العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-05-02, 03:26 AM   رقم المشاركة : 1
assunni
عضو نشيط






assunni غير متصل

assunni


ماذا يجب على من يلعن امير المؤمنين معاوية رضي الله عنه

وَسُئِلَ ابن تيميه رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّنْ يَلْعَنُ " مُعَاوِيَةَ " فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ ؟ وَهَلْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ , وَهِيَ إذَا { اقْتَتَلَ خَلِيفَتَانِ فَأَحَدهمَا مَلْعُونٌ } ؟ وَأَيْضًا { إنَّ عَمَّارًا تَقْتُلهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ } وَقَتَلَهُ عَسْكَرُ مُعَاوِيَةَ ؟ وَهَلْ سَبُّوا أَهْلَ الْبَيْتِ ؟ أَوْ قَتَلَ الْحَجَّاجُ شَرِيفًا ؟


فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ , مَنْ لَعَنَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كمعاوية بْنِ أَبِي سُفْيَانَ , وَعَمْرِو بْنِ العاص وَنَحْوِهِمَا ; وَمَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ : كَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَنَحْوِهِمَا ; أَوْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ كَطَلْحَةِ , وَالزُّبَيْرِ , وَعُثْمَانَ , وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , أَوْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ , وَعُمَرَ , أَوْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعُقُوبَةِ الْبَلِيغَةِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الدِّينِ . وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ : هَلْ يُعَاقَبُ بِالْقَتْلِ ؟ أَوْ مَا دُونَ الْقَتْلِ ؟ كَمَا قَدْ بَسَطْنَا ذَلِك فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي , فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ } . وَاللَّعْنَةُ أَعْظَمُ مِنْ السَّبِّ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ } فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعْنَ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ . وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِيَارُ الْمُؤْمِنِينَ , كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ . ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ } وَكُلُّ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنًا بَهْ فَلَهُ مِنْ الصُّحْبَةِ بِقَدْرِ ذَلِك , كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَغْزُو جَيْشٌ , فَيَقُولُ : هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ . فَيُفْتَحُ لَهُمْ . ثُمَّ يَغْزُو جَيْشٌ فَيَقُولُ : هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَيَقُولُونَ , نَعَمْ . فَيُفْتَحُ لَهُمْ , وَذَكَرَ الطَّبَقَةَ الثَّالِثَةَ } فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِرُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا عَلَّقَهُ بِصُحْبَتِهِ . وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ " الصُّحْبَةِ " فِيهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ : كَانَ مَنْ اخْتَصَّ مِنْ الصَّحَابَةِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بَهْ عَنْ غَيْرِهِ يُوصَفُ بِتِلْكَ الصُّحْبَةِ , دُونَ مَنْ لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهَا , { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لَمَّا اخْتَصَمَ هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ : يَا خَالِدُ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي , فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ } فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ هُوَ وَأَمْثَالُهُ مِنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا قَبْلَ الْفَتْحِ فَتْحِ الْحُدَيْبِيَةِ , وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنْفَقُوا وَقَاتَلُوا دُونَ أُولَئِكَ , قَالَ تَعَالَى : { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } وَالْمُرَادُ " بِالْفَتْحِ " فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا بَايَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ , وَكَانَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ , وَهُمْ الَّذِينَ فَتَحُوا خَيْبَرَ , وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } . " وَسُورَةُ الْفَتْحِ " الَّذِي فِيهَا ذَلِك أَنْزَلَهَا اللَّهُ قَبْلَ أَنَّ تُفْتَحَ مَكَّةُ ; بَلْ قَبْلَ أَنْ يَعْتَمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَدْ بَايَعَ أَصْحَابَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ , وَصَالَحَ الْمُشْرِكِينَ صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ الْمَشْهُورَ , وَبِذَلِك الصُّلْحِ حَصَلَ مِنْ الْفَتْحِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ ; مَعَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ كَرِهَهُ خَلْقٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ; وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا فِيهِ مِنْ حُسْنِ الْعَاقِبَةِ حَتَّى قَالَ سَهْلُ بْنُ حنيف : أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا الرَّأْيَ , فَقَدْ رَأَيْتنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ لَرَدَدْت . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ , فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَ هُوَ وَمَنْ اعْتَمَرَ مَعَهُ مَكَّةَ مُعْتَمِرِينَ , وَأَهْلُ مَكَّةَ يَوْمئِذٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ ; وَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الثَّامِنِ فَتَحَ مَكَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ; وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ : { لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا } فَوَعَدَهُمْ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ آمَنِينَ ; وَأَنْجَزَ مَوْعِدَهُ مِنْ الْعَامِ الثَّانِي , وَأَنْزَلَ فِي ذَلِك : { الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } وَذَلِك كُلُّهُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ . فَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ " سُورَةَ الْفَتْحِ " نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا بَيِّنًا . " وَالْمَقْصُودُ " أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَحِبُوهُ قَبْلَ الْفَتْحِ اخْتَصُّوا مِنْ الصُّحْبَةِ بِمَا اسْتَحَقُّوا بَهْ التَّفْضِيلَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ , حَتَّى قَالَ لِخَالِدِ : { لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي } فَإِنَّهُمْ صَحِبُوهُ قَبْلَ أَنْ يَصْحَبَهُ خَالِدٌ وَأَمْثَالُهُ . وَلَمَّا كَانَ " لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَزِيَّةِ الصُّحْبَةِ مَا تَمَيَّزَ بَهْ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ خَصَّهُ بِذَلِك فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ , الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ , أَنَّهُ { كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَلَامٌ , فَطَلَبَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ عُمَرَ أَنَّ يَسْتَغْفِرَ لَهُ فَامْتَنَعَ عُمَرُ , وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ مَا جَرَى , ثُمَّ إنَّ عُمَرَ نَدِمَ , فَخَرَجَ يَطْلُبُ أَبَا بَكْرٍ فِي بَيْتِهِ , فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جَاءَ عُمَرُ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْضَبُ لِأَبِي بَكْرٍ ; وَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي جِئْت إلَيْكُمْ فَقُلْت : إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ , فَقُلْتُمْ كَذَبْت , وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقْت فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي } فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا . فَهُنَا خَصَّهُ بِاسْمِ الصُّحْبَةِ , كَمَا خَصَّهُ بَهْ الْقُرْآنُ فِي قَوْله تَعَالَى { ثَانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِي الْغَارِ إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , فَاخْتَارَ ذَلِك الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ , فَقَالَ : بَلْ نَفْدِيك بِأَنْفُسِنَا ; وَأَمْوَالِنَا . قَالَ : فَجَعَلَ النَّاسُ يَعْجَبُونَ أَنْ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرَ , وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكْرٍ , وَلَوْ كُنْت مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاِتَّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا ; وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي , سُدُّوا كُلَّ خَوْخَةٍ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ } وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ يَكُونُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ بِأَقْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْعَالِهِ , وَأَحْوَالِهِ " وَالْمَقْصُودُ " أَنَّ الصُّحْبَةَ فِيهَا خُصُوصٌ وَعُمُومٌ , وَعُمُومُهَا يَنْدَرِجُ فِيهِ كُلُّ مَنْ رَآهُ مُؤْمِنًا بَهْ , وَلِهَذَا يُقَال صَحِبْته سَنَةً ; وَشَهْرًا , وَسَاعَةً , وَنَحْوَ ذَلِك . و " مُعَاوِيَةُ , وَعَمْرُو بْنُ العاص , وَأَمْثَالُهُمْ " مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; لَمْ يَتَّهِمْهُمْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ بِنِفَاقِ ; بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ { عَمْرَو بْنَ العاص لَمَّا بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي . فَقَالَ : يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْت أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِسْلَامَ الْهَادِمَ هُوَ إسْلَامُ الْمُؤْمِنِينَ ; لَا إسْلَامُ الْمُنَافِقِينَ . وَأَيْضًا فَعَمْرُو بْنُ العاص وَأَمْثَالُهُ مِمَّنْ قَدِمَ مُهَاجِرًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ هَاجَرُوا إلَيْهِ مِنْ بِلَادِهِمْ طَوْعًا لَا كَرْهًا , وَالْمُهَاجِرُونَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ ; وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ فِي بَعْضِ مَنْ دَخَلَ مِنْ الْأَنْصَارِ ; وَذَلِك أَنَّ الْأَنْصَارَ هُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ; فَلَمَّا أَسْلَمَ أَشْرَافُهُمْ وَجُمْهُورُهُمْ احْتَاجَ الْبَاقُونَ أَنْ يُظْهِرُوا الْإِسْلَامَ نِفَاقًا ; لِعِزِّ الْإِسْلَامِ وَظُهُورِهِ فِي قَوْمِهِمْ . وَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَكَانَ أَشْرَافُهُمْ وَجُمْهُورُهُمْ كُفَّارًا فَلَمْ يَكُنْ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ إلَّا مَنْ هُوَ مُؤْمِنٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ; فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ يُؤْذَى وَيُهْجَرُ ; وَإِنَّمَا الْمُنَافِقُ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ لِمَصْلَحَةِ دُنْيَاهُ . وَكَانَ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ بِمَكَّةَ يَتَأَذَّى فِي دُنْيَاهُ ; ثُمَّ لَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ مَعَهُ أَكْثَرُ الْمُؤْمِنِينَ , وَمُنِعَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْهِجْرَةِ إلَيْهِ , كَمَا مُنِعَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ مِثْلُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَخُو خَالِدٍ أَخُو أَبِي جَهْلٍ لِأُمِّهِ ; وَلِهَذَا { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ لِهَؤُلَاءِ وَيَقُولُ فِي قُنُوتِهِ : اللَّهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ , وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ , والمستضعفين مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرَ , وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سنينا كَسِنِي يُوسُفَ } . وَالْمُهَاجِرُونَ مِنْ أَوَّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ اتَّهَمَهُ أَحَدٌ بِالنِّفَاقِ ; بَلْ كُلُّهُمْ مُؤْمِنُونَ مَشْهُودٌ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ { وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ } . وَأَمَّا " مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَمْثَالُهُ " مِنْ الطُّلَقَاءِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ : كَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ , وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ , وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو , وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ , وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ; هَؤُلَاءِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ حَسُنَ إسْلَامُهُمْ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ , وَلَمْ يُتَّهَمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِك بِنِفَاقِ . { وَمُعَاوِيَةُ قَدْ اسْتَكْتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ , وَقِه الْعَذَابَ } . وَكَانَ أَخُوهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ خَيْرًا مِنْهُ وَأَفْضَلَ , وَهُوَ أَحَدُ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فَتْحِ الشَّامِ , وَوَصَّاهُ بِوَصِيَّةِ مَعْرُوفَةٍ , وَأَبُو بَكْرٍ مَاشٍ , وَيَزِيدُ رَاكِبٌ , فَقَالَ لَهُ : يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ إمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ , فَقَالَ : لَسْت بِرَاكِبِ , وَلَسْت بِنَازِلِ . إنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . وَكَانَ عَمْرُو بْنُ العاص هُوَ الْأَمِيرَ الْآخَرَ وَالثَّالِثُ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ , وَالرَّابِعُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ , وَهُوَ أَمِيرُهُمْ الْمُطْلَقُ , ثُمَّ عَزَلَهُ عُمَرُ , وَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ عَامِرَ بْنَ الْجَرَّاحِ , الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدَ لَهُ أَنَّهُ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَكَانَ فَتْحُ الشَّامِ عَلَى يَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ , وَفَتْحُ الْعِرَاقِ عَلَى يَدِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ . ثُمَّ لَمَّا مَاتَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ أَخَاهُ مُعَاوِيَةَ , وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ فَرَاسَةً , وَأَخْبَرِهِمْ بِالرِّجَالِ , وَأَقْوَمِهِمْ بِالْحَقِّ , وَأَعْلَمِهِمْ بِهِ , حَتَّى قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّه ضَرَبَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ } وَقَالَ : { لَوْ لَمْ أُبْعَثْ فِيكُمْ لَبُعِثَ فِيكُمْ عُمَرُ } وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : مَا سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ فِي الشَّيْءِ إنِّي لَأَرَاهُ كَذَا وَكَذَا إلَّا كَانَ كَمَا رَآهُ . وَقَدْ { قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَآك الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّك } . وَلَا اسْتَعْمَلَ عُمَرُ قَطُّ ; بَلْ وَلَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ : مُنَافِقًا , وَلَا اسْتَعْمَلَا مِنْ أَقَارِبِهِمَا , وَلَا كَانَ تَأْخُذُهُمَا فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ ; بَلْ لَمَّا قَاتَلَا أَهْلَ الرِّدَّةِ وَأَعَادُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ مَنَعُوهُمْ رُكُوبَ الْخَيْلِ وَحَمْلَ السِّلَاحِ حَتَّى تَظْهَرَ صِحَّةُ تَوْبَتِهِمْ , وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ أَمِيرُ الْعِرَاقِ : لَا تَسْتَعْمِلْ أَحَدًا مِنْهُمْ , وَلَا تُشَاوِرْهُمْ فِي الْحَرْبِ . فَإِنَّهُمْ كَانُوا أُمَرَاءَ أَكَابِرَ : مِثْلَ طليحة الأسدي , وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ , وعيينة بْنِ حِصْنٍ , وَالْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيِّ , وَأَمْثَالِهِمْ , فَهَؤُلَاءِ لَمَّا تَخَوَّفَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنْهُمْ نَوْعَ نِفَاقٍ لَمْ يُوَلِّهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . فَلَوْ كَانَ " عَمْرُو بْنُ العاص " وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَمْثَالُهُمَا " مِمَّنْ يُتَخَوَّفُ مِنْهُمَا النِّفَاقُ لَمْ يُوَلَّوْا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ; بَلْ عَمْرُو بْنُ العاص قَدْ أَمَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ , وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَلِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مُنَافِقًا , { وَقَدْ اسْتَعْمَلَ عَلَى نَجْرَانَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَبَا مُعَاوِيَةَ , وَمَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو سُفْيَانَ نَائِبُهُ عَلَى نَجْرَانَ } وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ إسْلَامَ مُعَاوِيَةَ خَيْرٌ مِنْ إسْلَامِ أَبِيهِ أَبِي سُفْيَانَ , فَكَيْفَ يَكُونُ هَؤُلَاءِ مُنَافِقِينَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتَمِنُهُمْ عَلَى أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرَو بْنَ العاص وَغَيْرَهُمَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْفِتَنِ مَا كَانَ , وَلَمْ يَتَّهِمْهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِهِمْ , لَا مُحَارِبُوهُمْ , وَلَا غَيْرُ مُحَارِبِيهِمْ : بِالْكَذِبِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ جَمِيعُ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ صَادِقُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ , مَأْمُونُونَ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ , وَالْمُنَافِقُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ كَاذِبٌ عَلَيْهِ , مُكَذِّبٌ لَهُ . وَإِذَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ , مُحِبِّينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ : فَمَنْ لَعَنَهُمْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا مَعْنَاهُ : { أَنَّ رَجُلًا يُلَقَّبُ حِمَارًا , وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ , وَكَانَ كُلَّمَا شَرِبَ أُتِيَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَهُ فَأُتِيَ بِهِ إلَيْهِ مَرَّةً , فَقَالَ رَجُلٌ : لَعَنَهُ اللَّهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْعَنُوهُ , فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } . وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَمَنْ لَمْ يُحِبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنِ , وَإِنْ كَانُوا مُتَفَاضِلِينَ فِي الْإِيمَانِ وَمَا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ حُبٍّ وَغَيْرِهِ . هَذَا مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ الْخَمْرَ , وَعَاصِرَهَا , وَمُعْتَصِرَهَا , وَشَارِبَهَا , وَسَاقِيَهَا , وَحَامِلَهَا , وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ , وَآكِلَ ثَمَنِهَا } وَقَدْ نَهَى عَنْ لَعْنَةِ هَذَا الْمُعَيَّنِ , لِأَنَّ اللَّعْنَةَ مِنْ " بَابِ الْوَعِيدِ " فَيُحْكَمُ بَهْ عُمُومًا وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَقَدْ يَرْتَفِعُ عَنْهُ الْوَعِيدُ لِتَوْبَةِ صَحِيحَةٍ , أَوْ حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ أَوْ مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ , أَوْ شَفَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِك مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي ضَرَرُهَا يَرْفَعُ الْعُقُوبَةَ عَنْ الْمُذْنِبِ . فَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَهُ ذَنْبٌ مُحَقَّقٌ . وَكَذَلِك " حَاطِبُ بْنُ أَبِي بلتعة " فَعَلَ مَا فَعَلَ وَكَانَ يُسِيءُ إلَى مَمَالِيكِهِ حَتَّى ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ { غُلَامَهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بلتعة النَّارَ . قَالَ : كَذَبْت , إنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا ; وَالْحُدَيْبِيَةَ } . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ { عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَهُ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ , وَقَالَ لَهُمَا : ائْتِيَا رَوْضَةَ خاخ , فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً , وَمَعَهَا كِتَابٌ قَالَ عَلِيٌّ : فَانْطَلَقْنَا تَتَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى لَقِينَا الظَّعِينَةَ , فَقُلْنَا : أَيْنَ الْكِتَابُ ؟ فَقَالَتْ : مَا مَعِي كِتَابٌ . فَقُلْنَا لَهَا : لتخرجن الْكِتَابَ , أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ , قَالَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا , فَأَتَيْنَا بَهْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إلَى بَعْضِ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذَا يَا حَاطِبُ فَقَالَ : وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلْت هَذَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي , وَلَا رِضَاءً بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ; وَلَكِنْ كُنْت امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ , وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا , وَكَانَ مَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهِمْ أَهَالِيهمْ بِمَكَّةَ , فَأَحْبَبْت إذْ فَاتَنِي ذَلِك مِنْهُمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَفِي لَفْظٍ : وَعَلِمْت أَنَّ ذَلِك لَا يَضُرُّك . يَعْنِي لِأَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ رَسُولَهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا . فَقَالَ عُمَرُ : دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا , وَمَا يُدْرِيك أَنَّ اللَّهَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ لَهُمْ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ } فَهَذِهِ السَّيِّئَةُ الْعَظِيمَةُ غَفَرَهَا اللَّهُ لَهُ بِشُهُودِ بَدْرٍ . فَدَلَّ ذَلِك عَلَى أَنَّ الْحَسَنَةَ الْعَظِيمَةَ يَغْفِرُ اللَّهُ بِهَا السَّيِّئَةَ الْعَظِيمَةَ , وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ , لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَ آخِرَ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ } وَأَمْثَالَ ذَلِك ; مَعَ قَوْلِهِ : { إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } وَلِهَذَا لَا يُشْهَدُ لِمُعَيَّنِ بِالْجَنَّةِ إلَّا بِدَلِيلِ خَاصٍّ , وَلَا يُشْهَدُ عَلَى مُعَيَّنٍ بِالنَّارِ إلَّا بِدَلِيلِ خَاصٍّ ; وَلَا يُشْهَدُ لَهُمْ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ مِنْ انْدِرَاجِهِمْ فِي الْعُمُومِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَنْدَرِجُ فِي العمومين فَيَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } وَالْعَبْدُ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ سَيِّئَاتٌ وَحَسَنَاتٌ فَإِنَّهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُثِيبُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ , وَلَا يُحْبِطُ حَسَنَاتِ الْمُؤْمِنِ لِأَجْلِ مَا صَدَرَ مِنْهُ ; وَإِنَّمَا يَقُولُ بِحُبُوطِ الْحَسَنَاتِ كُلِّهَا بِالْكَبِيرَةِ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِتَخْلِيدِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ , وَأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِشَفَاعَةِ وَلَا غَيْرِهَا وَأَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ لَا يَبْقَى مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ . وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ , مُخَالِفَةٌ لِلْكِتَابِ , وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ , وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ . وَسَائِرُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ لَا يَعْتَقِدُونَ عِصْمَةَ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا الْقَرَابَةِ وَلَا السَّابِقِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ ; بَلْ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ وُقُوعُ الذُّنُوبِ مِنْهُمْ , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُمْ بِالتَّوْبَةِ , وَيَرْفَعُ بِهَا دَرَجَاتِهِمْ , وَيَغْفِرُ لَهُمْ بِحَسَنَاتِ مَاحِيَةٍ , أَوْ بِغَيْرِ ذَلِك مِنْ الْأَسْبَابِ , قَالَ تَعَالَى : { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ } { لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { حَتَّى إذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إنِّي تُبْتُ إلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } { أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ } . وَلَكِنَّ الْأَنْبِيَاءَ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ هُمْ الَّذِينَ قَالَ الْعُلَمَاءُ : إنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَى الذُّنُوبِ . فَأَمَّا الصِّدِّيقُونَ , وَالشُّهَدَاءُ ; وَالصَّالِحُونَ : فَلَيْسُوا بِمَعْصُومِينَ . وَهَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ . وَأَمَّا مَا اجْتَهَدُوا فِيهِ : فَتَارَةً يُصِيبُونَ , وَتَارَةً يُخْطِئُونَ . فَإِذَا اجْتَهَدُوا فَأَصَابُوا فَلَهُمْ أَجْرَانِ , وَإِذَا اجْتَهَدُوا وَأَخْطَئُوا فَلَهُمْ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ , وَخَطَؤُهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ . وَأَهْلُ الضَّلَالِ يَجْعَلُونَ الْخَطَأَ وَالْإِثْمَ مُتَلَازِمَيْنِ : فَتَارَةً يَغْلُونَ فِيهِمْ ; وَيَقُولُونَ : إنَّهُمْ مَعْصُومُونَ . وَتَارَةً يَجْفُونَ عَنْهُمْ ; وَيَقُولُونَ : إنَّهُمْ بَاغُونَ بِالْخَطَأِ . وَأَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ لَا يُعْصَمُونَ , وَلَا يؤثمون . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تُولَدُ كَثِيرٌ مِنْ فِرَقِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ . فَطَائِفَةٌ سَبَّتْ السَّلَفَ وَلَعَنَتْهُمْ ; لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذُنُوبًا , وَأَنَّ مَنْ فَعَلَهَا يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَةَ ; بَلْ قَدْ يُفَسِّقُونَهُمْ ; أَوْ يُكَفِّرُونَهُمْ , كَمَا فَعَلَتْ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ كَفَّرُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ , وَعُثْمَانَ بْنَ عفان , وَمَنْ تَوَلَّاهُمَا , وَلَعَنُوهُمْ , وَسَبُّوهُمْ , وَاسْتَحَلُّوا قِتَالَهُمْ . وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ , وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ , وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ , يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ , يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى فِرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَتُقَاتِلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ لِأَجْلِ الْحَقِّ } وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمَارِقَةُ الَّذِينَ مَرَقُوا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَكَفَّرُوا كُلَّ مَنْ تَوَلَّاهُ . وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ قَدْ افْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ : فِرْقَةٍ مَعَ عَلِيٍّ , وَفِرْقَةٍ مَعَ مُعَاوِيَةَ . فَقَاتَلَ هَؤُلَاءِ عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ , فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ بَهْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَا ثَبَتَ عَنْهُ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ { قَالَ عَنْ الْحَسَنِ ابْنِهِ : إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ , وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بَهْ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ } فَأَصْلَحَ اللَّهُ بَهْ بَيْنَ شِيعَةِ عَلِيٍّ وَشِيعَةِ مُعَاوِيَةَ . وَأَثْنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَسَنِ بِهَذَا الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ عَلَى يَدَيْهِ وَسَمَّاهُ سَيِّدًا بِذَلِك ; لِأَجْلِ أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْحَسَنُ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ , وَيَرْضَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . وَلَوْ كَانَ الِاقْتِتَالُ الَّذِي حَصَلَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِك ; بَلْ يَكُونُ الْحَسَنُ قَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ , أَوْ الْأَحَبَّ إلَى اللَّهِ . وَهَذَا النَّصُّ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ يُبَيِّنُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْحَسَنُ مَحْمُودٌ , مَرْضِيٌّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ , وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ , أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضَعُهُ عَلَى فَخِذِهِ , وَيَضَعُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ , وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُمَا , وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُمَا } وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا ظَهَرَ فِيهِ مَحَبَّتُهُ وَدَعْوَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمَا كَانَا أَشَدَّ النَّاسِ رَغْبَةً فِي الْأَمْرِ الَّذِي مَدَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَهْ الْحَسَنَ , وَأَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهَةً لَمَا يُخَالِفُهُ وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْقَتْلَى مِنْ أَهْلِ صفين لَمْ يَكُونُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْزِلَةِ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ , الَّذِينَ أَمَرَ بِقِتَالِهِمْ , وَهَؤُلَاءِ مَدَحَ الصُّلْحَ بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِهِمْ ; وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ وَالْأَئِمَّةُ مُتَّفِقِينَ عَلَى قِتَالِ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ , وَظَهَرَ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ السُّرُورُ بِقِتَالِهِمْ ; وَمِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْرَ بِقِتَالِهِمْ : مَا قَدْ ظَهَرَ عَنْهُ وَأَمَّا قِتَالُ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُرْوَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَثَرٌ , وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ سُرُورٌ ; بَلْ ظَهَرَ مِنْهُ الْكَآبَةُ , وَتَمَنَّى أَنْ لَا يَقَعَ , وَشَكَرَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ , وَبَرَّأَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ , وَأَجَازَ التَّرَحُّمَ عَلَى قَتْلَى الطَّائِفَتَيْنِ , وَأَمْثَالَ ذَلِك مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا اتِّفَاقُ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُؤْمِنَةٌ . وَقَدْ شَهِدَ الْقُرْآنُ بِأَنَّ اقْتِتَالَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُخْرِجُهُمْ عَنْ الْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } فَسَمَّاهُمْ " مُؤْمِنِينَ " وَجَعَلَهُمْ " إخْوَةً " مَعَ وُجُودِ الِاقْتِتَالِ وَالْبَغْيِ . وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ { إذَا اقْتَتَلَ خَلِيفَتَانِ فَأَحَدُهُمَا مَلْعُونٌ } كَذِبٌ مُفْتَرًى لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ , وَلَا هُوَ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْإِسْلَامِ الْمُعْتَمَدَةِ . و " مُعَاوِيَةُ " لَمْ يَدَّعِ الْخِلَافَةَ ; وَلَمْ يُبَايَعْ لَهُ بِهَا حَيْنَ قَاتَلَ عَلِيًّا , وَلَمْ يُقَاتِلْ عَلَى أَنَّهُ خَلِيفَةٌ , وَلَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْخِلَافَةَ , وَيُقِرُّونَ لَهُ بِذَلِك , وَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ يُقِرُّ بِذَلِك لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْهُ , وَلَا كَانَ مُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ يَرَوْنَ أَنْ يَبْتَدُوا عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ بِالْقِتَالِ , وَلَا يَعْلُوَا . بَلْ لَمَّا رَأَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ وَمُبَايَعَتُهُ , إذْ لَا يَكُون لِلْمُسْلِمَيْنِ إلَّا خَلِيفَةٌ وَاحِدٌ , وَأَنَّهُمْ خَارِجُونَ عَنْ طَاعَتِهِ يَمْتَنِعُونَ عَنْ هَذَا الْوَاجِبِ , وَهُمْ أَهْلُ شَوْكَةٍ رَأَى أَنْ يُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يُؤَدُّوا هَذَا الْوَاجِبَ , فَتَحْصُلَ الطَّاعَةُ وَالْجَمَاعَةُ . وَهُمْ قَالُوا : إنَّ ذَلِك لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ , وَإِنَّهُمْ إذَا قُوتِلُوا عَلَى ذَلِك كَانُوا مَظْلُومِينَ قَالُوا : لِأَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ , وَقَتَلَتُهُ فِي عَسْكَرِ عَلِيٍّ , وَهُمْ غَالِبُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ , فَإِذَا امْتَنَعْنَا ظَلَمُونَا وَاعْتَدَوْا عَلَيْنَا . وَعَلِيٌّ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُمْ , كَمَا لَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ عَنْ عُثْمَانَ ; وَإِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نُبَايِعَ خَلِيفَةً يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْصِفَنَا وَيَبْذُلَ لَنَا الْإِنْصَافَ . وَكَانَ فِي جُهَّالِ الْفَرِيقَيْنِ مَنْ يَظُنُّ بِعَلِيِّ وَعُثْمَانَ ظُنُونًا كَاذِبَةً , بَرَّأَ اللَّهُ مِنْهَا عَلِيًّا , وَعُثْمَانَ : كَانَ يَظُنُّ بِعَلِيِّ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ عُثْمَانَ , وَكَانَ عَلِيٌّ يَحْلِفُ وَهُوَ الْبَارُّ الصَّادِقُ بِلَا يَمِينٍ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ , وَلَا رَضِيَ بِقَتْلِهِ , وَلَمْ يُمَالِئْ عَلَى قَتْلِهِ . وَهَذَا مَعْلُومٌ بِلَا رَيْبٍ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . فَكَانَ أُنَاسٌ مِنْ مُحِبِّي عَلِيٍّ وَمِنْ مُبْغِضِيهِ يُشِيعُونَ ذَلِك عَنْهُ : فَمُحِبُّوهُ يَقْصِدُونَ بِذَلِك الطَّعْنَ عَلَى عُثْمَانَ بِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ , وَأَنَّ عَلِيًّا أَمَرَ بِقَتْلِهِ . وَمُبْغِضُوهُ يَقْصِدُونَ بِذَلِك الطَّعْنَ عَلَى عَلِيٍّ , وَأَنَّهُ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ الْخَلِيفَةِ الْمَظْلُومِ الشَّهِيدِ , الَّذِي صَبَّرَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَدْفَعْ عَنْهَا , وَلَمْ يَسْفِكْ دَمَ مُسْلِمٍ فِي الدَّفْعِ عَنْهُ , فَكَيْفَ فِي طَلَب طَاعَتِهِ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي يَتَسَبَّبُ بِهَا الزَّائِغُونَ عَلَى الْمُتَشَيِّعِينَ الْعُثْمَانِيَّةِ , وَالْعَلَوِيَّةِ . وَكُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ الْمُتَشَيِّعِينَ مُقِرَّةٌ مَعَ ذَلِك بِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَاوِيَةُ كُفْئًا لِعَلِيِّ بِالْخِلَافَةِ , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَلِيفَةٌ مَعَ إمْكَانِ اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ فَضْلَ عَلِيٍّ وسابقيته , وَعِلْمَهُ , وَدِينَهُ , وَشَجَاعَتَهُ , وَسَائِرَ فَضَائِلِهِ : كَانَتْ عِنْدَهُمْ ظَاهِرَةً مَعْرُوفَةً , كَفَضْلِ إخْوَانِهِ : أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى غَيْرُهُ وَغَيْرُ سَعْدٍ , وَسَعْدٌ كَانَ قَدْ تَرَكَ هَذَا الْأَمْرَ , وَكَانَ الْأَمْرُ قَدْ انْحَصَرَ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ; فَلَمَّا تُوُفِّيَ عُثْمَانُ لَمْ يَبْقَ لَهَا مُعَيَّنٌ إلَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ الشَّرُّ بِسَبَبِ قَتْلِ عُثْمَانَ , فَحَصَلَ بِذَلِك قُوَّةُ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ وَضَعْفُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ , حَتَّى حَصَلَ مِنْ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ مَا صَارَ يُطَاعُ فِيهِ مَنْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ بِالطَّاعَةِ ; وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ بِالْجَمَاعَةِ والائتلاف , وَنَهَى عَنْ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ ; وَلِهَذَا قِيلَ : مَا يَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا يُجْمِعُونَ مِنْ الْفُرْقَةِ . وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ { إنَّ عَمَّارًا تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ } فَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ طَعَنَ فِيهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ; لَكِنْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ , وَهُوَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ : قَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاغِيَةِ الطَّالِبَةُ بِدَمِ عُثْمَانَ , كَمَا قَالُوا : نَبْغِي ابْنَ عفان بِأَطْرَافِ الأسل . وَلَيْسَ بِشَيْءِ ; بَلْ يُقَالُ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حَقٌّ كَمَا قَالَهُ , وَلَيْسَ فِي كَوْنِ عَمَّارٍ تَقْتُلهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ مَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ , فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } فَقَدْ جَعَلَهُمْ مَعَ وُجُودِ الِاقْتِتَالِ وَالْبَغْيِ مُؤْمِنِينَ إخْوَةً ; بَلْ مَعَ أَمْرِهِ بِقِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ جَعَلَهُمْ مُؤْمِنِينَ . وَلَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ بَغْيًا وَظُلْمًا أَوْ عُدْوَانًا يُخْرِجُ عُمُومَ النَّاسِ عَنْ الْإِيمَانِ , وَلَا يُوجِبُ لَعْنَتَهُمْ ; فَكَيْفَ يُخْرِجُ ذَلِك مَنْ كَانَ مِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ ؟ وَكُلُّ مَنْ كَانَ بَاغِيًا , أَوْ ظَالِمًا , أَوْ مُعْتَدِيًا , أَوْ مُرْتَكِبًا مَا هُوَ ذَنْبٌ فَهُوَ " قِسْمَانِ " مُتَأَوِّلٌ , وَغَيْرُ مُتَأَوِّلٍ , فَالْمُتَأَوِّلُ الْمُجْتَهِدُ : كَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ , الَّذِينَ اجْتَهَدُوا , وَاعْتَقَدَ بَعْضُهُمْ حِلَّ أُمُورٍ , وَاعْتَقَدَ الْآخَرُ تَحْرِيمَهَا كَمَا اسْتَحَلَّ بَعْضُهُمْ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْأَشْرِبَةِ , وَبَعْضُهُمْ بَعْضَ الْمُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ بَعْضَ عُقُودِ التَّحْلِيلِ وَالْمُتْعَةِ , وَأَمْثَالُ ذَلِك , فَقَدْ جَرَى ذَلِك وَأَمْثَالُهُ مِنْ خِيَارِ السَّلَفِ . فَهَؤُلَاءِ الْمُتَأَوِّلُونَ الْمُجْتَهِدُونَ غَايَتُهُمْ أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ هَذَا الدُّعَاءَ . وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ داود وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إنَّمَا حَكَمَا فِي الْحَرْثِ , وَخَصَّ أَحَدَهُمَا بِالْعِلْمِ وَالْحُكْمِ , مَعَ ثَنَائِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعِلْمِ وَالْحُكْمِ . وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ , فَإِذَا فَهِمَ أَحَدُهُمْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا لَمْ يَفْهَمْهُ الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِك مَلُومًا وَلَا مَانِعًا لِمَا عُرِفَ مِنْ عِلْمِهِ وَدِينِهِ , وَإِنْ كَانَ ذَلِك مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ يَكُون إثْمًا وَظُلْمًا , وَالْإِصْرَارُ عَلَيْهِ فِسْقًا , بَلْ مَتَى عُلِمَ تَحْرِيمُهُ ضَرُورَةً كَانَ تَحْلِيلُهُ كُفْرًا . فَالْبَغْيُ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ . أَمَا إذَا كَانَ الْبَاغِي مُجْتَهِدًا وَمُتَأَوِّلًا , وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّهُ بَاغٍ , بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فِي اعْتِقَادِهِ : لَمْ تَكُنْ تَسْمِيَتُهُ " بَاغِيًا " مُوجِبَةً لِإِثْمِهِ , فَضْلًا عَنْ أَنْ تُوجِبَ فِسْقَهُ . وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ بِقِتَالِ الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ ; يَقُولُونَ : مَعَ الْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ قِتَالُنَا لَهُمْ لِدَفْعِ ضَرَرِ بَغْيِهِمْ ; لَا عُقُوبَةً لَهُمْ ; بَلْ لِلْمَنْعِ مِنْ الْعُدْوَانِ . وَيَقُولُونَ : إنَّهُمْ بَاقُونَ عَلَى الْعَدَالَةِ ; لَا يُفَسَّقُونَ . وَيَقُولُونَ هُمْ كَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ , كَمَا يُمْنَعُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالنَّاسِي وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمُ مِنْ الْعُدْوَانِ أَنْ لَا يَصْدُرَ مِنْهُمْ ; بَلْ تُمْنَعُ الْبَهَائِمُ مِنْ الْعُدْوَانِ . وَيَجِبُ عَلَى مَنْ قُتِلَ مُؤْمِنًا خَطَأً الدِّيَةُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ مَعَ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك , وَهَكَذَا مَنْ رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ الْحُدُودِ وَتَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ , وَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ , وَالْبَاغِي الْمُتَأَوِّلُ يُجْلَدُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَنَظَائِرُهُ مُتَعَدِّدَةٌ . ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ " الْبَغْيُ " بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ : يَكُون ذَنْبًا , وَالذُّنُوبُ تَزُولُ عُقُوبَتُهَا بِأَسْبَابِ مُتَعَدِّدَةٍ : بِالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ , وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ , وَغَيْرِ ذَلِك . ثُمَّ { إنَّ عَمَّارًا تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ } لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لمعاوية وَأَصْحَابِهِ ; بَلْ يُمْكِنُ أَنَّهُ أُرِيدَ بَهْ تِلْكَ الْعِصَابَةُ الَّتِي حَمَلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلَتْهُ , وَهِيَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعَسْكَرِ , وَمَنْ رَضِيَ بِقَتْلِ عَمَّارٍ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا . وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كَانَ فِي الْعَسْكَرِ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَتْلِ عَمَّارٍ : كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص , وَغَيْرِهِ ; بَلْ كُلُّ النَّاسِ كَانُوا مُنْكَرِينَ لِقَتْلِ عَمَّارٍ , حَتَّى مُعَاوِيَةُ , وَعَمْرٌو . وَيُرْوَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ تَأَوَّلَ أَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ ; دُونَ مُقَاتِلِيهِ : وَأَنَّ عَلِيًّا رَدَّ هَذَا التَّأْوِيلَ بِقَوْلِهِ : فَنَحْنُ إذًا قَتَلْنَا حَمْزَةَ . وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَا قَالَهُ عَلِيٌّ هُوَ الصَّوَابُ ; لَكِنْ مَنْ نَظَرَ فِي كَلَامِ الْمُتَنَاظِرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَيْسَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَلَا مُلْكٌ , وَأَنَّ لَهُمْ فِي النُّصُوصِ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِكَثِيرِ . وَمَنْ تَأَوَّلَ هَذَا التَّأْوِيلَ لَمْ يَرَ أَنَّهُ قَتَلَ عَمَّارًا , فَلَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهُ بَاغٍ , وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهُ بَاغٍ وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَاغٍ : فَهُوَ مُتَأَوِّلٌ مُخْطِئٌ . وَالْفُقَهَاءُ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ رَأْيِهِ الْقِتَالُ مَعَ مَنْ قَتَلَ عَمَّارًا ; لَكِنْ لَهُمْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِمَا أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ : مِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْقِتَالَ مَعَ عَمَّارٍ وَطَائِفَتِهِ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْإِمْسَاكَ عَنْ الْقِتَالِ مُطْلَقًا . وَفِي كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ طَوَائِفُ مِنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ . فَفِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَمَّارٌ , وَسَهْلُ بْنُ حنيف , وَأَبُو أَيُّوبَ . وَفِي الثَّانِي سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ , وَمُحَمَّدُ بْنُ مسلمة ; وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَنَحْوُهُمْ . وَلَعَلَّ أَكْثَرَ الْأَكَابِرِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا عَلَى هَذَا الرَّأْيِ ; وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَسْكَرَيْنِ بَعْدَ عَلِيٍّ أَفَضْلُ مِنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , وَكَانَ مِنْ الْقَاعِدِينَ . و " حَدِيثُ عَمَّارٍ " قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ رَأَى الْقِتَالَ ; لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَاتِلُوهُ بُغَاةً فَاَللَّهُ يَقُول : { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي } . والمتمسكون يَحْتَجُّونَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي { أَنَّ الْقُعُودَ عَنْ الْفِتْنَةِ خَيْرٌ مِنْ الْقِتَالِ فِيهَا } وَتَقُولُ : إنَّ هَذَا الْقِتَالَ وَنَحْوَهُ هُوَ قِتَالُ الْفِتْنَةِ ; كَمَا جَاءَتْ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ تُبَيِّنُ ذَلِك ; وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِالْقِتَالِ ; وَلَمْ يَرْضَ بِهِ ; وَإِنَّمَا رَضِيَ بِالصُّلْحِ ; وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِ الْبَاغِي ; وَلَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِهِ ابْتِدَاءً ; بَلْ قَالَ : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } قَالُوا : وَالِاقْتِتَالُ الْأَوَّلُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ ; وَلَا أَمَرَ كُلَّ مَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ بَغَى عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُ إذَا قَتَلَ كُلَّ بَاغٍ كَفَرَ ; بَلْ غَالِبُ الْمُؤْمِنِينَ ; بَلْ غَالِبُ النَّاسِ : لَا يَخْلُو مِنْ ظُلْمٍ وَبَغْيٍ ; وَلَكِنْ إذَا اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَالْوَاجِبُ الْإِصْلَاحُ بَيْنَهُمَا ; وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا مَأْمُورَةً بِالْقِتَالِ , فَإِذَا بَغَتْ الْوَاحِدَةُ بَعْدَ ذَلِك قُوتِلَتْ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَتْرُكْ الْقِتَالَ ; وَلَمْ تُجِبْ إلَى الصُّلْحِ ; فَلَمْ يَنْدَفِعْ شَرُّهَا إلَّا بِالْقِتَالِ . فَصَارَ قِتَالُهَا بِمَنْزِلَةِ قِتَالِ الصَّائِلِ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ ظُلْمُهُ عَنْ غَيْرِهِ إلَّا بِالْقِتَالِ , كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ , وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ , وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ , وَمَنْ قُتِلَ دُونَ حُرْمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ } . قَالُوا : فَبِتَقْدِيرِ أَنَّ جَمِيعَ الْعَسْكَرِ بُغَاةٌ فَلَمْ نُؤْمَرْ بِقِتَالِهِمْ ابْتِدَاءً ; بَلْ أُمِرْنَا بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ و " أَيْضًا " , فَلَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ إذَا كَانَ الَّذِينَ مَعَهُمْ نَاكِلِينَ عَنْ الْقِتَالِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا كَثِيرِي الْخِلَافِ عَلَيْهِ ضَعِيفِي الطَّاعَةِ لَهُ . و " الْمَقْصُودُ " أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُبِيحُ لَعْنَ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ , وَلَا يُوجِبُ فِسْقَهُ . وَأَمَّا " أَهْلُ الْبَيْتِ " فَلَمْ يُسَبُّوا قَطُّ . وَلِلَّهِ الْحَمْدُ . وَلَمْ يَقْتُلْ الْحَجَّاجُ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ , وَإِنَّمَا قَتَلَ رِجَالًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ , وَكَانَ قَدْ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَلَمْ يَرْضَ بِذَلِك بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ وَلَا بَنُو هَاشِمٍ وَلَا بَنُو أُمَيَّةَ حَتَّى فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ; حَيْثُ لَمْ يَرَوْهُ كُفُؤًا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

http://ibntaimiah.al-islam.com/Displ...23%23%23%23%23







التوقيع :
اعلم غفر الله لي ولك، أن الله عز وجل لا يغفر أن يشرك به ولكنه يغفر ما دون الشرك لمن يشاء..
فحاول يا عبد الله أن تقابل ربك صافيا نقيا من الشرك....
فلا تعبد إلا الله
لا تصرف العبادات إلا لله
ولا تدعوا مع الله إله آخر
واعبد الله مخلصا له الدين
واعبده كما عبده سيد المرسلين
والحمد لله رب العالمين.....
من مواضيعي في المنتدى
»» استمع إلى الشيخ جميل غازي عن الرافضة
»» دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في حلقات المستقلة القادمة
»» الصحابي عبد الرحمن بن أبي عميرة
»» هذا موقع يبين همجية الرافضة
»» أخوة الإسلام: هل الهالك الحكيم هو نفسه الذي يلطم على رابط موقع البرهان؟!
 
قديم 11-05-02, 12:15 PM   رقم المشاركة : 2
Guest





Smile

بغض ابن تيمية لأمير المؤمنين (عليه السلام)


وأبدأ بحثي بكلمة لابن حجر العسقلاني الحافظ بترجمته من كتاب الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، حيث يذكر قضايا مفصلة بترجمة ابن تيميّة وحوادث كلّها قابلة للذكر، إلاّ أنّي أكتفي بنقل مايلي :

يقول الحافظ : وقال ابن تيميّة في حقّ علي : أخطأ في سبعة عشر شيئاً، ثمّ خالف فيها نصّ الكتاب ... .

ويقول الحافظ ابن حجر : وافترق الناس فيه ـ أي في ابن تيميّة ـ شيعاً، فمنهم من نسبه إلى التجسيم، لما ذكر في العقيدة الحمويّة والواسطيّة وغيرهما من ذلك كقوله : إنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقيّة لله، وأنّه مستو على العرش بذاته ... .

إلى أن يقول : ومنهم من ينسبه إلى الزندقة، لقوله : النبيّ (صلى الله عليه وسلم)لا يستغاث به، وأنّ في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي (صلى الله عليه وسلم) ... .
( 11 )


إلى أن يقول : ومنهم من ينسبه إلى النفاق، لقوله في علي ما تقدّم ـ أي قضيّة أنّه أخطأ في سبعة عشر شيئاً ـ ولقوله : إنّه ـ أي علي ـ كان مخذولاً حيثما توجّه، وأنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنّما قاتل للرئاسة لا للديانة، ولقوله : إنّه كان يحبّ الرئاسة، ولقوله : أسلم أبوبكر شيخاً يدري ما يقول، وعلي أسلم صبيّاً، والصبي لا يصحّ إسلامه، وبكلامه في قصّة خطبة بنت أبي جهل، وأنّ عليّاً مات وما نسيها .

فإنّه شنّع في ذلك، فألزموه بالنفاق، لقوله صلّى الله عليه وسلّم : ولا يبغضك إلاّ منافق .

إلى هنا القدر الذي نحتاج إليه من عبارة الحافظ ابن حجر بترجمة ابن تيميّة







 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:49 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "