العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-05-12, 12:22 AM   رقم المشاركة : 1
جاسمكو
عضو ماسي






جاسمكو غير متصل

جاسمكو is on a distinguished road


العوامل الفلسفية لنشوء الفرضية (المهدوية) / نقد الدليل الروائي


العوامل الفلسفية

لنشوء الفرضية (المهدوية)



إذا قمنا بقراءة الرواية التاريخية لما حدث للشيعة الإمامة بعد وفاة الإمام الحسن العسكري سنة 260 هجرية ، والقينا نظرة على • الدليل العقلي الذي قدمه ذلك الفريق الذي قال ب • وجود ولد مخفي للإمام ، هو الإمام من بعده وهو المهدي المنتظر ، فأننا سنكتشف أزمة نظرية مرّ بها ذلك الفريق من الإمامة ممن يشترط توارث الإمامة بصورة عمودية ، وعدم جواز انتقالها إلى أخ أو ابن عم ، واضطراره إما إلى التنازل عن هذا الشرط ، أو التسليم بانقطاع الإمامة بعد وفاة العسكري دون خلف ، كما هو الظاهر من حياته ، أو افتراض وجود ولد له في السر ، بالرغم من عدم التصريح به ، أو الإعلان عنه ، وتفسير هذا الغموض والكتمان بالتقية والخوف من السلطة ، بالرغم من عدم وجود مؤشرات تستدعي ذلك .

تقول الرواية التاريخية التي يعترف بها وينقلها المؤرخون والمتكلمون (الاثناعشريون) إن الإمام العسكري توفي دون إن يخلف ولدا ظاهرا ، وأوصى بأمواله إلى أمه المسماة ب •حديث ، وهذا ما سمح لأخيه جعفر بن علي بأن يدعي الإمامة من بعده ويدعو الشيعة الإمامة إلى أتباعه كخليفة له ، كما اتبعوا الإمام موسى بن جعفر بعد وفاة أخيه الأكبر (عبد الله ألا فطح) الذي اصبح إماما لفترة من الوقت بعد الإمام الصادق ، ولم ينجب ولدا تستمر الإمامة في عقبه .

ويقول النوبختي والاشعري القمي والمفيد إن كثيرا من الشيعة الامامية لبوا نداء جعفر وكادوا يجمعون على القول بإمامته . 1

وذلك لأن عامة الشيعة لم يكونوا يعرفون أحدا غير جعفر من أبناء الامام الهادي ، ولم يكونوا شاهدوا أي ولد للامام العسكري ، وهذا ما تؤكده رواية (أبى الأديان البصري) رسول الإمام العسكري الى اهل المدائن ، الذي كان آخر شخص يودع الإمام ، والذي يقول ان العسكري لم يخبره باسم خليفته ، وانما أعطاه بعض العلامات للتعرف عليه ، ويقول انه عاد الى سامراء يوم وفاة الإمام العسكري فرأى جعفر وحوله عامة الشيعة وعلى رأسهم عثمان بن سعيد العمري ، وهم يعزونه ويهنئونه ، وانه ذهب وعزاه وهنأه كواحد منهم، كما يقول ان وفدا من شيعة قم قدموا في ذلك اليوم الى سامراء وسألوا عن الإمام الحسن وعرفوا موته ، فقالوا من نعزي؟ فأشار الناس الى جعفر ، فسلموا عليه وعزوه وهنئوه.

وهو ما تؤكده أيضا رواية (سنان الموصلي) التي تتحدث عن قدوم وفد بقيادة أبى العباس محمد بن جعفر الحميري القمي ، الى سامراء ، بعد وفاة الإمام العسكري ، وسؤالهم عنه وعن وارثه ، وقول الناس لهم ان وارثه جعفر بن علي ، وعدم وجود مانع يحول دون القول بإمامته سوى عدم معرفته بعلم الغيب.

وبناء على ذلك فقد أرسل جعفر الى أهل قم - التي كانت مركزا للشيعة يومذاك - يدعوهم الى نفسه ، ويُعلمهم انه القيّم بعد أخيه . وقد اجتمع أهل قم عند شيخهم (احمد بن اسحاق) وتداولوا في الموضوع ، وقرروا إرسال وفد اليه لمناقشته و • سؤاله بعض المسائل التي كانوا يسألون آباءه عنها من قبل والتأكد من دعواه . كما يقول الخصيبي في (الهداية الكبرى) (4) والصدوق في (إكمال الدين ) (5) والطبرسي في (الاحتجاج) (6) والصدر في (الغيبة الصغرى). (7)

مما يعني ان اهل قم لم يكونوا يعرفون بوجود ولد للامام العسكري ، ولم يكونوا يعرفون هوية الإمام الجديد من قبل ، ولم يكن يوجد لديهم أي مانع لقبول إمامة جعفر بن علي ، أي انهم لم يكونوا يلتزمون بقانون الوراثة العمودية في الإمامة ، ويجيزون إمامة الاخوين .

وكانت العقبة الرئيسية التي حالت دون إيمان بعض الشيعة بإمامة جعفر هو المبدأ القديم المشكوك فيه الرافض لاجتماع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين ، وقد طرحه وفد قم على جعفر بن علي أثناء الحوار ، فأجابهم ب ( ان الله قد بدا له في ذلك) ، كما يقول الخصيبي في (الهداية الكبرى)

وتقول بعض الروايات التي ينقلها الصدوق والطوسي ان وفد قم طالب جعفر بالكشف عن كمية الأموال التي كان يحملها معه واسماء اصحابها ، غيبيا ، كما كان يفعل اخوه العسكري ، وان جعفر رفض ذلك الطلب و الادعاء واتهم الوفد بالكذب على أخيه ، أنكر نسبة علم الغيب اليه.

كما تحاول بعض الروايات ان تتهم جعفر بالفسق وشرب الخمر والجهل واهمال الصلاة (10) وذلك في محاولة لإبطال دعواه في الامامة ، ولكن عامة الشيعة لم يأخذوا بتلك الاتهامات ، ولم يطرحوا مسألة علم الغيب ، وقد عزوه وهنئوه بالإمامة ، وكانت المشكلة الرئيسية لدى البعض منهم هي مسألة (الجمع بين الاخوين في الامامة ). وقد ارتكز الطوسي عليها في عملية الاستدلال على نفي إمامة جعفر و افتراض جود ابن الحسن ، وادعى عدم الخلاف حولها بين الامامية .

وكانت هذه المشكلة قد تفجرت في صفوف الشيعة الامامية - لأول مرة - بعد وفاة الإمام عبدالله الأفطح بن جعفر الصادق ، الذي اجمع فقهاء الشيعة ومشايخهم على القول بامامته ، ولكنه توفي دون عقب ، مما أوقع الامامية في أزمة وفرقهم الى ثلاث فرق ، فمنهم من تمسك بمبدأ( عدم جواز الجمع بين الاخوين في الامامة) واضطر الى افتراض وجود ولد موهوم لعبدالله قال ان اسمه (محمد) وهو مخفي ، وانه سيظهر في المستقبل ، ومنهم من تجاوز هذا المبدأ وأجاز لنفسه الانتقال الى الأخ إذا لم يكن للامام السابق ولد ، وقال نتيجة لذلك بإمامة موسى بن جعفر بعد أخيه عبدالله ألا فطح ، ومنهم من تراجع عن القول بإمامة ألا فطح ، واستنتج من عدم وجود عقب له انه لم يكن إماما وشطب اسمه من قائمة الأئمة .

وقد تكررت هذه المشكلة مرة أخرى عند وفاة الإمام الحسن العسكري دون ولد ، مما أدى الى اختلاف الشيعة الامامية حول مسألة الخلف الى عدة فرق فمنهم من جمع بين الأخوين وقال بإمامة جعفر بن علي بعد أخيه الحسن ، ومنهم من تراجع عن القول بإمامة العسكري وقال ( ان القول بإمامة الحسن كان غلطا وخطأ ، وجب علينا الرجوع عنه الى إمامة جعفر ، وان الحسن قد توفي ولا عقب له فقد صح عندنا انه ادعى باطلا ، لأن الإمام بإجماعنا جميعا لا يموت الا عن خلف ظاهر معروف يوصي اليه ويقيمه مقامه بالامامة ، والإمامة لا ترجع في أخوين بعد الحسن والحسين .. فالامام لا محالة جعفر بوصية أبيه إليه) كما يقول النوبختي في (فرق الشيعة) (12) والاشعري القمي في (المقالات والفرق)

ومنهم من أصرّ على إمامة الحسن والتمسك الشديد بذلك المبدأ أو الشعار الرافض للجمع بين الأخوين في الإمامة . وانقسم هؤلاء إلى عدة أقسام فمنهم من قال بمهدوية العسكري وغيبته ، ومنهم من قال برجوعه إلى الحياة بعد الموت ، ومنهم من قال بالفترة ، ومنهم من احتار وتوقف ، وقال ( لم يصح عندنا إن للحسن خلفا ، وخفي علينا أمره ، ونحن نتوقف ونتمسك بالأول حتى يتبين لنا الآخر ، كما أمرنا ،• انه إذا هلك الإمام ولم يعرف الذي بعده فتمسكوا بالأول حتى يتبين لكم الآخر فنحن نأخذ بهذا ونلزمه ، ولا ننكر إمامة أبى محمد ولا موته ، ولا نقول انه رجع بعد الموت ، ولا نقطع على إمامة أحد من ولد غيره ، فانه لا خلاف بين الشيعة ( انه لا تثبت إمامة أمام إلا بوصية أبيه إليه وصية ظاهرة ) .

ومنهم من وجد نفسه مضطرا لافتراض وجود ولد مخفي للإمام العسكري ، وقال انه الإمام من بعده ، وانه المهدي المنتظر ، وفسر عدم إشارة أبيه إليه في حياته وعدم وصيته إليه ، وعدم ظهوره من بعده ، وغيبته .. فسر كل ذلك بالتقية والخوف من الأعداء .

وكان الدافع الرئيسي لهذا القول هو التمسك الشديد بقانون الوراثة العمودية ، وعدم جواز انتقال الإمامة إلى أخوين بعد الحسن والحسين . وبالرغم من انه كان قولا ضعيفا ولم يجمع الشيعة الإمامة عليه في ذلك الوقت ، خلافا لما ادعى الطوسي بعد ذلك بمائتي عام ، فان المتكلمين

الذين التزموا به ، جعلوا منه حجر الزاوية في عملية الاستدلال على وجود (ابن ) للإمام الحسن العسكري . وقد نسجوا منه ومن بقية القضايا الفلسفية التي توجب العصمة في الإمام أو توجب النص في أهل البيت دليلا ً أسموه ب •الدليل العقلي ، أو الفلسفي .

وقد استعرضنا في الفصل الأول أقوال المتكلمين والمؤرخين الذين استدلوا بالعقل على وجود وولادة (محمد بن الحسن العسكري) وكان دليلهم يعتمد على نظرية العصمة والنص والوراثة العمودية في الإمامة . ولكن دليلهم في الحقيقة كان يعتمد فقط على المبدأ الأخير (الوراثة العمودية ( ، وذلك لأن كثيرا من الشيعة الإمامة (الفطحية) الذين كانوا يتفقون معهم في الأيمان بالعصمة والنص ويؤمنون بإمامة الحسن العسكري أيضا ، لم يجدوا أنفسهم مضطرين للأيمان بوجود ولد له في السر ، خلافا للظاهر ، وآمنوا بدلا من ذلك بإمامة أخيه جعفر بن علي الهادي ، لأنهم لم يكونوا يؤمنون بقوة بضرورة الوراثة العمودية وعدم جواز إمامة الأخوين .

إذن .. فان • الدليل العقلي كان أشبه بالافتراض الفلسفي العاري عن الإثبات التاريخي . وكان ذلك يتجلى في استناد بعض المتكلمين على الحديث الرضوي القائل ( إن صاحب هذا الأمر لا يموت حتى يرى ولده من بعده ) لإثبات وجود الولد للإمام العسكري ، كما ينقل الشيخ الطوسي في (الغيبة) .

بالرغم من إمكانية الاستدلال بنفس الحديث لنقض إمامة العسكري ، كما فعل قسم من الشيعة الذين تراجعوا عن القول بإمامة العسكري ، واتخذوا من عدم إنجابه ولدا تستمر الإمامة فيه دليلا على عدم صحة إمامته ، كما تراجع الشيعة الموسوية ، في منتصف القرن الثاني ، عن القول بإمامة عبد الله ألا فطح ، لأنه لم ينجب ، وشطبوا اسمه من قائمة الأئمة .

واعتبر ذلك الفريق من الشيعة التراجع عن إمامة العسكري والقول بإمامة جعفر بعد أبيه الهادي مباشرة ، أهون من افتراض ولد موهوم للعسكري .

والغريب إن السيد المرتضى علم الهدى يتهم الذين قالوا بوجود ولد للإمام عبد الله ألافطح ، باللجوء إلى اختراع شخصية وهمية اضطرارا من اجل الخروج من الحيرة والطريق المسدود (17) ، ولكنه يمارس نفس الشيء في عملية افتراض وجود ابن للحسن العسكري ، وذلك اضطرارا من اجل الخروج من الحيرة التي عصفت بالشيعة الإمامة في منتصف القرن الثالث الهجري.

ولا بد بعد ذلك من الإشارة إلى إن تسمية عملية الاستدلال النظري على وجود ابن للحسن العسكري ، بالدليل (العقلي) هو من باب التسامح والاستعارة ، وإلا فانه ابعد ما يكون عن الاستدلال العقلي ، إذ يعتمد على مجموعة مقولات نقلية ، وبعضها اخبار آحاد بحاجة إلى إثبات الدلالة والسند كمقولة (الوراثة العمودية وعدم جواز انتقال الإمامة إلى أخوين بعد الحسن والحسين) .. ومن هنا فقد اعترف الشيخ الصدوق في (إكمال الدين) وقال( إن القول بغيبة صاحب الزمان مبني على القول بإمامة آبائه ... وان هذا باب شرعي وليس بعقلي محض ) .

وهذا يعني إن المناقشة في أية مقدمة من مقدمات الدليل (العقلي) الطويلة كضرورة العصمة في الإمام ، وضرورة النص عليه من الله ، وثبوت الإمامة في أهل البيت وانحصارها في البيت الحسيني ، وكيفية انتقالها من أمام إلى أمام ، ودعاوى بقية الأئمة الذين ادعوا الإمامة والمهدوية كمحمد بن الحنفية وابنه أبى هاشم وزيد بن علي ومحمد بن عبد الله ذي النفس الزكية واسماعيل بن جعفر وأبنائه ، وعبدالله ألا فطح ومحمد بن علي الهادي .. وما إلى ذلك من التفاصيل الجزئية في نظرية الإمامة الإلهية ، من البداية إلى النهاية ، حتى وفاة الإمام الحسن العسكري .. إن المناقشة في اية مقدمة من تلك المقدمات تسد الطريق على الوصول إلى فرضية ( وجود ابن الحسن العسكري)..

ومن هنا كان إثبات وجود (الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري) بصورة عقلية لسائر الناس أو سائر المسلمين ، أو سائر الفرق الشيعية ، أو حتى لسائر الفرق الإمامة التي لم توافق على مبدأ ( الوراثة العمودية) صعبا أو مستحيلا .. ولذلك كان علماء الكلام (الاثناعشريون) يمتنعون عن خوض النقاش مع سائر الناس حول إثبات شخصية (ابن الحسن) إلا بعد التسليم بالمقدمات النقلية الطويلة السابقة ، والإيمان بكل واحدة واحدة منها .

وقد قال عبدالرحمن بن قبة الرازي في الرد على علي بن احمد بن بشار ( لا نتكلم في فرع لم يثبت اصله ، وهذا الرجل (ابن الحسن) الذي تجحدون وجوده ، فانما يثبت له الحق بعد أبيه .. فلا معنى لترك النظر في حق أبيه والاشتغال بالنظر معكم في وجوده ، فإذا ثبت الحق لأبيه ، فهذا ثابت ضرورة عند ذلك بإقراركم ، وان بطل إن يكون الحق لأبيه فقد آل الأمر إلى ما تقولون ، وقد ابطلنا ) .

وقال السيد المرتضى ( إن الغيبة فرع لأصول إن صحت فالكلام في الغيبة اسهل شيء وأوضحه ، إذ هي متوقفة عليها ، وان كانت غير صحيحة فالكلام في الغيبة صعب غير ممكن ) .

ومع إن التسليم بإمامة الحسن العسكري لا يؤدي بالضرورة إلى التسليم بوجود ولد له ، فان القول بذلك مبني على ضرورة استمرار الإمامة الإلهية إلى يوم القيامة وبوجوب توارثها بصورة عمودية . وهو ليس إلا افتراض وهمي ، وظن بغير علم .

ولذا يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في كتابه (المهدي الثورة الكبرى) •ان الاستدلال الفلسفي يمكن إن يثبت قضايا كلية عامة، ولكنه لا يستطيع إن يضع اصبعه على إنسان في الخارج ، ويثبت وجوده .







التوقيع :
دعاء : اللهم أحسن خاتمتي
وأصرف عني ميتة السوء
ولا تقبض روحي إلا وأنت راض عنها .
#

#
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :
العِلمُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسولُهُ *قَالَ الصَّحَابَةُ هُم أولُو العِرفَانِ* مَا العِلمُ نَصبكَ لِلخِلاَفِ سَفَاهَةً * بينَ الرَّسُولِ وَبَينَ رَأي فُلاَنِ

جامع ملفات ملف الردود على الشبهات

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=83964
من مواضيعي في المنتدى
»» الفرق بين اتباع اهل السنة للنبي و الشيعة
»» مثال حي عن البركة يرويها اب لابنه مختصرة و عجيبة
»» اكرام يزيد لابناء عمومته من اهل البيت وشهادة ابن الحنفية في يزيد رحمه الله
»» الوحدة الوطنية ومعصومة المبارك !! فؤاد الرفاعي
»» الى نوري المالكي وحزبه البائس : ان لم يكن لكم دين ولا تخافون المعاد عباس الفيلي
 
قديم 29-05-12, 12:24 AM   رقم المشاركة : 2
جاسمكو
عضو ماسي






جاسمكو غير متصل

جاسمكو is on a distinguished road



نقد الدليل الروائي

(النقلي)

لسنا بحاجة لمناقشة الاستدلال بالقرآن الكريم أو الأحاديث العامة التي تتحدث عن (المهدي) أو (القائم) من دون تحديد هوية ذلك الشخص.. فان هدف دراستنا ليس نفي مبدأ خروج المهدي في المستقبل من الأساس .. وانما نهدف إلى القول إن شخصاً باسم (محمد بن الحسن العسكري) لم يولد ولم يوجد بعد ، وبالتالي فان تلك الآيات أو الأحاديث العامة لا تثبت ولادة ذلك الانسان أو وجوده ، بالرغم من إمكانية المناقشة في دلالة الآيات الكريمة على الموضوع.

أما الروايات الواردة حول (الغيبة) و(الغائب) فهي أيضا لا تتحدث عن (غائبٍ) بالتحديد.. ولا تذكر اسم (محمد بن الحسن العسكري) ولا تشير إلى غيبته بالخصوص.. وبالتالي فانها لا يمكن إن تشكل دليلا على (غيبة الحجة بن الحسن) لأنه لم يولد بعد .. ولم يغب .. وهي لا تتحدث عن أمر قبل وقوعه حتى يكون ذلك إعجازاً ودليلا على صحة الغيبة ، كما قال الشيخ الصدوق.

ولا توجد في تلك الروايات اية دلالة على ما ذهب إليه المتكلمون ، لأنها لم تتضمن الإخبار بالشيء قبل كونه ، كما قال الشيخ الطوسي ، ولم يحصل أي إخبار مسبق من جهة علام الغيوب.. وذلك لأن تلك الروايات كانت موجودة من قبل وتتحدث عن أشخاص آخرين كانوا موجودين فعلا ، وادعيت لهم المهدوية وغابوا في الشعاب والجبال والسجون كمحمد بن الحنفية ومحمد بن عبد الله بن الحسن (ذي النفس الزكية) والإمام موسى الكاظم (ع).. وقد حدث في ظل غيبتهم إن تفرق شيعتهم واختلفوا واحتاروا.. وقد صنع اصحابهم تلك الروايات من وحي الواقع ولأهداف خاصة ، وبالذات الشيعة الواقفية الذين كانوا يؤمنون بقوة بمهدوية الإمام الكاظم ، ولما اعتقله الرشيد قالوا بغيبته ، ولما توفي الإمام رفضوا الاعتراف بوفاته وادعوا هروبه من السجن وغيبته غيبة كبرى لا يُرى فيها، واعتبروا مرحلة السجن غيبة صغرى. وقد كانت الغيبة الكبرى اطول من الغيبة الصغرى ، لأنها امتدت وامتدت بلا حدود .

وكان الواقفية قد استعاروا أحاديث الغيبة ممن سبقهم من الحركات المهدوية ، وطبقوها على الإمام الكاظم .

وإذا توقفنا عند الرواية التي يذكرها النعماني حول الغيبة ، والتي يقول عنها :· لو لم يكن يروى في الغيبة إلا هذا الحديث لكان فيها كفاية لمن تأملها لوجدنا أنها تتحدث عن الوفاة والقتل والذهاب لإمام موجود ومعروف سابقا.. بينما يحتاج هو (أي النعماني) إن يثبت وجود (الإمام محمد بن الحسن العسكري) أولا حتى يستطيع إن ينسب إليه تلك الأفعال لاحقاً.

لقد كان المتكلمون في البداية ( في القرن الثالث الهجري) يحاولون إثبات صحة فرضية ( وجود الإمام الثاني عشر ابن الحسن ) ولم يكونوا يتحدثون عن (المهدي والمهدوية) إذ انهم كانوا بحاجة إلى إثبات وجود العرش قبل إثبات النقش.. ولكن الأزمة التي وقعوا فيها بعد القول بوجود (ابن الحسن) وهي عدم ظهور الإمام للقيام بمهمات الإمامة ) دفعتهم إلى البحث والتنقيب في تراث الفرق الشيعية القديمة كالكيسانية والواقفية ، والتفتيش عن مخرج للأزمة والحيرة ، ووجدوا في أحاديث المهدوية القديمة أفضل حل للخروج من أزمة عدم الظهور ، ودليلاً جديداً على إثبات فرضية (وجود ابن الحسن) في نفس الوقت.

ومن هنا فقد تطورت الفرضية التي كانت مهتمة بإثبات (وجود الإمام الثاني عشر) إلى الحديث عن (مهدويته) واصبح الحديث يدور حول (وجود الإمام المهدي الحجة ابن الحسن العسكري) وذلك انطلاقا من حالة الفراغ والغيبة وعدم المشاهدة ، والاستنتاج منها: إن الشخص المفترض انه الإمام والذي لا يُشاهد : هو المهدي صاحب الغيبة ، وان سبب عدم مشاهدته هو : الغيبة!

وإذا كان يصح الاستدلال بتلك الروايات على مهدوية الأئمة السابقين المعروفين الذين غابوا في السجون أو الشعاب أو في سائر انحاء الأرض ، فانه لا يمكن الاستدلال بها على صحة فرضية (وجود ابن الحسن) .. وذلك لأن وجوده كان موضع شك واختلاف بين أصحاب الإمام الحسن العسكري، وان عملية الاستدلال بها على (مهدوية ابن الحسن) بحاجة أولا إلى الاستدلال على وجوده واثبات ذلك قبل الحديث عن إمامته ومهدويته وغيبته وما إلى ذلك.

وان الاستدلال بالغيبة على الوجود ، بدون إثبات ذلك من قبل ، يشبه عملية الاستدلال على وجود ماء في إناء ، بالقول :· إن الماء لا رائحة له ولا لون.. ونحن لا نشم رائحة ولا نرى لونا في هذا الإناء.. إذن فان فيه ماء !

إذا كان ذلك لا يجوز إلا بعد إثبات وجود شيء سائل في الإناء ثم القول : إن هذا السائل ليس له لون ولا رائحة..فإذن هو ماء ، فان عملية إثبات وجود (ابن الحسن) كذلك تحتاج أولا إلى إثبات وجوده وإمامته ومهدويته.. ثم إثبات غيبته ، لا إن يتم عكس الاستدلال ، فيُتخذ من المجهول والعدم و ( الغيبة ) دليلا على إثبات الوجود والإمامة والمهدوية لشخص لا يزال موضع بحث ونقاش!.

إذن فلا يمكن في الحقيقة الاستدلال بأحاديث ( الغيبة ) العامة والغامضة والضعيفة على إثبات وجود (الإمام محمد بن الحسن العسكري) .

وقد حاول بعض المنظرين لموضوع (الغيبة) إن يستشهدوا بحديث الغيبتين الصغرى والكبرى ليثبتوا صحة (نظرية وجود ابن الحسن) ولكن حكاية (الغيبتين) نفسها لم تثبت في التاريخ ، ولا يوجد عليها دليل سوى موضوع (النيابة الخاصة ) التي ادعاها بعض الأشخاص ، وهي لم تثبت لهم في ذلك الزمان ، وكان الشيعة القائلون بوجود (ابن الحسن) يختلفون فيما بينهم حول صحة ادعاء هذا الشخص او ذاك بالنيابة الخاصة التي كان قد ادعاها حوالي عشرين شخصا أكثرهم من الغلاة . ومن هنا فان الحد الفاصل بين الغيبتين : الصغرى والكبرى كان حداً وهمياً لم يثبت في التاريخ . ويلاحظ ان الاستشهاد ب الغيبتين ) قد ابتدأه النعماني في منتصف القرن الرابع الهجري ، بعد انتهاء عهد (النواب الخاصين) ولم يشر اليه من سبقه من المؤلفين حول (الغيبة) الذين اكتفوا بالإشارة الى الغيبة الواحدة .

وقد اعترف السيد المرتضى علم الهدى والشيخ الطوسي لدى الحديث عن أسباب الغيبة: ان من الضروري أولا بحث موضوع الوجود والإمامة ل : ( ابن الحسن العسكري) قبل الحديث عن الغيبة واسبابها.

وقالا:· ان من شك في إمامة ابن الحسن يجب ان يكون الكلام معه في نص إمامته ، والتشاغل بالدلالة عليها ، ولا يجوز مع الشك فيها ان نتكلم في سبب الغيبة ، لأن الكلام في الفرع لا يسوغ إلا بعد إحكام الأصول .

دليل (الاثني عشرية )

وهذا دليل متأخر .. بدأ المتكلمون يستخدمونه بعد اكثر من نصف قرن من الحيرة ، اي في القرن الرابع الهجري ، ولم يكن له أثر في القرن الثالث عند الشيعة الامامية ، حيث لم يشر اليه الشيخ علي بن بابويه الصدوق في كتابه الامامة والتبصرة من الحيرة) كما لم يشر اليه النوبختي

في كتابهفرق الشيعة) ولا سعد بن عبد الله الاشعري القمي في المقالات والفرق).. وذلك لأن النظرية (الاثني عشرية) طرأت على الامامية في القرن الرابع ، بعد ان كانت النظرية الامامية ممتدة الى آخر الزمان بلا حدود ولا حصر في عدد معين ، كما هو الحال عند الاسماعيليين والزيدية.. لأنها كانت موازية لنظرية الشورى وبديلا عنها.. فمادام في الأرض مسلمون ويحتاجون الى دولة وامام ، وكان محرماً عليهم اللجوء الى الشورى والانتخاب - كما تقول النظرية الامامية - كان لا بد ان يعين الله لهم إماما معصوما منصوصا عليه .. فلماذا إذن يحصر عدد الأئمة في اثني عشر واحدا فقط؟

من هنا لم يكن الاماميون يقولون بالعدد المحدود في الأئمة ، ولم يكن حتى الذين قالوا بوجود (الامام محمد بن الحسن العسكري) يعتقدون في البداية انه خاتم الأئمة ، وهذا هو النوبختي يقول في كتابه (فرق الشيعة):· ان الامامة ستستمر في أعقاب الامام الثاني عشر الى يوم القيامة ( انظر : المصدر: الفرقة التي قالت بوجود ولد للعسكري).

تشير روايات كثيرة يذكرها الصفار في بصائر الدرجات) والكليني في (الكافي) والحميري في (قرب الاسناد) والعياشي في (تفسيره) والمفيد في (الارشاد) والحر العاملي في (إثبات الهداة) وغيرهم وغيرهم .. الى ان الأئمة انفسهم لم يكونوا يعرفون بحكاية القائمة المسبقة المعدة منذ زمان رسول الله (ص) وعدم معرفتهم بامامتهم او بإمامة الامام اللاحق من بعدهم الا قرب وفاتهم ، فضلا عن الشيعة او الامامية انفسهم الذين كانوا يقعون في حيرة واختلاف بعد وفاة كل أمام ، وكانوا يتوسلون لكل أمام ان يعين اللاحق بعده ويسميه بوضوح لكي لا يموتوا وهم لا يعرفون الامام الجديد.

يروي الصفار في (بصائر الدرجات) (3) باب (ان الأئمة يعلمون الى من يوصون قبل وفاتهم مما يعلمهم الله) : حديثا عن الامام الصادق يقول فيه:· ما مات عالم حتى يعلمه الله الى من يوصي ، كما يرويه الكليني في (الكافي) (4) ، ويروي ايضا عنه (ع) :· لا يموت الامام حتى يعلم من بعده فيوصي اليه وهو ما يدل على عدم معرفة الأئمة من قبل باسماء خلفائهم ، او بوجود قائمة مسبقة بهم . وقد ذهب الصفار والصدوق والكليني ابعد من ذلك فرووا عن أبى عبدالله انه قال:· ان الامام اللاحق يعرف إمامته وينتهي اليه الأمر في آخر دقيقة من حياة الأول.

ونتيجة لذلك فقد طرحت عدة اسئلة في حياة اهل البيت ، وهي : كيف يعرف الامام إمامته اذا مات ابوه بعيدا عنه في مدينة اخرى؟ وكيف يعرف انه أمام اذا كان قد اوصى الى جماعة؟ او لم يوصِ ابدا؟ وكيف يعرف الناس انه اصبح إماما؟ خاصة اذا تنازع الاخوة الامامة وادعى كل واحد منهم الوصية؟ كما حدث لعدد من الأئمة في التاريخ؟

روى الكليني حديثا عن احد العلويين هو عيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبى طالب ، قال قلت لأبي عبدالله:

- ان كان كونٌ - ولا أراني الله ذلك - فبمن أأتم؟ ..قال فأومأ الى ابنه موسى ، قلت:

- فان حدث بموسى حدث فبمن أأتم؟ قال :

- بولده، قلت:

- فان حدث بولده حدث وترك أخا كبيرا وابنا صغيرافبمن أأتم؟ قال:

- بولده، ثم قال: هكذا ابدا . قلت:



فان لم اعرفه ولا اعرف موضعه؟ قال:

- تقول: اللهم اني اتولى من بقي من حججك من ولد الامام الماضي ، فان ذلك يجزيك ان شاء الله .

وهذا الحديث يدل على عدم وجود قائمة مسبقة باسماء الأئمة من قبل، وعدم معرفة علوي امامي مثل عيسى بن عبدالله بها ، وامكانية وقوعه في الحيرة والجهل ، ولو كانت القائمة موجودة من قبل لأشار الامام اليها

وبسبب غموض هوية الأئمة اللاحقين لجماهير الشيعة والامامية ، فقد كانوا يسألون الأئمة دائما عن الموقف الواجب اتخاذه عند وفاة احد الأئمة. ينقل الكليني وابن بابويه والعياشي حديثا عن يعقوب بن شعيب عن أبى عبدالله ، قال قلت له:

- اذا حدث للامام حدث كيف يصنع الناس؟ قال:

- يكونوا كما قال الله تعالى ( فلولا نفر من كل فرقةمنهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون) قلت :

- فما حالهم ؟ قال:

- هم في عذر ما داموا في الطلب ، وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع اليهم اصحابهم .

وهناك رواية اخرى مشابهة عن زرارة بن اعين الذي ابتلي بهذه المشكلة ومات بُعَيد وفاة الامام الصادق ، ولم يكن يعرف الامام الجديد فوضع القرآن على صدره وقال: اللهم اشهد اني اثبت من يقول بامامته هذا الكتاب .

وقد كان زرارة من اعظم تلاميذ الامامين الباقر والصادق ، ولكنه لم يعرف خليفة الامام الصادق فأرسل ابنه عبيدالله الى المدينة لكي يستطلع له الامام الجديد ، فمات قبل ان يعود اليه ابنه ومن دون ان يعرف من هو الامام ؟

وتقول روايات عديدة يذكرها الكليني في (الكافي)

(10) والمفيد في (الارشاد) (11) والطوسي في (الغيبة) (12) : ان الامام الهادي اوصى في البداية الى ابنه السيد محمد ، ولكنه توفي في حياة أبيه ، فأوصى للامام الحسن وقال له:· لقد بدا لله في محمد كما بدا في إسماعيل.. يابني أحدث لله شكراً فقد احدث فيك أمراً ، او نعمة .

وإذا كانت روايات القائمة المسبقة باسماء الأئمة الاثني عشر صحيحة وموجودة من قبل ، فلماذا لم يعرفها الشيعة الامامية الذين اختلفوا واحتاروا بعد وفاة الامام الحسن العسكري ، ولم يشر اليها المحدثون او المؤرخون الامامية في القرن الثالث الهجري؟

ان نظرية (الاثناعشرية) لم تكن مستقرة في العقل الامامي حتى منتصف القرن الرابع الهجري .. حيث أبدى الشيخ محمد بن علي الصدوق شكه بتحديد الأئمة في اثني عشر اماماً فقط ، وقال:· لسنا مستعبدين في ذلك الا بالاقرار باثني عشر إماما ، واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر بعده .

ونقل الكفعمي في (المصباح) عن الامام الرضا (ع) الدعاء التالي حول (صاحب الزمان) :· ... اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده .

وروى الصدوق عدة روايات حول احتمال امتداد الامامة بعد الثاني عشر وعدم الاقتصار عليه ، وكان منها رواية عن الامام أمير المؤمنين (ع) حول غموض الأمر بعد القائم ، وان رسول الله (ص) قد عهد اليه : ان لا يخبر احدا بذلك الا الحسن والحسين ، وانه قال: لا تسألوني عما يكون بعد هذا ، فقد عهد اليّ حبيبي ان لا اخبر به غير عترتي .

وروى الطوسي في (الغيبة): ان رسول الله (ص) قال لعلي:· يا علي انه سيكون بعدي اثنا عشر إماما ومن بعدهم اثنا عشر مهديا ، فأنت ياعلي اول الاثني عشر الامام ... ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا .

وعندما نشأت فكرة تحديد عدد الأئمة ، بعد القول بوجود وغيبة ( محمد بن الحسن العسكري) ، كاد الشيعة الامامية يختلفون فيما بينهم حول تحديد عددهم باثني عشر او ثلاثة عشر ، اذ برزت في ذلك الوقت روايات تقول : بأن عدد الأئمة ثلاثة عشر ، وقد نقلها الكليني في (الكافي) (17) و وُجدت في الكتاب الذي ظهر في تلك الفترة ونُسِبَ الى سليم بن قيس الهلالي ، حيث تقول احدى الروايات : ان النبي قال لأميرالمؤمنين انت واثنا عشر من ولدك أئمة الحق) . وهذا ما دفع هبة الله بن احمد بن محمد الكاتب ، حفيد أبى جعفر محمد بن عثمان العمري ، الذي كان يتعاطى (الكلام) لأن يؤلف كتابا في الامامة ، يقول فيه : ان الأئمة ثلاثة عشر ، ويضيف الى القائمة المعروفة (زيد بن علي) كما يقول النجاشي في (رجاله) .

وقد ذكر المؤرخ الشيعي المسعودي (توفي سنة 345ه ) في ( التنبيه والاشراف):· ان أصل القول في حصر عدد الأئمة باثني عشر ما ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه .

وكان كتاب سليم قد ظهر في بداية القرن الرابع الهجري ، وتضمن قائمة باسماء الأئمة الاثني عشر ، التي يقول عنها : أنها كانت معروفة منذ عهد رسول الله وانه هو الذي قد أعلنها من قبل . وأدى ظهور هذا الكتاب الى تكون الفرقة (الاثني عشرية) في القرن الرابع الهجري.. ثم بدأ الرواة يختلقون الروايات شيئا فشيئا ، ولم يذكر الكليني في (الكافي) سوى سبع عشرة رواية ، ثم جاء الصدوق بعده بخمسين عاما ليزيدها الى بضع وثلاثين رواية.. ثم يأتي تلميذه الخزاز ليجعلها مائتي رواية!

المفيد يضعف كتاب سليم

وكان اعتماد الكليني والنعماني والصدوق في قولهم بالنظرية (الاثني عشرية) على كتاب سليم الذي وصفه النعماني : بأنه من الأصول التي يرجع اليها الشيعة ويعولون عليها ، ولكن عامة الشيعة في ذلك الزمان كانوا يشكون في وضع واختلاق كتاب سليم ، وذلك لروايته عن طريق (محمد بن علي الصيرفي ابو سمينة ) الكذاب المشهور ، و (احمد بن هلال العبرتائي) الغالي الملعون ، وقد قال ابن الغضائري :· كان اصحابنا يقولون : ان سليما لا يُعرف ولا ذكر له... والكتاب موضوع لا مرية فيه وعلى ذلك علامات تدل على ما ذكرنا ... .

وقد ضعّف الشيخ المفيد (كتاب سليم) وقال:· انه غير موثوق به ولا يجوز العمل على اكثره ، وقد حصل فيه تخليط وتدليس ، فينبغي للمتدين ان يتجنب العمل بكل ما فيه ولا يعوّل على جملته والتقليد لروايته ، وليفزع الى العلماء فيما تضمنه من الأحاديث ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد ( المفيد: اوائل المقالات وشرح اعتقادات الصدوق).

وانتقد المفيدُ : الصدوقَ على نقله الكتاب واعتماده عليه وعزى ذلك الى منهج الصدوق الاخباري ، وقال عنه: · انه على مذهب أصحاب الحديث في العمل على ظواهر الالفاظ والعدول عن طرق الاعتبار ، وهذا رأي يضر صاحبه في دينه ويمنعه المقام عليه عن الاستبصار .

ومن هنا فقد اعترض الزيدية على الامامية وقالوا:· ان الرواية التي دلّت على ان الأئمة اثناعشر قولٌ أحدثه الامامية قريباً وولّدوا فيه أحاديث كاذبة واستشهدوا على ذلك بتفرق الشيعة بعد وفاة كل أمام الى عدة فرق وعدم معرفتهم للامام بعد الامام ، وحدوث البداء في إسماعيل ومحمد بن علي ، وجلوس عبدالله ألا فطح للامامة واقبال الشيعة اليه وحيرتهم بعد امتحانه ، وعدم معرفتهم الكاظم حتى دعاهم الى نفسه ، وموت الفقيه زرارة بن اعين دون معرفته بالامام .

وقد نقل الصدوق اتهاماتهم للامامية باحداث النظرية (الاثني عشرية) في وقت متأخر ، ولم ينفِ التهمة ولم يرد عليها ، وانما برر ذلك بالقول: · ان الامامية لم يقولوا : ان جميع الشيعة بما فيهم زرارة كانوا يعرفون الأئمة الاثني عشر ثم انتبه الصدوق الى منزلة زرارة وعدم إمكانية جهله بأي حديث من هذا القبيل ، وهو اعظم تلامذة الامامين الباقر والصادق ، فتراجع عن كلامه وقال باحتمال علم زرارة بالحديث وإخفاءه للتقية ، ثم عاد فتراجع عن هذا الاحتمال وقال:· ان الكاظم قد استوهبه من ربه لجهله بالامام ، لأن الشاك فيه على غير دين الله .

وهذا ما يناقض دعوى الخزاز في (كفاية الأثر) والطوسي في (الغيبة) بتواتر أحاديث (الاثني عشرية) عن طريق الشيعة ، ويثبت ان لا أساس لها من الصحة في الاجيال الأولى وخاصة في عهود الأئمة من آل البيت (ع) حيث لم يكن يوجد لها اي أثر ، خاصة وان الطوسي لم يذكر الكتب الشيعية القديمة التي زعم أنها تتحدث عن (الاثني عشرية) وقد تهرب الخزاز من مناقشة تهمة الوضع المتأخر ، وحاول ان ينفي تهمة الوضع من قبل الصحابة والتابعين واهل البيت (24) في حين ان التهمة لم تكن موجهة الى الصحابة واهل البيت ، وانما الى بعض الرواة المتأخرين الذين اختلقوا كتاب سليم في عصر الحيرة . من امثال (ابو سمينة) و (العبرتائي ) و (علي بن ابراهيم القمي).

أين الدلالة؟

هذا وان معظم الأحاديث التي تتحدث عن حصر الأئمة في اثني عشر ، وكذلك جميع الأحاديث الواردة عن طريق السنة لا تذكر اسماء الأئمة او الخلفاء او الامراء بالتفصيل.. وان الأحاديث السنية بالذات لا تحصرهم في اثني عشر ، وانما تشير الى وقوع الهرج بعد الثاني عشر من الخلفاء ، كما في رواية الطوسي عن جابر بن سمرة (25) او تتحدث عن النصر للدين او لأهل الدين حتى مضي اثني عشر خليفة .

ولو اخذنا بنظرية الشيعة الامامية الفطحية الذين لا يشترطون الوراثة العمودية في الامامة ، لأصبح الامام الحسن العسكري هو الامام الثاني عشر ، بعد الاقرار بإمامة عبدالله ألا فطح بن الصادق ، او الاعتراف بإمامة زيد بن علي ، الذي اعترف به قسم من الامامية .

إذن .. فان الاستدلال بأحاديث (الاثني عشرية) العامة والغامضة والضعيفة دون وجود دليل علمي على ولادة (محمد بن الحسن العسكري) هو نوع من الافتراض والظن والتخمين .. وليس استدلالا علميا قاطعا..

(لا بد من أمام حي ظاهر يُعرف!)

اما الدليل النقلي الأخير القائل بضرورة وجود الامام في كل عصر ، وعدم جواز خلو الأرض من حجة.. فهو دليل ينقض نفسه بنفسه ، اذ ما معنى الامام والحجة ؟ وما الفائدة منهما ؟ أليس لهداية الناس وادارة المجتمع وتنفيذ الاحكام الشرعية؟ فكيف يمكن للامام الغائب - على فرض وجوده - ان يقوم بكل ذلك؟ .. وإذا كان الامام الغائب يقوم بمهمة الامامة والحجية ، فلماذا شعر الفقهاء بالحاجة الى الامام والحجة في عصر الغيبة ؟

وإذا كان الهدف من وجوده هو ادارة الكون كما يقول بعض الغلاة ، فان الله سبحانه وتعالى لديه ملائكة كثيرون يقومون بذلك..

وقد رد الامام علي بن موسى الرضا (ع) على الواقفية الذين قالوا بغيبة أبيه (الامام الكاظم) : بأنه لا بد من أمام حي ظاهر يعرفه الناس ويرجعون اليه ! وقال:· ان الحجة لا تقوم لله على خلقه الا بامام حي يُعرف و · من مات بغير أمام مات ميتة جاهلية.. أمام حي يعرفه.. وقد قال رسول الله (ص): من مات وليس له أمام يسمع له ويطيع مات ميتة جاهلية . 27

وقال الامام الرضا لأحد الواقفية:· من مات وليس عليه أمام حي ظاهر مات ميتة جاهلية ، فسأله مستوضحا ومركزا على كلمة (أمام حي) فأكد له مرة اخرى ( أمام حي ) .

ان منشأ هذه الفكرة هي المقدمة الأولى العقلية لنظرية الامامة ، والمقصود منها : ضرورة وجود عموم الامام (اي الرئيس) في الأرض ، وعدم جواز بقاء المجتمع بلا حكومة ، اية حكومة واي أمام .. وإذا كانت قد تطورت الى ضرورة وجود (الامام المعصوم المعين من قبل الله) فان الاصرار عليها والاستنتاج منها : وجود (الامام محمد بن الحسن العسكري) واستمرار حياته الى اليوم ، هو ايضا نوع من الافتراض والظن والتخمين . فاين هو الامام المعلم الهادي والمطبق لأحكام الله الذي يحافظ على الشريعة من الزيادة والنقصان؟

وحتى لو صحت تلك الأحاديث فقد يكون الامام شخصا آخر .. اذا لم يكن المقصود به مطلق الامام او مطلق الحجة والعالم باحكام الدين .



أحمد الكاتب







التوقيع :
دعاء : اللهم أحسن خاتمتي
وأصرف عني ميتة السوء
ولا تقبض روحي إلا وأنت راض عنها .
#

#
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :
العِلمُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسولُهُ *قَالَ الصَّحَابَةُ هُم أولُو العِرفَانِ* مَا العِلمُ نَصبكَ لِلخِلاَفِ سَفَاهَةً * بينَ الرَّسُولِ وَبَينَ رَأي فُلاَنِ

جامع ملفات ملف الردود على الشبهات

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=83964
من مواضيعي في المنتدى
»» القرني والعضيدان. هل ما حدث سرقة أو نقل؟ (مشاعة للجميع )/ د.سعيد صيني
»» العضو جيراكوا تعال للحوار حول تحريف القرآن في دين الاثناعشرية
»» الشيخ حسن مشيمش: من قيادي في حزب الله إلى «عميل»
»» أخطاء المجدد حسن المالكي في القرآن الذي يتهمنا بهجره
»» الرد على كذبة تورط مدير مسجد لندن أحمد الدبيان مع زانية
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:51 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "