تطالعنا الاحداث والتقارير عن الأقليات الدينية في إيران وأنها متعددة, وأن أحوال تلك الأقليات القومية لا يمكن وصفها بالصفات التي تصور مدى بشاعة ما تتعرض له, وقد ذكرنا كيف أن الله أبى إلا أن تخرج أخبار تلك الأقليات إلى النور، وذلك مع تزايد العمليات التي تشنها مجموعات المقاومة المسلحة لأبناء تلك الأقليات من ناحية، وتحول أعمال القمع التي تمارسها السلطات الإيرانية إلى حملة
إعدامات مكشوفة من ناحية أخرى.
وقد تحدثناكل التقارير الاعلاميه باستفاضة في موضوع يحمل نفس العنوان عن أقلية البلوش وعلمنا كيف أن هذا الشعب السني الأعزل قد عاني أصناف البؤس والظلم والإهمال والازدراء والعنصرية بل والإبادة العرقية من قتل وتهجير وإبادة ثقافية عن طريق محو الهوية على أيدي نظام الحكم الشيعي المستبد في إيران.ونحن اليوم نخص بالتقصي والتحري أحد قبائل البلوش وهم بلوش مكران وبلوش أفغانستان.
البلوش أمة يجمعها رابط الدين والتاريخ المشترك واللغة مع اختلاف اللهجات وهي أمة تتألف من عدة شعوب وأقوام من عرب وعجم - فالبلوش حلف من عدة قبائل تختلف في أنسابها, أما كلمة البلوشي فهو اسم يطلق في دول الخليج العربي على شعب بلوشستان " مكران الشرقية والغربية"
وعلى رغم ذلك التنوع العرقي للشعب البلوشي فإن القومية البلوشية تمتد في مكران الشرقية والغربية عبر الأراضي الإيرانية والباكستانية إلى الأفغانية يجمعهم الأرض والتقاليد والدين الإسلامي والتاريخ واللغة - مع اختلاف اللهجات والدم وأصول النسب.إن التاريخ البلوشي جزء لا يتجزأ عن التاريخ العربي الإسلامي المجيد وجميعهم على المذهب السني.
القبائل البلوشية العربية هي قبائل عربية أصيلة لها في التاريخ العربي والإسلامي والإنساني جذور تمتد إلى آلاف السنين,هذه القبيلة التي حاول بعض الكتاب والنقاد ولأغراض زائلة طمس هويتها والمساس بأصالتها والتشكيك في عروبتها بكتابات موضوعة وبإيعاز من دولة الفرس التي لم تستطيع قمع ثورتهم المجيدة رغم المحاولات المريرة عبر السنين فحاربتهم محاربة شنعاء وقاومتهم مقاومة غير شريفة ولجأت إلى شتى وسائل الخداع والسجن والتعذيب وأساليب القمع والتصفية والاغتيال دون ذنب أو جريرة إلا لأنهم مسلمين سنة, وقد عانت هذه القبائل الكثير وتصدى لها الكثير من المرتزقة حملة أقلام الزيف والتزوير وباسم التاريخ أساءوا إلى البلوش أصحاب الحضارة.
لقد كان لهذه القبائل الكيان العربي والقبلي الخاص بهم وكذلك قوميتهم ولغاتهم ثم الهجرة المكرانية البلوشية الخاصة بهم المشهودة لهم في التواريخ والكتب اليونانية والفارسية القديمة أنهم ليسوا من الفرس كما يظن بعض الكتاب بل كان الفرس أعدائهم بسبب نسبهم العربي , وقد فتحت لهم أبواب الصين وبلغوا خراسان ومكران وسمرقند وبخارى والتبت بقرون عديدة قبل بزوغ فجر الإسلام والدعوة الإسلامية.
أما القبائل البلوشية الغير عربية فهي من قبائل هاجرت قبل وبعد الإسلام إلى مكران وكرمان شعوب الترك والكرد - مملكة سلاجقة كرمان - ومن شعوب الأفغان , والهند والسند , ومنهم أيضا من الفرس ومن شعوب أفريقيا العبيد الذين جلبهم البلوش إلى مكران أو الخليج العربي أبان مشاركة بعض أفراد القبائل البلوشية في الحملات العربية العسكرية للسيطرة على مدن سواحل إفريقيا.
إن بلوش مكران الذين بقوا في سواحل بلوشستان العربية بعد الهجرة الأولى التي بدأت من تاريخ خراب ودمار سد مأرب من اليمن هم القبائل الأزدية الأصيلة وهم الذين تزاوجوا وامتزجوا بالقبائل العربية السامية واتحدوا في المبادئ والقيم والأخلاق والآداب والرسوم لقد كان الفرس يعادونهم بسبب انتسابهم للعربية ومجاورتهم الحدود الجنوبية الشرقية الفارسية وكذلك بسبب تحضرهم وتقاليدهم ومبادئهم السامية المشهودة لهم في اليمن وجنوب الجزيرة العربية وقد اختلقوا بخلاقها الكريمة.
نبذة تاريخية:
بلاد مكران وهي منطقة جغرافية واسعة يقطنها الشعب البلوشي وهي تبدأ من مضيق هرمز غربآ إلى شواطئ نهر السند شرقآ وتحدها خراسان شمالآ وفارس غربآ والسند البنجاب وبلاد البشتون شرقآ.كما أنها تطلّ على بحر العرب، كانت تابعة لسلطنة عمان ثم احتلت إيران جزءها الغربي والذي يحمل الاسم ذاته مـُكران، الإقليم الجنوبي في محافظة سیستان وبلوشستان. أما الجزء الشرقي فاحتلّته باكستان وسمّته بلوشستان وبات أحد الأقاليم الأربعة المكوّنة لباكستان,و الجزء الغربي فيقع تحت الاحتلال الإيراني الفارسي وبلوشستان الشمالية تحت الاحتلال الأفغاني البشتوني.
هذا وتمتد مكران بطول ١١٠٠ كلم على ساحل خليج عمان "٧٠٠ كلم في باكستان والباقي في إيران". الشريط الساحلي الضيّق يرتفع سريعًا إلى سلاسل عدة من الجبال الشاهقة. المنطقة قاحلة شديدة الجفاف، شحيحة المطر. لذا فعدد سكانها قليل، وربما هاجر الكثير منها. وأرض مكران هي مهد البلوش الأول بعد كرمان.
وكان يطلق على جميع بلاد البلوش باسمها الأصلي مَكُران وهي تعد المهد الأول لهم ولحضارتهم العريقة غير أنه بسبب اتساع الرقعة البلوشية وتوسع حدودها الاثنوغرافية فقد أطلق عليها بلوجستان وتنطق"" Baluchistan نسبة إلى سكانها البلوش وقد شاعت هذه التسمية بعد أن كانت محصورة بين البلوش في القرن الرابع عشر الميلادي، وحصرت حدود مكران إلى الإقليم الذي يطل على الساحل البلوشي مع امتداده حتى وسط بلوجستان .
ويقال إن أصل الكلمة يعود إلى مكران بن فارك بن سام بن نوح ، حيث استوطن مكران سلسلة الجبال الفاصلة بين بلاد الفرس وبلاد الهند، وتعاقب أحفاده من بعده في هذه المنطقة الجبلية التي سمّيت باسمه، أي جبال مكران.
في هذه المنطقة آثار لحضارة غير معروفة من العصر البرونزي ١٥٠٠٠ ق.م. سكنت العديد من الواحات, ضمّها قورش العظيم للإمبراطورية الأخمينية الفارسية. سمّاها الفرس "ماهي خوران"أي «أكلة السمك» بالفارسية،ثم تحوّرت ماهي خوران إلى مـَكـُران.ومن أقدم الإشارات إلى المنطقة تلك التي وردت في يوميّات نيارخوس، أحد قادة جيش الإسكندر، عندما مرّ فيها أسطوله في رحلة عودته من الهند إلى اليونان عبر بحر العرب.
ومن بعض مناطق مكران:" دشت، بنجكور، تربت، تمب، كولواه وجاسك " وهي من المناطق الحدودية التي يقطنها أهل السنة، منها مقاطعة "جاسك" التي تقع في جنوبي الشرقي من محافظة "هرمزكان" على بعد 350 كيلومتر من مدينة "بندر عباس". يبلغ عدد سكانها 80 ألف نسمة ولها ثلاثة أقسام إدارية و420 قرية وأكثر سكانها من أهل السنة ويوجد قليلا من الشيعة الذين نزلوا إليها بناء على السياسات الحكومة الإيرانية التي تسعى إلى تشييع المناطق السنية. تعاني أهالي هذه المنطقة من الجدب وقلة مياه الشرب، فمنذ مدة طويلة يتم إرسال المياه إلى 60 قرية من هذه المقاطعة على ناقلتين فقط، بينما أوجدت هذه الأزمة مشاكل كثيرة لأهالي هذه القرى المظلومين المضطهدين.
في نفس الوقت الذي يعيش الناس في الضفة الأخرى من الخليج على بعد 100 كيلو متر منهم تحت السماء الزرقاء وممكن يتحدثون بلغتهم أو يكون بينهم صلة القرابة أو النسب، يعيشون حياةً مليئة بالرفاهية والراحة والأمن مع وجود جميع إمكانيات الحياة، أما هؤلاء المساكين المظلومين يعيشون في هذه الضفة تحت مطارق الحكومة الصفوية الظالمة الغاصبة وقد ضاقت بهم الأرض بما رحبت واضطروا إلى ترك ديارهم ولم ينجوا حتى الآن من أنياب الذئاب الظالمة لأنهم من أهل السنة ومن البلوش.
والأمر الذي يدعو للدهشة أن هؤلاء البائسين يعيشون في المنطقة التي تعد من أهم المناطق الإيرانية، إنهم يعيشون في مسير أهم الطرق التجارية الإستراتيجية ولكنهم حرموا من خيراتها، هؤلاء البسطاء لا يدرون عما يجري حولهم، بعيدين عن غوغاء اللصوص الغاصبين ويذوقون مرارة الحياة القاسية ولا يقدرون على أن يحصلوا على أبسط وسيلة يحتاجها الإنسان في حياته.
لقد اقتسم المغتصبون أراضي البلوش لتكون وجبة دسمة للأطماع الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية بل ولأهم عامل ألا وهي العقائدية، لأن الشعب البلوشي تزامن نكستهم مع نكسة كل العرب بالتشتت والتقسيم وعدم الوحدة وهم أهل الرسالة الإسلامية الخالدة، ولكن هذا الأمر لم يمنع الشعب البلوشي المجاهد من مواصلة بطولاته فكثرت الثورات البلوشية والثورات الانفصالية للتحرر من الإستعمار بكافة أشكاله سواء كانوا الرافضة في إيران أم أتباع الغرب في باكستان وأيضا لاسترداد البقاع التي وهبها الاستعمار وتغط في مكبّة بلاد البشتون في أفغانستان بعد معاهدة دورا ند لاين التي كانت في سنة 1894م، والتي أقامتها بريطانيا لإيهاب البشتون أراضي البلوش هبة للأفغان خاصة بعد سقوط الملك مهراب بن محمود.
وهكذا أصبح هناك بلوشستان الشمالية التي تقع بين أفغانستان وإيران التي اختلط عملها في السابق بين مقاومتها نظام ضياء الحق قبل مصرعه وبين حرصها على ألا تقع في قبضة السوفيت عندما كانوا في أفغانستان. لذلك لعبت دور المساعد للثوار الأفغانيين بحكم عوامل الدين المشترك والضيافة القبلية التقليدية، من دون أن تُحرج علاقاتها كليًا مع موسكو في ذلك الوقت.
ومن المعلوم أن عدد البلوش لا يتجاوز 2% من سكان أفغانستان أي ما يساوي قرابة نصف مليون نسمة، حيث يقطنون المناطق الجنوبية الغربية لأفغانستان بالقرب من بلوشستان إيران، وهم من أهل السنة لكن لغتهم تنتمي إلى عائلة اللغات الآرية.
ويرى البعض أن هناك تجاهل لبلوش أفغانستان وذلك لعدة أسباب منها:
• قلة هجرة البلوش الأفغان إلى الدول الخليجية.
• بعض البلوش الأفغان يحملون جنسيات أخرى كالباكستانية أو الإيرانية.
• عدم اختلاطهم مع البيئات الأخرى غير البلوشية.
• الترابط الشبه معدوم بين البلوش في أفغانستان .
وقد كان للبلوش دور في الدفاع عن أرضها في أفغانستان ولكن وبعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان تجمعت القبائل البلوشية وقررت معظمها البقاء والقسم الآخر آثر الهجرة إلى أرض البلوش وبالتحديد في إيران وباكستان والعدد الأكبر هاجر إلى إيران رغم المعاناة التي يصبها عليهم الحكم الصفوي.
إن أوضاع البلوش تحت الاحتلال بالغة الصعوبة، وسوء الأوضاع لا يمكّن البلوش من طرد المحتلين, ولا يعني ذلك أن يقبل أهلنا في الوطن المحتل– بلوجستان- بسبب شدة معاناتهم بأي شيء، بل أن شدة المعاناة وسوء الوضع دوافع لاستعادة حقوقهم .
وهكذا تستمر قصة الشتات البلوشي حول العالم -حيث يقال بأنك لن تجد أرضآ إلا ونفس بلوشية تسكنها-ومعها قصة كفاح أمة من المسلمين السنة لا تتوقف ولم تنته بعد.
إخوتي أخواتي وضعت قلمي الآن لأنهي موضوع اليوم راجي من الله أن تشرق قريبًا شمس ذلك اليوم الذي ينعم فيه أهلنا شعب البلوش بحريتهم واستقلالهم إن شاء الله.
23-12-10, 06:05 PM
العرض العادي
