الكونفيدرالية.. إسقاط على الواقع الخليجي
علي صلاح
بعد الازمة التي شهدتها البحرين مؤخرا إثر المخطط الشيعي للاستيلاء على السلطة بدعم من إيران, تعالت الاصوات بشدة مطالبة بكونفيدرالية خليجية لحماية دول الخليج من الخطر الإيراني الداهم, لم يتوجس أحد ممن طرح هذا الحل من مخاوف الحفاظ على استقلالية كل دولة لأن طبيعة الكونفيدرالية خلافا للفيدرالية تكفل الاتحاد دون تنازل عن استقلالية كل دولة في تسيير شؤونها الداخلية ولكنها تركز على التعاون والاتحاد في قضايا مصيرية مشتركة وتعتني بطبيعة علاقتها بالخارج وبالدول الاخرى.
ولو استعدنا التاريخ القريب والواقع المرئي سنجد أن الامر يبدو غاية في الإلحاح؛ فعندما تهجم صدام على الكويت ووجه صواريخه إلى السعودية لم تجد دول الخليج مناصا من اللجوء إلى الغرب وهو ما أدى إلى تداعيات سلبية على المنطقة بأثرها فيما بعد والآن تسعى إيران لتنفيذ مخططها بالاستيلاء على الخليج لتحقيق حلمها بإعادة الإمبراطورية الفارسية للوجود وهو أمر بدأ تنفيذه بعد سقوط العراق في أيدي الاحتلال بتعاون إيراني واضح ثم تبعه تغلغل الحرس الثوري في العراق حتى أصبحت المليشيات الشيعية هي التي تدير الحكومة والبلاد..
أما الواقع المرئي فاتضح بعد تدخل درع الجزيرة في البحرين بناءا على طلب المنامة التي أدركت فداحة المؤامرة التي تجري على ارضها إثر اندلاع احتجاجات للمعارضة الشيعية شملت إضراب للأاطباء والموظفين والطلاب الشيعة واعتداء على رجال الأمن ومحاولات للسيطرة على الاماكن الاسترتيجية في البلاد وسط دعم واسع من آلة الإعلام الطائفية في المنطقة التابعة لإيران وحزب الله مع موقف دولي مخيب للآمال رغم كل ما يقال عن الخلافات الغربية ـ الإيرانية بشأن البرنامج النووي وهو ما يشير إلى صحة ما يسرب عن صفقات سرية بين الجانبين خصوصا بشأن ترتيب الاوضاع في العراق بعد رحيل معظم جنود الاحتلال..رد الفعل الإيراني على كشف المؤامرة ـ التي أكدت البحرين على شمولها لبقية دول الخليج في مرحلة لاحقة ـ أكد أن طهران كانت تضع آمالا كبيرة على نجاح المخطط وأنها لم تتوقع سرعة تصرف دول الخليج فلقد انطلقت التصريحات الهجومية على دول الخليج وخصوصا السعودية التي هددتها بإثارة الفتن والقلاقل بداخلها في إشارة لتحريك الشيعة للقيام بمظاهرات, وأطلقت مزاعم عن اضطهاد للشيعة ومطالب بحمايتهم وادعاءات عن احتلال سعودي للبحرين, وأبدت وجهها الحقيقي لأول مرة بعد أن كانت تستخدم تقيتها المعهودة طوال الوقت معلنة صراحة عن "قوتها" و"أنه لا توجد دولة في المنطقة تستطيع أن تقف في وجهها"! كما أرسلت سفينة إلى البحرين لـ "إنقاذ الشيعة"! قبل أن تتراجع إثر تحذيرات بحرينية وكويتية شديدة اللهجة باستهداف السفينة, ليس هذا فقط بل إن ضبط أكثر من شبكة تجسس تعمل لصالح إيران في الكويت واختراقها لاهداف حساسة في هذه الدولة الخليجية وتورط عناصر في أجهزة الامن في القضية زاد من القلق وشدد على أهمية البحث عن آلية موحدة لمواجهة المخاطر الحالية والقادمة والتي أصبحت تشكل تهديدا للوجود الخليجي السني..
لا توجد عوائق حقيقية يمكن أن تشكل هاجسا لدى المواطن الخليجي في سبيل تحقيق الكونفيدرالية فالأمر لن يعدو أن يكون تطويرا لاتفاقيات الدفاع المشترك وللآليات التي وضعها مجلس التعاون الخليجي في هذا الشأن والتي اتضح عدم كفايتها أومواكبتها للظروف الجديدة التي تمر بها المنطقة, كما أن تناغم دول الخليج الست اقتصاديا ودينيا وثقافيا واجتماعيا سيساهم بشكل كبير في نجاح الكونفيدرالية, كذلك يمكن إلحاق ملفات أخرى بالكونفيدرالية أبعد من الملفات السياسية والأمنية على أهميتها, وستؤدي إلى دعمها بشدة مثل الملف الاقتصادي والذي سيحل الكثير من المشاكل التي أصبحت تعترض بعض دول الخليج وسيجعلها قادرة على تنفيذ خطط لإعادة التسليح وإقامة قوة ردع قوية كما سيؤدي إلى إبطال الحجج التي تساق من أجل إثارة التوترات الداخلية والتي يمكن استغلالها من قبل العناصر الطائفية والتي تريد تحويل بعض المشاكل كالبطالة مثلا إلى قنابل موقوتة..
التجربة مرشحة للنجاح بامتياز خصوصا مع توجه دول العالم أجمع إلى التحالفات بكل أشكالها, ونجاح تجارب أخرى لدول لا تتمتع بنفس المميزات التي تتمتع بها دول الخليج معا كتجربة الاتحاد الأوروبي والتي تخوف البعض في بدايتها من فشلها خصوصا من الناحية الاقتصادية نظرا لتباين المستوى بين دول الاتحاد ولكن مع مرور السنين تبين مدى نجاحها وفعاليتها وتمكنها من تخطي كثير من العواقب رغم الاختلافات العرقية والدينية والثقافية..الواقع يؤكد على مجموعة من الحقائق ينبغي عدم تجاهلها عند بحث تجربة الكونفيدرالية الخليجية من أهمها أن بعض دول الخليج صغيرة عددا ومساحة ولا تستطيع توفير الحماية لنفسها بشكل فعال دون اللجوء للخارج وهوما ثبت فشله وخطورته لذا فالاختيار الامثل لها هو اتحاد بينها لتحقيق هذه الحماية, كذلك تتمتع هذه الدول بثروات طبيعية جعلتها مركزا للأطماع الإقليمية والدولية كما جعلتها هدفا للصفقات في عالم يموج بالمصالح التي قد تتقاطع أحيانا مع مصالح دول الخليج وقد تختلف في بعض الاحيان معها..
في نفس الوقت الاحداث التي شهدها العالم في الفترة الاخيرة من حروب وصراعات رفعت من أسهم التفكير في إعادة تشكيل المناطق والدول وفقا لمصالح القوى الكبرى التي بدأت تفقد نفوذها في بعض الاماكن نتيجة للثورات وروح المقاومة التي تفجرت داخل الشعوب المضطهدة نتيجة توالي عهود الظلم والاستبداد...
يتبع