متى انحرف التشيع ... !!! نص تاريخي لأهل السنة
روى ابن بطة عن شيخه المعروف بأبي العباس بن مسروق قال: حدثنا محمد بن حميد، حدثنا جرير، عن سفيان، عن عبد الله بن زياد بن جدير قال: قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفة، قال لنا شمر بن عطية: قوموا إليه، فجلسنا إليه، فتحدثوا، فقال أبو إسحاق: خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما، وقدمت الآن وهو يقولون، ويقولون، ولا الله ما أدري ما يقولون [المنتقى ص: 360.].
قال محب الدين الخطيب: هذا نص تاريخي عظيم في تحديد تطور التشيع، فإن أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفة وعالمها [انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب: 8/63، الخلاصة ص: 291.]. ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان قبل شهادته بثلاث سنين، وعمّر حتى توفي سنة 127هـ، وكان طفلاً في خلافة أمير المؤمنين علي، وهو يقول عن نفسه: رفعني أبي حتى رأيت علي بن أبي طالب يخطب، أبيض الرأس واللحية. ولو عرفنا متى فارق الكوفة، ثم عاد فزارها، لتوصلنا إلى معرفة الزمن الذي كان فيه شيعة الكوفة علويين، يرون ما يراه إمامهم من تفضيل أبي بكر وعمر، ومتى أخذوا يفارقون علياً، ويخالفونه فيما كان يؤمن به، ويعلنه على منبر الكوفة من أفضلية أخويه صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وخليفتيه على أمته في أنقى وأطهر أزمانها [حاشية المنتقى ص: 360-361.].
وقال ليث بن أبي سليم: أدركت الشيعة الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحداً [المنتقى ص: 360-361.].
وذكر صاحب مختصر التحفة: إن الذين كانوا في وقت خلافة الأمير رضي الله عنه من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، كلهم عرفوا له حقه، وأحلوه من الفضل محله، ولم ينتقصوا أحداً من إخوانه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلاً عن إكفاره وسبه [مختصر التحفة الاثني عشرية ص: 3.].
ولكن لم يظل التشيع بهذا النقاء والصفاء، والسلامة والسمو.. بل إن مبدأ التشيع تغير، فأصبحت الشيعة شيعاً، وصار التشيع قناعاً يتستر به كل من أراد الكيد للإسلام والمسلمين من الأعداء الموتورين الحاسدين.. ولهذا نرى بعض الأئمة لا يسمون الطاعنين بالشيخين بالشيعة، بل يسمونهم الرافضة، لأنهم لا يستحقون وصف التشيع.
ومن عرف التطور العقدي لطائفة الشيعة لا يستغرب وجود طائفة من أعلام المحدثين، وغير المحدثين من العلماء الأعلام، أطلق عليهم لقب الشيعة، وقد يكونون من أعلام السنة، لأن للتشيع في زمن السلف مفهوماً وتعريفاً غير المفهوم والتعريف المتأخر للشيعة، ولهذا قال الإمام الذهبي في معرض الحديث عمن رمي ببدعة التشيع من المحدثين: قال: "إن البدعة على ضربين (فبدعة صغرى) كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو، فهذا كثير في التابعين وأتباعهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة، ثم (بدعة كبرى) كالرفض الكامل، والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة، وأيضاً فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً، ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله؟ حاشا وكلا.
فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير، وطلحة، ومعاوية، وطائفة ممن حارب علياً - رضي الله عنه - وتعرض لسبهم.
والغالي في زمننا وعُرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين فهذا ضال مفتر" [الذهبي/ ميزان الاعتدال: 1/5-6، ابن حجر/ لسان الميزان: 1/9-10.].