بسم الله و كفى و الصلاة و السلام على النبي الذي اصطفى و آله و صحبه و من بعهده وفى
هذه خواطر كتبتها و ربما تكون أخيرة أو تكون للعقول مثيرة
تعلمنا من الصغر أنه ليس كل ما يعلم يذكر
و تعلمنا أيضا أن ننظر للمقال و ليس لمن قال
و تعلمنا أن الصدق و الحق وحده ما ينفع أما الكذب فغير كونه ظرفيا كيف به أحد انتفع
و أن الشيطان صدق يوما و هو كذوب بينما مسلم و سمي في القرآن فاسقا نقل كذبا و ليس أصله كذوب
فاسمعوا مني نصيحة و هي لنفسي قبلكم فإني من ذنوبي أخشى فضيحة
ليس كل من ينصح الآخرين لا بد تقي كامل لم يذنب فكلنا بالذنوب نتصف و لو كان للذنوب رائحة ما كان لنا بالصحبة طاقة و لا مقدرة
و لو طلبنا من كل ناصح كمالا ما نصح أحد و لا به أحد انتصح
و إن من اتباع الهوى أن تجعل نفسك خيرا من محدثك و أنت لا تعرفه فربما في العمر أكبر منك سنا فيكون أكثر منك طاعة أو اقل سنا فيكون أقل منك معصية
إن من أسباب الفساد الواضح أن نكون ناقلين للكذب صدقنا النية أو لم نصدق ليس يهم فإن ناقل الكذب لابد كاذب إذ لم ينظر هل صح الخبر أم أنه لمجرد موافقته هواه فرح به و استبشر و ليته نظر و تدبر و قدر هل للخبر على الناس اثر فتريث و محصه لكي لا يقع منه على المسلمين شر لكنه لشدة فرحه لم ينظر و لم يفكر و لم يتدبر بل سعى في نشره و تأكيده و كأنه من المسلمات التي ليست عند أحد ابدا منكر ففرح به من كذبها أول مرة و هلل و استبشر لأن في المسلمين لا يزال بعضهم يصدق كل ما ينشر و يساعد الأعداء في نشره دون تفكر أو تدبر و لا نظرة لمن يستفيد منه و لا من تضرر بل شنآن قوم جعله به يفرح فنسي أمر الله بالعدل و أنها من التقوى و أكملها الله أنه بما نعمل خبير
إن شرب الخمر لا يجعل من صاحبه زانيا فهل من العدل أن نجعل زانيا من شرب الخمر؟؟؟ أم لأنه ذنب أصبح صاحبه فاعلا لكل ذنب؟؟؟ فهل يعقل أن يكون حكم كهذا و يكون عدلا؟؟؟ أو يكون صاحبه قد فعل الأقرب للتقوى أم باعد بينها و بينه و كان مذنبا و بمقياسه لو كان فعل الذنب يسوغ لنا اتهامه بكل الذنوب فإن من قال لشارب الخمر زاني فهو نفسه زاني أو شارب خمر؟؟؟ فهل تراه يقبل على نفسه ذلك أم يتوقف عن الظلم و الأذى. و لو كان خطأ المخطئ أو ذنبه مسوغا لاتهامه بكل ذنب إن كان في ذنبه الأول دليل و ليس له في الذنوب الأخرى أي دليل فلست ادري هل يجد هذا المتعدي لاتهامه أي تعليل إلا أن يكون في قلبه حقد و غل بدون وجه حق بل ربما لأنه لم يأت ذلك الذنب أو أنه منه تاب يوما فاصبح له مبغضا
و ليتنا نتعلم من ديننا ما ينفعنا و نسأل الله الستر و العافية بدل النظرة المتعالية لأحدهم لا يرى لذنوبه وجودا بينما هي في الآخرين متفشية و ينسى هل يستوي مذنب مقر بذنبه و مذنب ذنبه في قلبه ينكت نكتا سوداء و هو عنه غافل بل ربما لو تذكرها استصغرها و كيف تصح أبدان قلوبها مريضة.
و ليتنا نتذكر ما نسمعه من العلماء و في الروايات مذكور لعن بعض الصحابة لذلك العاصي شارب الخمر فنهاهم رسولنا صلى الله عليه و سلم عن ذلك و قال لهم لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم و شهد له بحب الله و الرسول فهذا برغم ذنبه فإن قلبه كان بالإيمان متصفا و لو كان لأمثالنا من تمكين لأصبح شارب الخمر ذلك مرمى لرجمنا و تصويبنا نحوه و كأن ذنوبنا ستنتهي حالما نظهر بغضنا للذنوب بل لصاحب الذنب و كأن الدين يأمرنا ببغض العاصي و ليس المعصية و نعطي لهوى أنفسنا حق التشريع بقتل شارب الخمر بل و التبرؤ منه كما يمكننا إخراجه من الملة و ربما يكون شماعة نعلق عليها تقصيرنا و هواننا و ذلنا بينما لو كنا حقا نرى سبب الهوان لعرفنا أنه بذنوبنا نحن لا بذنوب غيرنا
و ليتنا عند الذنوب المعلومة نقف فنظهر حقدنا لها و لأصحابها نسرع و نتسابق في ذمها و ذم صاحبها بل أصبح الأمر يتعدى ذلك كله فاصبحنا بشبهة أو مجرد مخالفة لما نراه نحن حقا نتسارع بقذف صاحبه بأبشع الصفات بل و بالنفاق نصفه و بالخروج عن الملة فنتبرأ منه و كأني قد اصبح البراء من أصحاب الذنوب (إن كانت فعلا ذنوبا) هو البراء المامور به و ليس كما فعل المؤمنون حقا العالمون بدينهم بأن يتبرؤوا من الذنب لكن أصبحنا نتبرأ من صاحب الذنب قبل الذنب فقد لا يأتي ذكر التبرؤ من الذنب على ألسنتنا و كان الموازين انقلبت و اصبح كل واحد منا يفهم الدين على مراده هو و ليس مراد الله و لا مراد رسوله صلى الله عليه و سلم و لا بما فهمه الأولون الأخيار و ليت شعري كيف اصبح يمشي مبصرا من هو في ظلمة و يكون خيرا ممن أحاطت بهم الأنوار
انقلبت الموازين نعم
إننا اصبحنا بمعرفة حرف و كلمة و ترتيب جملة نسقط الأحكام و ليتك تجد لنا في شيخ ما معروف بعلمه تقليدا أو اتباعا بل كل يغني على ليلاه و بمعرفة المجمل (إجمال مجمل عام لا يعرف لا مناطه و لا حاله و لا تطبيقاته) تراه يطبق و يستنبط و يحقق الأحكام و يسقطها على كل واحد و لو بنفس الطريقة طبقها على نفسه لوجدها على نفسه أعدل و اقرب للحق
و لست ادري كيف نكون مدافعين عن الحق و السنة و نحن بأبجديات العلم و المعرفة و الأخلاق جاهلون ؟؟؟ أم كيف نرد إسقاط غيرنا الأحكام على الصحابة و قد فعلنا بأكثر من ذلك في الإخوان؟؟؟
قد أطلت فلن أزيد و ليس ردودكم لما اسلفت أريد بل هي خواطر خطرت فكتبتها بغير ترتيب و لا تبويب و لا تعيين لإشكال واحد بل عدة أرى إتيانها في الشرع فاسد
قد تتساءلون و ما المغزى من هذا الكلام و من المقصود به أو من الملام فالحقيقة أن للأمر داع لكنه بجنب ما أردته ليس لذكره داعي و ليس لذكره نفع
بل هي نصيحة لي و لكم لعلنا بأخلاق النبوة و الصحبة نتصف و عن التعدي و الظلم ننأى بأنفسنا عن رمي غيرنا بما هو فينا قبله أو للتهرب من النصيحة نذكر الناصح بأنه مذنب و كأنه ليس في الكون من ذلك الناصح مذنب فلست آتيكم بما لا تعلمون إذا قلت أنني من المذنبين و ربما ليس فيكم مثلي منها مكثرين لكنني أعلم شيئا واحدا أنني أصدقكم القول هنا فانظروا لما قلت و لا تنظروا إلي فإن ذلك يلهيكم و ينسيكم النظر في المفيد
و الله من وراء القصد و هو أعلم بالبواطن و الظواهر