من هم العلماء و صفاتهم
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :
العِلمُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسولُهُ *قَالَ الصَّحَابَةُ هُم أولُو العِرفَانِ* مَا العِلمُ نَصبكَ لِلخِلاَفِ سَفَاهَةً * بينَ الرَّسُولِ وَبَينَ رَأي فُلاَنِ
=============
العالم عرفه ابن القيم ـ رحمه الله ـ في تعريف جامع فقال:
العلم معرفة الهدى بدليله ** ما ذاك والتقليد يستويان
===============
السؤال
إذا كنت أريد معرفة هل هذا الشيخ جيدا أم لا، ماذا أفعل؟ إذا تتوفر فيه كل الشروط، ولكن أحيانا يختلف مع شيوخ السعودية، ماذا أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الأصل في طلاب العلم أنهم محمولون على العدالة ما لم يظهر منهم ما يؤدي لجرحهم من التعصب للبدع، أو مقارفة المعاصي، ولا ينبغي التنقيب عن المستور
من أحوال الناس، وعلى من اطلع على شيء من ذلك أن يستره ما لم يكن في هتكه مصلحة شرعية معتبرة، قال ابن عبد البر في التمهيد: وكل حامل علم معروف
العناية به فهو عدل محمول في أمره أبداً على العدالة حتى تتبين جرحته في حاله أو في كثرة غلطه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف
عدوله.
هذا.. وميزة أهل العلم الربانيين هي قيامهم بالعمل بما علموا وتعليمهم ودعوتهم الناس إليه، ومن فرط في علم أو عمل أو تعليم للناس يخاف عليه من الخسارة، كما
قال الله تعالى: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر}، فعلى من أراد الاستفادة من أهل العلم أن
يختار للأخذ منه أعلمهم وأشدهم تمسكاً والتزاماً بالعمل بالعلم وأحرصهم على نشر الخير وهداية الناس، قال ابن القيم في طريق الهجرتين في بيان فضل العلماء: قال
بعض السلف: من علم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيماً في ملكوت السماء.... ثم قال ابن القيم: وهؤلاء هم العدول حقاً بتعديل رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم إذ
يقول فيما يروى عنه من وجوه شد بعضها بعضا: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. وراجع للمزيد من
الفائدة في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31129، 30036، 61916، 33346، 29139، 31871.
والله أعلم.
===================
السؤال
السلام عليكم أما بعد:
لا يخفى عليكم مايتعرض له المسلمون وبخاصة الشباب من فتن عقائدية وأكاذيب تشوش على من لم يحصنوا أنفسهم بالعلم الكافي لدرء هذه الفتن حيث أن شيخ
الاسلام ابن تيمية كان يضع يديه على أذنيه خشية الفتن فما هي المراجع أو الركائز الأساسية التي يرجع إليها المسلمون الغير متحصنين بالعلم الشرعي لدرء هذه
الفتن؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطلب العلم فريضة على كل مسلم، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني
رحمه الله.
ولطلب العلم أصوله التي يجب على طالبيه السير عليها والاهتمام بها، ومن أهمها وأولاها بالاهتمام تقوى الله عز وجل والخوف منه، ويتحقق ذلك بالإكثار من التعبد
بفعل الطاعات، والإقلاع عن المعاصي والمحرمات.
ولابد من السير على المنهج الصحيح لطلب العلم باختيار عالم رباني يرشد الطالب ويوجهه ويؤدبه، فقد قيل قديماً: من كان شيخه كتابه غلب خطؤه صوابه.
وقيل: من دخل في العلم وحده خرج وحده. أي: من طلبه بلا شيخ خرج بلا علم، وقد نظم أحد العلماء في ذلك شعراً فقال:
يظن الغمر أن الكتب تهدي ===== أخـا فهم لإدراك العـلوم
وما يدري الجهول بأن فيها ==== غوامض حيرت عقل الفهيم
إذا رمت العلوم بغير شيـخ ===== ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الأمور عليك حتى ===== تصير أضل من توما الحكيم
ومن الصفات التي ينبغي أن تتوفر في الشيخ ما نقله الإمام الذهبي عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: لا يؤخذ العلم عن أربعةٍ: سفيه يعلن السفه وإن كان أروى
الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس وإن كنت لا أتهمه في الحديث، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يُحدث به. ا.هـ من سير
أعلام النبلاء.
فإذا كان طالب العلم يريد العصمة لنفسه من الزلل والخطأ، فعليه أن يلزم شيخاً تقيا عالماً، أما من لم يكن للتوسع في طلب العلم أهلاً أو كان عنه منشغلاً، فلا أقل من
أن يعرف أحكام دينه التي لا يسعه جهلها كمعرفة توحيد الله تعالى، ومعرفة أحكام الطهارة والصلاة والزكاة والحج، فما لا يدرك كله لا يترك كله، ولا يلزمه معرفة ذلك
بدليله، بل يكفيه أن يسأل أهل العلم الموثوقين، فقد قال تعالى: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل:43]. لأنه يتعذر أن يكون كل واحدٍ مجتهداً في الدين،
فكان لابد أن يوجد مفتٍ ومستفتٍ، ولكي تحصل العصمة لهذا الذي لا يقوى على طلب العلم، فيجب عليه أن يحسن اختيار من يفتيه، لاسيما إذا كثرت الفتن وتشعبت
الأهواء وكثر الأدعياء، وقد بيَّن العلماء يرحمهم الله الشروط التي يجب أن يتصف بها المفتي، وهي ثلاثة:
الأول: الدين، وهو أن يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي.
الثاني: العلم.
الثالث: الورع، وهو أن يترك الشبهات وبعض المباحات خوفاً من الوقوع في المحرمات، ومنه الخروج من الخلاف.
إذ لا ثقة بمن عدمت فيه واحدة منها، ويعرف حصولها بالإخبار عنه بذلك من الثقات، وانتصابه واشتهاره في الفتوى، والناس راضون بذلك، وقد نظمها صاحب مراقي
السعود في قوله:
وليس في فتواه مفتٍ يتبع ===== إن لم يضف للدين والعلم الورع
من لم يكن بالعلم والعدل اشتهر ===== أو حصل القطع فالاستفتا انحظر
وراجع الفتوى رقم: 4174، والفتوى رقم: 4378، والفتوى رقم: 7677، والفتوى رقم: 8563.
والخلاصة: أن تقوى الله تعالى والتسلح بالعلم الشرعي هما أقوى ركن يأوى إليه المسلم، ويتهيأ به لمقاومة أمواج الفتن.
نسأل الله عز وجل أن يقينا وجميع المسلمين شرها.
والله أعلم.
================
السؤال
سؤالي عن العلماء: من هم العلماء الذين يمكن أن نسألهم ونأخذ العلم منهم والفتوى؟ فقد كثر الحديث عن العلماء حتى إنه لا يكاد يوجد عالم إلا وقد طعن فيه، وهل
يشترط في العالم أن يكون معروفا ومشهورا وأن تتم تزكيته من العلماء الآخرين؟ ومن هم؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحسن بنا أن ننقل لك جواب العلامة ابن عثيمين ـ رحمة الله ـ فقد قيل له: حصل لبس وخلط عند بعض الشباب في تحديد من هو العالم، فنتج عن ذلك أن وضع من
ليس بعالم مثل زاهد أو عابد أو واعظ في مصافِّ العلماء، فجعلوه مصدراً للتلقي والتوجيه والتعليم وما إلى ذلك، فنريد من فضيلتكم تحديد من هو العالم وصفته وجزاكم
الله خيراً؟ فأجاب: العالم عرفه ابن القيم ـ رحمه الله ـ في تعريف جامع فقال:
العلم معرفة الهدى بدليله ** ما ذاك والتقليد يستويان ـ فالعالم هو الذي يعرف العلم الحق بالدليل، والعلم قد يكون علماً واسعاً يعرف الإنسان غالب المسائل، وما لا
يعرفه منها فعنده قدرة على معرفتها، وقد يكون الإنسان عالماً في مسألة واحدة، يأخذ الكتب ويبحث فيها وينظر أدلة العلماء، فيصير عالماً بها فقط، ومن هذا ما جاء
به الحديث: بلغوا عني ولو آية ـ لكن غالب الوعاظ يأتون بأدلة لا زمام لها، أدلة ضعيفة يريدون بذلك تقوية الناس في الأمور المطلوبة، وتحذيرهم من الأمور المرهوبة
ويتساهلون في باب الترغيب والترهيب، وهؤلاء فيهم نفع لا شك، لكن ليسوا أهلاً لأن يتلقى عنهم العلم الشرعي، بحيث يعتمد على ما يقولون، إلا إذا قالوا: نحن نقول
كذا لقوله تعالى كذا وكذا، ونقول كذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم كذا، ويأتون بحديث صحيح، فمعلوم أن من أتى بعلم وحجة فهو مقبول، لكن ابن مسعود ـ
رضي الله عنه ـ حذر من القرَّاء بلا فقه، والمراد بالفقه أن يكون عند الإنسان حكمة فيضع الأشياء مواضعها، وأن يكون عند الإنسان دليل يكون حجة له عند الله عز
وجل، وأظن أنه لا يخفى على عامة الناس العالم من طالب العلم. اهـ.
ومن هنا يتبين أن الحصول على تزكية أهل العلم ليست شرطا لجواز تعليم الناس أو إفتائهم، لمن عرف الحق بدليله وكان أهلاً لذلك، وإن كانت مثل هذه التزكية مما
يعرف به العالم ويوثق فيه، وتطمئن إليه النفوس، وقد سبق لنا بيان أن الذي يميز العلماء الربانيين عن غيرهم هو المنهج الذي يتبعونه، وراجع في ذلك الفتوى رقم:
29581.
وراجع في بيان صفة أهل العلم الربانيين الفتوى رقم: 64980.
وراجع الفتوى رقم: 18328، في صفات من يؤخذ عنهم العلم وتقبل منهم الفتوى.
وكذلك مسألة الطعن في أهل العلم، وكثرة من يتكلمون في أمور الدين عن علم وعن غير علم ـ سبق لنا بيان المنهج الحق في هذه الظاهرة، ووجهة نظرنا في التعامل
مع هذه الحالة، فراجع الفتوى رقم: 6506.
والله أعلم.