الدستور الإيراني في الميزان . - بقلم: صباح الموسوي
إذا كان دستور أي بلد ما، هو المرآة التي تعكس الوجهة الحضارية لذلك البلد، فأن الأكثر تحضرا وإنسانية منه هو ذلك الحاكم أو النظام الذي يطبق بنود هذا الدستور الذي يشترط فيه أن يكون قد صيغ ووضع على أسس حضارية وإنسانية حقيقية و بعيدة كل البعد عن روح العنصرية العرقية و ا لمذهبية الرجعية أو الطائفية الحزبية. بهذا الشكل فقط يمكن أن يصبح الدستور واجهة حضارية وإنسانية للبلد (أي بلد) ولنظامه السياسي مهما كانت إيديولوجية ذلك النظام وطريقة حكمه.
وبما إننا أبناء منطقة تميزت حضارتها بسنها لأول شريعة إنسانية وضعت لتصبح فيما بعد مرجعا للقوانين والتشريعات الوضعية آلاتية من بعدها " هذا أن لم تكن التشريعات السماوية أيضا قد أقرت جزءا من بنود هذه الشريعة " ونعني بها شريعة حمورابي. ولكوننا أيضا من اتباع دينا "الإسلام" جعل الدستور "القرآن " أحد أبرز سماته الحضارية حيث نظم فيه علاقة الإنسان بأخيه الإنسان بصورة عادلة والى الأبد. فعلى هذا الأساس، كان لابد لنا نحن العرب أبناء الأحواز الذين نعاني مع غيرنا من أبناء الشعوب والقوميات الآخرة في إيران اشد أنواع القهر والاضطهاد القومي و المذهبي، أن نعرض للقارئ الكريم بعض من مواد الدستور الإيراني، ونقول بعض وليس كل المواد حيث أن ذلك يحتاج إلى دراسة أوسع مما نحن فيه من هذه القراءة الموجزة التي تأتي راد على الندوة التي أقامها مؤخرا مندوب مرشد الثورة الإيرانية في لندن الشيخ محسن الاراكي والذي تحدث فيها المحاضرون عن الرؤى "الحضارية في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية الماضي ". ونحن هنا نضع القارئ الكريم ليطلع على غياب الرؤى الإنسانية والحضارية في هذا الدستور، وقد بدأنا قراءتنا مع المادة الثانية عشر من الدستور الإيراني المعدل عام 1989م و.المترجم إلى لعربية بواسطة المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق .
تقول المادة أعلاه على أن المذهب الجعفري الأثني عشري يبقى إلى الأبد المذهب الرسمي لإيران وغير قابل للتغير. وهنا نسأل إذا كان التشيع هو الصفة الغالبة على دين أهل البلاد الإيرانية فما هو الداعي إلى تنصيصها في الدستور؟ إلا إذا كانت الصفة المذهبية والخصوصية القومية في إيران تعني للمشرع الإيراني وجهين لعملة واحدة، هذا مع العلم أن الرسول الأكرم (ص) عندما أقام دولته وحّكم الإسلام في الأمة لم يجعل للدولة الإسلامية مذهبا رسميا يصنف الإسلام والمسلمين على أساسه . وأما المادة الثانية التي نقف عندها والتي يزعمون أنها تحمل رؤية (حضارية ) فهي المادة الثالثة عشر من هذا الدستور والتي تنص على أن الإيرانيون الزردشت "المجوس" واليهود والمسيحيون هم وحدهم الاقليات الدينية المعترف بها وتتمتع بالحرية في أداء مراسيمها. والسؤال هنا لماذا اعترف الدستور الإيراني بحقوق اتباع هذه الديانات " وهو حق واجب الاعتراف به إنسانيا " فقط دون اعترافه بحقوق اقليات دينية الأخرى؟ ومن أبرزها الطائفة الصابئية " المندائية " وهي ديانة ورد ذكرها في القران الكريم في ثلاثة آيات محكمات، وهن الآية /62/ من سورة البقرة، والآية /69/ من سورة المائدة، والآية / 17/ من سورة الحج.، وهي من الديانات الموحدة لله جل جلاله ويبلغ تعداد اتباعها في الأحواز فقط أكثر من سبعين ألف وهناك قول آخر انهم مائة ألف. فهل عدم اعتراف الدستور الإيراني بحقوق أبناء هذه الطائفة الدينية، لكونهم عرب فقط؟، أم لكونه لا توجد ورائهم دولة مثل( إسرائيل ) كما هو حال اليهود،. فأين أذن التحضر الذي يتغنون به في دستورهم هذا، ولماذا لم يتم الاعتراف بحقوق هذه الملة الموحدة أسوة لها بالملل الأخرى.؟ وأما المادة السادسة عشر والتي توجب تدريس مادة اللغة العربية بعد مرحلة الابتدائية والتي اعتبرها المحاضرون إنها من إنجازات نظام ولآية الفقيه واصبحوا يمنون بها على العرب فنقول أنها لم تأتي بجديد عما كانت عليه الحال في دستور نظام الشاه حيث كان هو الأخر يقر تدريس مادة اللغة العربية بعد المرحلة الابتدائية، شأنها شأن اللغة الإنجليزية فأي شيء جديد من الرؤى الحضارية أضيفت إلى هذه المادة الدستورية؟... والحال أيضا بالنسبة للمادة السابعة عشر والتي تقول إن التاريخ الرسمي للبلاد هو الهجري القمري ولكنها تستثني الأمر وتلزم الدوائر الحكومية باعتماد التاريخ الهجري الشمسي الإيراني الذي وضعه الشاعر الفارسي العنصري عمر الخيام في القرن الثالث الهجري، وهذا التاريخ كان معتمد أيام نظام الشاه أيضا، فأي جديد جاءت به هذه المادة سوى أنها تلاعبت بالألفاظ فقدمت الأول بالقول و اعتمدت الثاني بالفعل. وأما المادة الخامسة عشر بعد المائة والتي تتعلق برئيس الجمهورية , فقد جاء بالفقرة الاولى منها مايلي : أن يكون رئيس الجمهورية إيراني الأصل ويحمل الجنسية الإيرانية : وهذا يعني أن الفارسي فقط يحق له أن يصبح رئيسا للجمهورية حيث بات عرفا أن الإيراني هو الفارسي والدستور الإيراني يؤكد ذلك في المادة الخامسة عشر عندما ينص على أن تكون اللغة والكتابة الرسمية والمشتركة، هي الفارسية، و إلا لماذا توجب الفقرة المذكورة الأصل والجنسية دون أن تكتفي بالجنسية فقط، رغم أن الإسلام ينص على دين الحاكم دون النظر إلى عنصره , كما أن المادة ذاتها( الخامسة عشر بعد المائة ) توجب على أن يكون رئيس الجمهورية مؤمنا ومعتقدا بالمذهب الشيعي الجعفري الرسمي للبلاد وفي هذا الحال فقد قسّم هذه الدستور المواطنون الإيرانيون المسلمون إلى فئتين، مسلم درجة أولى ومسلم درجة ثانية، أي مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثانية، حيث بات يحق للأول بحكم مذهبه أن يكون حاكما على الثاني و لا يحق للثاني بحكم مذهبه أن يكون حاكما على الأول وان كانا الاثنان إيرانيين مسلمين. وهنا نعاود السؤال إلى القراء الكرام هل وجدتم هناك رؤية حضارية في هذه المواد؟.
بقيت لنا وقفة أخيرة مع الدستور الإيراني نقفها من المادة الواحدة والعشرون بعد المئة، وهي التي تحد د طريقة أداء رئيس الجمهورية لليمين الدستوري، حيث توجب عليه القول التالي : أقسم بالله وفي حضرة القرآن الكريم أن أكون حاميا للمذهب الرسمي للبلاد: إذن فهو يحامي عن مذهب في الإسلام وليس الإسلام، هذا إذا كان فعلا هناك مذهبية في السلام.
وهنا نعاود الكرة في السؤال، ونقول لماذا كل هذا التأكيد على المذهبية والعنصرية في الدستور الإيراني، رغم إننا لم نقراء عن الإمام علي (ع) عندما تولى الخلافة وإمامة المسلمين انه أقسم على حماية مذهب بعينه، أو حزب بذاته؟ . إذن لماذا يفعل ذلك في دستور ممن يدعون مشايعة الإمام علي؟ .
نقول نعم لقد اقسم الإمام علي، ولكن على الالتزام بالقران وسنة النبي (ص) وتطبيق العدل والمساواة بين الناس، كل الناس، حيث قال عليه السلام : الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق. وهو يتبع في ذلك تعاليم نبي الرحمة محمد المصطفى(ص) الذي قال : خير الناس من نفع الناس : والمسلمون سواسية كأسنان المشط. مستلهم ذلك من دستور الإسلام القرآن الكريم الذي يقول : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون.
فهل تعلم المشرّع الإيراني من القرآن والنبي والإمام علي ليضع لبلاده دستورا يحمل في طياته رؤية حضارية حقيقة بعيدة عن الروح العنصرية والطائفية المقيتة , حسب ما جاء في القران الكريم ودساتير العالم المتحضر.
صباح الموسوي
حزيران 2004م