العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتـــــــــديات العـــــــــــامـــة > الــــحــــــــــــوار العــــــــــــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-04-06, 09:46 PM   رقم المشاركة : 1
بايعقوب
عضو ذهبي






بايعقوب غير متصل

بايعقوب is on a distinguished road


دكتوراه للبيع / فهمي هويدي (مقال يستحق )

المختصر/
الشرق ق / هذه فضيحة من العيار الثقيل، تضرب بقوة سمعة مصر الثقافية، وتسلط الضوء على المدى الذي بلغه الفساد حتى طال رأس الهرم التعليمي، وهتك عرض أعلا الشهادات وأرفعها، حتى حولها إلى سلعة مبتذلة تباع وتشترى على أرصفة سوق النخاسة الجديد.
(1) كنت قد كتبت في الأسبوع قبل الماضي عن مأساة التعليم في مصر بمختلف مراحله، وتحدثت عن «الصفر الأكاديمي» الذي انحطت إليه جامعاتنا، حتى أخرجت من قوائم المؤسسات العلمية المحترمة. واستشهدت في ذلك بإعلان نشره أحد أساتذة الجامعات عن استعداده لتوريد الأبحاث العلمية اللازمة للراغبين في الحصول على الماجستير والدكتوراه، وقلت إن هذه ظاهرة تفشت في مصر خلال السنوات الأخيرة. غير أن الأسطر القليلة التي عرضت فيها للمسألة فتحت عليَّ باباً ما تمنيت أن ألج فيه، وكشفت لي وجهاً قبيحاً ما تمنيت أن أراه، ليس فقط لفداحة المعلومات التي توافرت لي، ولكن لان بعضها اسقط من عيني أناساً كنت احسن الظن بهم، حين أقرأ ما ينشر بأسمائهم أو أراهم يتحدثون بثقة وثبات على شاشات التليفزيون، في مختلف شؤون الكون.
أدري أن ثمة ولعاً شديداً بالألقاب في مصر والعالم العربي بوجه أخص. وانه في أزمنة التراجع، وفي العالم الثالث عموماً، لا تقاس قيمة المرء بما يضيفه في مناحي الخير والبناء والمعرفة، ولكنها تقاس بمقدار وجاهته سواء استمدها من مال وفير أو ألقاب كثيرة. فسقراط وأبو حنيفة والعقاد واحمد أمين، لم يحتاجوا إلى ألقاب لكي يثبتوا حضورهم في التاريخ، لكن من دونهم بكثير، ممن ليست لهم أي بصمة على صفحات التاريخ ولن يكون لهم فيه ذكر، هؤلاء يتعلقون بأهداب الألقاب ولا يرون لأنفسهم حضوراً إلا من خلالها.
من خبراتنا عرفنا أناساً اخذوا الدكتوراه بالنية، بمعنى أنهم بدأوا الرحلة فعلاً ولكنهم لم يكملوها لسبب أو آخر. وبين رجال السياسة والإعلام والأعمال نماذج من ذلك القبيل. عرفنا آخرين أضافوا اللقب إلى أسمائهم بالمجان بمجرد دخولهم إلى مجال العمل العام، وهم مطمئنون إلى أن أحداً لن يفتش وراءهم ويكشف الانتحال، وهؤلاء كثر أيضاً. عرفنا كذلك أن البعض اشترى الشهادة من دول أوروبا الشرقية أيام الاتحاد السوفييتي، أو أهديت إليهم لأسباب سياسية (رفاقية). كما عرفنا عدداً من الضباط حرصوا على اقتناء اللقب بعد ثورة يوليو 52، فحصلوا على الدكتوراه التي جرى «تفصيلها» لتتناسب مع الصدارة السياسية التي تبوؤوها، وكان ذلك على سبيل المجاملة في اغلب الأحوال.
تعددت الحكايات في هذا الصدد، وطالت أطروحات الماجستير بطبيعة الحال، وفي هذا وذاك فان الأمر ظل ظاهرة استثنائية في المحيط الأكاديمي المصري.
(2) في إطار المتغيرات السلبية التي طرأت على مصر منذ عصر الانفتاح بوجه أخص، الأمر الذي احدث انقلاباً في منظومة القيم الاجتماعية السائدة، وتآكلاً في تقاليد مختلف المهن، لم تنج الجامعات من أصداء ذلك الانقلاب، وكان من تجليات تدهورها أن ظهرت في مدينة القاهرة وحدها اكثر من عشرة مراكز تتولى إعداد اطروحات الماجستير والدكتوراه للراغبين في مختلف مجالات العلوم الإنسانية. (لم يتح لي أن أتقصى المراكز المماثلة التي تتعامل مع تخصصات الكليات العملية)- وما اعنيه بالمراكز هو تلك المؤسسات التي تتخذ مقار في شقق سكنية، ولها مديرون وجهاز إدارة وفريق من الباحثين الذين يتولون «طبخ» الرسائل المطلوبة. لكن المراكز ليست كل شيء، لان هناك آخرين- ليسوا قلة- يباشرون العمل من «منازلهم». ويستعينون في ذلك ببعض المعاونين، والذين يقومون على تلك الأنشطة هم بعض الأساتذة المخضرمين في الجامعات، منهم رؤساء أقسام ووكلاء كليات.
حين تحريت الأسعار التي تدفع في تلك السوق الخفية وجدتها كالتالي: الدبلوما تتراوح بين ثلاثة وعشرة آلاف جنيه- الماجستير بين 20 و40 ألف جنيه- الدكتوراه بين 40 و60 ألف جنيه. وفي كل الحالات فان السعر يصل إلى حدوده الدنيا أو القصوى حسب طبيعة الموضوع وشطارة الزبون.
الأمر ليس مقصوراً على الاطروحات الجامعية، لان تلك المراكز تقدم خدماتها لأي راغب مطالب بتقديم ورقة بحث لأي مناسبة، ومعظم الندوات التي تقام في منطقة الخليج يعتمد المواطنون المشاركون فيها على أوراق أعدت لحسابهم في القاهرة، وتم شراؤها بقيمة تختلف من بحث إلى آخر.
اكثر من ذلك، وجدت أن مسؤولي المراكز وفروا للبعض كتباً صدرت بأسمائهم دون أن يخطوا فيها حرفاً. وطبخوا لآخرين مقالات نشرت لهم بالصحف والدوريات، ومن هؤلاء أشخاص غير موهوبين أرادوا فقط إثبات الوجود والتطلع إلى الشهرة. مما سمعته في هذا السياق انه بعد الوفاة المفاجئة لأحد كبار الصحفيين، فان واحداً من المنسوبين إلى المهنة طلب من أحد المراكز إعداد كتاب عن الفقيد على وجه السرعة- ولان كله بثمنه، فقد تمت الاستجابة لرغبته، و «طبخت» مادة الكتاب خلال 24 ساعة، ثم صدر بعد أيام «بقلم» صاحبنا المذكور.
(3) مجتمع المافيا الثقافية يعتمد في كل ما يسوقه على جيش صغير من الجنود المجهولين، الذين يقومون بتجميع المواد وصياغتها وتلفيقها، ثم إخراجها في أطروحة أو بحث أو مؤلف يحمل اسماً رناناً. هذا الجيش يأتمر بأمر الأكاديمي المخضرم الذي يدير المركز، ويعقد الصفقات مع الراغبين. وهؤلاء الجنود المجهولون من الشبان عادة، ويشتركون في ثلاث صفات أساسية، أولاها انهم من أبناء الأقاليم الذين يفدون إلى القاهرة بحثاً عن العمل. ثانيتها انهم من الفئات المسحوقة التي هدها الفقر وقسا عليها الزمن. ولان الجوع كافر، فقد اصبح هؤلاء مستعدين لفعل أي شيء يسد الرمق ويسترهم ومن يعولون. ثالثتها انهم موهوبون يتمتعون بذكاء شديد وكفاءة عالية، لكنهم لم يجدوا فرصة طبيعية لاستثمار قدراتهم، فلم يترددوا في أن يبيعوا عرقهم لغيرهم بأي ثمن.
إذا توافرت تلك العناصر في أي شاب، فانه يصبح مرشحاً نموذجياً مطلوباً للمراكز التي نتحدث عنها. لا يهم بعد ذلك أن يكون جامعياً أم لا، أو له صلة بموضوعات البحث التي يكلف بها أم لا.
في رحلة تقصي الظاهرة، تعرفت على واحد من هؤلاء، سأشير إليه بحرف (س) على سبيل الاحتياط. وهو شاب موهوب، ظل متفوقاً على أقرانه طيلة سنوات دراسته، حتى كان الأول على مستوى الجمهورية في امتحان الشهادة الإعدادية. لكن الحاجة حالت بينه وبين التفكير في الالتحاق بالجامعة. فاكتفى بالحصول على دبلوم التجارة المتوسطة، وكان عليه بعد ذلك أن يخوض بسرعة غمار الحياة، ليدبر قوت أسرة مكونة من ثمانية أفراد، مات عائلها في وقت مبكر. طرق الفتى كل باب صادفه، وتقلب في أعمال كثيرة، بدت له مسلسلاً لا نهاية له، حفلت حلقاته بآيات القسوة والجشع والمهانة. أما أبطاله فكانوا نفراً من الأقوياء الذي استخدموا بعض ذوي النفوذ لقهر العاملين لديهم ومص دمائهم.
بعد عذاب دام سنين، عمل (س) فراشاً في أحد المكاتب الصحفية. حيث وجد نفسه في مسار له علاقة بالقراءة والكتابة. وعاش تجربة تعلم فيها أشياء كثيرة، واطلع على بعض خلفيات صناعة النجوم المزيفين. بأم عينيه شاهد ذات مرة حارس البناية، الذي كان بدوره من الفقراء النابهين، وهو يعرض على مدير المكتب محاولاته في كتابة بعض أفكاره التي كتم صاحبنا إعجابه بها، واحتفظ بالمخطوطة في مكتبه. وبعد حين أصدرها كتاباً باسمه، تحول في وقت لاحق إلى مسلسل إذاعي، تصدر مقدمته اسم «الكاتب الكبير»! (للعلم: صدر للكاتب المذكور اكثر من 17 كتاباً لم يضع بصمته في أي منها).
في المكتب تعرف (س) على آخرين، أوصلوه إلى أحد المراكز «الأكاديمية» في مصر الجديدة، وبعدما نجح في الاختبار الأول، خضع مع زملائه لعملية تدريب على كيفية توفير المعلومات من مظانها في الكتب المهمة ومختلف المراجع. وتقدم بسرعة في وظيفته، حتى أتقن كيفية إعداد مشروع الرسالة، وكيف يساعد صاحبها على اجتياز المناقشة التي تسبق عملية تسجيلها. وبعد التسجيل اصبح بمقدوره تلفيق الرسالة وطبخها خلال اشهر معدودة، عن طريق الاقتباس ونقل الفصول والتوصيات من المؤلفات المختلفة، بعد التلاعب في كيفية صياغتها. وهو الفن الذي تعلمه من «الأستاذ» مدير المركز (في بعض الحالات كان ينقل فصولاً كاملة دون تعديل في الصياغة). وطبقاً لتوجيه الأستاذ فانه كان يحضر مناقشة الاطروحات التي يعدها، باعتباره الأدرى بمحتواها، لكي يتدخل لإنقاذ «الزبون» إذا تعثر أثناء مناقشته، وطرحت عليه أسئلة خارج نطاق التلقين الذي تدرب عليه. إذ كان على «الباحث» في مثل هذه الحالة أن يرطن بلهجته المحلية إذا كان عربياً، حتى يعد له (س) الإجابة المناسبة، وبعد ذلك يسقط الباحث أي شيء على الأرض، فيسارع (س) إلى التقاطه ومناولته إياه، وفي المناولة يدس له الإجابة.
لدى (س) حكايات كثيرة حصلها من خبرته في إعداد الاطروحات، وتمريرها بامتياز مع مرتبة الشرف. وكيف أن اكثر تلك الاطروحات لا تقرأ من جانب لجان المناقشة، التي عادة ما يتم اختراقها بتقديم هدايا ثمينة لبعض أعضائها. ولأنه كان الأقرب إلى التفاصيل، فان بحوزته أسماء الأساتذة «المتعاونين» الذين يمررون الاطروحات بعد أن يغمضوا أعينهم عن مضمونها. ولديه معلومات كثيرة عن كيفية ترتيب ذلك «التعاون»، لضمان الفوز بالامتياز مع مرتبة الشرف.
سألت (س) حامل دبلوم التجارة عن عدد الاطروحات التي أعدها خلال سنوات عمله الأربع في المركز، فقال إنها 12 رسالة ماجستير ودكتوراه، أعدها لثمانية أشخاص، نصفهم مصريون والنصف الآخر من أبناء الخليج، ممن اصبحوا يتولون مناصب مرموقة في أقطارهم، أحدهم صار نائب وزير، ورشحته بلاده لأحد مناصب الجامعة العربية.
(4) صاحبنا (س) كان واحداً من ثلاثة، اجتمعت فيهم الأصول الريفية والفقر المدقع والذكاء الحاد. ولأنه كان يحمل شهادة دبلوم التجارة فلم يكن له طموح علمي كبير، وإنما كان مدركاً أن حلمه في دخول الجامعة قد أجهض مبكراً، وظل شاغله الأساسي هو كيفية تدبير نفقات المعيشة لأسرته. ومع ذلك فانه ظل مستشعراً وخز الضمير مما يفعله، فترك العمل عند أول فرصة لاحت له. الثاني كان متخرجاً من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لم يتح له أن يجد وظيفة غير التي حصلها، فاستسلم لقدره، ولا يزال يقوم بعمله في مطبخ المافيا حتى الآن. أما الثالث- اسمه عبدالحميد- فكان أشدهم فقراً وأكثرهم حساسية وأوسعهم اطلاعاً. ولأنه كان مدركاً لكفاءته، فقد ظل معذباً طول الوقت، لأنه كان عاجزاً عن إكمال دراسته العليا بسبب ضيق ذات اليد، في حين كان يعطي ثمار جهده لآخرين من القادرين، مقابل اجر متواضع يتقاضاه، ويقبله مضطراً لأنه يعتبره مالاً حراماً، وفي كل مرة كان يخرج منهاراً وساخطاً من مناقشة الرسالة التي أعدها ونال عليها غيره أعلا درجات التقدير. وكان يضاعف من سخطه اقتناعه بأنه إذا ذلل العقبات التي تعترضه، وقدم الرسالة ذاتها فانه لن يحصل على نفس التقدير المرتفع، بسبب فقره ومظهره البائس، هذا إذا قبل أعضاء اللجنة العلمية أن يحددوا موعداً لمناقشة فقير مثله.
دأب الثلاثة على الالتقاء كل مساء في ركن بمقهى بمدينة نصر، أطلقوا عليه «ركن الفاشلين». وذات يوم افتقدوا عبدالحميد الذي لم يحضر على غير عادته. وحين تقصوا خبره عرفوا انه شهد مناقشة رسالة قدمت لمعهد البحوث والدراسات العربية، كان قد أعدها لأحد الأشخاص. وبعد مداولة اللجنة، قررت منح مشتري الرسالة تقدير الامتياز مع مرتبة الشرف، مع التوصية بطبعها على نفقة المعهد. وكما هي عادته خرج من قاعة المناقشة منهاراً وساخطاً، وبدلاً من أن ينضم إلى زميليه، قادته قدماه إلى أحد الجسور، في قلب القاهرة، حيث ألقى بنفسه في نهر النيل!
ترى، من قتل عبدالحميد؟؟







التوقيع :
ماحيلتي فيمن يرى أن القبيح هو الحسن
من مواضيعي في المنتدى
»» مادلا لة إطلاق إسم عاشوراء على المناورات الإيرانية ؟
»» سلسلة محاضرات هل أتاك حديث الرافضة لأبي مصعبٍ الزرقاوي مفرغة
»» البداية الرائعة لإسلام زوجة الكاهن المصرى والنهاية المأسوية لها فهمي هويدي
»» الفضيحة الثانية من من مناظرة قناة المستقلة حول الإمام جعفر
»» قلق كويتي من الاجتماعات الشيعية بالسفارة الإيرانية وزير الخارجية الكويتي إيران تشكل
 
قديم 16-06-06, 12:48 PM   رقم المشاركة : 2
بايعقوب
عضو ذهبي






بايعقوب غير متصل

بايعقوب is on a distinguished road


الفضيحة والمهزلة في المشهد الفلسطيني / فهمي هويدي

المختصر/
المركز الفلسطيني للإعلام / لم نتصارح بما فيه الكفاية في تطورات الشأن الفلسطيني‏،‏ حيث أزعم أن ثمة كلاماً مهماً في صلب الموضوع لم يقل بعد‏،‏ أدرجه تحت عنواني الفضيحة والمهزلة‏.‏

(1)‏
لسنا بصدد فضيحة واحدة لأن الفضائح متعددة‏،‏ ولايحتمل المقام الوقوف أمام كل واحدة منها‏،‏ لذلك سأكتفي في الوقت الراهن باستعراض نماذج لها‏،‏ كي يدرك الجميع مدى التردي والعبث الذي آلت إليه أوضاع القضية‏.‏
إنني لا أتردد مثلاً في القول بأن موقف الحكومات العربية من حصار وتجويع الشعب الفلسطيني هو فضيحة من العيار الثقيل‏،‏ حيث ماكان يخطر على بال أحد يوماً ما أن تعجز ‏24‏ حكومة عربية عن تحدي ذلك الحصار وإبطال مفعوله‏.‏ ومهما شطح بنا الخيال فإننا ما تصورنا أن تقرر "إسرائيل" فرض الحصار وتملي على الفلسطينيين شروط فكه‏،‏ ثم تتبنى واشنطن القرار الإسرائيلي بنصه‏،‏ وتفرضه على دول الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة‏،‏ وبمنتهى السهولة تنصاع الحكومات العربية كلها‏،‏ ولايرتفع لها صوت يقول لا‏،‏ معتبراً القرار موقفاً غير أخلاقي وغير قانوني بل إنه بمثابة جريمة ضد الإنسانية‏.‏
الأدهى من ذلك والأمر أن الذين سكتوا على ذلك الموقف الموغل في جوره وقسوته‏.‏ التزموا الصمت أيضاً إزاء عمليات القصف والاغتيال اليومية التي تمارسها "إسرائيل" في الأراضي المحتلة‏،‏ أما حين نطقوا فإنهم لم يكفوا عن مطالبة الحكومة الفلسطينية بالاستجابة للإملاءات الإسرائيلية المختلفة‏.‏
فما برح بعض المسئولين العرب مثلاً يحثون على مطالبة حكومة حماس بقبول مبادرة قمة بيروت العربية‏ (‏لعام ‏2002)‏ التي وافقت على التطبيع مع "إسرائيل" مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة عام ‏67.‏ وهي المبادرة التي رفضتها "إسرائيل"‏،‏ وردت عليها باجتياح الضفة الغربية‏.‏ ناهيك عن أنها لم تسهم بأي صورة - لا هي ولاغيرها - في تنشيط التسوية السياسية التي جمدتها "إسرائيل"‏،‏ من الناحية العملية‏،‏ واستثمرت أجواءها لتحقق مزيداً من التوسع والتمكين‏،‏ واذا كان الأمر كذلك‏،‏ فإننا لانكاد نجد مسوغاً لمطالبة حكومة حماس بقبول المبادرة‏،‏ لأن غاية ما يمكن أن يحققه ذلك القبول - صدق أو لا تصدق - هو إضافة اعتراف عربي مجاني جديد بـ"إسرائيل"‏،‏ يمثل إضافة إلى رصيد الدولة العبرية‏،‏ وخصماً من رصيد حركة حماس‏.‏

(2)‏
إذا أردنا أن نسمي الأمور بأسمائها فلا مفر من الإقرار بأن موقف رئاسة السلطة الفلسطينية والعناصر المتطرفة في فتح‏،‏ يعد فضيحة أخرى‏،‏ فقد بات معلوماً لدى الكافة أن تلك العناصر صدمتها نتائج الانتخابات التشريعية‏،‏ وحملت أبومازن مسئولية هزيمة فتح فيها‏،‏ فثارت في وجهه ونجحت بعد ذلك في استثمار ضعفه وابتزازه‏،‏ ومن ثم دفعته إلى إعلان الحرب على حكومة حماس منذ اللحظات الأولى لتشكيلها‏،‏ بل وقبل التشكيل‏،‏ وقد أفاض كثيرون في تسجيل وقائع تلك الحرب الشرسة التي مازالت مستمرة إلى الآن‏.‏
ذلك كله في كفة‏،‏ والدور الذي لعبته رئاسة السلطة ومتطرفو فتح في عملية حصار وتجويع الشعب الفلسطيني في كفة أخرى‏،‏ حيث تشير دلائل عدة إلى أن هؤلاء كانوا من المرحبين بل والمحرضين على استمرار الحصار لإفشال الحكومة وإثارة الجماهير ضدها‏.‏ وأرجو ألا يصدق ماسمعته من بعض الدبلوماسيين الغربيين من أن أبو مازن في جولاته الخارجية التي تمت بعد الانتخابات‏،‏ حذر من إرسال أي مساعدات إلى حكومة حماس‏،‏ وطلب أن توجه المساعدات فقط إلى مجالي الصحة والتعليم‏،‏ وللعلم فإن رئيس السلطة في تلك الجولات لم يصطحب معه وزيراً واحداً من الحكومة التي يفترض أن تدير البلد‏،‏ ولايزال رئيسها وكل وزرائها يجهلون ماتم في زياراته التي شملت دولاً عربية وأوروبية فضلاً عن ذلك فإن المرء لايستطيع أن ينسى أن أبو مازن كان دائم التلويح بالاستقالة والاعتكاف في داره‏،‏ كلما صادفته مشكلة مع السيد ياسر عرفات‏،‏ وهي خلفية تدعونا إلى التساؤل بدهشة‏:‏ إذا كان الرجل قد فعلها لأسباب محدودة تتعلق بصلاحياته كرئيس للوزراء‏،‏ فلماذا لم يفكر في مجرد التهديد بالاستقالة أو حتى الاعتكاف حين تقرر تجويع الشعب الفلسطيني؟ لماذا لم يستخدم تلك الورقة للضغط على الذين يحاصرون الشعب ويصرون على إذلاله؟
ثمة إجابة وحيدة على مثل هذه الأسئلة هي أنه أصبح معنياً في الوقت الراهن بإسقاط وإفشال حكومة حماس بأي ثمن بأكثر من عنايته بإنقاذ شعبه من الحصار والجوع‏.‏ أكثر من ذلك فإن الجميع يعرفون أن أبو مازن كان بوسعه أن يتولى حل مشكلة رواتب الموظفين المتأخرة بوسائل يعرفها الفلسطينيون جيدا‏ًً.‏ وهو الذي لا يتعرض للتفتيش ‏(أبو عمار استفاد من الميزة وفعل أكثر من ذلك‏)‏ لكنه لم يشأ لذات السبب الذي ذكرته توا‏ًً.‏

(3)‏
بين يدي وثيقة تكشف حقيقة الدور الذي تقوم به عناصر السلطة المنسوبة إلى فتح في التحريض ضد حماس والدعوة للانقلاب عليها‏.‏ الوثيقة صادرة عن مكتب رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطيني‏،‏ وتحمل توقيع السيد توفيق الطيراوي مسئول المخابرات في الضفة‏، ‏وهي بتاريخ ‏25/5/2006 وتحمل الرقم‏: 5799/‏ م م‏/2006.‏

الوثيقة عبارة عن رسالة موجهة من الطيراوي إلى أعضاء اللجنة المركزية في حركة فتح‏،‏ عقب محاولة اغتيال السيد طارق أبو رجب مسئول المخابرات في غزة‏،‏ وهي الجريمة التي نددت بها حماس واتهمت بالمسئولية عنها طرفاً ثالثاً يسعى لإذكاء الفتنة في القطاع‏،‏ غير أن متطرفي فتح أرادوا إلصاق التهمة بحركة حماس برغم أن تاريخها لم يسجل حادثاً مماثلاً من ذلك القبيل‏.‏
بعد أن وجه تحية الوطن إلى أعضاء اللجنة المركزية‏،‏ قال توفيق الطيراوي ما نصه‏:‏ كنا منذ زمن طويل نعتبر هذا الإطار ‏(يقصد عضوية اللجنة المركزية لفتح‏)‏ ومن يكون فيه أشبه بالمقدسات التي لايجوز المساس بها قولاً وفعلاً‏،‏ وتصدينا لجميع الذين حاولوا النيل منكم‏،‏ وبكل الوسائل المرئية وغير المرئية لنكتشف أن هذا الإطار أكبر وأعظم من أن يكون بعضكم يمثله‏.‏ وأنكم هزمتم هذه الحركة العملاقة‏ (‏فتح‏)‏ وضعفكم سيدمر هذا الشعب العظيم‏،‏ إذا كنتم لاتجرؤون على استنكار عملية اغتيال لزميل لكم في المجلس الثوري‏.‏ كاد يفقد حياته من أجلكم ومن أجل هذه الحركة فمتى تأتيكم ‏(‏يقصد تواتيكم‏)‏ الجرأة ‏(‏على ذلك‏)‏؟ إني اعتقد أن فاقد الشيء لايعطيه - وشكراً‏.‏
إن رئيس المخابرات في هذه الرسالة التي وجهها بصفته واستخدم فيها أوراق السلطة الرسمية‏،‏ ليس مشغولاً بالأمن العام ولكنه مشغول بالتحريض على الحكومة والحركة التي تقف وراءها‏.‏ وهو لايتصرف بحسبانه موظفاً عاما‏ًً،‏ ولكن بصفته الحزبية كأحد قيادات فتح التي تصر على احتكار الوصاية على حاضر الفلسطينيين ومستقبلهم‏،‏ وهو على الورقة الرسمية يقرع أعضاء اللجنة المركزية لفتح ويشتمهم‏،‏ معرباً عن خيبة أمله في بعضهم‏،‏ ممن اتهمهم بالجبن واللامسئولية‏،‏ لأنهم لم يتحركوا علي النحو الذي تمناه‏!‏

(4)‏
سأكتفي في التدليل على المهزلة بحكاية الاستفتاء على وثيقة الأسرى‏،‏ وموقف أبو مازن منه‏،‏ الذي لاتكف التصريحات الإسرائيلية والأمريكية عن الإشادة به والتقدير له‏.‏ في هذا الصدد لاتفوتك عدة ملاحظات ذات دلالة‏.‏ منها مثلاً أن يضيق الخناق على الشعب الفلسطيني‏،‏ وتمنع الرواتب عن الموظفين‏،‏ وترتب عناصر الأمن الوقائي عمليات الفلتان الأمني‏،‏ ولاتتوقف محاولات إثارة غضب الناس وسخطهم‏.‏ ثم وسط تلك الأجواء المسكونة بالتوتر والقلق وفي ظل تلك الظروف المشكوك في براءتها يسأل الناس‏:‏ ما رأيكم دام فضلكم؟‏!‏
**‏ الملاحظة الثانية أن وثيقة الأسرى كانت واحدة من وثائق وتصورات عدة تم تقديمها لمؤتمر الحوار الوطني‏.‏ من أجل التوصل إلى برنامج القواسم المشتركة‏.‏
ولكن أبو مازن نحى كل الوثائق الأخرى التي أعدتها الفصائل المختلفة‏،‏ وتخير وثيقة الأسرى ووجه إنذاراً إلى الجميع بأنه إذا لم يتم الاتفاق خلال عشرة أيام فإنه سيطرح وثيقة الأسرى على الاستفتاء العام‏.‏ وهو ما أجهض مؤتمر الحوار وأفقده معناه‏.‏
** ‏الملاحظة الثالثة غاية في الأهمية‏،‏ وخلاصتها أن الادعاء بأن الوثيقة تمثل الأسرى كذبة كبرى‏،‏ لأنها في أحسن فروضها تمثل رأي نزلاء سجن هداريم فقط الذي يحتوي على ‏40‏ زنزانة يحتجز فيها نحو مائة شخص‏،‏ لا يمثلون سوى ‏1%‏ من الأسرى الفلسطينيين‏،‏ أما الباقون فلا علم لهم بمضمونها‏.‏ وقد تبين أن كاتبها ومهندس إعدادها بالتعاون مع رئاسة السلطة هو مروان البرغوثي أمين سر حركة فتح بالضفة المحتجز في ذات السجن‏.‏
**‏ الملاحظة الرابعة أن الوثيقة تضمن تصورات محددة للعناصر الأساسية للقضية الفلسطينية‏،‏ مثل الدولة واللاجئين والمستوطنات والمقاومة والاعتراف بـ"إسرائيل"‏..‏ الخ‏.‏ وهي قضايا ليس من الحكمة أن يتقرر مصيرها في ظروف الأزمة الراهنة‏،‏ خصوصاً أنها تتضمن تنازلات جديدة دون أي مقابل‏.‏ وليس من المعقول أن يجري الاستفتاء حولها فقط بين سكان الأراضي المحتلة الذين يمثلون ثلث الشعب الفلسطيني‏،‏ في حين يتم تجاهل ويسقط من الاعتبار ثلثا الشعب الذين يعيشون في الخارج‏.‏
**‏ الملاحظة الخامسة أن الشك كبير في أن الوثيقة سوف يساء استخدامها لأنها تتضمن خطاباً يعلو كثيراً فوق سقف أوسلو الذي يلتزم به ويدافع عنه أبو مازن‏.‏ وتدعو إلى المقاومة بجميع الوسائل‏،‏ وتتمسك بحق العودة‏،‏ في حين إن أبو مازن هو مهندس أوسلو‏،‏ ويعارض ما يسميه عسكرة المقاومة‏،‏ كما أنه يجاهر بعدم إمكان حق العودة وواقعيته‏،‏ وقد اعتبر بعض المحللين الفلسطينيين أن تسجيل هذه المواقف أريد به ارضاء الجميع لتمرير مسألة الاعتراف ب"إسرائيل‏"،‏ وإذا تم إقرار الوثيقة فإنه سيتم تجاهل كل النقاط ذات السقف المرتفع لتستثمر فقط نقطة الاعتراف ب"اسرائيل"‏. (‏ ياسر الزعاترة - الحياة -‏31/5/2006)‏.
**‏ الملاحظة السادسة أنه ليس من حق رئيس السلطة الدعوة لإجراء استفتاء شعبي‏،‏ حيث لايوجد قانون فلسطيني ينظم هذه العملية‏،‏ طبقاً لما ذكره عمار الدويك مدير لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية‏،‏ وإجراء الاستفتاء يتطلب إصدار قانون جديد وهو ماقد يثير إشكالاً جديداً لأن المجلس التشريعي بأغلبيته الحماسوية قد لايمرر ذلك القانون‏.‏
**‏ الملاحظة السابعة أنه ليس من المفهوم أن يلجأ أبو مازن إلى محاولة إضفاء شرعية على وثيقة الأسرى‏،‏ بعد ثلاثة أشهر من إجراء الانتخابات التشريعية التي شارك فيها‏ 75%‏ من الفلسطينيين في الضفة والقطاع‏،‏ وفي هذه الانتخابات عبر الفلسطينيون عن الوجهة التي يفضلونها‏،‏ الأمر الذي يعني أن فكرة الاستفتاء تعني محاولة تجاوز نتائج الانتخابات التشريعية‏.‏
**‏ الملاحظة الثامنة أن الوثيقة تحدثت عن إعادة تشكيل منظمة التحرير قبل نهاية العام الحالي لتصبح أصدق تمثيلاً للخريطة السياسية‏،‏ والسكانية الفلسطينية‏. (وهو المطلب الذي ماطلت فيه رئاسة السلطة بعد الاتفاق عليه في القاهرة خلال شهر مارس عام ‏2005)‏ وإذا تم ذلك‏،‏ فإن المنظمة بوضعها الجديد تصبح الجهة الشرعية المؤهلة لمناقشة القضايا المصيرية التي تطرقت لها الوثيقة‏،‏ الأمر الذي يشكك في دوافع الإصرار على الاستفتاء على الوثيقة في الظرف الراهن‏.‏
**‏ الملاحظة الأخيرة التي لا أعرف إن كان من المناسب إدراجها تحت عنوان الفضيحة والمهزلة‏،‏ خلاصتها أن "إسرائيل" التي رفضت وثيقة الأسرى‏،‏ كافأت أبو مازن على موقفه المتشدد ضد حركة حماس‏،‏ بأن سمحت للأجهزة الأمنية التابعة له بالتزود بسلاح مقدم إليه من الأردن‏،‏ لكي يكون بمقدوره مواجهة قوة الإسناد التي شكلتها وزارة الداخلية الفلسطينية أي للمساعدة علي اندلاع الحرب الأهلية - ولاتعليق‏!.‏
صحيفة الأهرام 13/6/2006







التوقيع :
ماحيلتي فيمن يرى أن القبيح هو الحسن
من مواضيعي في المنتدى
»» علماء ومساجد أهل السنة بعد الثورة في إيران أبومنتصر البلوشي
»» كلام عجيب لشيخ الإسلام في الخوئي وأمثاله (صور)
»» العراق القديم كان:
»» هل شعار مجلس الروافض في لبنان , صليب
»» خبراء ماليّون يؤكّدون تعاون شركة "ويسترن يونيون" الماليّة مع المخابرات الأمريكية و...
 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:12 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "