هاهي أيام العام الهجري قد أزفت للرحيل ، ونحن نودع عاما ونستقبل عاما جديدا ينبغي علينا أن نتوقف وقفة تأمل ومحاسبة للنفس ، فالأيام تمضي والأعمار تنقضي ، وفيها دروس وعبر
وكم من أناس نحبهم من أقرباء وأصدقاء وجيران استقبلوا معنا بداية العام الماضي ولكنهم ودعوا الحياة قبل أن ينتهي بهم العام ، وصاروا تحت أطباق الثرى لا أنيس لهم ولا جليس إلا عملهم الصالح ، وانقطعت آمالهم التي طال انتظارهم لها
ولا يدري أحدنا أيطـُـول به العمر فيستقبل عاما بعد عام أم نلحق بمن سبقنا فتتصرم منا الآمال وتنقطع الأعمال وينقضي الأجل المحتوم؟.
--
ولقد وردت آيات كثيرة في كتاب الله سبحانه في الحث على محاسبة النفس والتوقف وقفات تأمل ، للنظر في أحوالها ومآلها والنظر فيما قدمت من أعمال ، والعزم على الإستقامة والعزم الجديد في مستقبل الأيام.
وفي ذلك يقول الله سبحانه
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم
الـكـيـِـس (العاقل) من دان نفسه (أي حاسبها في الدنيا قبل أن يـُـحاسـَـب يوم القيامة) وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتـْـبـَـع نفسه هواها وتمنى على الله
وعن سيدنا عمر بن الخطاب
رضي الله عنه – أنه قال
حاسبوا أنفسكم قبل أن تـُـحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تـُـحـَـاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر
وقال ميمون رحمه الله
لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه
يقول # البصري يرحمه الله
لا تلقى العبد المؤمن إلا يعاتب نفسه ، ماذا أردتِ بكلمتي؟ ماذا أردتِ بأكلتي؟ ماذا أردتِ بشربتي؟ والعاجز يمضي قـُـدما لا يعاتب نفسه
فما أحوجنا أن نقف وقفات لمحاسبة أنفسنا لحساب الربح والخسارة فيما عملنا من أعمال ، مع النظر في النية والقصد ، وليكون ذلك استعدادا لإستقبال عامنا القادم بعزم جديد على الإستقامة ، وبهذا تشمل المحاسبة الماضي والحاضر والمستقبل.
وهكذا ينبغي التأكيد على محاسبة النفس والتدقيق عليها ليسلم المسلم من أخطارها وشرورها ، ويقوي الواعظ الإيماني فيها ، ويوقظها من غفلتها ، ويـُـذكرها بموقف الحساب العسير لمن أتبع نفسه هواها وتهاون في طاعة ربه سبحانه ، ذلك اليوم الذي تنكشف فيه خفايا النفوس ، وتـُـنشر صـُـحف الأعمال ، وتنطق الجوارح والأعضاء.
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
ومن أكرمه الله سبحانه بالنجاة والفوز يوم الدين ، وآمنه من المخاوف ، ومن عليه بالمغفرة والرضوان فهو في سعادة عـُـظـْـمى.
هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيه إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ
اللهم اجعلنا منهم ، وارزقنا عمرا مديدا مباركا في طاعتك ، وألهمنا رشدنا وأعـِـذنا من شرور أنفسنا ، يا أرحم الراحمين.
هــَــب الـدنـيـا تـُـساق إليك عـفـوا
ألــيــس مـصـير ذاك إلى انـتـقــال
ومــا دنــيـــــاك إلا مــثــل غـَـيـْــم
أظـَـلــــك ثـــــم آذن بــــــالـــزوال