بسم الله الرحمن الرحيم
مـؤسسـة المـأسدة الإعـلامية
تقــــدمـ
السلسلة العطرة
سير أعلام الشهداء
في بلاد الشام
-الحلقة الثالثة-

محمد قدور (أبو أنس الجزائري)
-تقبله الله-
هذه أحوال الرجال, صدقوا الله فصدقهم, وقرّ في قلوبهم الإيمان فجادوا بالغالي والرخيص في سبيل نصرة هذا الدين. رجال لم تلههم الدنيا وزخرفها عن العمل للآخرة, رخصت الدنيا في موازينهم فلم تساوِ عندهم شيئًا، علت هممهم فطاولت النجوم بعلوها، وناطحت الجبال بشدّتها، وبارزت البحار باتساعها وغزارتها, فباعوا نفوسهم لله فنعم البيع كان، شعارهم: اللهم استخدمنا في نصرة هذا الدين، اللهم ارفع الضيم عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وارزقنا إحدى الحسنيين، نصرًا أو شهادة، فاستجاب لهم ربهم إنه كان بهم خبيرًا.
ومن هؤلاء الرجال الشهيد كما نحسبه ولا نزكيه على الله (أبو أنس الجزائري محمد قدور) أحد أبطال معركة نهر البارد الخالدة.
وهذه أسطر من سيرته نتعرف فيها على حبيبنا البطل الشهيد:
اسمه محمد قدور, ولد في أوائل السبعينيات بالجزائر العاصمة (بالقصبة) ونشأ في دائرة بوربه بلدية باش جراح، في عائلة فقيرة متواضعة، نشأ كنشأة شباب الحي إلا إنه كان يتميز عنهم بأشياء كثيرة منها أنه كان محبوبًا في عائلته وجيرانه وحيه رغم بعده عن الإسلام والالتزام به.
لم ينجح في دراسته وتوقف عنها في المرحلة المتوسطة, ودخل ميدان العمل والتجارة لمساعدة نفسه وأهله, وكان يتاجر في الدرّاجات النارية, ويهوى ركوبها. وعُرف بحبه للهجرة إلى أوروبا, وكان شجاعًا قويًّا ذا أخلاق حسنة رغم بعده عن الالتزام, وكان شباب الحي يخافون منه لشجاعته وقوته, إلا أنه كان لا يظلم أحدًا بل كان يدافع عن المظلومين ويحترم الكبار ويضاحك الصغار مما جعل كل الناس في حيه يحترمونه ويحبونه.
سافر محمد إلى أسبانيا وجلس فيها سنة يعمل ويعيش لهو أوروبا ودنياها, وبعدها عاد إلى الجزائر تائهًا قلقًا دون عمل ولا زواج وكان عمره قد بلغ الثلاثين, فشاء الله سبحانه أن يهديه إلى الصراط المستقيم فهيأ له من ينصحه من الإخوة الملتزمين في حيه, فاستجاب أبو أنس إلى النصح, فعمد إلى الصلاة والالتزام وتعرف على أصدقاء حيّه في المسجد المسمى بخالد بن الوليد, فبدأ تعلم الدين فازداد خلقًا إلى خلقه المعروف به, وكان شديد الخوف من الله كما نحسبه, وكان زاهدًا عابدًا يتقن عبادته إتقانًا عجيبًا حتى كان الإخوة في المسجد يحبونه لتقواه وخوفه من الله, وكان محترمًا من قبل جميع الناس برهم وفاجرهم, وكان سباقًا للخير لا تحدثه عن شيء يقربه إلى الله إلا تجد فيه المثابرة والمسارعة إلى فعله, وكان حريصًا على دينه ويسأل كثيرًا عن الحلال والحرام, وكانت تعجبه قصص الصحابة وفتوحاتهم, وكان حريصًا على هداية إخوانه ونصحهم وتعليمهم.
ومن أخلاقه كذلك أنه كان ينصر من يستنصره, ويعين من يستعين به, يساعد الفقراء ويحبهم, وكان له يوم في الأسبوع يعود فيه المرضى ويجهز لهم بعض الأعشاب الطبية ويأخذها لهم مع بعض الكتب الدعوية وخاصةً حصن المسلم رغم دخله الضعيف.
كلما مرت على أبي أنس الأيام ازداد شوقه لربه وأكثر من فعل الخيرات.
وفي ذلك الوقت كانت أمريكا رأس الكفر والطغيان والفساد قد غزت العراق وقبله أفغانستان, وكانت المجازر التي ترتكبها أمريكا تؤثر على أبي أنس أشد تأثير, وكانت عيناه تدمعان كلما رأى مشهدًا فيه دماء المسلمين, وسمع نداء أمراء الجهاد إلى النفير وعلماء الإسلام إلى نصرة المسلمين, فعزم أبو أنس على النفير استجابة لنداء الله للجهاد والاستشهاد ونصرة للمستضعفين من المسلمين, فأصبح حديثه كل ساعة عن هذا الأمر, وأصبح حلمه الوحيد وغايته الفريدة وأمنيته الكبيرة الجهاد والاستشهاد.
بقي قرابة سنة يبحث هو وإخوانه عن المنسق الذي يوصلهم إلى ساحات الجهاد, وبعد سنة وفق الله أحد إخوانه إلى التعرف على أحد المنسقين وكان اسم زميله نور الدين وهو من نفس الحي (دباش جراح) واتفقت المجموعة على أن تسير إلى العراق بطريقة آمنة, يذهب نور الدين مباشرة إلى سوريا ثم يدخل إلى العراق, ومن هناك ينسق للبقية, وذهب أبو أنس إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة ومن العمرة يلحق بنور الدين, لكنّ قدر الله أن ينقطع الاتصال المتفق عليه وانتظر أبو أنس بعد العمرة ولكن دون جدوى, لكنه لم ييأس وبدأ بالبحث في مكة المكرمة عن منسق لعله يوصله إلى العراق فلم يجد, لقد ابتلاه الله ليعلم صدقه في طلب الجهاد.
دخل عليه موسم الحج فأكرمه الله بأداء فريضة الحج وبعدها عاد إلى الجزائر لعله يجد تنسيقًا يوصله إلى حلمه, سأل عن نور الدين فلم يجد أي خبر حتى أهله لا يعرفون عنه أي شيء, وبعد شهرين أصدر المكتب الإعلامي في العراق فيلمًا وفيه صورة الأخ الشهيد نور الدين قتيلًا, نسأل الله أن يكتب له القبول, فحزن أبو أنس حزنًا شديدًا لمقتل صديقه, وحزن لضياع الفرصة منه.
واصل بعدها مع مجموعة البحث عن الطريق, فيسر الله له الأمر بعد أن تعرف على أحد طلبة العلم في الجزائر ووعده بإيصاله هو ومن معه إلى العراق وطلب منهم التوجه إلى السعودية ومن هناك يتم التنسيق. تم الأمر وذهب وإلى العمرة, ولكن قدر الله أن لا يثبت أحد من المجموعة إلا محمد وزميل له -قتل أيضًا بعد ذاك في نهر البارد- وكان سبب انخذال المجموعة وعودتهم إلى الجزائر استماعهم إلى أحد طلبة العلم المرجئة عن الجهاد فثبطهم ونصحهم بالعودة إلى الجزائر والله المستعان.
ثم تم التنسيق والتحقوا بسوريا وقدر الله للمنسق أن يقع في كمين في حلب ويؤسر, ولكن الإخوة لم يرجعوا بل ثبتوا حتى اتصلوا بمنسق آخر كان عندهم رقم هاتفه فرتب لهم الأمر واستقبلهم ولكن بعد فترة طويلة إلى حد ما, وهذه الفترة كانوا فيها في خطر ومع هذا كله لم يهنوا ولم يضعفوا بل ثبتوا وصبروا, لله درهم وعلى الله أجرهم.
التحقوا بأحد مضافات المجاهدين في سوريا وهنالك التقى محمد (أبو أنس) بالمجاهدين, ففرح كثيرًا بهم وأحبهم فخُيّر محمد بين الذهاب إلى العراق أو جبهة جديدة في بلاد الشام في لبنان, فاختار محمد ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليكم بالشام) ولفضل الشام في القتال والاستشهاد.
دخل أبو أنس إلى لبنان والتحق بفتح الإسلام في نهر البارد, وتدرب على كل الأسلحة الموجودة ودخل دورة تأسيسية, اختير بعدها لدورة الصاعقة وكانت الدورة في كل المجالات الشرعية والأمنية والعسكرية, واستفاد أبو أنس من هذه الدورة كثيرًا, وكان يخدم إخوانه في الموقع, وكان يحب إخوانه المهاجرين كثيرًا, وكان الإخوة المهاجرون يتأسون به في الموقع ويحبون المزاح معه, وكان حازمًا في الحراسة وفي الدوريات الليلية, وكان دائمًا أمير الدورية ليلاً, وكان يعتني بسلاحه وذخيرته جيدًا, وكان محترمًا عند الجميع من الأنصار والمهاجرين من القادة والعناصر.
وفي يوم من أيام الرباط في نهر البارد جاء خبر موت أبيه فقابل ذلك بالصبر والاحتساب, واتصل بأهله وصبّرهم ورفع معنوياتهم وذكّرهم بالله وأجر الصبر والاحتساب, أسأل الله أن يجمعه مع أبيه في الجنة.
وفي بداية المعركة مع الجيش اللبناني الممزوج بالكفر من نصارى وروافض ودروز ونصيرية وسنة مرتدين -والسنة بريئة منهم- كان محمد من ضمن المجموعة التي اقتحمت في جهة (المحمرة) وابتليت مجموعته ابتلاءً شديدًا, وكان عددهم سبعة حيث سلكوا طريقًا في الاقتحام لم يرصد من قبل ففوجئوا (بدشمة كمين) كان فيها حرس, ووقعوا في كمين قتل فيه أمير المجموعة (أبو الزبير الهيتي الفلسطيني) وقتل كذلك أسد الطائف (أبو الوليد الطائفي), فاستطاعوا هم الخمسة المتبقون أبو أنس وأخ سوري وآخر من جزيرة العرب والبقية استطاعوا قتل من كان في الكمين رغم أن الظلام كان دامسًا, وواصلوا اقتحامهم مع المجموعات الأخرى التي اقتحمت من الجهات الأخرى, فسيطروا بفضل الله على الحاجز, وكانت حصيلة القتل من الجيش اللبناني أربعة وثلاثين جنديًّا وغنموا أسلحة كثيرة وأحرقوا ملالات الجيش, وبقي أبو أنس ثابتًا في الحاجز إلى المساء يمنع تقدم الجيش لسحب قتلاهم, رغم أن الجيش اللبناني أمطر الحاجز بوابل كثيف من قذائف الهاون, وبعد ذلك طُلب من أبي أنس الرجوع إلى الصفوف الخلفية ليكون دعمًا لوجستيًّا للمجموعات الأمامية التي شُكلت للتصدي لتقدم الجيش, وكان ملتزمًا بالأمر الذي وكل إليه, ثم بعد أسبوعين أُمر بالانضمام إلى المجموعة الأمامية التي كانت على المحور, فالتحق بها وبقي أيامًا يناور ويقاتل مع إخوانه في المجموعة حتى أصيب في رجله اليمنى بشظية نقل على أثرها إلى المشفى الذي كان عبارة عن بيوت هرب منها أهلها بسبب المعركة, وعولج رغم قلة العلاج الأدوية والله المستعان, فبقي فترة في البيت (أي المشفى) يعالج المرضى حتى تحسن, ثم انطلق إلى عمل آخر وهو تنظيف الأسلحة التي كانت في المواقع الخلفية واستلم أيضًا سلاح الدوشكا فكان يرمي به من موقع آخر, فكان رحمه الله يسد في أي محور.
وفي أحد الأيام قام شهيدنا أبو أنس بنقل الذخيرة من مكان إلى آخر مع أحد الإخوة السوريين فنزلت عليهما قذيفة هاون مئة وعشرون, فأصابتهما فكانت إصابات بليغة وخطيرة حيث أصيب في معظم جسده وأصبحت يده ورجله شبه مبتورة, وأصيب كذلك بشظية كبيرة في صدره وبقي ملقى في مكانه يسبح في دمه ولم يشعر به أحد, وبفضل الله وقدره الحكيم تمكن الأخ السوري الذي كان مع أبي أنس من الانسحاب إلى أحد المواقع التي يتواجد فيها بعض الإخوة رغم إصابته البليغة في قدمه فأخبرهم بالمكان, فسارع الأخ القائد أبو هريرة -تقبله الله- وأحد الإخوة من صغار السن إلى المكان, فاستطاعوا أن يسحبوه من مكانه وهو على قيد الحياة, وعانوا عناءً شديدًا لكثرة نزول القذائف والقصف والدمار الهائل في المباني الذي أعاق مشيهم, فأدخلوه إلى أحد البيوت وقاموا بإسعافه ولكن كانت إصابته كبيرة وبليغة جدًّا وكانت أعضاؤه معلقة فقط, أما هو فكان ثابتًا صابرًا ذاكرًا لله محفزًا لإخوانه فكان مكبرًا ومهللاً ومستغفرًا لم يفتر لسانه عن الذكر.
وبقي قرابة ساعتين حتى جاءه ما كان يرجوه من الله وفاضت روحه إلى مولاه, وسطع نور من وجهه, ورحل شهيدنا من الدنيا إلى دار الخلود بإذن الله, وحزن الإخوة لفراقه حزنًا شديدًا, وأخبرنا أحد الإخوة أنه سمعه وهو ساجد يقول اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك ويكررها, وكان ذلك قبل أصابته بساعات قليلة, فنحسب أن الله قد استجاب دعاءه.
رحمك لله يا أبا أنس, لقد كنت نعم الأخ شجاعًا قويًّا صابرًا جلدًا حنونًا شفوقًا كريمًا سخيًّا, كل من عرفك أحبك لحسن معشرك ودماثة خُلقك, لقد كنت مهاجرًا مجاهدًا, تركت متاع الدنيا وزينتها وأوروبا وزخرفها وتوجهت إلى ساحات القتال ومعترك الرجال ففزت بشهادة في سبيل الله الكريم المتعال كما نحسبك ولا نزكيك على الله. ودفن أبو أنس مع أحد الإخوة الجزائريين الملقب بأبي أيوب من ولاية (تيارة) ولما دخل الجيش اللبناني بعد المعركة سحب جثته ودفنوه في مقبرة الغرباء في مدينة طرابلس في شمال لبنان.
وترقبوا بإذن الله الحلقة الرابعة من السلسلة العطرة
- روابط التحميل -
DOC-PDF-FONT
Unlimited free file storage and free file hosting
sh.rar (2,51 MB) - uploaded.to
Netload Serious Filehosting - Netload
sh.rar // Load.to Uploadservice
Get on Wupload.com
sh.rar - Uploaded by shrta.net - BADONGO
sh.rar
Free Online Storage & File Upload with FileServe
sh.rar - download now for free. File sharing. Software file sharing. Free file hosting. File upload. FileFactory.com
sh.rar | PutLocker
https://hotfile.com/dl/146612958/ab8bfe9/sh.rar.html
sh.rar 2shared - download
http://www.crocko.com/1E16205DEFC741...DA2307F/sh.rar
مؤسسة المأسدة الإعلامية
(صوت شبكة شموخ الإسلام)
أخوانكم في
شبكة شموخ الإسلام
شبكة أنصار المجاهدين