خامساً:آراء الخوارج الكلامية:-
يوافق الخوارج المعتزلة في أكثر آرائهم الكلامية([1])، فقد قالوا جميعا بخلق القرآن، ووافق أكثرهم المعتزلة على القول بالقدر، وقولهم في الوعيد واحد، وبالجملة فآراؤهم الكلامية تشترك مع المعتزلة في أكثرها.
تعقيب :
يمكن من خلال عرض آراء الخوارج أن أسجل بعض الملاحظات حول مبادئهم، واختلافها فيما بينها:-
أولاً: أن الخوارج في بداية أمرهم لم تكن لهم نظرية عامة حول ما أثاروه من مشكلات، وما اعتقدوه من آراء، وأن هذه النظرية أخذت تتبلور شيئا فشيئا حتى ظهرت كآراء متكاملة في سياق المذهب، لكن هذه النظرية كانت عرضة للطعن والنقد في أي وقت من الخوارج أنفسهم، بل إن هذه الآراء نفسها يمكن أن يقال: إنها كانت سببا في تفرق الخوارج إلى فرق وأحزاب صغيرة، نظرا لكثرة الخلاف حولها.
ثانيا: أن من الطبيعي أن يحدث خلاف داخل الفرقة – أي فرقة – حول الآراء التي تعتنقها، ويظل هذا الخلاف داخل نطاق المذهب الواحد دون أن تحدث فُرقة، أو ينشأ حزب صغير من داخل الفرقة، ولكن نظرا لطبيعة الخوارج التي سيطرت عليهم، وهي اعتقادهم أن ما هم عليه هو الحق والصواب، وأن كل ما عداه فهو خطأ أيا كان قائله أو معتنقه، كل ذلك دفعهم إلى أن يخلق الخلاف في الرأي خلافا في الوجهة، ويحدث نزاع وقتال حول تقرير هذا الرأي أو عدمه، وتكثر الآراء، ولكل رأي من ينادي به، ويتعصب من أجله.
ثالثاً: أن هذا الخلاف بين الخوارج ما حدث إلا لبعدهم عن منهــج الكتاب والسنة، فهم أصحاب بدعة، وأصحاب البدع لبعدهم عن المنهج القويم يتخبطون، وتكثر اختلافاتهم وانشقاقاتهم، لأنه ليس هناك ضابط يحمي من الخلاف، كما هو حال أهل السنة والجماعة الذين لديهم مرجع يحميهم من أن يتحول الخلاف إلى تمزق وتشتت وعداوات فيما بينهم.
رابعاً: أن الخوارج كانوا ينظرون إلى آرائهم نظرة تختلف عن نظرتهم لآراء غيرهم من المخالفين لهم، حتى وإن بدت متوافقة، فآراؤهم مقبولة دائما، وآراء غيرهم مرفوضة دائما، من ذلك مثلا: أن الشبيبية من الخوارج أجازوا إمامة المرأة إذا خرجت على مخالفيها، ولم يروا في ذلك شيئا يستحق النقد والاعتراض، بل طبقوا هذا المبدأ واقعا عندما قرروا إمامة غزالة زوج شبيب، مع أنهم اعترضوا على السيدة عائشة رضي الله عنها لما خرجت إلى البصرة، وزعموا أنها كفرت بذلك.
يقول البغدادي: "يقال لهم: أنكرتم على أم المؤمنين عائشة خروجها إلى البصرة مع جندها الذي كل واحد منهم محرم لها، لأنها أم جميع المؤمنين في القرآن، وزعمتم أنها كفرت بذلك، وتلوتم عليها قول الله تعالى: âtbös%ur’Îû£`ä3Ï?qã‹ç á([2])، فهلا تلوتم هـذه الآية علـى غزالة زوج شبيب، وهلا قلتم بكفرها وكفر منخرجن معها من نساء الخوارج إلى قتال جيوش الحجـاج" ([3]).
ولكن كما يقول القائل:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
كما أن عين السخط تبدي المساويا
خامساً: أن الخوارج لم تكن فرقة كلامية تعنى بتقرير أصول مذهبها وآرائها، ولم تكن لهم عناية بصياغة آرائهم صياغة كلامية أو منطقية شأن سائر الفرق الكلامية الأخرى، بل كانوا مذهب سياسي، كما هم مذهب كلامي، بل كانوا في الجانب السياسي أقوى وأكثر أثرا، فقد كان همهم الأول إقامة مبادئهم واقعيا على الأرض بالسيف والخروج والثورة، دون سعي إلى تقريرها نظريا بين الناس.
([1]) مقالات الإسلاميين 1/236، وانظر: آراء الخوارج للدكتور:عمار طالبي ص 195 –200، المكتب المصري الحديث، بدون تاريخ.
([2]) سورة الأحزاب: من الآية 33.
([3]) الفرق بين الفرق ص 113.