صورة جمال الفتوي قبل وفاته
جمال الفتوى شاب في العقد الثاني من العمر صيدلي اعتقل هو وزميله خالد مراد بعد صلاة التراويح من مسجد عمر بن الخطاب أفرج عن زميله خالد مراد جثة هامدة بتاريخ التاسع من رمضان وأفرج عن جمال الفتوى جثة هامدة بتاريخ الرابع عشر من رمضان.
إلى كل الذين يسألون لماذا قتل جمال الفتوى هل قتل لأنه انتفض وبشراسة ضد هذا النظام منذ اليوم الأول؟ أم هل قتل لأنه أدين بحمل ميكرفون بسيارته أثناء اعتقاله وكأن الميكرفون أصبح قاذف لللهب أو قاذف للصواريخ؟ أم قتل لأنه شهد مقتل زميله في الأسر خالد مراد فكان لا بد من قتله حتى لا يتحول الى شاهد عيان؟ أم قتل كما أشيع أن تاريخ اعتقاله صادف مقتل ضابط في الأمن فجاء الانتقام سريعا من هومن زميله خالد مراد؟
بكل بساطة جمال الفتوى قتل لأننا أمام نظام طائفي وحشي مصاب بهستيريا القتل والتعذيب منذ ولادته هل يمكن لعاقل أن يتخيل أن شاب في مقتبل العمر صيدلي ومن أسرة مرموقة وورعة يقتل من هول التعذيب على يد شخص لا يعرف القراءة والكتابة هل يمكن أن تتخيل أن آخر شخص كان يرافق جمال في لحظاته الأخيرة هو قاتله هو انسان سفاح يمارس كل أمراضه النفسية والطائفية أمام شخص مقيد أمامه لا يملك إلا الصراخ هل يمكن أن تتصور منظر جمال يلفظ أنفاسه الأخيرة وعينيه تنظران الى عيني قاتله داعية الله أن يتوقف عن التعذيب فيأبى الجلاد إلا أن يجهز على ضحيته وهو يعلم أنلن يحاسب أو يعاقب؟
هل يمكن لمواطن سوري يملك ذرة كرامة أن يقبل أن شاب صيدلي قتل تحت التعذيب في سجن سوري ولا يبعد عن منزل الضحية سوى كيلو متر واحد؟,أراهن بكل ما أملك أنه لو كان جاسوس اسرائيلي لما جرئ هذا النظام على قتله بهذه الوحشية لعله اكتفى باعدامه شنقا .
ما هذه الهمجية أن تقتل مواطن تحت العذيب و أنا أقول مواطن وليس مسلحأ و عميل أو سارق أو قاتل حتى لو كان متظاهر أو مطالب باسقاط النظام هل من الممكن أن يقتل تحت العذيب؟
إن الذي يحصل لم يعد يتقبله عقل ولادين ولا منطق إن الجرائم التي ترتكب الآن لم تعد جرائم بحق الانسانية فحسب بل أصبحت جرائم بحق الدولة والمدنية والمواطنة بحق كل انسان حر ببساطة نحن لم نعد نعيش في وطن نحن الآن في غابة ولتبقى حيا عليك أن تنبح بحبك للأسد بولائك للأسد.
بالفعل هذه الثورة على الرغم من كونها سبب في انطلاق آلة القتل والتعذيب و الهمجية هي مصانع للرجال وأستطيع أن أفهم لماذا يمارس النظام هذه الهمجية في القتل بكل بساطة هو يزرع الخوف ويحصد أبطال وشهداء, وليس أيما أبطال أبطال اختارت أن تواجه الموت بصدر عار وهذا أعلى درجات الشرف و البطولة شاب كهادي الجندي يكتب وصيته قبل استشهاده و آخر كخالد مراد يوصي أن يصلى عليه من جامع عمر وجمال فتوى يفسخ خطوبته لأنه كما يقول هو مشروع شهيد أنا كشخص معارض أقف مفجوعا مذهولا مسحوقا أمام شجاعة هؤلاء فما بالك بمدى خوف النظام المجرم من هكذا رجال انتفضوا لمواجهته بالفعل هكذا رجال لا أستيطع سوى أن أقارنهم بمصعب بن عمير أو حمزة بن عبد المطلب ولعل هذه المقارنة ستكونظالمة نوعا ما على الأقل كل من مصعب وحمزة كان يحمل في يده سيفا يدافع به عن نفسه لعله من العدالة بشيء أن نقارنهم بالمسيح الذي صلب دون أن يرفع يده اعتراضا, صلب وهو ينادي بالمحبة وهؤلاء صلبوا لأنهم ينادون بالحرية ومع ذلك المسيح رفعه الله اذا العدالة المطلقة أن لا نقارنهم بأحد من البشر بل نقارنهم بأنفسهم جمال الفتوى يقارن بخالد مراد ,خالد مراد يقارن بهادي الجندي,هادي الجندي يقارن بابراهيم قاشوش ,ابراهيم قاشوش يقارن بحمزة الخطيب,حمزة الخطيب يقارن بهاجرالخطيب.
حين كتبت مدونة لماذا اغتيل هادي الجندي كان القلم يهتز بيدي ولكن قلمي اليوم أصبح أكثر ثباتا وأكثر اصرار حاله كحال الثورة السورية فكلاهما يضعان نصب عينهما دماء الشهداء ويمضيان معا نحو الغاية المنشودة بالحرية .
أكثر ما يؤلم أن الذين يعذبونك و يقتلونك هم أبناء وطنك ويقتلونك على أرض الوطن ويقتلوننا بطريقة تجعل أي يهودي صهيوني متطرف يشعر بالتعاطف معنا لهذهالطريقة في القتل يقتلوننا ثم يجبرون أهلنا وأحبتنا على الاعتراف بأننا قتلنالأننا لا نحب الوطن الذي قتلنا لأجله!!!
هل لك أن تتخيل أن ابنك يقتل ثم يأتي من يجبرك على الاعتراف بأن ابنك قاتل ومجرم ومسلح ومندس وأنه نال القصاص العادل بالقتل أنا متأكد أن كل أب يوقع على هكذا أوراق يتمنى أن يكون مكان ولده قبل أن يوقع عليها أن كل أب لا يشعر فقط بالغضب و الحقد و النقمة بل يشعر أنه يخون رسالة ولده الذي لم تجفّ دماؤه بعد, يشعر أنه جبان أمام بطولة ولده, يشعر أنه يخون ابنه الذي لم يدفن بعد ومع ذلك يوقع حتى يواري ابنه الشهيد الثرى .
منذ أسبوع كنت في تشييع الشهيد خالد مراد وسألت الله أن يكون استشهاد خالد مراد سببا في بقاء زميله في الأسر جمال الفتوى حيا كنت أعتقد أن هؤلاء المجرمون لن يجرؤوا على قتل الاثنين معا ولكن خاب دعائي وخاب اعتقادي و ها أنا بعد قليل أخرج في تشييع الشهيد جمال الفتوى وأسال الله أن يسقط هذا النظام المجرم وينتقم من كل من قتل وعذّب وهذه المرة أنا على يقيين أنه لن يخييب دعائي واعتقادي لأن نيرون مات و لم تمت روما لأن الظلم مرتعه وخيم ولأن الله حق وطلب الحرية حق ولابدّ للحق أن ينتصر وفي النهاية وكما العادة :
ودع بشارا إن النظام مرتحل وهل تطيق صبرا أيّها الشعب.
التوقيع :عبد الرحمن الكواكبي