وقفة إنصاف:إن كان فرار بعض الصحابة من القتال عيباًً فما تقولون في فرار عمار بن ياسر؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد فينما كنت أتابع برنامج تحت المجهر لشيخنا الفاضل عبد الرحمن دمشقية حول الطعن ببعض الصحابة بحجة فرارهم من المعركة ، استوقفتني رواية مهمة في مصادر الشيعة مفادها فرار عمار بن ياسر رضي الله عنه - أبرز الصحابة المنتجبين عند الشيعة - من القتال مع علي رضي الله عنه ضد المغتصبين للخلافة لأكثر من مرة ..
فقررت إيرادها في هذا الموضوع لنرى كيف يعتذرون لعمار في فراره من القتال ، ولماذا لم يطبقوا هذا العذر مع باقي الصحابة رضي الله عنهم ؟!
فإليكم إخواني تفصيل ذلك فيما يلي:
أولاً: نص الرواية
إن الأصل في هذه الرواية هو الكشي ونقلها شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي في تلخيصه المسمى ( اختيار معرفة الرجال ) ( 1 / 38-39 ) :[ 18 - محمد بن إسماعيل ، قال حدثني الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : جاء المهاجرون والأنصار وغيرهم بعد ذلك إلى علي عليه السلام فقالوا له : أنت والله أمير المؤمنين وأنت والله أحق الناس وأولاهم بالنبي عليه السلام هلم يدك نبايعك فوالله لنموتن قدامك ! فقال علي عليه السلام : إن كنتم صادقين فاغدوا غداً علي محلقين فحلق علي عليه السلام وحلق سلمان وحلق مقداد وحلق أبو ذر ولم يحلق غيرهم . ثم انصرفوا فجاؤوا مرة أخرى بعد ذلك ، فقالوا له أنت والله أمير المؤمنين وأنت أحق الناس وأولاهم بالنبي عليه السلام هلم يدك نبايعك فحلفوا فقال : إن كنتم صادقين فاغدوا علي محلقين فما حلق إلا هؤلاء الثلاثة قلت : فما كان فيهم عمار ؟ فقال : لا . قلت : فعمار من أهل الردة ؟ فقال : إن عمارا قد قاتل مع علي عليه السلام بعد ] .
ثانياً: تصحيح الرواية:
1- صححها الخوئي فقال عنها في كتابه ( معجم رجال الحديث ) ( 19 / 341 ) :[ وصحيحته الأخرى عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : جاء المهاجرون والأنصار وغيرهم بعد ذلك إلى علي عليه السلام ، فقالوا له : أنت والله أمير المؤمنين ، وأنت والله أحق الناس وأولاهم بالنبي ، هلم يدك نبايعك ، فوالله لنموتن قدامك ، فقال علي عليه السلام : إن كنتم صادقين فاغدوا غدا علي محلقين فحلق أمير المؤمنين ، وحلق سلمان ، وحلق مقداد ، وحلق أبو ذر ، ولم يحلق غيرهم ].
2- اعترف بصحتها شيخهم علي الكوراني فقال في كتابه ( جواهر التاريخ ) ( 4 / 328 ) :[ وهذا سند صحيح باتفاق علمائنا ، وقد نص على صحة الحديث وغيره في الباب : السيد الخوئي " قدس سره " في معجم رجال الحديث : 19 / 341 .. وبذلك تعرف خطأ اعتذار بعضهم عن الحديث أو محاولة تضعيفه مع أن سنده في أعلى درجات الصحة ، ومضمونه مستفيض ، حيث رواه الكشي : 1 / 38 : ( محمد بن إسماعيل ،
3- احتج بالرواية آيتهم العظمى جعفر السبحاني فقال في كتابه ( أضواء على عقائد الشيعة الإمامية ) ( ص 526 ) :[ ويؤيد ذلك : ما رواه وهب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : " جاء المهاجرون والأنصار وغيرهم بعد ذلك إلى علي ( عليه السلام ) فقالوا له : أنت والله أمير المؤمنين وأنت والله أحق الناس وأولاهم بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) هلم يدك نبايعك فوالله لنموتن قدامك . فقال علي ( عليه السلام ) : إن كنتم صادقين فاغدوا غدا علي محلقين . فحلق أمير المؤمنين وحلق سلمان وحلق المقداد وحلق أبو ذر ولم يحلق غيرهم ].
ثالثاً: ما يستفاد من الرواية
1- إن عماراً لم يمتثل أمر علي رضي الله عنه بالحلق وهو كناية عن فراره من القتال.
2- الذي يؤكد أن عماراً لم يمتثل للحلق ثم القتال ما ورد في الرواية بعدم كونه ممن حلقوا رؤوسهم استعداداً للقتال بقوله ( قلت : فما كان فيهم عمار ؟ فقال : لا ).
3- أن هذا الفرار من القتال لم يصدر منه مرة واحدةً فقط بل مرتين بدليل ما ورد في الرواية ( ثم انصرفوا فجاؤوا مرة أخرى بعد ذلك .. فما حلق إلا هؤلاء الثلاثة ).
4- الذي يؤكد على أن عماراً لم يمتثل أمر الحلق فراراً من القتال ما فسر به الرواية مرجعهم وآيتهم العظمى جعفر السبحاني في تعليقه على هذه الرواية في كتابه ( أضواء على عقائد الإمامية ( ص 526 ) فقال:[ وهذه الرواية قرينة واضحة على أن المراد هو نصرة الإمام ( عليه السلام ) لأخذ الحق المغتصب ، فيكون المراد من الردة هو عدم القتال معه ].
5- بعد أن سأل أبو بصير الإمام الباقر عن عمار وهل يُصَنَّف بكونه من أهل الردة حيث قال أبو بصير ( قلت : فعمار من أهل الردة ؟ ) لم يأتِ جواب الباقر بالنفي بل فرَّ من الجواب المباشر بما يفهم منه إقراره بأنه من أهل الردة ، وإلا فلا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة في تبرئة صحابي مثل عمار رضي الله عنه.
6- بما أن الإمام الباقر قد عدَّ قتال عمار مع علي رضي الله عنه - في الجمل وصفين - مكفِّراً له عن جُرْم فراره من القتال مرتين ..
فنقول إن كان قتاله لاحقاً يُعَدُّ عند المعصوم مكفِّراً لجُرْم فراره عن القتال مرتين ، فكذلك عمر - لو سلمنا بفراره - فإن خروجه لغزوة العسرة في تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم يُعَدُّ تكفيراً لجُرْم الفرار ..
فإن كان تكفير جُرْم عمار قد عُلِمَ بإخبار الباقر عندكم ، فإن تكفير جُرْم عمر قد عُلِمَ بإخبار الله تعالى بقوله ( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [سورة التوبة : 117]