العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديات العلمية > منتدى الدروس العلمية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-04-03, 02:59 PM   رقم المشاركة : 1
المنهج
عضو مميز





المنهج غير متصل

المنهج is on a distinguished road


كنوز السيـرة للشيخ عثمان الخميس / 3

وا ثكل(بضم الثاء) أمي والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليّ الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته وإن كان قبيحاً تركته فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى بيته فدخلت عليه وقلت يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا فوالله ما برحوا بي يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ثمّ أبى الله إلا أن يسمعني قولك فسمعت قولاً حسناً فاعرض عليّ أمرك فعرض عليّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الإسلام وتلا عليّ القرآن فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه ولا أمراً أعدل منه فأسلمت وشهدت شهادة الحق وقلت يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي وإني راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه قال فقال اللهم اجعل له آية قال فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر (أي مكان مرتفع) وقع بين عيني نور مثل المصباح فقلت اللهم في غير وجهي فإني أخشى أن يظن (بضم الياء) بها مثلة (بضم الميم وتسكين الثاء) (يعني أخاف أن يقولوا دعوة الآلهة عليك) فتحول فوقع في رأس سوطي (أي النور) فجعل الحاضرون يتراءون ذلك النور من رأس سوطي كالقنديل يضيء، وأنا أتهبط عليهم من الثنية (أي أنـزل عليهم من مكان مرتفع) حتى جئتهم فأصبحت فيهم فلما نـزلت أتاني أبي وكان شيخاً كبيراً فقلت إليك عني يا أبة فلست منك ولست مني قال: لم يا بني؟ قلت أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أي بني فدينك ديني قلت فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ثمّ ائتني حتى أعلمك مما علّمت (بضم العين) فذهب فاغتسل وطهر ثيابه ثمّ جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم. ثم أتتني صاحبتي (أي زوجته) فقلت إليك عني فلست منك ولست مني قالت: ولم بأبي أنت وأمي؟ قلت فرّق بيني وبينك الإسلام وتابعت دين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: فديني دينك فقلت فاذهبي إلى حمى ذي الشرا ، وتطهري منه، (ذو الشرا

هذا صنم لدوس وكان الحمى الذي حموه حوله به وشل من ماء يهبط من جبل، أي نقاط من ماء تهبط من جبل) قالت: بأبي أنت وأمي أتخشى على الصبية من ذي الشرا شيئاً؟ قلت: لا، أنا ضامن لذلك قال فذهبت فاغتسلت ثمّ جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت. ثمّ دعوت دوساً (أي قبيلته) إلى الإسلام فأبطأوا عليه (أي تأخروا في القبول وذلك أنه ليس كل الناس سواء فأبو ذر أسلم قومه وتابعوه والطفيل بن عمرو لم يسلم قومه مباشرة ولكن تمنعوا عليه) قال: ثمّ جئت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمكة فقلت يا رسول الله أبطأوا عليّ فادع عليهم فقال صلوات الله وسلامه عليه اللهم اهد دوساً ارجع إلى قومك وادعهم وارفق بهم قال فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة ومضى بدر وأحد والخندق ثمّ قدمت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمن أسلم معي من قومي ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بخبير فأسهم لنا مع المسلمين صلوات الله وسلامه عليه.


الجهر بالدعوة:

لما نـزل قول الله تبارك وتعالى "يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر" جهر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك أن الله تبارك وتعالى انتزعه من النوم والتدثر والدفء إلى الجهاد والكفاح والمشقة فقال " يا أيها المدثر قم فأنذر " كأنه قيل له إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً وأما أنت الذي تحمل هذا العبء الكبير فما لك والنوم وما لك والراحة وما لك والفراش الدافئ قم للأمر العظيم الذي ينتظرك والعبء الثقيل المهيأ لك قم للجهد (بفتح الجيم) والنصب (بفتح النون والصاد) والكد والتعب قد مضى وقت النوم والراحة وما عاد منذ اليوم إلا السهر المتواصل والجهاد الطويل الشاق قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد . هكذا أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقوم ويجهر بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى. وقد روى لنا أبو هريرة رضي الله تبارك وتعالى عنه بداية دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجهره بها صلوات الله وسلامه عليه قال أبو هريرة لما أنـزلت هذه الآية "وأنذر عشيرتك الأقربين" دعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قريشاً فاجتمعوا فعمّ وخصّ فقال يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحماً سأبلّها ببلاها، رواه الإمام مسلم في صحيحه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لمّا نـزلت هذه الآية "وأنذر عشيرتك الأقربين"خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى صعد الصفا (جبل الصفا) فهتف يا صباحاه (وهذه جملة كان يستعملها الناس في ذلك الوقت للمناداة ينادون الناس اجتمعوا الأمر مهم) فقالوا من هذا الذي يهتف؟ قالوا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاجتمعوا إليه فقال يا بني فلان يا بني فلان يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب فاجتمعوا إليه فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي وفي رواية لو حدثتكم أن خلف هذا الوادي جيش مصبّحكم (أي سيدخل عليكم صباحاً) أكنتم مصدقي؟ (والله لو قالوا له نصدقك لكفى ولكن أبى الله تبارك وتعالى إلا أن يشهدوا بالحق وإلا أن يقولوا الكلمة التي تكون شاهدة عليهم وعلى تكبرهم وعنادهم وإعراضهم عن الحق الذي عرفوه، ماذا قالوا؟) قالوا ما جرّبنا عليك كذباً قط، (هكذا يشهد أهل مكة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المشهور بعد ثلاث وأربعين سنة بأنهم ما جرّبوا عليه الكذب أبداً ولذلك سيأتينا من قصة أبي سفيان لمّا يسأله هرقل وذلك في بداية السنة السابعة من الهجرة بعد صلح الحديبية هل كان يكذب قبل أن يقول ما قال فقال لا وهكذا هي صفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يكذب أبداً صلوات الله وسلامه عليه) قالوا ما جربنا عليك كذباً قط فقال إنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقام عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبو لهب فقال تباً لك أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثمّ قام فأنـزل الله تبارك وتعالى آيات يدافع فيها عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال سبحانه وتعالى "تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى ناراً ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد". ثمّ كانت بعد ذلك الدعوة الجهرية قال ابن إسحاق ثمّ أمر الله تبارك وتعالى رسوله بعد ثلاث سنين من البعثة بأن يصدع بما أمر (بضم الألف) وأن يصبر على أذى المشركين وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا صلوا ذهبوا في الشعاب استخفوا بصلاتهم من قومهم فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر يصلون في شعاب مكة إذ ظهر عليهم بعض المشركين فناكروهم (أي أنكروا عليهم وعابوا عليهم ما يصنعون) حتى قاتلوهم فضرب سعد بن أبي وقاص رجلاً من المشركين بلحى جمل (أي عظم جمل) فشجّه فكان أول دم أهريق في الإسلام. وبدأ الناس يدخلون في دين الله تبارك وتعالى وكان قد أسلم أبو بكر وعلي وزيد وبلال وخديجة ثمّ أسلم عمّار بن ياسر وأسلم كذلك عثمان والزبير وابن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله ثمّ أسلم أبو عبيدة وأبو سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم وعثمان بن مظعون وسعيد بن زيد وخباب بن الأرت و عبد الله بن مسعود وفاطمة بنت الخطاب وكل هؤلاء كان إسلامهم سراً (أي كانوا يسرون بإسلامهم خوفاً من أهل مكة). فبعد أن أنـزل الله قوله جلّ وعلا " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين" قام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينكر خرافات الشرك وترّهاته ويذكر حقائق الأصنام وحقائق عبدتها وأنها لا تستحق العبادة ولا تستحق أن يسجد لها وأن تعبد من دون الله تبارك وتعالى وبدأ يسفّه الأحلام ويبين الضلال صلوات الله وسلامه عليه. عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال كنت رجلاً قيناً (أي عبداً) وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثمّ تبعث قال فإني إذا مت ثمّ بعثت (بضم الباء) جئتني ولي ثمّ (بفتح الثاء) مال وولد فأعطيك فأنـزل الله تبارك وتعالى " أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولدا … إلى قوله تعالى ويأتينا فردا " أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما. وعن خباب قال أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو متوسد ببردة وهو في ظل الكعبة أي مستند على برده (وهي العباءة) وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدّة فقلت ألا تدعو الله فقعد وهو محمر الوجه فقال قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد. ولما بدأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى مشى رجال من أشراف مكة إلى أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سبّ آلهتنا وسفّه أحلامنا وعاب ديننا وضلل آباءنا فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه فقال لهم أبو طالب قولاً رقيقاً وردهم رداً جميلاً فانصرفوا عنه ومضى أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكلمه وينصحه واستمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ما هو عليه صلوات الله وسلامه عليه. ولما قرب موسم الحج والحجاج سيأتون إلى بيت الله تبارك وتعالى ولا شك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيجدها فرصة سانحة للدعوة إلى الله تبارك وتعالى، اجتمع كفار مكة وكبراؤها إلى الوليد بن المغيرة وقالوا ما نقول إذا جاء الناس فقال لهم الوليد اجمعوا فيه رأياً واحداً ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً ويرد قولكم بعضه بعضاً (يعني لا ينبغي أن يقول أحدكم ساحر والآخر يقول كاهن والثالث يقول مجنون والرابع يقول كذاب وهكذا يكذبكم الناس جميعاً أجمعوا قولاً واحداً فيصدقكم الناس على ما تقولون) فقالوا له بل أنت قل ونسمع قال لا قولوا أنتم وأنا أسمع قالوا نقول كاهن قال لا والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه قالوا نقول مجنون قال ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه ما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته قالوا فنقول شاعر قال ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر قالوا فنقول ساحر قال ما هو بساحر لقد رأينا السحّار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم قالوا فما نقول فقال لهم والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناة وما أنتم بقائلين شيئاً إلا عرف (بضم العين) أنه باطل وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر، سبحان الله هو يقول لهم ما هو بساحر وهم يعرفون انه ليس بساحر ولكنه الكبر (بكسر الكاف) والعياذ بالله قال قولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرق بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وعشيرته فتفرقوا عنه بذلك ولكن هل بقي الأمر هكذا؟ لا لقد دافع الله تبارك وتعالى عن نبيه فقال عن الوليد بن المغيرة ومن معه ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالاً ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا … إلى قوله فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر". واتبعت قريش أساليب عدة في محاربة دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمن هذه الأساليب التي استخدموها مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :

أولاً: السخرية والاحتقار: رمي (بضم الراء) النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته بتهم وشتائم وتألفت جماعات للاستهزاء بالإسلام ورجاله فرسولهم ينادى بالجنون قال تعالى" وقالوا يا أيها الذي نـزل عليه الذكر إنك لمجنون" ووصم بالسحر والكذب قال تعالى " وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب " وكذلك صاروا ينظرون إليه نظراً يريدون بهذا النظر أن يزلقوه بأبصارهم أي يوقعوه في مهلكة من حسدهم قال الله تعالى "وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون" وسخروا أيضاً من أصحابه قال الله تعالى " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضآلون وما أرسلوا عليهم حافظين". وقالوا عن القرآن الكريم أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا وقالوا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون وأرادوا لجهلهم أن يعارضوا القرآن الكريم بأساطير الأولين وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا حدّث الناس ودعاهم إلى الله تبارك وتعالى وقرأ عليهم القرآن ثمّ قام جاء النضر بن الحارث فجلس مجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمّ يقول والله ما محمد بأحسن حديثاً منّي ثمّ يحدثهم عن ملوك فارس ثمّ يقول بماذا محمد أحسن حديثاً منّي وحاولوا المساومة كما قال الله تبارك وتعالى " فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون".

ثانياً: الإيذاء: وهو نوعان:

النوع الأول: الإيذاء النفسي: فأول هذا الإيذاء ما وقع من أبي لهب قبّحه الله وذلك أنه قد زوّج ولديه عتبة وعتيبة من بنتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رقية وأم كلثوم قبل البعثة فلما بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودعا إلى الله تبارك وتعالى وجهر بالدعوة أمر أبو لهب ولديه أن يطلقا بنتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فطلقاهما. وكانت امرأة أبي لهب أم جميل (أروى بنت حرب) لا تقل عن زوجها في عداوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد كانت تحمل الشوك وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى بابه ليلاً وكانت امرأة سليطة اللسان ولما سمعت ما نـزل فيها وفي زوجها من القرآن (أي قول الله تعالى (تبت يدا أبي لهب وتب …إلى آخر السورة) أتت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر وفي يدها حجارة فوقفت عليهما فأخذ الله بصرها فلم تر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم تر إلا أبا بكر فقالت يا أبا بكر أين صاحبك ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جالس جنبها مع أبي بكر فقالت قد بلغني أنه يهجوني والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه (أي الحجر) أما والله إني لشاعرة ثمّ قالت:

مذمماً عصينا ،،،، ودينه قلينا
ثمّ انصرفت فقال أبو بكر يا رسول الله أما تراها رأتك فقال ما رأتني فقد أخذ الله ببصرها عني. وازداد الأمر وذلك أن عقبة بن أبى معيط كما حدّث عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

النوع الثاني: الإيذاء الجسدي: عن عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحابه جلوس إذ قال بعضهم لبعض أيكم يأتي بسلا جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، (سلا الجزور هو بيت الولد أي المكان الذي يكون فيه الولد وهي المشيمة بالنسبة للإنسان ويقصدون بذلك سلا ناقة ميتة) فانبعث أشقى القوم وهو عقبة بن أبي معيط فجاء به فنظر (أي انتظر) حتى إذا سجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه يقول عبدالله وأنا أنظر لا أغني شيئاً لو كانت لي منعة (لأنه ليس من قريش) قال فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض (أي يتمايلون على بعضهم) ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ساجد لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة (أي بنت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فطرحته عن ظهره فرفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمّ قال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات يدعو عليهم فشق ذلك عليهم إذ دعا عليهم وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، كيف وهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صادق وأنه نبي حقاً صلوات الله وسلامه عليه كما قال الله تبارك وتعالى "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" قال اللهم عليك بأبي جهل اللهم عليك بعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعد السابع يقول عبد الله ولم أحفظه والذي نفسي بيده لقد رأيت الذي عدّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صرعى في القليب قليب بدر (أي في معركة بدر كلهم قد صرعوا)، أخرجه مسلم. وكذلك أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل يعفّر محمد وجهه بين أظهركم؟ (يعني يسجد بين أظهركم وأنتم سكوت) قالوا نعم قال واللات والعزى لإن رأيته لأطأنّ على رقبته ولأعفرنّ وجهه (أي لأجعلنّ وجهه في التراب) فأتى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلي زعم ليطأ رقبته فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقيه بيديه. (أي أدار ظهره وصار يجري ويرفع يديه ليتقي ليدفع عن نفسه) فقال له الناس ما لك يا أبا الحكم؟ ما الذي حدث؟ (أبو جهل كان يكنى بأبي الحكم لما يرونه من رجاحة عقله) قال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهؤلاء أجنحة. يقول أبو هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضوا. وروى البخاري في صحيحه عن عروة بن الزبير قال سألت عبدالله بن عمرو بن العاص أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال عبدالله بينما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه (أي بمنكبي عقبة) ودفعه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقول أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله.

هذا ما وقع للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما ما وقع لأصحابه:

عثمان بن عفان: كان عمّه يلفه في حصير من أوراق النخيل ثم يدخنه من تحته،

مصعب بن عمير: لما علمت أمه بإسلامه طردته من بيتها وأجاعته وكان من أنعم الناس عيشاً في قري،

بلال بن رباح: فكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه في بطحاء مكة (أي في أرض مكة ثمّ يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثمّ يقول لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتعبد اللات والعزى فيقول بلال أحد، أحد. هذا عذاب أمية لبلال وأمّا أمية فكان ينال عذاباً أكثر من هذا العذاب وهو بقول بلال أحد، أحد فكانت أشد على أمية من عذاب بلال رضي الله عنه وأرضاه فمر به أبو بكر يوماً وهم يصنعون ذلك به فاشتراه رضي الله عنه وأرضاه وقيل أن أبا بكر لما جاء ليشتريه قال بكم تبيعونه؟ قالوا قل أنت، قال: تبيعونه بخمسمائة، قال أمية: بعتك فاشتراه أبو بكر فقال أمية لو دفعت أقل من هذا لأعطيناكاه يعني بعناك بلال بأقل من هذا السعر فقال أبو بكر يظهر قيمة بلال عند الله تبارك وتعالى لو طلبت أكثر من هذا لدفعت،

عمار بن ياسر وأمه وأبيه: كذلك وقع العذاب عليهم، فكانوا يخرجونهم إلى البطحاء ويعذبونهم فكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمر بهم ويقول صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة فمات ياسر وماتت سمية أم عمار في العذاب وهي كما يقال أول شهيدة في الإسلام . وبلغ الاضطهاد أشدّه حتى إن خباب بن الأرت يقول أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو متوسد ببردة في ظل الكعبة (أي مستند على عباءة) وقد لقينا من المشركين أشده فقلت ألا تدعو الله فقعد وهو محمر وجهه وقال قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم وعظم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه يشق باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون، رواه الإمام البخاري في صحيحه. ومع هذه الاضطهادات كلها كان الله تبارك وتعالى مع أوليائه سبحانه وتعالى كما قال " إن الله يدافع عن الذين آمنوا".



عودة إلى الدعوة السرية:

ولما اشتدت الدعوة وزاد الإيذاء رجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الدعوة السرية صلوات الله وسلامه عليه وذلك في دار الأرقم بن أبي الأرقم. وكانت دار الأرقم على الصفا وكانت بمعزل عن أعين الطغاة ومجالسهم فاختارها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لتكون مكاناً لاجتماعه باتباعه صلوات الله وسلامه عليه وقد كانت هذه الاضطهادات في بداية السنة الرابعة من دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

الهجرة إلى الحبشة:

وكان من حرص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أصحابه أنه لما رأى كثرة الاضطهاد أمرهم بالهجرة إلى الحبشة وكان ملك الحبشة حينئذ رجلاً يقال له أصحمة وقد ذكر بالعدل فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبعض المسلمين اذهبوا إلى أصحمة فإنه ملك عادل لا يظلم (بضم الياء وتسكين الظاء) عنده أحد. وكانت الهجرة الأولى وذلك سنة خمس من النبوة فهاجر اثنا عشر رجلاً وأربع نسوة إلى الحبشة وكان رئيسهم عثمان بن عفان رضي الله تبارك وتعالى عنه ومعه بنت النبي رقية رضي الله تبارك وتعالى عنها. ووقعت حادثة غريبة في تلك السنة في رمضان وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج إلى الحرم وهناك جمع كبير من قريش في نواديهم كما هي عادتهم فقام فيهم وأخذ يتلو سورة النجم "والنجم إذا هوى …هذه السورة بما احتوته من معان وألفاظ عجيبة لم يسمعوا مثلها أبداً فلما وصل صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى هذه الآية "فاسجدوا لله واعبدوا" سجد صلوات الله وسلامه عليه فلم يتمالك أحد منهم حتى خرّ ساجداً فسجدت كل مكة وذلك أن روعة هذه الآيات أخذت بألبابهم وجعلتهم يسجدون مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولما بلغ هذا الخبر وهو سجود أهل مكة مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ظن بعض الناس أنهم آمنوا وأنهم تابعوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووصل هذا الخبر إلى أهل الحبشة ظنوا أن قريشاً كلها دخلت في الإسلام فرجعوا إلى مكة مرة ثانية في السنة نفسها في شوال فلما وصلوا إلى مكة تبين لهم أن الأمر ليس كذلك وأن ذلك السجود إنما وقع منهم اعترافاً وإقراراً من داخل نفوسهم بصحة نسبة هذا القرآن إلى الله تبارك وتعالى.

قصة الغرانيق:

جاء في بعض الروايات قصة يقال لها قصة الغرانيق وهذه القصة مجملها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قرأ سورة النجم بلغ قول الله تبارك وتعالى" أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذاً قسمة ضيزى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنـزل الله بها من سلطان " تذكر بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قرأ "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" سمعت قريش قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك يقول تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى فتكون هكذا أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى سجد أهل مكة الكفار منهم مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه مدح أصنامهم وأثنى عليها. وهذه القصة باطلة ليس لها سند صحيح وإن ذكرها بعض أهل العلم والدليل على بطلانها:

أولاً: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يمكن أبداً أن يقول مثل هذا الكلام وذلك أن هذا الكلام كفر كيف يثني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على اللات والعزى.

ثانياً: هذه الرواية تخالف رواية صحيحة في البخاري والتي ذكرناها قبل قليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما قرأ سورة النجم كاملة فسجدت قريش لهذه السورة لا لأجل ما ذكر أنهم سمعوه وهو تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى.

ثالثاً: ذكر بعض الرواة أن الشيطان ألقاها أي هذه الكلمات على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يشعر وهذا باطل إذ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يمكن أبداً أن يخلط بين قول الله وقول الشيطان،

رابعاً: سند هذه القصة ضعيف، فلا شك إن هذه الدلائل كلها تدل على بطلان هذه القصة. وعلى فرض صحتها وأنها وقعت كذلك فإنما يكون الشيطان هو الذي قال هذا لكفار مكة ولم يسمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيكون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما قرأ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فقام الشيطان وقال تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، فظن أهل مكة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الذي مدح آلهتهم وليس الأمر كذلك. وذلك أن الشيطان قلد صوت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

الهجرة الثانية إلى الحبشة:

لما رجع المهاجرون من الحبشة إلى مكة ورأوا حقيقة الأمر وجليته وهو أن كفار مكة ما دخلوا في الإسلام وأن تلك كانت إشاعة فهاجروا مرة ثانية إلى الحبشة ولم يهاجر الجميع وإنما بعضهم بقي كعثمان رضي الله عنه وبعضهم هاجر مرة ثانية وتبعهم آخرون فكانت الهجرة الثانية وكان فيها ثلاث وثمانون رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وثماني عشرة أو تسع عشرة. عند ذلك ذهب سادات قريش إلى أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا له يا أبا طالب إن لك سناً وشرفاً ومنـزلة فينا وإنّا قد استنهيناك من ابن أخيك ولم تنهه، (أي طلبنا منك أن تنهاه فلم تنهه) وإنّا والله لا نصبر على هذا يأتي ويقرأ القرآن بين أظهرنا هذا ما لا نتحمله أبداً ومن شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين وهذا تهديد قوي من قريش إلى أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما رأى أبو طالب هذا الأمر قد اشتد بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني وقالوا لي كذا وكذا وذكر له ما قالوا فأبق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فظن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن عمه سيخذله وأنه ضعف عن نصرته فقال صلوات الله وسلامه عليه يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته ثمّ استعبر صلوات الله وسلامه عليه وبكى وقام وترك أبا طالب عمه واجماً من هذا الكلام الذي قاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وهذه الرواية وإن كانت لا تصح سنداً وهي قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته لكن كما ذكر أهل العلم أن السيرة يتسامح بها ولا بأس بذكرها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثبت أنه لم يتنازل ولكن هل قال هذه الكلمة بذاتها أو قال غيرها العلم عند الله تبارك وتعالى. فلما مشى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وترك أبا طالب واجماً انتبه أبو طالب ثمّ نادى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرجع إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له أبو طالب اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت والله لا أسلمك لشيء أبدا وذكر أبياتاً طيبة يبين فيها صدقه مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنه ناصره وإنه لن يسلمه إلى كفار مكة أبداً قال:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم ،،،،،،،،،، حتى أٌوَسّد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ،،،، وابشر وقَرّ بذاك منك عيونا

ودعوتني وزعمت إنك ناصحي ،،،،، فلقد صدقت وكنت قبل أمينا

وعرضت ديناً قد عرفتُ بأنه ،،،،،،،،،،، من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذاري سبة ،،،،،،،،، لوجدتني سمحاً بذاك مبينا
قال هذه الأبيات فانصرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرحاً بما سمع من أبيات ومن كلام أثلج صدره من عمه أبي طالب فلما رأت قريش أن أبا طالب قد أبى أن يخذل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنه مجمع على فراقهم ذهبوا إلى عمارة بن الوليد بن المغيرة وقالوا له يا عمارة نعطيك أبا طالب فتكون ولداً له ونأخذ محمدا بدلك ثم نقتله وجاؤا أبا طالب وقالوا يا أبا طالب إن هذا الفتى (أي عمارة بن الوليد بن المغيرة أنهد فتى في قريش وأجمله فخذه لك عقله ونصره، (والعقل يعني ما تتحمله العاقلة في القتل وما شابه ذلك وهم الأقارب)، واتخذه ولداً فهو لك وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك وفرّق جماعة قومك وسفه أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل برجل فقال أبو طالب والله لبئس ما تسومونني أتعطونني ابنكم اغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟! هذا والله ما لا يكون أبدا. والملاحظ من موقف أبي طالب من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن كفار مكة يستغرب كيف أن أبا طالب لم يسلم ولم يتابع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولو وقفنا مع قول أبي طالب لولا الملامة أو حذاري (بضم الحاء) سبة (بضم السين) لوجدتني سمحاً بذاك مبينا هذا الذي منع أبا طالب من اتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حق ولذلك قال الله تبارك وتعالى "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" فهم يعلمون الحق ويعلمون أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حق وإنه رسول من عند الله وأن الذي يتلوه ليس شعراً ولا سحراً ولا كهانة ولكنه الكبر والعياذ بالله تعالى.

إسلام حمزة :

ثمّ جاء بعد ذلك النصر من الله تبارك وتعالى بإسلام رجلين أما الأول فهو حمزة عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخوه من الرضاعة (أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب) وسبب إسلامه أن أبا جهل عدو الله مرّ برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو عند الصفا فآذاه وسبه ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ساكت لا يكلمه ثمّ قام أبو جهل فحمل حجراً فضرب به رأس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فشجه حتى نـزف منه الدم ثمّ انصرف عنه إلى نادي قريش يعني مكان جلوسهم فجلس معهم وكانت مولاة (أي أمة) لعبد الله بن جدعان رأت ذلك فلما أقبل حمزة من القنص (أي صيد الطيور) متوشحاً قوسه جاءته هذه الأمة فأخبرته بما رأت وماذا فعل أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فغضب حمزة رضي الله عنه وأرضاه وكان رجلاً شديداً وكان في عنفوان شبابه وكان من أشجع قريش في ذلك الوقت رضي الله عنه وأرضاه ومحمد ابن أخيه فخرج يسعى ثمّ جاء لأبي جهل فلما دخل قام على رأسه وقال له تشتم ابن أخي وأنا على دينه ثمّ قام وسبه ثمّ ضربه بالقوس وشجّ وجهه شجة منكرة فثار رجال من بني مخزوم (يعني من قوم أبي جهل) وثار رجال من بني هاشم لحمزة حتى كادت أن تكون معركة بين الحيين فقال أبو جهل دعوا أبو عمارة فإني سببت ابن أخيه سباً قبيحا. قال حمزة رضي الله عنه: فلما خرجت فكرت في الأمر فقلت كيف قلت أنا على دينه وأنا لم أسلم بعد فما هو إلا أن شرح الله تبارك وتعالى صدري للإسلام وذلك أنه ذهب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا ابن أخي إني قلت كذا وكذا فماذا أصنع فدعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يشرح الله تبارك وتعالى صدره للإسلام فشرح الله جل وعلا صدره للإسلام وأسلم وكان إسلامه نصراً للمؤمنين.

إسلام عمر:

وأما إسلام عمر وهو النصر الثاني فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد ثبت عنه أنه قال اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام . وقصة إسلامه فيها أكثر من رواية ولكن أقرب الروايات إلى الصحة هي أن عمر رضي الله عنه قال: خرجت يوماً إلى البيت (البيت الحرام) فدخلت في ستر الكعبة والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائم يصلي وقد استفتح سورة الحاقة فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ وأنا استمع وأعجب من تأليفه (أي من تأليف هذا القرآن) فقلت في نفسي هذا والله شاعر كما قالت قريش فكانت قراءة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد وصلت إلى هذا الموضع "إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون" فقلت في نفسي كاهن فقرأ "ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون تنـزيل من رب العالمين" فوقع الإسلام في قلبي. ولما أسلم عمر جاء إلى رجل يقال له جميل بن معمر وهذا الرجل نقالة للحديث لا يستطيع أن يسكت أبداً فقال له أريد أن أخبرك شيئاً قال وما هو؟ فقال له: أسلمت فقام هذا الرجل (جميل بن معمر) فنادى بأعلى صوته إن ابن الخطاب قد صبأ إن ابن الخطاب قد صبأ ويسير فيها إن ابن الخطاب قد صبأ وعمر بن الخطاب يجري خلفه ويقول كذب ولكني أسلمت فقاموا إلى عمر رضي الله عنه فصاروا يقاتلونه (أي يضربونه وهو يضربهم ويضربونه هكذا حتى ارتفعت الشمس وذكرت بعض الروايات أنهم ضربوه حتى سقط مغشياً عليه من شدة ضربهم. عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر وقال كذلك مازلنا أعزة منذ أسلم عمر.







التوقيع :
يعلن (المنهج) توقفه عن الكتابة لأجل غير مسمى نظراً لعدم التفرغ

ومقالاتي كلها ملك لمن ينقلها، على أن يشير لهذه الشبكة المباركة .. سائلاً الله أن ينفع بها ..

مُحبكم
أبو عمر الدوسري
من مواضيعي في المنتدى
»» كنوز السيرة للشيخ عثمان الخميس - 5
»» الخطيب ناصر الأحمد يتحدث عن: مقتـــــل الحُسين رضي الله عنه
»» الهيمنة هل تنهي خارطة القرن الواحد والعشرين- بقلم صباح الموسوي
»» موقف الرازي الأشعري من القبوريين
»» هل تريد أن تتعرف على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ... إذا أردت فتفضل!!
 
قديم 04-04-03, 03:02 PM   رقم المشاركة : 2
المنهج
عضو مميز





المنهج غير متصل

المنهج is on a distinguished road


عتبة بن ربيعة يحاول مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

كان عتبة بن ربيعة في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المسجد وحده فقال عتبة يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد وأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنّا؟ وذلك بعد إسلام حمزة وعمر ورأت قريش أن أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يزيدون فقالوا له بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه فقام إليه عتبة فجلس إليه فقال يا ابن أخي إنك منّا حيث قد علمت (يعني المنـزلة والمكانة) وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفّرت من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أموراً فانظر فيها لعلك تقبل منها بعضها فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يا أبا الوليد قل أسمع قال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً وإن كنت تريد شرفاً سودناك علينا (أي جعلناك سيداً) فينا حتى لا نقطع أمراً دونك وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً (بكسر الراء) تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك (أي مرضاً) طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل (يعني الجني فيكون فيك صرع وجنون) حتى يداوى منه فصار يتكلم أبو الوليد والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ساكت لا يتكلم فلما فرغ قال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع أنت مني، قال: أفعل، فقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حم تنـزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنّة مما تدعوننا إليه" فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ وعتبة يسمع فلما وصل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى موضع السجدة في سورة فصلت سجد صلوات الله وسلامه عليه ثمّ رفع رأسه فقال قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك. هذا الذي عندي ما تكلم صلوات الله وسلامه عليه من كلام البشر أبداً وإنما قرأ عليه كلام رب البشر سبحانه وتعالى وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما بلغ "فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود" فقام عتبة ووضع يده على فم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال أنشدك الله والرحم يعني لا تفعل لا تدع الله علينا أن يأتينا بصاعقة. فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض وهم يرونه قادماً نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها فيّ وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم (أي تقتله العرب فليس لكم ذنب) وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رأي فاصنعوا ما بدا لكم .

المقاطعة:

بعد أن خرج عتبة بن ربيعة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال ما قال رأت قريش أنه لا بد من حل لهذه المشكلة التي وقعت لهم فرأوا أن تكون المقاطعة التامة لبني هاشم وذلك انهم اجتمعوا فتحالفوا على بني هاشم وعلى بني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يدخلوا بيوتهم ولا يكلموهم حتى يسلموا (بضم الياء وسكون السين) إليهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحاً أبدا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقتلوه وتمّ هذا الميثاق وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة فانحاز بنو هاشم مؤمنهم وكافرهم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقي أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبعض بني المطلب أمّا باقي أهل مكة فكلهم بقوا على تلك المعاهدة الظالمة الجائرة فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الشعب (بكسر الشين) يقال له شعب أبي طالب فخرج إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجميع من أسلم معه وجميع بني هاشم عدا أبى لهب وجميع بني المطلب عدا ثلاثة أو أربعة فقط واستمرت هذه المقاطعة ثلاثة أعوام اشتد الحصار على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن معه حتى بلغهم الجهد (بفتح الجيم) والتجئوا إلى أكل الأوراق والجلود والغريب في هذه المقاطعة أن كفار بني هاشم وكفار بني المطلب خرجوا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا يبين لنا أن الحمية العربية كانت قوية ومؤثرة ولو قال قائل خرج بنو هاشم مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنهم من أبناء عمومته فما بال بنو المطلب ولم لم يخرج بنو عبد شمس وبنو نوفل لأن عبد شمس ونوفلاً وهاشماً والمطلب كل هؤلاء أخوة فلماذا خرج بنو المطلب وبنو هاشم دون بني نوفل وبني عبد شمس ؟ إن الأمر الذي يبين هذا هو أن بني المطلب وبني هاشم علاقتهما مع بعضهما أقوى من علاقة بني هاشم مع بني عبد شمس أو بني نوفل وكذلك من علاقة بني المطلب مع عبد شمس أو نوفل وهذا من قديم ولذلك جاءت رواية عن عثمان بن عفان رضي الله عنه و جبير بن مطعم (بضم الميم) قال جبير بن مطعم لما كان يوم خيبر وضع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد شمس فأتيت أنا وعثمان بن عفان لأن جبير بن مطعم من بني نوفل وعثمان بن عفان من بني عبد شمس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلنا يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم بالموضع الذي وضعك الله به منهم فما بال إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنّا (أي بنو هاشم وبنو المطلب) لم نفترق في جاهلية ولا إسلام إنما نحن وهم شيء واحد و شبك بين أصابعه صلوات الله وسلامه عليه، وهذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه. ولذلك كانت العرب في السابق في الجاهلية قبل الإسلام بل وقبل مولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا يقولون عن هاشم والمطلب البدران ويقولون عن عبد شمس ونوفل الأبهران فعلاقة بني المطلب مع بني هاشم أقوى من علاقة غيرهم بهم. وكان أبو طالب خلال هذه السنوات الثلاث يخاف على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الاغتيال فكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن ينام تركه أبو طالب فترة ثمّ أيقظه وغير مكانه لينام غيره مكانه.

قصة نقض الصحيفة:

وبعد ثلاث سنوات نقضت (بضم النون) هذه الصحيفة وجميلة جداً قصة نقض الصحيفة والذي أشعل فتيل نقضها رجل يقال له هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي وكان هذا الرجل يصل بني هاشم في الشعب (يوصل إليهم بعض الأطعمة) فذهب إلى زهير بن أبي أمية وزهير هذا أمه عاتكة بنت عبد المطلب يعني أن بني هاشم أخواله وعاتكة عمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له: يا زهير أرضيت أن تأكل الطعام وتشرب الشراب وأخوالك بحيث تعلم؟ فقال: ويحك فما اصنع وأنا رجل واحد قال أما والله لو كان معي رجل آخر. قال: قد وجدت لك رجلاً آخر، قال: فمن؟ قال: أنا قال له زهير أبغنا رجلاً ثالثاً (أي حتى يتقويا) فذهب هشام بن عمرو إلى المطعم بن عدي والمطعم هذا من بني المطلب فجاءه وذكره أرحام بني هاشم وبني المطلب ولامه على موافقته لقريش على هذا الظلم فقال المطعم: ويحك ماذا أصنع إنما أنا رجل واحد؟ قال: قد وجدت ثانياً، قال: من هو؟ قال: أنا، قال: أبغنا ثالثاً، قال: فعلت، قال: من؟ قال: زهير بن أبي أمية قال: أبغنا رابعاً، فذهب هشام بن عمرو إلى أبي البختري بن هشام فقال له نحواً مما قاله للمطعم فقال: فهل من أحد يعين على هذا؟ قال: نعم، قال: من هو؟ قال: زهير بن أبي أمية والمطعم بن عدي وأنا معك قال أبغنا خامساً، وهذا يبين لنا أن الكثيرين ما كانوا يرضون بهذا ولكنها سلطة الكبار اتخذ القرار أبو جهل وعتبة وأبو سفيان وأبو لهب والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وغيرهم اتخذوا هذا القرار وكان على الجميع السمع والطاعة، فذهب هشام بن عمرو إلى زمعة بن الأسود بن المطلب وهذا زمعة يقال أنه والد سودة بنت زمعة أم المؤمنين ويقال إنه أخوها والظاهر أنه أبوها لأنها هي سودة بنت زمعة بن الأسود وهو زمعة بن الأسود فكلمه وذكر له قرابتهم وحقهم فقال له زمعة: وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد؟ قال: نعم، قال: من؟ قال: زهير بن أبي أمية والمطعم بن عدي و أبو البختري بن هشام وأنا، فقال زمعة بن الأسود: وأنا معكم فاجتمعوا وتعاقدوا على القيام بنقض الصحيفة ولكن كيف؟ وكبار قريش هم الذين كتبوها وهم الذين اتفقوا عليها، كيف يستطيع هؤلاء الخمسة أن ينقضوا تلك الصحيفة؟ قال زهير: أنا أبدأكم فأكون أول من يتكلم فوافقوا على ذلك فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم (أي إلى أماكن اجتماعاتهم) حول الكعبة وغدا زهير فطاف بالبيت سبعاً ثمّ أقبل على الناس وقال: يا أهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباعون ولا يبتاعون منهم والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة فقام أبو جهل وقال: كذبت والله لا تشق. هنا قام زمعة بن الأسود فقال لأبي جهل: أنت والله أكذب ما رضينا كتابتها حين كتبت فقام أبو البختري فقال: صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر به فقام المطعم بن عدي فقال: صدقتما وكذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها فقام هشام بن عمرو فقال: صدقتم وكذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله منها، عندما تكلم هؤلاء الخمسة بهذه الصورة أمام الناس جميعاً وكما قلت كثير من الناس لا يرضون بهذا ولكن الكبار هم الذين قرروا وسطروا واجتمعوا على تلك الصحيفة فقام أبو جهل فقال هذا أمر قضي بليل تشوور (بضم التاء والشين) فيه بغير هذا المكان يعني أن أبا جهل فهم القضية وعرف أن هؤلاء الخمسة ما قاموا حمية بمجرد أن قام زهير وإنما قضية متفق عليها وكان أبو طالب موجوداً في ذلك الوقت فقام وقال: إن الله قد أخبر رسوله على أمر الصحيفة وقد أخبرني ابن أخي أن الله أرسل عليها الأرضة (وهي الدود التي تأكل الورق وغيره) فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم إلا ما فيه حق (يعني كل شيء باطل في هذه الصحيفة أكل (بضم الألف)) وما بقي في هذه الصحيفة إلا الحق فإن كان ابن أخي صادقاً فتنهوا هذه المقاطعة وإن كان كاذباً خلينا بينكم وبينه (أي افعلوا ما شيء تم به قالوا أنصفت فقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة فوجدها قد أكلت (بضم الألف) ما بقي فيها إلا قولهم باسمك اللهم وما كان فيه اسم الله تبارك وتعالى فإنها لم تأكله وما كان غير ذلك قد أكل كله فرجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورجع من معه إلى مكة مرة ثانية. ورجع مرة أخرى إلى الدعوة إلى الله تبارك وتعالى فقام أهل مكة إلى أبي طالب مرة ثانية وقالوا له ليكف عنا ابن أخيك لسانه الصحيفة ونقضناها ورجعتم كما كنتم ليترك الدعوة إذاً فجاء أبو طالب وجاء معه بعض نفر من قريش فكلموا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالوا له: ماذا تريد منا؟ قال: أريد كلمة تعطونها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم، قالوا: كلمة، قال: كلمة فقام أبو جهل وقال: وأبيك أعطيك مائة كلمة (إذا كانت القضية مجرد كلمة أعطيك مائة كلمة) فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قولوا لا إله إلا الله فقال أبو جهل: أما هذه فلا. هذه الكلمة لا نعطيكها أبداً، أتريد أن تجعل الآلهة إلهاً واحداً يا محمد؟ فأنـزل الله تبارك وتعالى " بسم الله الرحمن الرحيم، ص، والقرآن ذي الذكر، بل الذين كفروا في عزة وشقاق، كم أهلكنا من قبلهم من قرن ونادوا ولات حين مناص، وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب، أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لشيء عجاب، وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق". نرى أن كفار مكة امتنعوا عن قول لا إله إلا الله فلم لم يقولوا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا إله إلا الله ثمّ بعد ذلك يبقون على دينهم الذي هم عليه؟ لماذا؟ لأن أبا جهل وعتبة و عقبة بن أبي معيط والوليد بن مغيرة وأبا لهب وغيرهم كثير كل هؤلاء يعلمون علم اليقين معنى لا إله إلا الله وملايين المسلمين الآن في زماننا هذا لا يعرفون معنى هذا الكلمة أبو جهل يعلم أنه إذا قال لا إله إلا الله إنه سيلتزم بهذه الكلمة وأنه سيترك جميع الأصنام وإنه لن يدعو إلا الله ولن يذبح إلا لله ولن ينذر إلا لله ولن يخاف إلا من الله يعني الخوف الشرعي ولن يستغيث إلا بالله ولن يصلي إلا لله ولن يطوف إلا لله ويطيع رسول الله يعلم ما يترتب على هذه الكلمة ولكن الكثير من المسلمين الآن يقولون لا إله إلا الله ولكنهم يذبحون لغير الله وينذرون لغير الله ويخافون من غير الله ويستغيثون بغير الله ويسألون غير الله تبارك وتعالى وهذا كله بسبب الجهل .

وفاة أبو طالب:

بعد هذا الكلام سكتت قريش عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فترة من الزمن ثمّ كانت وفاة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك سنة عشر من النبوة (أي بعد خروجهم من الشعب بستة أشهر). عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه عن أبيه المسيب رضي الله عنه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعنده أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية (أخو أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية) فقال نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمه أبي طالب أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبد المطلب فعاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليه وهم يعيدان والنبي يعيد وهم يعيدان فلم يزالا به حتى قال آخر كلمة هو على ملة عبد المطلب ثمّ مات بعد ذلك فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لاستغفرن لك ما لم أنه (بسكون النون والهاء) عنك فنـزل قول الله تبارك وتعالى " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم" ونـزل كذلك قول الله تبارك وتعالى "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" سبحانه وتعالى.

وفي هذه القصة من الفوائد الشيء الكثير منها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان حريصاً على إسلام أبي طالب، ووالله لو قال أبو طالب تلك الكلمة لنفعته وذلك انه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في البخاري وغيره أنه دخل على غلام يهودي وهو على فراش الموت فقال له قل لا إله إلا الله فالتفت الغلام إلى أبيه فقال له أبوه أطع أبا القاسم فقال الغلام أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثمّ مات فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقول الحمد لله الذي نجاه من النار فوالله لو قالها أبو طالب لنجاه الله من النار ووالله لتمنينا جميعاً أن يكون أبو طالب قالها والله ما حزنا أبداً ولن نحزن أبداً لو آمن أبو طالب بل نتمنى ذلك، ونتمنى أن يؤمن جميع الناس ولكننا مع النصوص وهو أن أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يسلم ولم يتابع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. مع أنه ناصره و دافع عنه وحماه وخرج معه إلى الشعب بل ورباه في صغره ومع هذا كله يموت على الشرك. قال ابن كثير رحمه الله تعالى كان أبو طالب يصد الناس عن أذية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه بكل ما يقدر عليه من فعال ومقال ونفس ومال ولكن مع هذا لم يقدر الله تبارك وتعالى له الإيمان لما له تعالى من الحكمة العظيمة والحجة القاطعة البالغة الدامغة التي يجب الإيمان بها والتسليم لها ولولا ما نهانا الله عنه من الاستغفار للمشركين لاستغفرنا لأبي طلب وترحمنا عليه.

والغريب في هذه القضية أن عبدالله بن أبي أمية الذي شارك أبا جهل في منع أبي طالب من الاستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسلم عام الفتح وذكروا أنه استشهد في حنين وقد ثبت أن العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما أغنيت عن عمك (أي أبا طالب) فإنه كان يحوطك ويغضب لك فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل في النار نسأل الله تبارك وتعالى الهداية والعافية.

وفاة خديجة رضي الله عنها:

بعد أن حزن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على موت عمه أبي طالب جاءته الصدمة الثانية بخبر موت خديجة أم المؤمنين رضي الله تبارك وتعالى عنها وأرضاها فتوفيت بعد عمه أبي طالب بأشهر وقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال أتى جبريل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتت (يعني قبل موتها) معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.

الدعوة إلى الطائف:

بعد وفاة أبي طالب وفاة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها وأرضاها خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مكة إلى الطائف يدعو إلى الله تبارك وتعالى وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جلس تلك السنوات العشر في مكة يدعو إلى الله تبارك وتعالى ثمّ رأى صلوات الله وسلامه عليه أن يخرج من مكة ويبدأ بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى خارج نطاق مكة فأول ما فكر صلوات الله وسلامه عليه بالطائف فخرج مشياً على قدميه إلى الطائف معه زيد بن حارثة مولاه وخادمه وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد تبناه في أول الأمر فكان يسمى بزيد بن محمد حتى نـزل قول الله تبارك وتعالى "ادعوهم لآبائهم" فصار ينادى بعد ذلك بزيد بن حارثة.

لما وصل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الطائف عمد إلى ثلاثة أخوة من رؤساء ثقيف وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبنا عمرو بن عمير الثقفي ودعاهم إلى الله وإلى نصرة دينه فقال أحدهم عن نفسه إنه يمزق ثياب الكعبة إن كان الله أرسل محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال الآخر لنبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما وجد الله أحداً غيرك، وقال الثالث والله لا أكلمك أبداً إن كنت رسولاً لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك، هكذا عامل هؤلاء الثلاثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتلك القسوة وذلك الاستهزاء وهو قد خرج من بلده ودخل إلى بلد هو غريب فيها يدعو إلى الله تبارك وتعالى ولكنه ووجه بهذه الكلمات التي ملؤها الاستهزاء والسخرية . وليت الأمر بقي على ذلك ولكن الأمر زاد وذلك أنهم جاؤوا فقالوا له أخرج من بلادنا ثمّ أغروا به سفهاءهم فلما أراد الخروج تبعه السفهاء والعبيد والصبيان يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس أي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوقفوا صفين وجعلوا يرمونه بالحجارة وبكلمات من السفه. ورموه حتى أصابوا عراقيبه (أي قدميه) صلوات الله وسلامه عليه حتى اختضب النعال بالدم وكان زيد رضي الله عنه يقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه فصار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمشي وهؤلاء يضربونه صلوات الله وسلامه عليه حتى التجأ إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة في الطائف، فدخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحائط فجاء إلى حبلة من عنب (يعني شجرة صغيرة) فجلس تحت ظلها إلى جدار فلما جلس واطمأن دعا بدعاء ملؤه اللجوء والرغبة بما عند الله تبارك وتعالى والذي من خلاله يظهر للمؤمن كيف أنه يجب عليه دائماً أن يصدق مع الله وأن يلتجأ إلى الله وأن يرجع إليه في كل أمره فقال صلوات الله وسلامه عليه:&

http://www.almanhaj.net/almanhaj/see...ticle.php?ID=4







التوقيع :
يعلن (المنهج) توقفه عن الكتابة لأجل غير مسمى نظراً لعدم التفرغ

ومقالاتي كلها ملك لمن ينقلها، على أن يشير لهذه الشبكة المباركة .. سائلاً الله أن ينفع بها ..

مُحبكم
أبو عمر الدوسري
من مواضيعي في المنتدى
»» مهدينا المنتظر عجل الله ولادته.. بقلم: محمد يوسف المليفي
»» &%[ سبعون كتاب في تبيان حقيقة دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب ]%&
»» خصوصية رجب
»» علامة الشام محمد بهجة البيطار من بيت غلاة الصوفية إلى إتباع السلفية
»» حوار مع الشيعي العراقي المهتدي إلى الحق علي عويد فزاع ثبته الله
 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:23 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "