فقدانها لشروط الأدلة الأصولية
إن الآيات القرآنية التي احتج بها الإمامية لإثبات (الإمامة) لا تتمتع -ولو- بشرطواحد من شروط الأدلة الأصولية! وسنتابع هذه الشروط واحداً واحداً، وكما يلي:
إن هذه الآيات الكريمة متشابهة الدلالة وليست صريحة محكمة
بالنسبة لموضوع (الإمامة). بل غالبها لا يصلح أن يسمى
متشابهاً. فالاحتجاج به ضرب من المجازفة، والقول بالباطل
كالاحتجاج بقوله تعالى:
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَة)
(مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء)
(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)
(وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً)
(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ )
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)
(وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
(سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرا)
وأمثالها.
ما علاقة هذه الآيات بـ(الإمامة) أولاً ؟! ثم ما علاقتها بـ(إمامة)
علي أو اثني عشر شخصاً – أو أقل أو أكثر - ثانياً ؟! لا.. علاقة البتة!!!
إن المتشابه هو اللفظ الذي يحتمل معنيين أو أكثر بصيغته
وتركيبه. وهذه الآيات ليس في لفظها ما يحتمل معنى (الإمامة)
عموماً، أو يدل على (إمام) من الـ(الأئمة) خصوصاً. فكيف
يحتج بها وهي دون المتشابه؟! إنها لو كانت متشابهات لما
صح الاحتجاج بها. فكيف وهي لا تصلح أن تكون كذلك؟!!
لا توجد – من بينها - آية واحدة صريحة يمكن اعتبارها دليلاً في الموضوع. فضلاً عن تعدد الآيات، وتكرارها. وأصول العقيدة عليها من الآيات القرآنية الصريحة
ما يصعب عده لكثرته وتكراره!
ليس لهذه الآيات في القرآن كله آية واحدة محكمة يمكن اعتبارها (أماً) نرجع بها
إليها كما هو الحال مع الآيات المتشابهة التي تتعلق بأمهات الأصول الثابتة.
لا توجد -من بين هذه الآيات كلها- آية واحدة تنص على (الإمامة). والأمر كله قائم على الاستنباط دون التنصيص. بينما الأصول تقوم على التنصيص وليس الاستنباط .
بما أن هذه الآيات لا تدل على (الإمامة) بنفسها لعدم صراحتها فإن إسنادها بالروايات ضرورة لا بد منها. لذلك لجأ الإمامية إلى تفسيرها وإسنادها بالروايات. كرواية الغدير والتصدق بالخاتم وقصة حارث بن نعمان الفهري … الخ. وكلا الأمرين- التفسير والرواية- لا يصلح دليلاً في أصول العقيدة.
ليس في هذه الآيات -ولا في القرآن كله- أدلة إثبات عقلية على مسألة (الإمامة). كما هو الشأن في أصول العقيدة كالألوهية والنبوة والمعاد.
ليس في هذه الآيات ما ينص على الأمر بالإيمان بـ(الإمامة)، ولا التحذير أو النهي عن جحودها. وليس في القرآن آية واحدة تنذر بالنار أو العقوبة من كفر (بالإمامة) ولم يؤمن بها. كما هو الشأن في أصول العقيدة كالإيمان بالله تعالى، أو نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
لا مصلحة يمكن تحقيقها من وراء الإيمان بـ(الإمامة) يمكن أن تضاف إلى ما يحققه الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر من مصالح. وذلك أن الدين أصول وفروع.
فأما الأصول فمبينة بوضوح في القرآن لا نحتاج معه لمعرفتها إلى (إمام) ولا غيره. بل القاعدة الأصولية الإمامية تقضي بثبوت الأصول بالعقل وحده.
وأما الفروع فقد تكفلت بها السنة النبوية. ومنها ما هو مذكور في القرآن نفسه. ويمكن الاستدلال على أحكامها بالإجماع أو الاجتهاد. وهذا كله لا حاجة فيه (للإمام). وليس الاختلاف في الفروع مضراً إلى درجة الاحتياج إلى شخص كالنبي هو (الإمام). بل العلماء الربانيون يقومون بذلك خير قيام. فإن أجمعوا وجب اتباعهم. وإن اختلفوا فالأخذ بأي من الأقوال المختلفة جائز ومجزٍ ومبرئ للذمة([1]). فما وجه الحاجة إلى (الإمام)؟! لاسيما وأن الدين قد اكتمل. والنعمة قد تمت
( وهذا ما يكتبه كل مرجع من مراجع الإمامية مختوماً بتوقيعه في الصفحة الأولى من (رسالته العملية) مع أنه ليس (بإمام) معصوم! )
فالمسلم في أصوله يرجع إلى القرآن نفسه
بنفسه. وفي الفروع إذا أشكل عليه أمر
رجع إلى العلماء. وهذا هو الواقع الحتمي للجميع. حتى الإمامية فإنهم إنما يقلدون العلماء وليس (الأئمة). وهؤلاء العلماء مختلفون فيما بينهم. كما اختلفوا أخيراً في وجوب صلاة الجمعة، و(ولاية الفقيه) .
فلم يبق للعمل بالدين إلا الخوف من الله تعالى وهذا يكفي فيه الإيمان باليوم الآخر. فقولهم بضرورة وجود (إمام) محض خيال لم يستفيدوا منه شيئاً لا في دين ولا دنيا.
وهكذا سقط الاحتجاج وبطل الاستدلال على وجود أصل (الإمامة). وبطلت (الإمامة) من الأساس. وتبين أنه لا شيء من الدين اسمه (الإمامة): لعدم وروده في القرآن بالنصوص القطعية المحكمة. ولا أساس له فيه إلا المتشابهات والظنون والاحتمالات. وأنه ليس (لهم به من علم إلا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا ) .