.
( ومما سألونا عنه: حكم تولية الكفار المحتلين بلاد المسلمين بعض المسلمين على بعض.
فأجبناهم أن المؤمنين الذين تغلب عليهم الكفار باحتلال بلادهم إذا أمكنهم الانضمام إلى سلطان إسلامي وجب عليهم ذلك، ولم يجز لهم موالاة الكفار وأحرى توليتهم، لأن موالاة المسلمين للكفار مع القدرة على موالاة المسلمين تتضمن الفتنة والفساد الكبير بنص القرآن العظيم، وهو قوله تعالى {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} وقد قال تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}
وأما إن كان المسلمون الذين تغلب عليهم الكفار ولا صريخ لهم من المسلمين يستنقذهم بضمهم إليه، فموالاتهم للكفار بالظاهر دون الباطن لدفع ضررهم جائزة بنص القرآن العظيم، وهو قوله تعالى { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة }.
وكذلك توليتهم بعض المسلمين على بعض في الجاري على أصل مذهب مالك ومن وافقه من أن شرع من قبلنا شرع لنا إن ثبت بشرعنا إلا لدليل يقتضي النسخ.
وإيضاح ذلك:
أن نبي الله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام – طلب التولية من ملك مصر، وانعقدت له منه وهو كافر كما قال تعالى حكاية عنه:{ قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم }، فلو كانت التولية من يد الكافر المتغلب حراما غير منعقدة لما طلبها هذا النبي الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم من يد الكافر، ولما انعقدت له منه، ويوسف من الرسل الذين ذكرهم الله تعالى في سورة الأنعام بقوله { ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف } وقد أمر نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالاقتداء بهم حيث قال بعد ذكرهم عليه وعليهم صلوات الله وسلامه { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده }.
وأمر نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالاقتداء بهم أمر لنا، لأن الخطاب الخاص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتناول الأمة من جهة الحكم، لأنه قدوتهم، إلا ما ثبت فيه الخاصة بالدليل، على ما ذهب إليه أكثر المالكية، وهو ظاهر قول مالك. ) .
رحلة الحج ( 89 - 91 )
http://www.archive.org/stream/waq699...e/n87/mode/2up