صلاةٌ فليصل، ومن لمتعرض له فيه صلاة فليمض).
وقد ثبت في الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليهوآله وسلم: (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه)، وفي آخر صحيح: (عليكم بسنتيوسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليهابالنواجذ).
وأما استدلال الأخ (زهير) بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنيأعرف أنك حجر لا تضر ولا تنفع لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك). فإنهاستدلالٌ على عكس مقصود عمر، إذ أن الحجر مما مسته يد الأنبياء، كما مسته يد نبيناالكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك قبّله بفمه الشريف، فلو كان ذلك يقتضيالبركة، لكان تقبيل الحجر لسببين: البركة فيه، ولأجل الاقتداء بالنبي صلى الله عليهوآله وسلم، والذي أثبته عمر إنما هو المتابعة، ونفى غيره، وهذا ما يُـبطل استدلالالأخ (زهير) به، بل هو على عكس مراده، فعمر –رضي الله عنه- نفى أن يكون تقبيل الحجرمن أجل البركة، وأثبت أن الأمر مجرد عبادة واتباع وانقياد لفعل النبي صلى الله عليهوآله وسلم.
ويجب أن يسأل الإنسان نفسه: لماذا خصَّ عمر –رضي الله عنه- هذاالاستثناء بالحجر الأسود دون سواء؟ أليس في هذا الدليل أن المسألة مسألة عبادةومتابعة، لا مسألة تبرك؟ لذلك اتفق العلماء على أنه لا يشرع استلام وتقبيل مقامإبراهيم –عليه السلام-، مع أنه موضوع قدمي الخليل عليه السلام، فكيف يُشرع التبركبما لم يثبت ببرهان أنه من آثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو بما لم يقصدهالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لذاته؟
قال الإمام النووي الشافعي: (لا يُقبّلمقام إبراهيم ولا يستلمه، فإنه بدعة).
وروى ابن جرير عن قتادة قال: إنما أمرواأن يصلوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه. ولقد تكلفت هذه الأمة شيئاً ما تكلفته الأممقبلها.
يقولون هذا في المقام، مع أنه مقامُ نبيٍ من أنبياء الله –تعالى-. وقدقال ابن القيم في زاد المعاد: (ليس على وجه الأرض موضعٌ يُشرع تقبيله واستلامه،وتُحط الخطايا والأوزار فيه؛ غير الحجر الأسود، والركن اليماني).
وقال الإمامالنووي: (يكره مسحه –أي قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم- باليد وتقبيله، بلالأدب أن يـبتعد منه كما يـبتعد منه لو حضر في حياته صلى الله عليه وآله وسلم، هذاهو الصواب، وهو الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه، وينبغي أن لا يُغتر بكثير منالعوام في مخالفتهم ذلك.. ومن خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة، فهومن جهالته وغفلته، لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع).
ولو جاز التقبيلوالتمسح بكل ما مسَّه النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، لرأينا الصحابة -رضي اللهعنهم- يتمسحون بجدران بيته والأماكن التي مسّها صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا مالم يُنقل ألبتة لعدم حصوله. ثم التقبيل والتمسح إنما يُفعل كعبادةٍ، والعبادة لا بدلها من دليل، مثلها مثل الطواف والسعي.
ولو جاز جعل القبر محلاً للتقبيل والتمسحوالتبرك والطواف: لكان عيدًا يقصده الناس للاجتماع والتعظيم، وطلب الحاجة، وهذا مانهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لاتجعلوا قبري عيدًا، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنـتم).
وفي الصحيحين أن النبي صلىالله عليه وآله وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). قالت عائشة رضي الله عنها: (لولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خَشي أو خُشي أن يُتخذمسجدًا).
ولذلك لم يثبت أن أحدًا من الصحابة أو من التابعين لهم بإحسانٍ قدتبركوا بقبر النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، أو أمروا بذلك، بل كانوا ينهون عنذلك.
ومما استدل به الأخ (زهير) قصة (منديل المسيح) ووصفها بأنها رواية رائعة. أقول: ما هكذا يستدل أهل العلم، فإن هذه القصة باطلة، ولا أساس لها من الصحة، حيثأن المؤرخ (حسين الديار بكري) ساقها في كتابه (تاريخ الخميس) من غير سندٍ أو مصدرٍ،مع أن ما بينه وبين الحادثة نحو ثمانمائة سنة، هذا أولاً.
الأمر الثاني: أنالقصة لو صحت لا دلالة فيها على اهتمام المسلمين بذلك المنديل، وبل فيها دلالةاهتمام الكفار بذلك، وهذا ليس حجة في دين المسلمين.
الثالث: أننا أمام أمريناثنين: إما أن المنديل ثبتَ أنه للمسيح عليه السلام أو لم يثبت، فإن كان لم يثبتفلا دلالة في القصة إلا على تعظيم الكفار لمثل هذه الأمور، فهو دليل ضد الأخ زهيرلا معه. وإن ثبت أنه منديل المسيح فدلَّ على تفريط المسلمين بآثار الأنبياءالثابتة، وتسليمها للكفار، وهذا يخالف كلام الأخ (زهير) من أنَّ المسلمين حفظوها فيقلوبهم وأرواحهم، وعاشوها في حياتهم، ثم قاموا بنقلها تامة لتحفظ في عقولالأجيال!
أما قول الأخ (زهير) : (والتبرك لا يعني الشرك، بل إنه لا يؤدي إلىالشرك كما يخاف ويظن البعض، فالعقيدة الإسلامية راسخة في القلوب والعقول).
إنكان يقصد التبرك المشروع الذي تقدم شرحه فصحيح، وإن كان يقصد التبرك الممنوع، فهذامخالفٌ للواقع المشاهد والمسموع الذي يعرفه كل من له أدنى اطلاعٍ على أحوال الناس،فقد رأيتُ بنفسي في مصر -في مكانٍ يُزعم أنه قبر رأس الحسين رضي الله عنه- الناسيطوفون على القبر كالكعبة، ويستلمون إحدى زواياه بالتكبير، ثم يطوفون عليه،ويتمسحون به، ويدعون الحسين باسمه أن يشفي مرضاهم ويُغني فقراءهم، فلما أنكرتُعليهم ذلك، قال لي أحد سدنة القبر، مستدلاً على صحة فعلهم، وفاسد قولي: إنه شاهد يدالحسين عيانًا بيانًا تُسلم عليه وتُقره على فعله ذلك!
ويمكنك أن تشاهد القنواتالفضائية، أو المقاطع المرئية على الإنترنت، لترى حجم البدع والشرك والانحراف الذيوقع فيه كثيرٌ من المسلمين، فقد رأيناهم وسمعناهم يزعمون أن الولي الصالح أو الإمامهو الذي يخلق ويحيي ويميت ويقبض الأرواح، ويجري السحاب ويهزم الأحزاب، وغير ذلك مماتشيب له رؤوس الأطفال!
قال الإمام الشوكاني: (وكم سرى عن تشييد أبنية القبوروتحسينها من مفاسد يـبكي لها الإسلام، منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفارللأصنام، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضر، وسألوا منها ما يسألهالعباد من ربهم).
وإن أردتَ شهادةَ من غير أهل السنة، فعليك بما كتبه آية اللهالعظمى (محمد الخالصي) في كتابه (علماء الشيعة) أو في رسالته إلى (رئيس الحكومةالإيرانية) حيث بيَّن أنه ما من مدينة أو قرية في إيران إلا ويوجد فيها قبر أو شجرةأو صخرة يقدسها الناس، ويلجؤون إليه في قضاء حوائجهم.
بل اقرأ كتب الصوفيةوكراماتهم والتراجم المتأخرة وستـتكرر أمامك كثيراً عبارة: وقبره تُقضى عندهالحاجات، وتفرّج فيه الكربات! وقبره ظاهر يُزار ويُتبرك به! وأشد من ذلك!
ولاأدري لو أن الأخ زهيراً رأى عمرَ بن الخطاب –رضي الله عنه-، وهو يقطع تلك الشجرةحتى لا يفتتن الناس بها، فهل سيعترض عليه، ويقول: إن العقيدة الإسلامية راسخةٌ فيالقلوب والعقول؟!

أما قياسُه ثبوت مواقع بعض الآثار المزعومة بموضع (إبليس) – كما تسميه- فقياس غير صحيح، لأننا عرفنا مواضع الجمرات وغيرها: من فعل النبي صلىالله عليه وآله وسلم، وهو يُؤدي المناسك و يحدد المشاعر، فهذا دينٌ أُخذ من الرسولصلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي أمرنا بذلك، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: (خذوا عني مناسككم)، فعرفنا بها ثبوت مواضع المناسك بصورة قطعية. وليس هناك نقلٌثابتٌ من وقت خليل الرحمن –عليه السلام- إلى اليومَ يمكن التعويلُ عليه في إثباتتلك المواضع التي وقف فيها إبليس.
أما الاستدلال بأقوال علماء النفس والاجتماع،فليس بحجة في العقيدة والدين، فالدين يُؤخذُ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليهوآله وسلم، وليس علم النفس حجة في الدين والعقيدة.
كما أنه لا يجوز الاحتجاج فيالعقيدة الإسلامية بما فعله الفراعنة واليهود والنصارى والوثنين، كيف ذلك ونبيناالحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، كما رواه البخاري، قال: (لتتبعن سنن من قبلكمشبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لسلكتموه). وكذا قال صلى الله عليهوآله وسلم، كما رواه البخاري أيضًا: (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرونقبلها، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع. فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: ومنالناس إلا أولئك). بل ذلك عين المخالفة للحديث الصحيح: (لا تُطْروني كما أطرتالنصارى عيسى بن مريم)!
ولذا، فنحن نفتخر ونعتز ونتبرك باتباع سنة نبينا الحبيبصلى الله عليه وآله وسلم، وما ثبت عنه، وما فعله الصحابة رضوان الله عليهم، ولايسعنا إلا أن نتبعهم شبرًا بشبر. ولذا فنحن نؤمن بالتبرك الذي دلَّ عليه النقلالصحيح، كالتبرك بتلاوة القرآن الكريم، وذكر الله، والتبرك بذات النبي في حياتهوبما ثبت من آثاره المنفصلة عنه، ونتبرك بدعاء الصالحين لا بذواتهم أو آثارهم،ونتبرك بشرب ماء زمزم، ونحوه مما أرشدنا النص الصحيح إليه، فهذه عبادة، والعبادةتوقيفية لا اجتهاد فيها ولا قياس.
وكذلك نؤمن ببركة ما ثبت في الصحيح، كبركة مكةوالمدينة، والأقصى، والشام، واليمن، وبركة عجوة المدينة، وبركة شجرة الزيتون،والنخلة، وبركة اللبن، وبركة السحور، وبركة المطر، وبركة الخيل، إلى آخر ما ثبت. وبركة بعض الأزمان؛ كأيام رمضان، والعشر من ذي الحجة، وأيام التشريق، وليلة القدر،ويوم الجمعة، وبركة الثلث الآخير من الليل، وغيرها.
نأخذ كل ذلك من قوله وفعلهصلى الله عليه وآله وسلم، وفعل أصحابه رضي الله عنهم، لا من الفراعنة أو الوثنيينواليهود والنصارى!
رابعاً: بعد اتضاح الموضوع للمنصف المتّبع للدليل الصحيح فلابد من بيان نقطة أخرى مهمة جدًا تتصل بالمقام، وهي: أنه لا يوجد شخصٌ يساوي النبيصلى الله عليه وآله وسلم أو يُدانيه في الفضل، ولذا فإن بركة ذاته وأفعاله وآثارهخاصةٌ به صلى الله عليه وآله وسلم، ليست لأحدٍ غيره، ونحن إنما علمنا مشروعيةالتبرك بذاته وآثاره صلى الله عليه وآله وسلم من فعل الصحابة -رضوان الله عليهم- ومن إقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم بذلك واستحبابه ذلك، ومن الطريق نفسهعلمنا عدم مشروعية التبرك بغيره؛ علمناه بما صحَ عن الصحابة رضوان الله عليهم. فهذاالأمر دين، والدين يُؤخذ بالنقل الصحيح، وليس بالأقيسةِ أو استحسان العقل، فالأصلُفي العبادات أنها لا يُشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم،والدين قد تمّ وكَمُل بنص الآية الكريمة، ولم يـبق فيه مجالٌ لمستدرك.
فلميُنقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أو استحب لأصحابه التبرك بذات غيره أوآثاره، ولم يُنقل أن أحدًا من الصحابة –رضي الله عنهم- تبرك بذات غير النبي صلىالله عليه وآله وسلم أو آثاره، لا في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا بعدمماته.
كذلك لم يتبرك أحد من الصحابة بأصحاب السبق والفضل فيهم، كالخلفاءالأربعة، أو العشرة المبشرين بالجنة.
قال الإمام الشاطبي في كتابه (الاعتصام) عنالصحابة: (لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركًا تبرك به على أحد تلكالوجوه أو نحوها -يعني التبرك بالآثار- بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعالوالأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو إذن إجماعٌمنهم على ترك تلك الأشياء).
ثم بيَّن الإمام الشاطبي سبب إجماع الصحابة على تركالتبرك بغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنهم اعتقدوا فيه الاختصاص، وأنَّ منتبرك بغيره فهو مُبتدع.
وقد أكد الإمام ابن رجب على أنَّ التبرك بالآثار إنماكان يفعله الصحابة مع النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكونوا يفعلونه معبعضهم، ولم يكن يفعله التابعون مع الصحابة.
قال ابن رجب: (دل على أن هذا لايُفعل إلا مع النبي، صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي الختام نسأل الله الهدايةوالتوفيق والسداد لجميع المسلمين، وأن يجعلنا ممن اتبع النبي صلى الله عليه وسلمالاتباع الكامل فأحبه الله وغفر له، كما قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون اللهفاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)، آمين.
______

منقول من ملتقى أهل الحديث____________






 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:24 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "