التِّبْيَانُ لِمَا لَدَى الشِّيعَةِ مِنْ الْكَذِبِ وَالْبُهَتَانِ
الْمَقَالَةُ السَّادِسَةُ مِنْ (( الْمَقَالاتُ الْقِصَارْ فِي فَتَاوَى الأَحَادِيثِ وَالأَخْبَارْ )) ج2
*** *** ***
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِلإِيْمَانِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِظْهَارَاً وَإِضْمَارَا . وَسَدَّدَنَا لِلإِذْعَانِ وَالانْقِيَادِ لِحُكْمِهِمَا إِعْلانَا وَإِسْرَارَا . وَلَمِ يَجْعَلْنَا مِنْ ضُلالِ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ بِاللِّسَانِ إِقْرَارَا ، وَيُضْمِرُونَ فِي الْفُؤَادِ عِنَادَاً وَإِصْرَارَا . وَيَحْمِلُونَ مِنْ الذُّنُوبِ أَوْقَارَا . وَيَحْتَقِبُونَ مِنْ الْمَظَالِمِ أَوْزَارَا . وَيَتَقَلَّبُونَ فِى الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ أَطْوَارَاً فَأَطْوَارَا . لأنَّهُمْ لا يَرْجُونَ للهِ وَقَارَا . فَلَوْ خَاطبَهُمْ دُعَاةُ الْحَقِّ لَيْلاً وَنَهَارَا . لَمْ يزدْهُمْ دُعَاؤُهُمْ إِلا فِرَارَا . وَلَوْ أَوْضَحُوا لَهُمْ الْبَرَاهِينَ أََصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اِسْتَكْبَارَا . فَنَسَأَلُ اللهَ أَنْ لا يَجْعَلَ لِدَعْوَتِهِمْ عُلُواً َولا اسْتِظْهَارَا. فَإِنَّهُمِ لا يَلِدُونَ إِلا فَاجِرَاً أَوْ كَفَّارَا . وَنُصَلِّي عَلَى رَسُولِهِ الْمُصْطَفَى عَدَدَ الْقَطْرِ يَهْطُلُ مِدْرَارَا . وَنُسَلِّمُ عَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ عَلَى مَرِّ الأَيَّامِ تَلاحُقَاً وَتَكْرَارَا .
وَبَعْدُ ..
فَإِنَّ الرَّاغِبِينَ فِى الْوِفَاقِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةْ قَدْ أَفْشَلَتْ مَسَاعِيهِمُ الْمَشِيئَةُ النَّافِذَةُ فِى الْخَلْقِ بِاخْتِلافِهِمْ ، وَالْجِبِلَةُ الْمَرْكُوزَةُ فِى أَهْلِ الأَهْوَاءِ الْمَقْهُورِينَ بَأَهْوَائِهِمْ فَلَوْ أَنْفَقَ هَؤُلاءِ مَا فِى الأَرْضِ جَمِيعَاً مَا ألَّفُوا بَيْنَهُمْ . فَالْفَوَارِقُ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ وَاسِعَةٌ شَاسِعَةٌ ، وَإِلَى أُصُولِ الدِّينِ وَثَوَابِتِهِ وَأَرْكَانِهِ شَارِعَةٌ ، فَالاخْتِلافُ لَمْ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَتَى عَلَيْهَا ، وَلا تَنَاوَلَتْهُ مُحَاوَلاتُ التَّوْفِيقِ عَلَى مَرِّ الْقُرُونِ إِلا وَأَيْئَسَ مِنْهَا .
وَللهِ دَرُّ إِمَامِ السُّنَّةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْبُخَارِيُّ إِذْ قَالَ : مَا أُبَالِي أَصَلِّيْتُ خَلْفَ الْجَهْمِيِّ أَوْ الرَّافِضِيِّ أَمْ صَلِّيْتُ خَلْفَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ، وَلا يُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ ، وَلا يُعَادُونَ ، وَلا يُنَـاكَحُونَ ، وَلا يُشْهَدُونَ ، وَلا تُؤْكَلْ ذَبَائِحُهُمْ . وَقَالَ الإِمَامُ عّبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ : هُمَا مِلَّتَانِ الْجَهْمِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ .
قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ أبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ : (( وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الإمامُ عّبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ مَهْدِيٍّ كَلامٌ عَظِيمٌ ، فَإِنَّ هَاتَيْنِ الْفِرْقَتَيْنِ هُمَا أَعْظَمُ الْفِرَقِ فَسَادَاً فِي الدَّينِ ، وَأَصْلُهُمَا مِنْ الزَّنَادِقَةِ الْمُنَافِقِينَ ، وَلَيْسَتَا مِنْ ابْتِدَاعِ الْمُتَأَوِّلِينَ مِثْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ ، فَإِنَّ هَذِهِ الآرَاءَ ابْتَدَعَهَا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ بِجَهْلِهِمْ ، قَصَدُوا بِهَا طَاعَةَ اللهِ ، فَوَقَعُوا فِي مَعْصِيتِهِ ، وَلَمْ يقصدوا بِهَا مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلا مَحَادَّتِهِ ، بِخِلافِ الرُّفْضِ وَالتَّجَهُّمِ ، فَإِنَّ مَبْدَأَهُمَا مِنْ قَوْمٍ مُنَافِقِينَ مُكَذِّبِينَ لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مُبْغِضِينَ لَهُ ، لَكِنْ الْتَبَسَ أَمْرُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَيْسُوا بِمُنَافِقِينَ وَلا زَنَادِقَةَ ، فَدَخَلُوا فِي أَشْيَاءَ مِنْ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ الَّتِي ابْتَدَعَهَا الزَّنَادِقَةِ وَالْمُنَافِقُونَ وَلَبَّسُـوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ سَـمَّاعُونَ لِلْمُنَافِقِين ، كَمَا قَـالَ اللهُ تَعَالَى (( وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ )) ، أَيْ قَابِلُونَ مُسْتَجِيبُونَ لَهُمْ ، فَإِذَا كَانَ جِيلُ الْقُرْآنِ كَانَ بَيْنَهُمْ مُنَافِقُوَن ، وَفِيهِمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ بَعْدَهُمْ )) .
وَللهِ دَرُّ أَبِي الْعبَّاسِ الْمُعْتَزِ بِاللهِ ، فَقَدْ أَصَابَ حَقَائِقَهُمْ وَنَعْتَهُمْ :
لَقَدْ قَالَ الرَّوافِضُ فِي عَلِيٍّ ... مَقَالاً جَامِـعَاً كُفْرَاً وَمُوقَا
زَنَادِقَةٌ أَرَادَتْ كَسْبَ مَالٍ ... مِنَ الْجُهَّالِ فَاِتَّخَذَتهُ سُوقَا
وَأَشْـهَدُ أَنَّهُ مِنْهُمْ بَريٌّ ... وَكَانَ بِأَنْ يُقَتِّلَـهُمْ خَلِيـقَا
كَمَا كَذَبُوا عَلَيهِ وَهُوَ حَيٌّ ... فَأَطعَمَ نَـارَهُ مِنْهُمْ فَرِيـقَا
وَللهِ درُّ الآخَرِ ، حَيْثُ يَقُولُ :
إنَّ الرَّوَافِضَ شَرُّ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى ... مِنْ كُلِّ إِنْسٍ نَاطِـقٍ أَوْ جَـانِ
مَدَحُوا النَّبِيَّ وَخَوَّنُـوا أَصْـحَابَهُ ... وَرَمَوهُـمُ بِالظُّلْمِ وَالْعُـدُوانِ
حَبُوا قَرَابَـتَهُ وَسَـبُّوا صَـحْبَهُ ... جَـدَلانِ عِنْـدَ اللهِ مُنْتَـقِضَانِ
فَـكَأَنَّـمَا آلَ النَّبِيِّ وَصَــحْبَهُ ... رُوحٌ يَضُمُّ جَمِيـعَهَا جَسَدَانِ
فِئَـتَانِ عَقْدُهُـمَا شَرِيـعَةُ أَحْمَدٍ ... بِأَبِـي وَأُمِّي ذَانِـكَ الْفِئَـتَانِ
فِئَـتَانِ سَالِكَتَانِ فِي سُبُلِ الْهُدَى ... وَهُـمَا بِدِيـنِ اللهِ قَائِمَـتَانِ
إنَّ الأَحَادِيثَ فِى فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ ، وَقُرْبِهِ الْوَثِيقِ مِنْ النَّبيِّ مُسْتَفِيضَةٌ مُشْتَهَرَةٌ ، وَقَدْ أَوْدَعَهَا أَهْلُ السُّنَّة كُتَبَهُمْ ، وَزَيَّنُوا بِهَا مَجَالَسَهُمْ ، وَجَهَرُوا بِهَا فِى مُنَاظَرَاتِهِمْ وَخُطَبِهِمْ ، حَتَّى قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ : لَمْ يُرْوَ فِي فَضَائِلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالأَسَانِيدِ الْحِسَانِ مَا رُوِي فِي فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ .
وَلِلإِمَامِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيِّ كِتَابُ (( خَصَائِصُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ )) ، لَمْ يُنْسَجْ عَلَى مِنْوَالِهِ ، وَلا جَاءَ الْمُخَالِفُونَ بِمِثَالِهِ .
قَالَ إِمَامُ الْمُحَدِّثِينَ (( كِتَابُ الْمَغَازِي ))(4064) : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيّاً ، فَقَالَ : أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ قَالَ : (( أَلا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، إِلا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي )) .
وَقَالَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : خَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، فَقَالَ : يَا رَسُـولَ اللهِ تُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ، فَقَالَ : (( أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، غَيْرَ أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي )) .
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بهَذَا الإِسْنَادِ .
قُلْتُ : وَهَذَا الْحَدِيثُ مُسْتَفِيضٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيٌّ نَفْسَهُ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَعبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ ، وَأَبُو سَعِيدٍ ، وَأَنَسٌ ، وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَة ، وَحُبْشِيُّ بْن جُنَادَةَ ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ ، وَغَيْرُهُمْ .
وَقَدْ اعْتَبَرَتْهُ الشِّيعَةُ الإِمَامِيَّةُ نَصَّاً فِى خِلافَةِ عَلِيٍّ بَعْدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَتَّى كَفَّرَ بَعْضُهُم أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ فِي تَقْدِيْمِهِمْ الشَّيْخَيْنِ ، وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ ، وَنَاصَبُوا أُمَّةَ الإِسْلامِ بِأَسْرِهَا الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ عَلَى وَلايَتِهِ وَإِمَامَتِهِ ، بَلَهْ وَوَلايَةِ ذُرِيِّتِهِ وَإِمَامَتِهِمْ ، وَعِصْمَتِهِمْ إِلَى اثْنَا عَشَرَ إِمَامَاً ، آخِرُهُمْ الْغَائِبُ الْمُنْتَظَرُ .
قَالَ أبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ (( شَرْحُ مُسْلِمٍ )) : (( قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُون مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لا نَبِيّ بَعْدِي )) قَالَ الْقَاضِي : هَذَا الْحَدِيث مِمَّا تَعَلَّقَتْ بِهِ الرَّوَافِضُ وَالإِمَامِيَّةُ وَسَائِرُ فِرَقِ الشِّيعَةِ فِي أَنَّ الْخِلافَةَ كَانَتْ حَقّاً لِعَلِيٍّ , وَأَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِهَا . قَالَ : ثُمَّ اِخْتَلَفَ هَؤُلاءِ , فَكَفَّرَتْ الرَّوَافِضُ سَائِرَ الصَّحَابَةِ فِي تَقْدِيْمِهِمْ غَيْرَهُ , وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَكَفَّرَ عَلِيّاً ، لأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ فِي طَلَبِ حَقّهِ بِزَعْمِهِمْ . وَهَؤُلاءِ أَسْخَفُ مَذْهَبَاً وَأَفْسَدُ عَقْلاً مِنْ أَنْ يُرَدَّ قَوْلُهُمْ , أَوْ يُنَاظَرَ . وَقَالَ الْقَاضِي : وَلا شَكَّ فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ هَذَا ; لأَنَّ مَنْ كَفَّرَ الأُمَّةَ كُلّهَا وَالصَّدْر الأَوَّل ، فَقَدْ أَبْطَلَ نَقْل الشَّرِيعَة , وَهَدَمَ الإِسْلام , وَأَمَّا مَنْ عَدَا هَؤُلاءِ الْغُلاة ، فَإِنَّهُمْ لا يَسْلُكُونَ هَذَا الْمَسْلَكَ .
فَأَمَّا الإِمَامِيَّةُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَة فَيَقُولُونَ : هُمْ مُخْطِئُونَ فِي تَقْدِيْمِ غَيْرِهُ لا كُفَّارَ . وَبَعْض الْمُعْتَزِلَة لا يَقُولُ بِالتَّخْطِئَةِ لِجَوَازِ تَقْدِيْمِ الْمَفْضُولِ عِنْدَهُمْ . وَهَذَا الْحَدِيثُ لا حُجَّةَ فِيهِ لأَحَدٍ مِنْهُمْ , بَلْ فِيهِ إِثْبَاتُ فَضِيلَة لِعَلِيٍّ , وَلا تَعَرُّضَ فِيهِ لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهُ أَوْ مِثْلَه , وَلَيْسَ فِيهِ دَلالَةٌ لاسْتِخْلافِهِ بَعْدَهُ , لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِعَلِيٍّ حِينَ اِسْتَخْلَفَهُ فِي الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَة تَبُوكَ , وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ هَارُونَ الْمُشَبَّهَ بِهِ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً بَعْد مُوسَى , بَلْ تُوُفِّيَ فِي حَيَاةِ مُوسَى , وَقَبْلَ وَفَاة مُوسَى بِنَحْوِ أَرْبَعِينَ سَنَة عَلَى مَا هُوَ مَشْهُور عِنْد أَهْل الأَخْبَارِ وَالْقَصَصِ . قَالُوا : وَإِنَّمَا اِسْتَخْلَفَهُ حِينَ ذَهَبَ لِمِيقَاتِ رَبّهِ لِلْمُنَاجَاةِ . وَاَلله أَعْلَمُ )) اهـ .
وَهَذَا الَّذِى ادَّعَـتْهُ الرَّافِضَةُ مِنْ دِلالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى النَّصِّ بِالْخِلافَةِ أَحَدُ مَكَائِدِهِمْ فِى تَحْرِيفِ نُصُـوصِ الْوَحْي ، فَهُمْ أَشْـبَهُ الْفِرَقِ بِمَنْ ذَمَّهُمْ اللهُ جَلَّ ذِكْرُه بِقَوْلِهِ (( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ )) . وَلا يَغِيبَنَّ عَنْكَ أَنَّ الرَّافِضَةَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْبَاطِلِ ادِّعَاءَاً لِتَخْصِيصِ الْعُمُومِ ، وَمَا تَنْزِيلُهُمْ لِعُمُومَاتِ آىِ الْقُرْآنِ فِى الثَّنَاءِ عَلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَلَى عَلِيٍّ وَآلِ بيْتِهِ دُونَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ مِنْكَ بِبَعِيدٍ ، فَقَلَّ آيَةٌ وَرَدَتْ فِى فَضْلِ الصَّحَابَةِ إِلا زَعَمُوا أَنَّ عَلِيَّاً رَضِيَ الله عَنْهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا ، وَأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى وِلايَتِهِ وَإِمَامَتِهِ ، وَقَلَّ آيَةٌ وَرَدَتْ فِى الذَّمِّ وَالتَّبْكِيتِ إِلا وَزَعَمُوا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا هُمَا الْمُرَادَانِ مِنْهَا ، وَلا يَغِيبَنَّ عَنْكَ تَأْوِيلُهُمْ لآيَةِ (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً )) ، فَالْجِبْتُ وَالطَّاغُوتُ بِزَعْمِهِمْ صَنَمَا قُرَيْشٍ : أبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا ، والَّذِينَ آمَنُواْ وَأَهْدَاهُمْ سَبِيلاً : عَلِيٌّ رَضِيَ الله عَنْهُ وآلُ بَيْتِهِ .
وَلا يَنْقَضِى عَجَبُكَ إِذَا وَقَفْتَ عَلَى تَفَسِيرِهِمْ الْمُضْحِكِ الْمُبْكِي لِقَوْلِهِ تَعَـالَى (( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ )) هُمَا عَلِيٌّ وَفَاطِمَةٌ رَضِيَ الله عَنْهُمَا ، (( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ )) هُوَ النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، (( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ )) هُمَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ الله عَنْهُمَا !! .
وَهَـذَا مَبْثُوثٌ فِى كُتُبـِهِمْ الْمُوَثَّقَةِ الْمَمْدُوحَةِ ، كَـ (( الْكَافِي )) لِلْكُلَيْنِيِّ ، وَ (( تَفْسِيرِ الْعَيَّاشِيِّ )) ، وَ (( بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ )) ، وَ (( تَهْذِيبِ الأَحْكَامِ )) لِشَيْخِ الطَّائِفَةِ الطُّوسِيِّ ، و (( بِحَارِ الأَنْوَارِ )) لِلْمَجْلِسِيِّ ، وَنَحْوِهَا .
وَهَلْ أَتَاكَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَـالَى (( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ )) ، وَمَا أَبْدَعَتْهُ الرَّافِضَةُ مِنْ مُخْتَرَعَاتِ تَأْوِيلِهِ ، الْمُخَالِفَةِ لَوَجْهِ قِرَاءَتِهِ وَتَنْزِيلِهِ ! . فَفِي (( أَمَالِي الصَّدُوقِ )) بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ الأَعْمَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ )) ، قَامَ رَجُلانِ مِنْ مَجْلِسِهِمَا ، فَقَالا : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ هُوَ التَّوْرَاةُ ؟ ، قَالَ : لا ، قَالا : فَهُوَ الإِنْجِيلُ ؟ ، قَالَ : لا ، قَالا : فَهُوَ الْقُرْآنُ ؟ ، قَالَ : لا ، قَالَ : فَأَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( هُوَ هَذَا ، إِنَّهُ الإِمَامُ الَّذِي أَحْصَى اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ )) !! . وَلا يَغِيبَنَّ عَنْكَ أنَّ تَمَامَ الآيَةِ كَمَا فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ (( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ )) ، وَلَكِنَّ الرَّافِضَةَ جَاهِلُونَ بَآيَاتِ الذِّكْرِ الْكَرِيْمِ . والْمُتَهَّمُ بِهَذَا الْغُلُو وَالْجَهْلِ : أبْو الْجَارُودِ الأَعْمَى زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْهَمْدَانِيُّ ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الْجَارُودِيَّةُ إِحْدِى فِرَقِ الزَّيْدِيَّةِ الْعَشْرَةِ ، كَذَّابٌ عَدُو اللهِ ، لَيْسَ يُسَاوِي فِلْسَاً ، قَالَهُ أبُو زَكَرِبَّا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ .
وَمِنْ أَلْطَفِ مَا رُوِي عَنْ الشّعْبيِّ قَوْلُهُ : مَا شَبَّهْتُ تَأْوِيلَ الرَّوَافِضِ فِي الْقُرْآنِ إِلا بِتَأْوِيلِ رَجُلٍ مَضْعُوفٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ ، وَجَدْتُهُ قَاعِدَاَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ : يَا شَعْبِيُّ ؛ مَا عِنْدَكَ فِي تَأْوِيلِ هَذَا البَيْتِ ، فَإِنَّ بَنِي تَمِيمٍ يَغْلَطُونَ فِيهِ ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ فِي رَجُلٍ مِنْهُمْ ؟ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
بَيْـتَاً زُرَارَةُ مُحْتَـبٍ بِفِـنَائِهِ ... وَمُجَاشِعٌ وأَبُو الْفَوَارِسِ نَهْشَلُ
فَقُلْتُ لَهُ : وَمَا عِنْدَكَ أَنْتَ فِيهِ ؟ ، قَالَ : الْبَيْتُ هُوَ هَـذَا الْبَيْتُ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْكَعْبَةِ ، وَزُرَارَةُ الْحِجْرُ ، زُرِّرَ حَوْلَ الْبَيْتِ . فَقُلْتُ لَهُ : فَمُجَاشِعٌ ؟ ، قَالَ : زَمْزَمُ جَشِعَتْ بِالْمَاءِ ؟ ، قُلْتُ : فَأَبُو الْفَوَارِسِ ؟ ، قَالَ : هُوَ أبُو قُبِيسٍ جَبَلُ مَكَّةَ ، قُلْتُ : فَنَهْشَلٌ ؟ ، فَفَكَّرَ فِيهِ طَوِيلاً ، ثُمَّ قَالَ : أَصَبْتُهُ ، هُوَ مِصْبَاحُ الْكَعْبَةِ طَوِيلٌ أََسْوَدُ ، وَهُوَ النَّهْشَلُ !! .
يُتْبَعُ بِعَوْنِ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ .
--------------------------------------------------------------------------------