أستطيع أن أثبت وسوف أتيك بالأدله
إقراء هذا النص وناقشني فيه يعني لا تتهرب
وأما قدوم ابن عباس -ثانياً- عند البلاذري فتؤيده الرسالتان المنسوبتان إلى علي وابن عباس في شأن أهل النهروان، وفي كلتا الرسالتين التصريح بأن ابن عباس حاورهم في النهروان: (السير) ورقة 101ظ - ورقة 105ظ (مخطوط). وأما الخمسمائة الذين خرجوا من النهروان فلا يبعد أن يكونوا فروة بن نوفل وأصحابه فإنه انسحب في خمسمائة رجل: البلاذري (الأنساب) جـ5 ص169 / الطبري (التاريخ) جـ3 ص121، واتفاق العدد مرجح لأن يكونا جماعة واحدة، وإذن فذلك يرفع من نسبة الاحتمال السابق.
بينهم وبين عبدالله بن عباس ملخصاً لتلك الحجج. لكننا نجد أن الحوار في قضية التحكيم وأسبابه ونتائجه لا يتوقف بنهاية معركة النهروان بل نجد لكلا الفريقين - المعارض والمؤيد - أنصاراً يناظرون مخالفيهم معلنة النتائج عند كل فريق عن انتصاره على الفريق الآخر. ولا مناص من التعريج على حروراء لاستجلاء حقيقة ما دار هنالك.
مناظرة عبدالله بن عباس لأهل حروراء:
سبق ذكر اختلاف الروايات في نتيجة المناظرة بين أهل حروراء وابن عباس، حيث يفهم من بعضها إلزام ابن عباس إياهم الحجة، في حين يذكر فيه بعضها الآخر عكس ذلك. غير أن هنالك قاسماً مشتركاً بين هذه الروايات جميعاً يتلخص في النقاط التي استند إليها أهل حروراء وأجاب عنها ابن عباس. على أننا لا نغفل عن أن من الروايات ما ينسب الردود إلى الإمام علي نفسه(1). والثابت أن له - كرم الله وجهه - حجة أخرى عليهم يأتي ذكرها، كما أن لأهل حروراء ومعارضي التحكيم عامة دفاعاً عن موقفهم.
__________
(1) البغدادي، عبدالقاهر (الفرق) ص78.
وتتفق الروايات(1) على ذكر أمرين احتج بهما أهل حروراء:
1- أن علياً حكّم الرجال في أمر الله، وهو الأمر بقتال الفئة الباغية، أي معاوية وأصحابه.
2- أنه محا اسم الإمارة عن نفسه عند كتابة وثيقة التحكيم.
3- وتضيف بعض هذه الروايات إليهما أمراً ثالثاً، وهو أن الإمام علياً لم يغنم ولم يسبِ.
4- وتنفرد رواية بالقول إن من جملة مآخذ معارضي التحكيم على الإمام علي تخليه عن المطالبة بحقه الذي أوصاه به الرسول - صلى الله عليه وسلم - - حسب زعم الرواية - وهو تسلم الخلافة من بعده(2).
__________
(1) أحمد بن حنبل (المسند) جـ1 ص87/ النسائي (السنن الكبرى) ك الخصائص باب 62 رقم 8575، (الخصائص) ص62/ الطبراني (المعجم الكبير) جـ1 ص58 رقم 10558/ الحاكم (المستدرك) جـ2 ص152/ البيهقي (السنن الكبرى) جـ8 ص311 رقم 16740/ أبو نعيم (الحلية) جـ1 ص320/ ابن سعد (الطبقات) جـ3 ص32/ البلاذري (الأنساب) جـ3 ص122، 127-129/ المبرد (الكامل) جـ3 ص 976، 1133/ اليعقوبي (التاريخ) جـ2 ص191/ الطبري (التاريخ) جـ3 ص110، 114/ ابن غيلان (السير) ورقة 161ظ (مخطوط)/ أبو قحطان (السير) جـ1 ص107/ ابن الجوزي (المنتظم) جـ5 ص125، (تلبيس إبليس) ص114/ ابن الأثير (الكامل) جـ3 ص327/ القلهاتي (الكشف) جـ2 ص250/ ابن كثير (البداية والنهاية) جـ7 ص279/ البرّادي (الجواهر) ص119-122/ الشماخي (السير) جـ1 ص49/ المقدسي (البدء والتاريخ) جـ5 ص 223، 224/ الدينوري (الأخبار الطوال) ص150.
(2) اليعقوبي (التاريخ) جـ2 ص191.
ولا يخفى أن الصبغة الشيعية بادية على الأمر الرابع؛ إذ لا يفيد أي مصدر البتة تبنّي أهل حروراء فكرة وصاية الرسول - صلى الله عليه وسلم - للإمام علي بالخلافة بعده، فكيف تكون مبدءاً من مبادئهم، بل كان من أول ما أعلنوه أن "الأمر شورى" وهي فكرة لا تتفق مع فكرة الوصاية. كما أن الخلاف بين الإمام علي وأهل حروراء نبع من قبوله التحكيم. بالإضافة إلى أنه كان على سدة الخلافة يومئذ، فلا أساس - إذن - لنسبة هذا الاحتجاج إلى أهل حروراء، مما يغني عن ذكر نقضه من قبل ابن عباس.
أما الأمر الثالث فيبدو أنه لا علاقة له بمنكري التحكيم أيضاً، فإن هذا الاحتجاج إنما طرحه أصحاب علي بعد معركة الجمل، حين توقعوا أن يكون السبي والغنيمة نتيجة للنصر(1)، وجواب ابن عباس في هذه الروايات بقوله: "أتسْبُون أمكم عائشة أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها" يؤكد ذلك، إذ لا يد للسيدة عائشة في معركة صفين. يضاف إلى ذلك أن أهل حروراء اتخذوا موقفهم بناءً على عدم مواصلة القتال، ولم تنته معركة صفين بتغلب الإمام علي وأصحابه حتى يتسنى توقع الغنيمة والسبي، على أن سؤال أصحاب علي عن الغنيمة والسبي إثر معركة الجمل يمنع من تكرره فيما بعد لا سيما أن الذين قاتلوا مع علي في الجمل هم الذين قاتلوا معه في صفين، والذين اعتزلوا إلى حروراء كانوا من ذلك الجيش. فضلاً عن خلو الروايات الأخرى من ذكر هذا الاحتجاج.
أما الأمران الأولان فقد أجاب عنهما ابن عباس بما يلي:
- أن الله تعالى أجاز تحكيم رجلين في الشقاق بين الزوجين في قوله سبحانه: { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها } ( (2)، وفي صيد الحرم: { يحكم به ذوا عدل منكم } (3).
__________
(1) ابن أبي شيبة (المصنف) جـ15 ص 257، 263، 286/ البيهقي (السنن الكبرى) جـ8 ص316.
(2) سورة النساء، آية 35.
(3) سورة المائدة، آية 95.
- أن محو اسم الإمارة عن الإمام علي لا يخلعه منها اقتداء بما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية حين رفض المشركون كتابة اسم الرسالة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في وثيقة الصلح، فمحاه - صلى الله عليه وسلم -(1)
__________
(1) مسلم (الصحيح) ك الجهاد والسير باب (34) رقم 1783، 1784. وروى النسائي في "الكبرى" عن علقمة بن قيس قال: قلت لعلي: تجعل بينك وبين ابن آكلة الأكباد حكماً ؟ قال: إني كنت كاتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية فكتب:"هذا ما صالح عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو "، فقال سهيل: لو علمنا أنه رسول الله ما قاتلناه، امحها، فقلت: هو والله رسول الله وإن رغم أنفك، لا والله لا أمحوها، فقال رسول الله: "أرني مكانها"، فأريته فمحاها، وقال: "أما إن لك مثلها، ستأتيها وأنت مضطر".
وهذا الحديث بهذه الزيادة منكر لا يصح، فمن جهة السند فيه عمرو بن هاشم أبو مالك الجَنْبِي الكوفي، وهو ضعيف، قال عنه ابن حجر في (التقريب) ص 427 رقم 5126: "لين الحديث، أفرط فيه ابن حبان، من التاسعة"، وفيه محمد بن إسحاق بن يسار، وهو"صدوق يدلس، ورمي بالتشيع والقدر"، انظر: (التقريب) ص 467 رقم 5725، وقد عنعن هاهنا. ومن جهة المتن فهو مخالف للأحاديث الأخرى التي روت قصة الحديبية بدون زيادة "أما إن لك مثلها، ستأتيها وأنت مضطر"، ولكل الروايات الواردة في المناظرة والمناقشات في أمر الحكمين، إذ لا توجد رواية اشتملت على مثل هذه الزيادة، إلا واحدة عند المبرد في (الكامل). على أن البلاذري روى في (الأنساب) جـ 3 ص110 عن علقمة بن قيس نفسه قال: قلت لعلي: أتقاضي معاوية على أن يحكم حكمان؟ فقال: ما أصنع؟ أنا مضطهد، وليس فيها تلك الزيادة. فالظاهر أن قول الإمام علي: "أنا مضطهد"-إن صح - استحال حديثاً نبوياً يتذرع به إلى صحة ما صار إليه الإمام علي من قبول التحكيم حتى يكون من دلائل النبوة، فإن في جملة "أما إن لك مثلها" إشارة واضحة إلى سلامة الموقف في قبول التحكيم.
.
وإلى هنا تتوقف بعض الروايات لتخلص من ذلك إلى أن قسماً من أهل حروراء رجعوا إلى الكوفة تائبين.
بيد أن القسم الآخر من الروايات يبين أن أهل حروراء نقضوا على ابن عباس ردوده تلك بما يلي:
- أن ما جعل الله حكمه إلى العباد فلهم ذلك، وأما ما حكم الله فيه فليس لهم أن ينظروا فيه، فقد حكم في الزاني مائة جلدة وفي السارق بقطع يده فليس للعباد أن ينظروا في ذلك، وقد أمضى الله حكمه في معاوية وأصحابه أن يقاتلوا حتى يرجعوا وقد دُعوا إلى حكم الكتاب قبل الحرب فأبوه. كما أن الحَكَمَ من شرطه أن يكون عدلاً، وليس عمرو ابن العاص - بناء على سفكه دماء أصحاب علي - عدلاً، كما أن أبا موسى كان يثبط
الناس عن علي (1).
- أما ما يتعلق بمحو اسم الإمارة فقد أكد أهل حروراء كلام الأحنف بن قيس لعلي في صفين: "خشيت ألا يرجع إليك أبداً إنه ليس لكم ما لرسوله - صلى الله عليه وسلم -"(2) بأن أمر الموادعة في الحديبية كان فترة مرحلية نقل عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بعد، فما جرى في الصلح كان لهذا السبب "وقد قطع الله عز وجل الاستفاضة والموادعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت براءة"(3).
__________
(1) ابن غيلان (السير)ورقة 159ظ-161ظ (مخطوط)/ أبو المؤثر (السير) جـ2 ص305، 306/ البلاذري (الأنساب) جـ3 ص122/ الطبري (التاريخ) جـ3 ص109، 110/ أبو قحطان (السير) جـ1 ص106، 107/ القلهاتي (الكشف) جـ2 ص 244، 245/ البرّادي (الجواهر) ص 120-122/ الشماخي (السير) جـ1 ص49.
(2) الطبري (التاريخ) جـ3 ص103/ البرّادي (الجواهر) ص116/ الشماخي (السير) جـ1 ص48.
(3) أبو المؤثر (السير) جـ2 ص305، 306/ الطبري (التاريخ) جـ3 ص117/ أبو قحطان (السير) جـ2 ص106، 107/ القلهاتي (الكشف) جـ2 ص 245، 246.
ومن اللافت للنظر أن الروايات كلها لا تضيف ردوداً من جانب ابن عباس على هذه الاحتجاجات، بل إنه "لم يقدر أن يرد عليهم"(1). وإذن فلا ضير في أن تقول الروايات بأن ابن عباس كلمهم "فلم يقع منهم موقعاً"(2)، وأنه رجع إلى علي "ولم يصنع شيئاً"(3)، وأنه "لم يجبه منهم أحد"(4)، وأنهم "احتجوا عليه"(5)، وأنه لما رجع إلى علي قال له: "خصمك القوم"(6).
وسير الأحداث بعد المناظرة يؤكد أن حِجاج ابن عباس أهل حروراء لم يؤثر في موقفهم شيئاً إن لم يكن موقفهم هو المؤثر فيه، وذلك بناء على ما يلي:
أ- مجيء علي بن أبي طالب إليهم بعد ابن عباس لمناظرتهم، فلو كان ابن عباس قد استطاع أن يقنعهم ويردهم إلى الكوفة لما كان ثمة مسوغ لمجيء علي إليهم. يقول د. محمود إسماعيل: "ولم يخامر الشك عليا في عدالة موقف (الخوارج) بل كان حريصاً على استمالتهم فبعث إليهم ابن عمه عبدالله بن عباس فناظروه - على علمه وفقهه - وقارعوه الحجة بالحجة وكان رد الخوارج عليه مقنعاً حاسماً ولم يجد علي مناصاً من الخروج إليهم بنفسه"(7). ويروي الطبري أن عليا خرج إلى أهل حروراء فانتهى إليهم وهم يخاصمون ابن عباس فقال: "انته عن كلامهم، ألم أنهك رحمك الله"(8).
__________
(1) أبو قحطان (السير) جـ1 ص107.
(2) ابن أبي شيبة (المصنف) جـ15 ص312.
(3) الطبري (التاريخ) جـ3 ص114/ البرّادي (الجواهر) ص122.
(4) البلاذري (الأنساب) جـ3 ص122.
(5) اليعقوبي (التاريخ) جـ2 ص191.
(6) أبو قحطان (السير) جـ1 ص107/ الشماخي (السير) جـ1 ص49.
(7) إسماعيل (قضايا في التاريخ) ص76.
(8) الطبري (التاريخ) جـ3 ص110.
ولا منافاة بين كون الإمام علي وجد ابن عباس يناظرهم فنهاه وبين كونه رجع إليه فقال "خصمك القوم" فإن أكثر من حوار جرى بينهم وبينه كما في رواية البلاذري أن عليا أعاد ابن عباس إليهم: (الأنساب) جـ3 ص128.
ب- الخلاف الحاصل بين علي وابن عباس فيما بعد في قضية بيت مال البصرة، حيث يروى أن ابن عباس تأول أن له نصيباً في بيت المال فأخذ منه، وقد كان بينهما مراسلات لا تخلو من حدة في القول وإغلاظ في العبارة مما أدى بابن عباس إلى أن يكتب إلى علي بقوله: "ابعث إلى عملك من أحببت فإني ظاعن عنه"، ثم رحل إلى مكة(1).
والذي يثير التساؤل في هذه القضية كلام ابن عباس لعلي في إحدى رسائله: "ووالله لأن ألقى الله بما في بطن هذه الأرض من عقيانها ولجينها وبطلاع ما على ظهرها أحب إلي من أن ألقاه وقد سفكت دماء هذه الأمة لأنال بذلك الملك والإمارة"(2)، وفي أخرى: "ولو كان أخذي المال باطلاً كان أهون من أن أشرك في دم مؤمن"(3).
ومن الثابت أن ابن عباس كان مع علي في حروبه قبل النهروان، فقد كان علىالميمنة في
__________
(1) البلاذري (الأنساب) جـ2 ص396/ الطبري (التاريخ) جـ3 ص154.
(2) البلاذري (الأنساب) جـ2 ص398/ ابن عبد ربه (العقد الفريد) جـ4 ص326.
(3) القلهاتي (الكشف) جـ2 ص251.
جيش علي في مسيره إلى البصرة(1)، وكان على الميسرة في صفين(2)، ولهذا عقّب الإمام علي على ابن عباس بقوله: "أو ابن عباس لم يشركنا في هذه الدماء"(3). وعليه فمن المستبعد أن يحمل ابن عباس عليّاً مسؤولية دم أحد من المسلمين في الجمل وصفين، اللهم إلا أن يحمل ذلك على قتاله أهل النهروان. ويؤيده عدم اشتراك ابن عباس مع علي في قتاله إياهم(4)، وهذا ما يؤكده قول ابن عباس لعلي: "إن لم أكن معهم لم أكن عليهم"(5).
هذا وواضح من خلال هذه النصوص أن الخلاف بين علي وابن عباس ليس فقط في مسألة بيت مال البصرة، بل هو خلاف على قتاله أهل النهروان، فإنه نصحه بالكف عنهم(6). ونجد الشماخي ينقل عن ابن عباس قوله "أصاب أهل النهروان السبيل"(7).
__________
(1) الطبري (التاريخ) جـ3 ص24.
(2) البلاذري (الأنساب) جـ3 ص85/ الطبري (التاريخ) جـ3 ص24.
(3) البلاذري (الأنساب) جـ2 ص398.
(4) ينفرد ابن عبد البر (الاستيعاب) جـ3 ص939 بالقول بأن ابن عباس شهد مع علي النهروان، وهذا ما لا يذكره أي مصدر آخر، والذي يرده أن ابن عباس كان في البصرة عند انعطاف علي من النخيلة إلى النهروان،انظر: الطبري (التاريخ) جـ3 ص117.
(5) ابن غيلان (السير) ورقة 161ظ (مخطوط)/ أبو قحطان (السير) جـ1 ص107/ القلهاتي (الكشف) جـ2 ص250.
(6) ابن غيلان (السير) ورقة 161ظ (مخطوط)/ القلهاتي (الكشف) جـ2 ص251.
(7) الشماخي (السير) جـ1 ص89.
وبناء على كل ما تقدم يتضح أن ما ينسب إلى ابن عباس من تغلبه على أهل حروراء أمر بعيد. وهذا الذي ذهب إليه ابن أبي الحديد، لكنه زعم أن السبب في ذلك مخالفة عبدالله بن عباس وصية علي له بألا يخاصمهم بالقرآن وأن يخاصمهم بالسنة، يقول ابن أبي الحديد: "فإن قلت: فهل حاجهم بوصيته؟ قلت: لا، بل حاجهم بالقرآن، مثل قوله: { فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها } ، وقوله في صيد المحرم: { يحكم به ذوا عدل منكم } ، ولذلك لم يرجعوا والتحمت الحرب، وإنما رجع باحتجاجه نفر منهم"(1).
وهذا كلام غريب، لا سيما صدوره من معتزلي يشيد بالعقل، لأن الطريقة التي أريد أن يجري بها التحكيم وشرعية التحكيم نفسها مأخوذتان من هاتين الآيتين وأمثالهما. قد مضى كلام معاوية إثر رفع المصاحف: "لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله به في كتابه، تبعثون منكم رجلاً ترضون به ونبعث منا رجلاً...".
والمهم أن ابن عباس لم يصنع شيئاً، خاصة أننا لا نجد في أي مصدر -كما تقدم- أن ابن عباس رد على احتجاجات أهل حروراء بعدما أجابوه على ردوده، ولا سيما إذا تطرقنا إلى المطارحات في مسألة التحكيم بين مؤيديه ومعارضيه.
المطارحات حول مسألة التحكيم:
أولاً: آية قتال البغاة:
__________
(1) ابن أبي الحديد (شرح النهج) جـ18 ص72. وتمام قول ابن أبي الحديد: فإن قلت: فما هي السنة التي أمره أن= =يحاجهم بها؟ قلت:....(علي مع الحق والحق مع علي، يدور معه حيثما دار) وقوله: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله). وهذان الحديثان على فرض التسليم بصحتهما فإن الإمام علياً نفسه لم يحتج بهما على منكري التحكيم لمّا قدم عليهم في حروراء.
منقول من كتاب الخوارج والحقيقة الغائبه