قال الإباضي : "الطريق الرابع عشر : من خرافة رواية العشرة المبشرين بالجنة : ما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق وهذا الطريق مظلم جداً أما هذا الطريق الذي أخرجه ابن عساكر فإن فيه : أبو عبد الله النشابي ( لم أجد له ترجمة والراجح أنه مجهول ) كذلك ابن الرومي ضــــعــيــــف.
كذلك في إسناد هذه الرواية (عبدالله بن عمرو بن مرة ) ضعفّه النسائي وقال عنه ابن حجر صدوق يخطئ. وبهذا يكون الطريق الرابع عشر ساقط وضعيف ولا حاجة لدراسة بقية الإسناد فالشق أكبر من الرقعة ولله الشكوى."اهـ
قلت : أما النشابي ت535هـ : قال عنه تلميذه ابن عساكر كما في " تاريخ دمشق" :" محمد بن إبراهيم بن جعفر أبو عبد الله الكردي النشابي المقرئ ... كتبت عنه وكان خيّرا مستورا( 1) "اهـ
فقول الإباضي : " لم أجد له ترجمة " , هذا لقلة علمه وعدم معرفته بالبحث , وترجيحه الجهالة فهي إما جهالة عين أو جهال حال , فلم يبين ذلك وهذا غلطٌ! , والعادة عند المحدثين عند اطلاق الجهالة أنهم يريدون جهالة العين غالبًا وهذا النوع ترد مروياته مطلقا , وأما جهالة الحال فيقيدون ذلك بقولهم مجهول الحال ونحو ذلك مما يتميز به مجهول العين عن مجهول الحال , والفرق بين المصطلحين معلوم.
واعلم رعاك الله أن الجهالة عند المحدثين تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
جهالة العين : وهو من جهل وصفه وحاله.
جهالة الحال : وهو من عرف وصفه وجهل حالته الظاهرة والباطنة.
المستور : وهو من عرف وصفه وعرفت عدالته الظاهرة دون حالته الباطنة.
ثم جعلها الحافظ ابن حجر رحمهم الله تعالى تنقسم إلى قسمين , قال :" فإن سُمِّيَ الراوي ، وانفرد راوٍ واحدٌ بالرواية عنه ، فهو مجهول العين، كالمبهم.... أو إنْ روى عنه اثنان فصاعداً ، ولم يُوَثَّق فهو مجهول الحال ، وهو المستور..( 2)" اهـ
فأبي عبدالله النشابي مستور وقد روى عنه ابنه القاسم وابن عساكر وقال عنه " كان خيّرًا مستورًا" .
ثم ذكر الحافظ التحقيق في مسألة خبر المستور فقال :" وقد قبل روايته جماعة بغير قيد ، وردها الجمهور , والتحقيق : أن رواية المستور، ونحوه ، مما فيه الاحتمال ؛ لا يطلق القول بردها ، ولا بقبولها ، بل يقال : هي موقوفة إلى استبانة حاله ، كما جزم به إمام الحرمين ، ونحوه قول ابن الصلاح فيمن جرح بجرح غير مفسر( 3)" اهـ.
والخبر – أي حديث العشرة – قد ورد بأسانيد حسان , فدل ذلك على أن ما يرويه النشابي ليس مما يتفرد به , وما جاء من طريقه صالح للاعتبار ؛ كون الضعف ليس شديدا , قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في " نزهة النظر .. " :" ومتى توبع السيء الحفظ بمعتبر : كأن يكون فوقه , أو مثله , لا دونه , وكذا المختلط الذي لم يتميز , والمستور , والإسناد المرسل , وكذا المدلس إذا لم يعُرف المحذوف منه = صار حديثهم حسنًا , لا لذاته , بل وصفه بذلك باعتبار المجموع , من المتابِع والمتابَع ؛ لأن كل واحد منهم احتمال أن تكون روايته صوابًا , أو غير صواب , على حدٍّ سواء , فإذا جاءت من المعتبرين روايةٌ موافقةٌ لأحدهم رَجَحَ أحد الجانبين من الاحتمالين المذكورين , ودلَّ ذلك على أن الحديث محفوظًا ؛ فارتقى من درجة التوقف إلى درجة القبول , ومع ارتقائه لدرجة القبول فهو مُنحطٌّ عن رتبة الحسن لذاته , وربما توقف بعضهم عن إطلاق اسم الحسن عليه( 4)." اهـ
قلت : وهو ما يطلق عليه اصطلاح (الحسن لغيره).
أما ابن الرومي : قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "تقريب التهذيب" : محمد بن عمر بن عبدالله بن فيروز الباهلي مولاهم , ابن الرومي البصري , ليّن الحديث , من العاشرة( 5)" اهـ
ولين الحديث مجروح في حفظه جرحا لا يخرجه من دائرة الاعتبار بحديثه , فمثل ابن الرومي يكتب حديثه وينظر فيه للاعتبار.
وأما عبدالله بن عمرو بن مرة : قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "تقريب التهذيب" :" عبدالله بن عمرو بن مرة المرادي , الجملي , بفتح الجيم والميم , الكوفي , صدوق يخطئ , من السابعة( 6)" اهـ.
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى كما في "تاريخ الإسلام" :" صدوق( 7) " اهـ.
فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه للاعتبار , وليس كل من يقال فيه ضعيف يترك وينبذ حديثه إلا عند من لا يفهم هذا العلم , وعليه فإن هذا الإسناد يصلح للاعتبار كونه ليس بالضعف الشديد.
*****
( 1) تاريخ دمشق (51/ 187 ت6032)
( 2)نزهة النظر (ص121 )تحقيق الرحيلي.
( 3) المصدر السابق.
( 4) نزهة النظر ..(ص125-126 تحقيق الرحيلي).
( 5) تقريب التهذيب(ت6209)
( 6) تقريب التهذيب(ت3529).
( 7) تاريخ الإسلام(3/ 425 ت205).