في شهر شباط 1982 نشرت مجلة ارشادات و هي مجلة متتخصصة في الدراسات الصهيونية مقال مهم حول استراتيجية اسرائيل في عقد الثمانينات بقلم اوديد يينون المقرب من القيادة الاسرائيلية و أحد منظري الحركة الصهيونية وهو صحفي و موظف سابق بوزارة الخارجية الاسرائيلية وقد ترجم المقال الكاتب الاسرائيلي ( إسرائيل شاهاك )
نشرته مجلة الثقافة( عمدة الثقافة في الحزب السوري القومي الاجتماعي) بالعدد17 تاريخ1985 في قسم اعرف عدوك
في مطلع الثمانينات من هذا القرن تحتاج إسرائيل إلى نظرة جديدة فيما يتعلق بموقعها و غاياتها و أهدافها القومية في الداخل و الخارج .
وقد أصبحت هذه الحاجة غاية في الأهمية نظراً لعدد من العمليات الرئيسية التي تمر فيها البلاد و المنطقة و العالم بأسره . إننا نعيش اليوم في المرحلة الأولى بحقبة زمنية جديدة في التاريخ البشري لا تشبه مثيلاتها في التاريخ بشيء على الإطلاق , وتختلف في سماتها تماماً عما كنا قد عرفناه حتى الآن .
وهذا هو سبب الحاجة لفهم العمليات الرئيسية التي تميز هذه الحقبة من ناحية , ومن ناحية أخرى , نحتاج إلى نظرة عالمية و إستراتيجية عملية تناسب الظرف الجديدة .
إن وجود , وازدهار و صمود الدولة اليهودية سيعتمد على مقدرتها في تبني إطار جديد لشؤونها الداخلية و الخارجية .
ـ لذلك فإن العالم الإسلامي العربي ليس المشكلة الإستراتيجية الرئيسية التي سنواجهها في الثمانينات على الرغم من حقيقة
أنه يشكل الثقل الرئيسي في التهديد الذي تواجهه إسرائيل , و ذلك بسبب ازدياد قوته العسكرية . وهذا العالم بأقلياته العرقية
و بتجزواته و أزماته الداخلية التي تعتبر و بشكل مذهل , مدمرة لذاته كما نرى في لبنان و إيران ( الغير عربية ) و كذلك في سورية يعتبر عاجز عن معالجة مشكلاته الأساسية بنجاح , و بالتالي لا يشكل تهديد حقيقياً ضد دولة إسرائيل في المدى البعيد , إنما يشكل هذا التهديد في المدى القريب فقط نظراً للكميات الهائلة من الأسلحة العسكرية التي يستوردها .
في المدى البعيد سيكون هذا العالم عاجز عن العيش ضمن إطاره الحالي في المناطق المحيطة به دون أن يتعرض لتغيرات ثورية حقيقية .
إن العالم الإسلامي العربي مبني كبيت مؤقت من الكرتون المجمع من قبل أجانب ( فرنسا و بريطانيا ) دون أن تؤخذ في الحساب أماني السكان و رغباتهم .
ـ إن العراق الغني بالنفط من ناحية و الممزق داخليا من ناحية أخرى يعتبر مرشح مضموناً لأهداف إسرائيل . فتفكيكه
يعتبر بالنسبة لنا أكثر أهمية من تفكيك سورية .
فالعراق أقوى من سورية . و على المدى القصير فإن القوة العراقية هي التي تشكل أكبر تهديد لاسرائيل . و من ثم فإن حرب عراقية سورية أو حرب عراقية إيرانية ستعمل على تمزيق العراق و تسبب في انهياره من الداخل حتى قبل أن يتمكن من تنظيم كفاح ضدنا على جبهة واسعة .
إن أي نوع من المجابهة ما بين العرب ستعمل لصالحنا على المدى القصير و ستعمل على تقصير الطريق أمام الهدف الأعلى أعني تحطيم العراق إلى فئات طائفية كما في سورية و لبنان .
وفي العراق يعتبر التقسيم الإقليمي على أساس عرقي ديني , كما في سورية و في العهد العثماني أمر ممكن و بالتالي فأن ثلاث دول ( أو أكثر) ستقوم حول المدن الرئيسية الثلاث : البصرة بغداد الموصل ومن ثم ستنفصل المناطق الشيعية في الجنوب عن المناطق السنية و الكردية في الشمال ومن الممكن أن تعمل المجابهة الإيرانية العراقية الحالية على تعميق هذا الاستقطاب .
ـ إن شبه الجزيرة العربية بأكملها تعتبر المرشح الطبيعي للتفكك نظراً للضغط الداخلي و الخارجي الذي تتعرض له . يعتبر تفكك حتمياً , خاصتا في العربية السعودية , بغض النظر عما إذا بقيت قوتها الاقتصادية القائمة على أساس النفط على ما هي عليه , أو أنها تضائلت في المدى البعيد ذلك لان النزاعات الداخلية و الانهيار عملية واضحة و طبيعية في ضوء التركيبة السياسية الحالية .
ـ و إن الأردن يشكل هدف إستراتيجيا عاجلاً في المدى القصير , إنما ليس في المدى البعيد ذلك لأنه لا يشكل تهديداً حقيقياً في المدى البعيد بعد تفككه و تحويل السلطة إلى الفلسطينين في المدى القصير . لا بدا و أن تكون سياسة إسرائيل , في الحرب و السلم على السواء , موجهة نحو تصفية الأردن و تحويل السلطة للغالبية الفلسطينية و لا شك أن تغير نظام الحكم في الضفة الشرقية لنهر الأردن سيتسبب كذلك في إنهاء مشكلة المناطق الكثيفة السكان من العرب غربي نهر الأردن , سواء فيس الحرب أو ظل شروط السلم .فالهجرة من المناطق و التجميد السكاني الاقتصادي فيها يعتبران من الضمانات اللازمة للتغير المرتقب على ضفتي نهر الأردن ,و لا بد لنا من أن نكون نشيطين بغيت الاسراع في هذه العملية , في أقرب وقت . و لا بد كذلك مكن رفض مشروع الحكم الذاتي و أية تسوية لتقسيم المناطق .
و لقد جاء في مشروع ( شفرعام ) المطروح في أيلول 1980 م بأنه من غير الممكن الاستمرار في العيش في هذا البلد في ظل الوضع الراهن , دون فصل الشعبين : العربي بضمه الى الاردن و اليهودي في المناطق الواقعة غربي النهر .
و لن يسود التعايش و السلم الحقيقيان فوق هذه الارض مالم يدرك العرب بأنه بدون حكم يهودي ما بين نهر الاردن و البحر
لن يتمتعوا بالوجود و لا بالامن . و لن يكون لهم دولة خاصة بهم و أمن خاص بهم إلا في الاردن .
إن التمييز داخل إسرائيل ما بين مناطق عام 1967 م و مناطق عام 1948 م لم يكن له معنى أبداً بالنسبة للعرب .
أما الآن فلم يعد له معنى بالنسبة لنا . فالمشكلة يجب رؤيتها في مجموعها بدون أية تقسيمات اعتبارا من عام 1967 م . و في ظل أي وضع سياسي مستقبلي أو تجمع عسكري , يجب أن يكون واضحاً بأن حل مشكلة العرب الأصليين لن يتم إلا باعترافهم في وجود إسرائيل ضمن حدود أمنة ابتدأ من نهر الاردن , على أنه مطلب من مطالب وجودنا في هذه الحقبة الصعبة أي الحقبة النووية التي سندخلها قريباً . ذلك أنه لم يعد ممكن العيش بثلاثة أرباع السكان اليهود على المنطقة الساحلية الكثيفة السكان و التي تعتبر بالغة الخطورة في حقبة نووية.