بسم الله الرحمن الرحيم
عمل الرجل الحراك وعمل المرأة القرار
بعد حمد الله وشكره والصلاة على النبي الرحيم وصحبه أما بعد
فالرجل والمرأة لابد لهما من عمل لأنهما مركبين أصلا على همة وحرث ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (أحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ ومرة.)
لان كل إنسان له همة تحمله على الحرث الذي هو العمل ولذلك كان من لا يعمل الخير سيعمل الشر ومن لا يعمل ما ينفعه يعمل ما يضره ولا يمكن بحال أن يقف الإنسان عن العمل ولو أراد ذلك لما استطاع ،
ولذلك فسر العلماء العبادة بالعمل في قوله تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" أي ليعملوا لي عبادة من صلاة وزكاة ونحوها ومن هنا كان الترك ليس هو من العبادة وإنما يثاب المرء في الترك على نيته فتارك شرب الخمر نسيانا أو كرها له ليس هو مثاب على ذلك إلا إن ترك الخمر لوجه الله ابتغاء رضاه وخوفا من عذابه
أما العمل فهو إيجاد المعدوم وإخراجه إلى حيز الوجود ولذلك لابد فيه من عمل و نية التعبد لا نية العبث واللعب واللهو ،فالصلاة مثلا لابد فيها من افعال واقوال يخرجها من العدم الى حيز الوجود مع نية صادقة وإيمان ويقين ومتابعة حتى تكون موافقة لأوامر الرب سبحانه وتعالى كي يؤجر عليها فاعلها
،أما لو صلى لعبا ولهوا فهو أتى بالعمل ولكنه أتى به في صورته الظاهرة دون صورته الباطنة فترتب على ذلك البطلان
قال تعالى:
"وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ"
ولما كان الإنسان من حيث هو إنسان لابد له من عمل يقوم به كان من رحمة الله بعباده وحكمته في خلقه وشرعه أن فارق بين الرجل والمرأة في العمل وقال صراحة في معرض العمل:
" فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"،
وذلك أن امرأة عمران عليها السلام نذرت أن يكون الولد الذي في بطنها خالصا لله يخدم بيت الله الذي هو بيت المقدس ففوجئت رضي الله عنها أن مولودها أنثى وبالتالي فلن تقوى هذه الأنثى أن تعمل ما يعمله الرجل لا في النوع ولا المقدار ولا الكم فاعتذرت لربها عز وجل بقولها
"رب إن وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى"
،وفي هذا تأكيد لواقع الحال بان الذكر أفضل من الأنثى في الجملة من حيث القوة والنفع وهذا أمر نجده ضرورة وجليا في أنفسنا، فلو أن رجلا أو امرأة مقهور مضيوم من أناس ظالمين لتشوف ان يحميه من هذا الظلم الرجال دون النساء لان النساء ضعيفات.
وبالتالي فان ما يكلف به الرجل من المهام وما يتعلق به من الآمال أعظم بكثير من المرأة ومن هنا فارق الله بينهما في الأحكام الواجبة والأموال المكتسبة بناء على مفارقته لهم سبحانه في اصل الخلقة.
فالله عز وجل يقول: " وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)
وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا "
ففارق الله الملك العدل بين العقوبتين لان حبس المرأة في البيت يناسب طبيعتها فهي تأنس بالقرار والجلوس ويحصل المقصود من منعها من معاودة الفاحشة التي توصلت إليها بالخروج
أما الرجال فلو حبسوا لكان هذا موجب لعظيم الألم الذي يفوق الذنب المرتكب لكونه يخالف اصل ما جبلوا عليه، زيادة على أن حراكهم فيه نفعهم في الدين والدنيا فناسب بقاء الرجال على اصل الخلقة وتمكينهم من نفع أنفسهم و نفع من يجب عليهم عوله والسعي في مصلحتهم فناسب الاكتفاء بالإيذاء الذي يحصل به المقصود من التطهير من الذنب والردع لعدم العود للجريمة والفاحشة.
ومن ذلكم ما حصل لموسى كليم الله وحبيبه صلى الله عليه وسلم لما وجد امرأتين قد تجنبتا زحمة الرجال عند سقي البهم فسألهما عن شأنهما لما طبع عليه -بابي هو وأمي-
من رحمة العباد والسعي في مصالحهم فأبنّا له بأنهن لا يسقين حتى يصدر الرعاء أي حتى ينتهوا ويتنحوا لعدم قدرتهن على مزاحمة الرجال لضعفهن في اصل الخلقة أو خشيتهن من مساؤ الخلطة والملامسة والمزاحمة
قال تعالى: " أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ"
،وقلنا أن أباهن شيخ كبير أي لو كان أبوهن رجلا جلدا وليس هرما لكان هو الذي يسقي لنا ، فلما سقى موسى عليه السلام لهما طمعت أحظ الاثنتين بحل الإشكال وإرجاع الأمور إلى نصابها الصحيح فقلنا لأبيهن استأجره كي نستريح من الرعي والسقي فهو قوي أمين،
وهذا ملحظ آخر بان الرجل يتميز عن المرأة بالقوة والأمانة ولذلك كانت الشريعة الغراء لا تقبل شهادة المرأة إلا في البيوع وبشرط أن يكن اثنتين
بحيث إذا نسيت احدهن ذكرتها الأخرى لان الأمانة إنما تتخلف بالخيانة أو النسيان وكلا الأمرين ظاهر في النساء فهن كثيرات الخيانة والنسيان
وليس المقصود بالخيانة الفاحشة الكبرى
بل الخيانة اعم من ذلك بكثير وما زالت الدول المتسلطة على بعض تجعل من خيانة النساء طريقا للوصل إلى أهدافهم ومآربهم
جاء في أخبار الناس القديمة قبل مبعث النبي الأمين صلى الله عليه وسلم كما في البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله قصة صاحب الحضر والحضر:
( حصن عظيم بناه هذا الملك وهو الساطرون على حافة الفرات وهو منيف مرتفع البناء واسع الرحبة والفناء دوره بقدر مدينة عظيمة وهو في غاية الأحكام والبهاء والحسن والسناء وإليه يجبي ما حوله من الأقطار والأرجاء ... قال ابن هشام وكان كسرى سابور ذو الأكتاف غزا الساطرون ملك الحضر وقال غير ابن هشام إنما الذي غزا صاحب الحضر سابور بن أردشير بن بابك أول ملوك بني ساسان اذل ملوك الطوائف ورد الملك إلى الأكاسرة وأما سابور ذو الاكتاف بن هرمز فبعد ذلك بدهر طويل والله
... قال ابن هشام فحصره سنتين وقال غيره أربع سنين وذلك لأنه كان أغار على بلاد سابور في غيبته بأرض العراق فأشرفت بنت الساطرون وكان اسمها النضيرة فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج وعلى رأسه تاج من ذهب مكال بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ وكان جميلا فدست إليه أتتزوجني أن فتحت لك باب الحضر فقال نعم فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر وكان لا يبيت إلا سكران فأخذت مفاتيح باب الحضر من تحت رأسه وبعثت بها مع مولى لها ففتح الباب ويقال بل دلتهم على نهر يدخل منه الماء متسع فولجوا منه إلى الحضر...
فدخل سابور فقتل ساطرون واستباح الحضر وخربه وسار بها معه فتزوجها فبينا هي نائمة على فراشها ليلا إذ جعلت تململ لا تنام فدعا لها بالشمع ففتش فراشها فوجد عليه ورقة آس فقال لها سابور أهذا الذي أسهرك قالت نعم قال فما كان أبوك يصنع بك قالت كان يفرش لي الديباج ويلبسني الحرير ويطعمني المخ ويسقيني الخمر
قال أفكان جزاء أبيك ما صنعت به أنت إلى بذلك أسرع فربطت قرون رأسها بذنب فرس ثم ركض الفرس حتى قتلها ففيه ...وقال عدي بن زيد في ذلك
والحضر صابت عليه داهية ... من فوقه أيد مناكبها
ربية لم توق والدها ... لحينها إذا أضاع راقبها
إذ غبقته صهباء صافية ... والخمر وهل يهيم شاربها
فأسلمت أهلها بليلتها ... تظن أن الرئيس خاطبها
فكان حظ العروس إذ جشر ... الصبح دماء تجري سبائبها
وخرب الحضر واستبيح وقد ... أحرق في خدرها مشاجبها )انتهى بتصرف
وفي الصحيح أن رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم قال « لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْبُثِ الطَّعَامُ وَلَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ ».
وكانت خيانة حواء عليها السلام إغراء أبينا ادم عليه السلام بالأكل من الشجرة التي نهي عنها ،
وهذا أيضا ظاهر في النساء إلي يوم الدين
فلو تعاقد رجلان على أن لا يفعلا أمرا معينا لكان حري بهما أن يصمدا ويفي بعضهما بوعد صاحبه وأما إذا تعاقد رجل وزوجته أو أمه أو أخته على أن لا يفعلا أمرا معينا ثم احتاجا إليه لهبت المرأة تغري الرجل بفعله وتحمله على ترك صموده وتزين له الأقدام وتدخل على نفسه الأسى في التباطؤ والتأخر عن فعل ما عزم على أن لا يفعله
ولذلك صدق الله وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم حين قال:
( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن )
وكثير من الرجال يقع بالكسب الحرام ويجلب لبيته الحرام من مسموع أو مقروء أو مشاهد بسبب إلحاح النساء وتضجرهن ،وعلى كل فطبيعة الرجل وطبيعة المرأة تتفقان على العمل وتختلفان في نوع العمل وقدره ومكانه ،وهذا المحك هو محل رقي الأمم أفرادا وجماعات ودولا ونظما .
فبقدر ما يبتكر الناس من الأعمال ما يتناسب مع طبيعة الرجل ومع طبيعة المرأة بقدر ما يكون العمل مريحا ومنتجا و محتفظا بهوية كل منهما ، ولو تكلف متكلف بإسناد رعاية الرضيع إلى الرجل دون المرأة فعلية مهده وتلعيبه وتنظيفه وإطعامه رضعا بواسطة أو إطعاما بكلفه لكان ذلك فتحا لباب الجريمة إذ أن هذا العمل يلزم منه الديمومة والقرار والملازمة
وهذا لا يلائم فطرة الرجل واصل خلقته فلربما حمله التأفف والتضجر إلى التخلص من الرضيع ولو بإهلاكه
بينما هذا الأمر تقوم به المرأة بغاية السعادة والسلاسة حتى وكأنها تلهم هذا العمل كما ألهمت النفس وإنما يرتادها شي من التعب أو التأفف بسبب أو بآخر لفترة متحملة، وعلى هذا جرت الأعمال كلها ، فسياسة الخيل وتنظيفه وتعليفه عمل شاق وخطر ولربما حملت الحاجة والضرورة بعض الأسر إلى تكليف المرأة الناعمة الضعيفة بعمل ذلك ولكن سرعان ما تتخلص المرأة من هذا متى ما وجدت لذلك سبيلا .
فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت :
تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي الْمَاءَ وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنْ الْأَنْصَارِ وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ إِخْ إِخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي قَدْ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَنَاخَ لِأَرْكَبَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ فَقَالَ وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ قَالَتْ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ تَكْفِينِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي
رواه البخاري ومسلم
وهذا الأثر يطابق تماما قصة بنتي شعيب عليهما وعلى أبيهما السلام والإكرام الآنفة الذكر
والمقصود هو بيان حقيقة عمل كل من الرجل والمرأة والغاية منه.
فالرجل مكلف بنفسه وبمن يعول وهذا في الشعوب كلها فعليه أن يعمل حتى يكتسب وينفق على نفسه ومن يعول من زوج وولد ووالدين ولا ينبغي له أن يدع العمل سواء كان غنيا أو فقيرا لأن ترك العمل يصادم أصل الفطرة فيكون الأمر في حقيقته ترك العمل النافع والإقبال على العمل الضار