س: لا يمكن الاعتماد على ذلك الكتاب كثيرا .
ج : نعم، اقول انه لم يذكر جميع الحقائق في مذكراته، لذلك يجب ان نعمل لكي نحصل على الاشياء غير المنشورة في مذكراته، انني لا اقبل هذه النظرية التي تقول ان الثورة الاسلامية الايرانية كان قد حركتها الولايات المتحدة الامريكية او بريطانيا وانما اراها ثورة شعبية وتاريخية اصيلة، الا انني في الوقت نفسه لا استطيع ان اقبل، ان الامريكان والبريطانيين والاسرائيلين الذين كان لهم نفوذ وتواجد قوي في ايران وفي ظروف كانت الثورة في طريقها الى الانتصار انسحبوا ولم يتدخلوا في مسارها! لذلك لابد من العودة لندرس ونرى عندما لم يكن بوسعهم تجنب انتصار الثورة، ماذا كان موقفهم؟ وماذا كان رد فعلهم؟
س: السيد الدكتور اسمح لنا ان ننهي هذا الجانب من الموضوع وننتقل الى محور ثان، هل توافقون على وجهة النظر التي تقول ان مؤتمر كوادلوب قد اطلق رصاصة الرحمة على النظام البهلوي؟
ج: طلقة الرحمة بمعنى ان عملية خروج الشاه من ايران اصبحت امر حتمي ولامفر منه، مع العلم ان البريطانيين كانوا قد اعلنوا موافقتهم على خروج الشاه باكرا، وقد فهموا قبل الامريكان ان الشاه لم يعد صديقا شاطرا وانما اضحى يشكل عبئاً على اكتافهم! كما ان الامريكان وصلوا الى هذه التنيجة بعد تاخير دام طويلا لم يعد هناك اي طريق غير خروج الشاه، فبنوا برامجهم لايران ما بعد الشاه…
من اليسار: إبراهيم يزدي وآية الله الخميني وصادق قطب زاده، أول وزيرخارجية للجمهورية الإسلامية
س: السيد الدكتور، هناك تحليل آخر ينسب الى مواقف برجينسكي، وهو ان واشنطن تسعى وبالتدريج الى الغاء دور القوى الوطنية واليسارية وان تأتي اكثر التيارات يمينية لتستلم الحكم في ايران، لانه يؤمّن المصالح الدول الغربية، ما هي وجهة نظركم حول هذا التحليل؟
ج: في اوج الثورة واثناء انتصارها كان المثقفون (القوى غير الدينية) في ايران منقسمين الى عدة مجموعات، والغرب لا يستطيع ان يشارك النظر ايٍ من التيارات الماركسية التقليدية الايرانية المتواجد انذاك، مثل “حزب التودة” و”منظمة فدائي خلق” و”منظمة مجاهدي خلق”، كما لا يستطيع الاصطفاف مع القوى الوطنية المعتدلة مثل “الجبهة الوطنية” و”حركة حرية ايران” لان الجبهة الوطنية لديها حساسية من الدول الغربية (خاصة بريطانيا وامريكا) وليس هناك لغة مشتركة بينهما بسبب تدخلات هذه الدول في انقلاب 28 مرداد سنة 1332 هجرية شمسية الموافق اغسطس1953 م ضد محمد مصدق رئيس الوزراء المعروف، لذلك فان لديهم مواقف تجاه هذه القوى، هذا اولا وثانيا ان الحرب الباردة كانت لاتزال في اوجها. وفي عهد الحرب الباردة لم نشاهد قط ان الولايات المتحدة الامريكية قد دعمت دعما كاملا ايٍ من الحكومات الوطنية، واذا حصل ودعمت امريكا في الماضي القوى الوطنية في بعض البلدان، فهو في للدرجة الاولى كونه يصب في مواجهة الشيوعية. ومن وجهة نظر الولايات المتحدة الامريكية ان الحركات الوطنية ليس لديها القوة المؤثرة ولا القاعدة الشعبية للتاثيرعلى الاوضاع السياسية في ايران وبالتالي سوف تسلم السلطة الى الشيوعيين وانني اعتقد ان ما ماذهبوا اليه انذاك من الناحية التاريخية يعني في ظل الحرب الباردة كان صحيحا، والحقيقة هي القوى الوطنية لا تستطيع الحكم بمفردها ـ لكي لا تقع السلطة بيد الشيوعيين ـ خاصة وان محور النضالات الاساسي لهذه القوى موجهة في الدرجة الاولى ضد الاستعمار البريطاني واعوانه التي نفذت الى الحركة اليسارية الماركسية والتي عملت بكل ما تستطيع لاضعاف الحكومة الوطنية ومن اجل تعديل هذه المعادلة من الضروري ايجاد ائتلاف مع رجال الدين. فشاهدنا فعلا واثناء الثورة، حصل مثل هذا الائتلاف وانتصرت الثورة الايرانية.
ولكن هذه لم يحول دون قلق الادارة الامريكية حول قدرة الشيوعيين على ملء الفراغ الذي سوف يخلفه رحيل الشاه. لذلك عندما وصل مسار “النضال الوطني” الى نقطة وهي على الشاه ان يرحل واصبح الحفاظ على نظامه عبئا على الغرب، كان الطريق الوحيد للحيلولة دون الخطرالشيوعي هو الائتلاف والتعاون بين الجيش ورجال الدين. وانني ارى من الضروري ذكر هذه المسألة وهي انه في اثناء الثورة ابدى رجال الدين انعطافا اكثر مغارنة مع المثقفين!! وبعد انتصار الثورة الايرانية كانت الاحزاب الوطنية الذي لا تحضرني اسماءها الان، لا اتذكر ان اهتمت واحتفلت بيوم العمال العالمي،طبعا القوى اليسارية اصدرت بيانات ايضا، ومما يجلب الانتباه ان الحزب الجمهوري الاسلامي(وهو حزب ديني اسلامي) قد اصدر بيانا دعى فيه المواطنين الى التظاهر والاحتفال بهذا اليوم!! فرأينا رجال الدين كيف ركبوا موجة الشعارات اليسارية انذاك!
س: السيد الدكتور، ان ما تفضلتم به من اطروحات له مكانته، ولكن لماذا لم يُختار الجيش؟ لماذا لم تأت واشنطن وتركز ا جهود بشكل مباشرعلى الجيش؟ لماذا عارض الغرب، استخدام العنف الشديد؟
ج: لا، الامر ليس كذلك، انه تم التركيزعلى الجيش وانني قد ذكرت في كتابي وثائق وبرامج من اجل الانقلاب العسكري، الا مساعيهم لم تكن موفقة،لانه اذا اريد من الجيش ان يمارس اعمال العنف والضغوط على الثورة، لانهارالجيش تماما. لقد كان بريجينسكي مع استخدام العنف والقمع. ولقد اوصى الشاه بذلك! وفي توصياته للشاه قال له ان بعض الملوك في القرن التاسع عشرالميلادي قد استفادوا من الجيش من اجل قمع الاحتجاجات في بلدانهم وبهذا التدبير تمكنوا من البقاء بقوا، اما من سايروا تلك الاحداث فقد انتهوا! وعندما وقعت مجزرة ميدان لاله زار في الـ 17 من شهريور(سبتمبر1978) ارسل بريجنسكي برقية الى الشاه مهنئا!! لذلك كانوا ينوون الاستفادة من الجيش ضد الثورة. لهذا عاد “اردشير زاهدي”( وزير الخارجية السابق في زمن الشاه) وفي الاشهر الاخيرة التي سبقت انتصار الثورة الى ايران، وبذل قصارى جهده لكي يقوم الجيش بانقلاب على غرار انقلاب 28 مرداد1332(19 اغسطس 1953 ) الا انه من غير ممكن القيام بمثل هذا الانقلاب و ذلك لعدة لعدة اساب:
اولا: ان الشاه نفسه كان مريضا، وبسبب الاعراض الجانبية للادوية التي كان يتناولها لم يكن بمقدوره اتخاذ القرار، وكلما تقدم الوقت الى الامام، كان وضعه الروحي والجسمي يزداد سوء ولم يكن بامكاننا مقارنة الشاه في عام 1357 مثل ما كان عليه عام 1332 .
ثانيا: لم يثق الشاه بالجيش والدول الاجنبية، من بينها الولايات المتحدة الامريكية، لذلك فقد عمل في مديرية الجيش بشكل كان فيه قادة الجيش من ذوي الرتب العليا في حالة جدال وحرب ومنافسة حتى لا تكون لديهم القدرة على القيام بانقلاب عسكري ضده .
ثالثا: كان الرأي العام الاساسي للجيش الايراني متاثرا بالجو العام للمجتمع انذاك، وقد ادى اتساع نطاق النضالات السياسية على معنويات جيش الشاه المكون انذاك من 400 الف شخص .
رابعا: هو انه منذ اواسط عام 1356 هجرية شمسية (1977 ميلادية) بدأت نوع من الحرب النفسية ـ السياسية ضد الجيش. وفي تير ماه من عام 1356( يونيو1977م) و كنت بعد الانتهاء من مراسم دفن الدكتور شريعتي في الشام قد سافرت الى النجف وتحدثت الى الخميني حول الكثير من المسائل من بينها حول نمو واتجاه هذه النضالات والتي سوف تواجه في نهاية الامر الجيش وخلاصة بحثي، هو ان الحركة الثورية في نهاية المطاف سوف تتقابل مع الجيش وكان تحليلي انه في حال الموجهة المسلحة، سوف تكون الغلبة للجيش. لذلك يجب علينا وعبر شن حرب سياسيةـ نفسية عليه، ان نشله من الداخل والطريق هو ان ندعو الجيش وعبر بياناتنا الى العصيان والتمرد ضد الاوامر. وقد قبل الخميني ذلك ومنذ تيرماه عام 1356 – 1977 نادرا ما تجد بيانا لا يتم التوجه فيه الى مخاطبة العسكريين وعوائلهم. ولكن الامريكان عندما توصلوا الى قناعة ان الشاه لا يمكن الاستفادة منه بعد، فقد طرحوا وكما اشرتُ سابقا بدل فكرة القيام بانقلاب عسكري، فكرة التناغم والتعاون، الجيش مع الثورة. البعض يقول جاء “هايزر” الى ايران ليقول للجيش ان لا يقف في وجه الثورة ويتركها ان تنتصر. في حين من وجهة نظري ان الامر ليس كذلك، فهايزر جاء الى ايران ليقول، اذا الجيش وقف في وجه الثورة فانه سوف يتلاشى وهذا تحليل نابع من الواقعية وليس من موقف سياسي.
س: فيما يتعلق بعملية التغيير النظام السياسي وتبديل النظام الملكي الى نظام جمهوري اسلامي، هذه الانتقال من وجهة نظركم سواء كمثقف شارك في الثورة أوبمثابة شخصية مؤثرة في انتصار الثورة، هذا التغيير كان الخيار الوحيد؟ وهل كان النظام الجمهورية الاسلامية البديل الاوحد للنظام الملكي؟ لاسباب يمكن ان نعتبر حدث هذا الامر تلقائيا ماهي وجهة نظركم؟ هل من غير الممكن وفي ظل القرار الذي اتخذه الخميني في هذا الشان، بحث اشكال اخرى من النظم الجمهورية، كاقامة نظام جمهورية ديمقراطية اسلامية أوجمهورية بدون عنوان اسلامي، مثلا؟
ج: من وجهة نظري توجد هناك علاقة وعلاقة متقابلة (تفاعل). فان شعار” آزادي، استقلال ، جمهوري اسلامي” اي الحرية، الاستقلال، الجمهورية الاسلامية، قد رُفع لاول مرة في التاسع و العاشر من محرم ذلك العام “1979 ” ولم ياتي هذا الشعار من الخارج ولم يات ايضا من الخميني، كان الامام الخميني يطرح في بياناته، ان الشعب لا يريد النظام الملكي، وموضوع طرح كون الشعب يريد نظاما جمهوريا اسلاميا في خطاب الخميني كان كليا ومبهما ولم يكن معلوما ـ حسب هذا الخطاب ـ ماذا يريد الشعب؟! في البداية رفعت الجماهير شعار: الحرية، الاستقلال، الحكومة الاسلامية، واثناء التحولات وفي مرحلة منها اصبح شعار الحرية، الاستقلال والجمهورية الاسلامية مطروحا، ولم يقل اي حزب او اي تجمع لماذا الجمهورية الاسلامية ولماذا لا تكون الجمهورية الخالصة (اي كسائر الجمهوريات الغربية مثلا). انظروا الى وثائق تلك الفترة لم يقل اي حزب او منظمة نحن نريد جمهورية لا جمهورية اسلامية وعندما قالت الجماهير الجمهورية الاسلامية فمن الطبيعي ان يقول الخميني ايضا، نريد جمهورية الاسلامية .
س: ما هو مضمون ومحتوى نظام الجمهورية الاسلامية؟
ج: لا احد يعلم ولم يقل احد ما هو مضمون الجمهورية الاسلامية! واذا قيل “الجمهورية” (بدون اضافة كلمة “اسلامية”)، ايضا لا احدا كان يعرف ما هو مضمونها؟ الشيء الوحيد الذي كان الشعب يريده والجميع متفقة عليه، هو الغاء النظام الملكي من الدستور، لذلك الحل الوحيد، هو ذلك البرنامج السياسي الذي كتبته للفقيد قائد الثورة، هو تدوين دستورجديد. اذا الطريق الوحيد لتعريف مفهوم ومضمون النظام المستقبلي، سواء كان اسلاميا اوغير اسلامي يعود الى تدوين الدستور.
نعم في باريس كان الكل يتسائل ماهي هذه الجمهورية الاسلامية التي تريدونها؟ وقد سئأوا السيد الخميني في باريس حول هذا الموضوع وقد اجاب، “الجمهورية التي نسعى اليها هي نفسها الجمهورية الموجودة لديكم في فرنسا!! ولكن جمهوريتنا اسلامية. طبعا هذا لم يعد كافيا، وللاجابة على هذا السؤال كان لدينا بديلان. البديل الاول ان نعقد اجتماعا سواء يعقد في باريس او في طهران يحضره جميع اهل الخبرة ليقول ما معنى المراد من الجمهورية، او الجمهورية الديمقراطية الاسلامية أو الجمهورية الاسلامية. لقد طُرح طريق الحل هذا، ولكن رأينا اننا بانتخابنا هذا الطريق سوف ندخل مستنقعاً، وقد ابديت وجهة نظري وبنظرة براغماتية وهي ان ندوّن دستورا جديدا يتضمن تعريفا للجمهورية الاسلامية. ان المضمون النظري لكل نظام يشخصه الدستور، وقد رحب السيد الخميني بهذا الاقتراح بشدة، واتفقنا ان نبدأ العمل من باريس. فناديت السيد الدكتور”حبيبي” وطلبت منه ان يجمع المصادر ويبدأ بكتابة الدستور الا انه لم يكمل وتأخر لان الدكتور حبيبي لا يتسرع في مثل هذه الامور. واستمر هذا الوضع حتى عدنا الى ايران، وعلى اثرها بدأ تدوين الدستور ولكن هذه المرة، اصبح جزءا من واجبات الحكومة المؤقتة وقد تم الاستمرار بالتدوين تحت اشراف الدكتور سحابي الذي كان وزيرا مشاورا لمشاريع الانمائية للثورة. وقد كتب كل من الدكتور كاتوزيان والدكتور صدر حاج سيد جوادي والمرحوم فتح الله بني صدر وعدد اخر مسودة الدستور. وقد عرضت هذه المسودة على الحكومة واقرت وارسلت الى مجلس قيادة الثورة ولم يتم تغييرها كثيرا وكان محتوى ومضمون هذا الدستور واقعيا وديمقراطيا للغاية.
س: ولكن حدثت فيما بعد امور وأُقر الدستور بنحو مغاير لما كان؟
ج: نعم، حدثت فيما بعد امور وطرأت تغييرات جوهرية ـ بنوية على الدستور المقر من قبل.
تجمع هذه الصورة بين “صادق قطب زاده” (الذي تم إعدامه لأنه عارض “ولاية الفقيه”) وآية الله منتظري (الذي توفّي “مظلوماً” ومصطهداً قبل شهرين) وابراهيم يزدي (الموجود الآن في سجن إيفين”)
س: لونظرنا من الناحية الباثولوجيا(علم الامراض، اسبابها واعراضها) على تلك الاحداث، على حد علمي ان سيادتكم ترون ان هناك نقدين واردين، الاول، ان الثورة انتصرت بسرعة، والثاني لم يكن انذاك بديل معد سلفا حتى يحل محل النظام السابق، هل هذا صحيح؟
ج: نعم، الان عندما انظر للماضي، ان اول نقد يتبادرالى ذهني هو نحن (كلنا الذين كنا نشطين في الثورة) من المثقفين اليسارين الى الإسلاموين التقليدين، كنا متحدين حول الامور الذي لا نريدها! واكدنا جميعا على اسقاط الشاه. الجميع كان يعشق اسقاطه يعني الاستبداد الذي ناضلنا سنين من اجل اسقاطه لذلك هناك الكثير من الاشياء والتي من المفروض ان ننظر اليها، تغافلنا عنها، لذلك فانني اوصي الجيل الشاب الذي ينشد التغييرعليه تعريف الامور الذين يسعى الى انجازها وليس تلك الامور التي لا يريدونها.
النقد الثاني هو الثورة انتصرت بسرعة وكانت غيرناضجة، انها بمثابة الطفل الخديج الذي اصبح عبئاً على صاحبه! والشخص الوحيد الذي كان يقول الثورة جاءت مبكرة وغيرناضجة، هو المرحوم مهدي بازركان، وان من بين جميع الاصدقاء الذين اعرفهم لم يقل احدا لماذا ياسادة هذه العجلة؟ لماذا بهذه السرعة؟ اصبروا يا سادة!
س: الجميع جاء للبيعة، حتى ان السيد سنجابي اصدر بيانا من ثلاث مواد و….
ج: ولكن بازركان كان يقول لا، وعندما جاء الى نوفل شاتو والتقينا بعضنا بعد غياب دام 17 عاما تحدثنا حول هذا الموضوع ساعات مطولة …
س: كان يقول لا، ماذا تعني هذه الـ “لا”؟
ج: كان يقول، سابقاً لأوانه، لسنا مستعدين. كان يقول، من يريد أن يديرهذه البلاد؟ باي امكانيات؟ لماذا نريد ان نخدع انفسنا والشعب؟ وقد كتب المرحوم مهدي بازركان في نهاية عام 56 هجرية شمسية، 1978ميلادية، رسالة الى السيد الخميني في محل اقامته في النجف ـ وارسل نسخة مصورة منها لي ـ وانني سلمتها بعد انتصار الثورة الى المرحوم نجاتي وقد ادرجها بدوره في كتابه، وقد أوضح بازركان في هذه الرسالة اربع مراحل لبلوغ الثورة “اهدافها”، وهو يجب علينا السير الى الامام مرحلة بعد مرحلة، وفي المرحلة الاخيرة نقول الجمهورية الاسلامية. كان يقول، الان عندما هؤلاء يقولون (الشاه واعوانه) اننا نريد نعطي الحرية للشعب ونريد أن نجري انتخابات حرة ونزيه، يجب علينا الاستفادة من هذا الفضاء المفتوح وان نشارك في الانتخابات ونهيئ انفسنا قليلا ومن ثم ننتقل الى المراحل الاخرى. واضافة الى الرسالة التي كان بازركان قد ارسلها من قبل، قال هذا الكلام بكل شفافية وصراحة للسيد الخميني. عندما التقاه في “نوفل لو شاتو”. ولكن السيد الخميني لم يقبل ذلك، وقال له اذا هدأت عواطف الناس كيف تستطيعون مرة ثانية جذبهم الى الساحة. مما لاشك فيه كانت مسألة قابلة للتأمل. الحقيقة هي، وقعت احداث كثيرة، فرضت نفسها على كل قادة الثورة.
وهناك مسالة ارى من الضروري ذكرها وهي وان كان السيد الخميني لم يطرح موضوعا غير شفاف وما طرحه في خطبه ومقابلاته كان يحظى بقبول الجميع ولكن في مجال المقارنة يمكن القول، ان السيد الخميني في “عهد مكه”(قبل وصوله الى الحكم) يختلف مع السيد الخميني في “عهد المدينة”) بعد وصوله الى الحكم)!!
لا توجد “ديكتاتورية صالحة”، كما زعم بهشتي، ولا “مستبد عادل”
س: سعادة الدكتور، منذ متى بدأ قلقكم على مصير الثورة ومتى تعمق؟
ج: منذ تلك البدايات، حيث شاهدت في “نوفل لو شاتو” بعض “السلوك” سواء من رجال الدين أوغيرهم ما يثير القلق. وبعد تشكيل الحكومة المؤقته، وقعت احداث وبرزت مواقف، فبدأ يزاد قلقلي. اصبح التضاد في المواقف قويا. على سبيل المثال، الدكتور بهشتي طرح بحث “الديكتاتورية الصالحة” ( نظرية “المستبد العادل”)!! وانني في عام في عام 1358 شمسية 1979 م وعندما كنت رئيسا لتحرير جريدة كيهان، كتبت في احد ملاحظات رئيس التحرير، تحت عنوان “في الدفاع عن الدستور” نقداً لذلك النهج، وقلت ان هذا مصطلح متناقض (بارادوكسيكال). لا توجد ديكتاتورية صالحة ولا يوجد شخص صالح ديكتاتورا .
من وجهة نظري لانستطيع تحليل احداث الثورة دون ان نوجه نقدا اساسيا للمثففين، يجب ان اقولها بصراحة ان المثقفين الايرانيين لم يستطيعوا تعيين وتشخيص مكانتهم التاريخية ورسالتهم الاساسية في تلك المرحلة الحساسة. البعض منهم غالى باقواله واخذتهم النشوة الى درجة لا تصدق، وهذا ما يدعو الى الاسف. فعلى سبيل المثال كان مرشح الحزب الشيوعي الايراني “صادق خلخالي” ( آية الله الشيخ صادق خلخالي أول حاكم شرع ورئيس محكمة الثورة بعد سيطرة رجال الدين على السلطة واشهر الجلادين في تاريخ إيران المعاصر) في انتخابات رئاسة الجمهورية!! لقد انتصرت الثورة وكان المفترض ان يكون المثقفين وحتى اكثرهم يسارية اقرب الى المهندس بازركان من السيد خلخالي، الا الحقيقية شيء آخر .
وعندما كنا في باريس كتب احد اخواننا الاعزاء من المناضلين القوميين الاسلاميين رسالة من 15 صفحة الى اية الله الخميني وضمن اظاهر تقديره الى السيد الخميني وقيادته الحازمة لم ينتقد بازركان بشدة وحسب وانما وجه له اتهامات شديدة وسيئة. بعد انتصار الثورة شاهدنا ان المدير العام للاذاعة والتلفزيون يسلك منحاً معينا كما ان سلوك وتصريح كل وزير يختلف عن الآخر، الا ان الكل وقف بوجه بازركان. لقد غضب الامام الخميني على احد الوزراء والح على بازركان ان يجبره على تقديم استقالته وقد رفض بازركان ولكن الامام الخميني قال اذا لم يستقيل، سوف امر ان لا يسمحوا له بالدخول الى الوزارة! وان ذلك الوزير المحترم بعد استقالته الاجبارية كتب رسالة مفتوحة الى قيادة الثورة يشير فيها على انه استقال احتجاجا على تصرفات الحكومة المؤقتة … وعلى كل حال فقد شاهدنا شيئا فشيئا ان السادة رجال الدين اعضاء مجلس قيادة الثورة يبيتون نوايا آخرا .
وفي جلسة موسعة عقدت في قم ضمت كل من السادة: الطالقاني، بازركان، سحابي، بني صدر، قطب زادة، بهشتي، هاشمي رفسنجاني، خامني اي و… اتفق الجميع على قبول الدستور التي اقرته الحكومة الموقتة وطلبوا عرضه للاستفتاء.
س: اي سـادة؟
ج: كان اعضاء الحزب الجمهوري الاسلامي. طبعا وبعض الاصدقاء من غير رجال الدين( مثل بني صدر و المهندس سحابي كانوا يقولون لنعرض هذا الدستور على الاستفتاء) الا نحن ( المهندس بازركان والدكتور سحابي واية الله طالقاني وانا) كنا نقول ان نعرض مسودته على المجلس التأسيسي. لكن لماذا لم نقبل، لدينا دلائلنا ايضا. اثناء الحديث قال السيد بهشتي ” يا سادة لماذا انتم متحمسين؟ ترى من الذي يريد ينفذ هذا الدستور! يجب علينا ادارة هذه البلاد 20 عاما حتى يكون الشعب مستعدا لتطبيق هذا الدستور!! ” لذلك نرى اليوم رغم ان الدستورالراهن الذي أُقّر من قبل مجلس الخبراء حيث ان الغالبية العظمى من اعضاءه هم من رجال الدين( ففعلوا ما شاءوا بمواد مسودة الدستور المقر من قبل الحكومة المؤقته وغيروا بنوده حسب مزاجهم) لا يعمل به كما يجب!! اذا تلك المسودة، المعدة من قبل الحكومة المؤقتة، قبل ان تبحث ويصادق عليها في مجلس خبراء الدستور، لو عرضت للاستفتاء، فاليوم وبعد مرور 20 سنة على انتصار الثورة وبحجة ان هذه المسودة أوعدت من قبل الليبراليين، لأهمل الدستور تماما!! اما دليل معارضتنا للاستفتاء هو نفس الدليل الذي رفضنا فيه الاستفتاء الذي قام به الشاه اثناء ثورته البيضاء حيث طلب باستفتائه الاجابة بـ “نعم” او “لا” على ستة مواد في حين من الممكن ان يوافق الشعب على بعض المواد ويرفض الاخرى والان وبعد انتصار الثورة يريد السادة ان يصوت الشعب على 76 مادة بـ “نعم” ام “لا”!! لقد انتبهنا الى ما يقصده السادة .
وعلاوة على هذا فقد كان يقول السيد بهشتي صراحة، اننا في الاسلام لا يوجد لدينا شورى بل عندنا شور!! كما تعلمون المجلس هو مؤسسة والشور يكون نهجاً. كان السيد بهشتي يقول بصريح العبارة ان السيد الخميني هو امير المؤمنين، يتشاور مع مجموعة ويأخذ وجهة نظرها فيحق له ان يتشاور مع اي احد يراه صالحا ويطلب وجهة نظره فاذا اراد عمل بها والا فلا!!
وكان البعض يقول صراحة، اننا في الاسلام ليس لدينا انتخابات وبارلمان! نحن نريد حكومة اسلامية، يكون الامام فيها قائد الثورة واميرا للمؤمنيين، يعين الوزراء والولاة فمن عمل حسن يبقى ومن اساء يعزل، ان الدستور،والانتخابات والمجلس انتم طرحتوها وفرضتوها علينا.
ونشاهد اليوم وبعد مرور25 عاما واثناء انتخابات الدورة السابعة للمجلس فعلوا ذلك الشيء الذي ارادوه من قبل .
س: هذا يعني انك شعرت منذ عام 1358 شمسية 1979 م ان التيار غير الديمقراطي بدأ يظهر نفسه؟
ج: نعم، لقد بدأت المواجهة بين التيارين منذ الايام الاولى لانتصار الثورة ولقد عبرعن ذلك الشيخ صادق خالخالي في مذكراته واعتبر ما حدث (من تطورات لصالح القوى المعادية للديمقراطية) بمثابة انقلاب!! وفي خرداد ـ مايو، ايار من عام 1997م وجه السيد مهدي بازركان رسالة باسم الحكومة المؤقتة الى السيد الخميني وضمن ما انتقد فيها الوضع الراهن وتبيان اختلافات وجهات النظر بين الحكومة المؤقتة ومجلس قيادة الثورة، كما كتب قائلا: هؤلاء السادة (رجال الدين) يتدخلون في كل الامور، ونحن نقول ان هذا لا يجوز، دعوا الحكومة تقوم بواجباتها، او تفضلوا واجلسوا مكان الحكومة!! وقد اعرب كل من هاشمي رفسنجاني وخامنه اي عن استعداده للدخول الى الحكومة المؤقتة ليمارسوا نشاطهم من هناك الا ان السيد البهشتي كان معارضا وكان يقول اننا يجب ان لا ندخل الحكومة لان قيادة الثورة بيد الامام الخميني لذلك يجب ان تكون الدولة والسلطة معا بايديناـ بهذه الصراحة ـ من هذا المنطلق قلنا اذا كنتم راغبين بالسلطة يجب عليكم ادارة شؤون البلاد ايضا. فقال نحن لا نتحمل المسؤولية ويجب علينا تسليم المهام الى عدد من الشباب الذين هم مستعدين للتضحية وان نكون نحن مشرفين عليهم ونديرهم (نفس الشيء الذي يفعله السادة الآن واصبح المجلس مثل ما يرغبون). قلت له، ياسيد بهشتي! اي انسان يحترم نفسه لا يستطيع ان يعمل معكم بهذا الاسلوب، انتم اذا استمريتم على هذا النهج ستجذبون ثلاثة مجاميع حولكم: ام الناس البسطاء الصادقين ولكن العاجزين عن ادارة البلاد، أو الانتهازين الذين يبحثون عن مصالحهم فينفذون اومركم، أو العناصر المتسللة من القوى المعادية. وقد كان كلامنا هذا عام 1979 م.
س: هل هذا هو السبب الذي ادى الى استقالة الحكومة المؤقتة؟
ج: نعم وهو كذلك، فقد توصلنا تدريجا الى قناعة كاملة انه لا يمكننا العمل معهم وعلينا ان نتنحى جانبا، فالسلطة كانت بيد الخميني والبقية كانوا منفذين لتوجهاته، يجب علينا فهم ذلك. طبعا لا ننسى هناك تيارات أخرى عملت على عرقلة استقرار النظام والحكومة وهذا ما شاهدناه أثناء احتل السفارة الامريكية والتحولات الاخرى التي رافقت الثورة .
لقد تحدث فردوست في كتابه عن وجود شبكات كان يديرها شخصا برتبة عقيد اسمه “ماهوتيان” وكان تحت تصرفه الملايين من الدولارات كسيولة نقدية وكميات هائلة من الذهب والسلاح، ومهمته تنحصر فيما اذا كان يوما ما هاجم الروس البلاد من الشمال ولم تستطع الدولة المركزية الصمود، فعلى هذه الشبكة ان تستنفر الجماهير في مواجهة التدخل الروسي، لقد انتصرت الثورة وذهب الشاه الا انني اتساءل اين ذهبت هذه الشبكة وماذا حل بها؟
وفي موضوع الرهائن كان البعض يريد ان تخرج الامور ليس فقط من يد الحكومة المؤقتة وانما من يد الجميع وكان انطباعي هو ان هناك تيارا من الداخل، يريد الاستيلاء على السلطة والحكومة، هؤلاء (هذا التيار) ما كانوا يقولون صراحة، ياخميني انت إقل هؤلاء (الحكومة المؤقتة) والا فان اقالة الحكومة لايتطلب جهدا وكان بمقدورهم قول ذلك للخميني، خاصة وان السيد بازركان قدم استقالته مرارا وكان الخميني يرفضها .
س: في الواقع وحسب تحليلكم ان التحولات التي حصلت لنظام الجمهورية الاسلامية والمسير الذي ادى الى الاحداث اللاحقة قد بدأ منذ عام 1358 – 1979 وليس عام 1360 ـ 1981؟
ج: نعم، لقد شاهدت تكوين الوضع الجديد منذ اوائل عام 58 ـ 79 ولهذا السبب ذهبنا وقلنا اننا لا نستطيع، ولكن هذا لا يعني اننا لم نرتكب الاخطاء اذا اردنا انتقاد انفسنا، فان البرامج السياسية للسيد الخميني انا الذي كتبتها، بخط يدي، وكان هو يصحصها ولا يزال اصلها موجود لدي، وان ما طرحته بان يكون لنا مؤسستان ( مجلس قيادة الثورة والحكومة المؤقتة) كان خطأ استراتيجيا، كان من المفروض ان لا نقبل بفكرة وجود لمجلس قيادة الثورة وحكومة مؤقتة، الا اننا جئنا وطرحنا فكرة تأسيس مجلس لقيادة الثورة وقلنا انها بمثابة سلطة تشريعية مؤقتة، وما حصل هو ان قادة حزب الجمهوري الاسلامي كانوا قد حازوا على الاكثرية في مجلس قيادة الثورة وفي الوقت الذي كنا فيه نعمل بموجب القانون الذي اعتمدنا، فانهم في المقابل لم يقبلوا بان يكونون مجلس او سلطة تشريعية. كانوا يتدخلون بكل شاردة وواردة، اضافة الى ذلك كانت فيما بيننا اختلافات اساسية وعميقة في وجهات النظر، على سبيل المثال منذ اللحظات الاولى واثناء مناقشتنا لفكرة تشكيل مجلس لقيادة الثورة قال المرحوم اية الله بهشتي لماذا ترددون دائما بأننا ليس لدينا قوة، لقد جاء لي السيد كيانوري وسرد لي حكاية وهي انه بعد انتصار الثورة الروسية ذهب اعضاء اللجنة المركزية للحزب البلاشفي الى “لينين” وقالوا له نريد ان نعين رئيسا للبنك المركزي ولكن ليس لدينا ما هو مؤهل لهذا المنصب، فاجاب لينين، ماذا يعني لا يوجد لدينا مؤهل؟ ثم نادى على شخص كان فراشا في المكتب واصدر له امر يقضي بتعيينه رئيسا للبنك!! لقد نقل بهشتي هذه الحكاية عن لسان كيانوري فلو كان بهشتي اليوم على قيد الحياة لشاهد اليوم بأم عينه اين اليوم اتجهت الاوضاع وما هي النتائج التي افرزها هذا النهج طوال هذه الفترة.
س: مع الاسف الشديد ان هذه الاقوال رددها الكثير من المثقفين الاحباء، حتى المرحوم اية الله الطالقاني كان يقول اذا ترك لي الامر سوف اعين اقل رجل رتبة في الشرطة رئيسا لها .
ج: التطرف، التطرف، هذا ما ادعو الى نقده وعلى المثقفين ان ينتقدوا انفسهم. انظروا من بين جميع الشخصيات التي ارتبطتُ بها وعملتُ معها خلاا الخمسين سنة الماضية كان السيد الخميني من اكثرهم شطارة، وفي الوقت الذي كان فيه جالسا في مدينة “قم” كان يدير الامور من هناك فهو يعفي وهو الذي يعين الوزراء وعندما انتقد المرحوم بازكان هذه الحالة في مقالة كتبها في جريدة “الميزان” هل الدكتاتورية لها قرن وذيل؟ كان قد اجابوه، نعم مؤكدين على ضرورة الديكتاتورية بعد انتصار الثورة، وهم بذلك اعلنوا حربهم على الليبراليين.
مما لاشك فيه كان القائد الذكي و”الكارزمي” يقول بينه وبين نفسه هل اسلم البلاد الى مثقفين لايحترمون حتى صداقاتهم التي طالت اربعين عاما؟! اراد السيد الخميني الحفاظ على الثورة ولكن في الجهة المقابلة، كان المثقفون يتصارعون فيما بينهم ويقطعون اوصال بعضهم البعض، في الوقت الذي كان فيه في طهران وحدها ما يقارب ثلاثة آلاف مسجدا ولكل مسجد رجل دين واذا كان من المفتروض ان تنزل الجماهير للشوارع فان كل واحد من هؤلاء سدنة المساجد، اذا طلب من اتباعه ومريديه الشباب ان ينزلوا الى الشوارع فانهم باستطاعتهم استنفار 150 الف شخص، ترى ما هو العدد الذي يمكن ان يستنفره المثقفون؟ كان الخميني يقول لنفسه اذن، لابد من مراعاة وضع رجال الدين ـ وان كانوا رجعيين ـ ان اخطاءنا نحن المثقفين كثيرة.
س: السؤال الاخير، سعادة الدكتور يبدو انكم في الوقت الذي تؤكدون فيه على اصالة الثورة تعتقدون بنقد الذات وفي الوقت نفسه تؤكدون ايضا على المؤمرات الخارجية؟
ج: نعم، انا اوكد على اصالة الثورة ولكن هذا التاكيد لا ينفي وجود تدخل خارجي في شؤونها.
انا لا اعتقد بـ “نظرية المؤامرة” وفي الوقت نفسه اقول انشاء الله ان الامور سوف تسيرعلى ما يرام. انا معتقد ايضا انه عندما رأى الامريكان والاسرائليين والبريطانيين انهم خسروا “معركة الحفاظ على نظام الشاه” عملوا بكل جهدهم ان لا يخسروا كل شيء، ولذلك وضعوا برامجهم وحاولوا التاثيرعلى الثورة من الداخل، وكما اشرت سابقا، هذا السيد فردوست اين كان بعد الثورة وماذا كان يعمل؟ ان شخصية بارزة وعلى هذا المستوى لم يكن على علاقة مع الحكومة المؤقتة. اذا بعد انتصار الثورة كان يعمل مع من؟ وينفذ اي برامج؟
هناك امور حدثت اثناء الثورة وتكوين النظام تجعلنا نفكر، ان هذه الامور لم تمكن محض الصدفة واحيانا يكون لها معنى كبير الامر الذي من شأنه ان يقوي احتمال التدخلات والمؤمرات الخارجية وانني اذكر واحدة منها, بعد عدة ايام على احتجاز الراهن الامريكان في طهران، اعلن “ياسرعرفات” من بيروت اذا طلبت منه حكومة الولايات المتحدة الامريكية الوساطة بين ايران وامريكا من في اجل حل ازمة الرهائن فانه على استعداد للسفر الى ايران وذلك بحكم علاقاته القوية والحسنة مع قيادة الثورة. واراد بذلك الاستفادة لحث الولايات المتحدة الامريكية للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، ولكن بعد مرور اقل من 24 ساعة على تصريحات عرفات صدر بيانا باسم مكتب الامام في بيروت يتضمن اسواء الحملات ضد “ياسرعرفات”، ان اصدار مثل هذا البيان في الحقيقة كان غير متوقعا لانه لو افترضنا ان ايران غير راغبة بتدخل منظمة التحرير الفلسطينية في هذا الامر كان عليها ان تصبر قليلا، فاذا اعترف “كارتر” بمنظمة التحريرالفلسطينية وطلب من “ياسرعرفات” الوساطة والتدخل وجاء عرفات الى طهران عندها بامكانها ان تبلغ معارضتها له، وفي مثل هذه الحالة يكون الفلسطنيون قد حصلوا على امتياز من امريكا. وان كان غير معلوما ان “كارتر” على استعداد للموافقة على مبادرة من هذا القبيل واعطاء امتياز للفلسطينين. ولكن صدورهذا البيان، وعلى اي حال جعل وساطة الفلسطنيين بلا جدوى. ولكن تحت اي ذريعة او اي غاية خاصة لو اعطى كارتر، خاصة وانه كان يخوض معركة الانتخابات الرئاسية انذاك وفي سبيل حل مشكلة الراهن كان من الممكن ان يعطي امتيازا للفلسطنيين! ترى من الذي يتضرر من ذلك ايران او الولايات المتحدة الامريكية ام اسرائيل؟
مثال اخر قضية سفر “ماك فارلين” وشراء الاسلحة من امريكا وافتضاح امره ترى هل لم يكن للاسرائليين دور في افشاء سر هذا السفر؟ ترى هل كان هناك خطر يهدد مصالحهم؟ ان دراسة المصادر التاريخية ومن بينها تقرير “لجنة تاور” ( في مجلس الشيوخ الامريكي) ينبئنا على كثير من مثل هذه الامور. اننا بحاجة الى وقت كاف حتى يتسنى لنا القاءالضوء على الزوايا المظلمة والخفية في تاريخنا المعاصر، واعطاء تحليل صحيح وبناءة عن التحولات التي رافقت الثورة وما بعدها. الثورة حسب ضني تغير مسار تحولاتها بشكل واضح من سنة 1980.
لمزيد من الاطلاع على المعلومات الاولية حول مؤتمر كوادلوب بالامكان الرجوع الى كتاب “25 عام من تاريخ ايران السياسي”، تاليف العقيد غلام رضا نجاتي، صادرعن دار نشر رسا، المجلد الثاني، ص 213 حتى 225 وكذلك كتاب “مساعي الايام الاخيرة”، للدكتور ابراهيم يزدي، صادر عن دار نشر، القلم، ص 184 الى 200 ومصادر اخرى. بالفارسية