ذكرنا في الحلقة الماضية أننا سنقوم بعرض الأحداث والمشاهد التي وردت في فلم الرسالة على الكتاب وصحيح السنة ، حتى يتبين لنا ما وافق منها الحق وما خالفه ، وهذه الأحداث تنقسم ألى قسمين:
قسم من الأحداث المهمة التي ذكرها عامة أصحاب السير والمغازي تم طمسها وعدم ذكرها أو الإشارة إليها على الإطلاق في فلم الرسالة، وقسم تم ذكره ولكن على خلاف الحقيقة أو فيه شيئ من التشويه والتزوير للحقيقة ، ولذلك تعليقنا على هذه المشاهد والأحداث أحيانا يكون من القسم الأول وأحيانا من القسم الثاني.
المشهد الأول
من أكبر ما يلفت الناظر في فلم الرسالة هو غياب شخصية عظيمة جدا وهو عمر بن الخطاب ، وقبل الشروع في هذا الموضوع لابد من مقدمة يسيرة عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم ، وذلك أن الحديث عن الصابة رضوان الله عليهم جزء من الإعتقاد وجزء من الديانة ، إذ هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم هم:
حملة الدين الذي أرسل به خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم,,
وهم الذين اصطفاهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم,,
وهم الواسطة التي بها تم نشر الدين في مشارق الأرض ومغاربها,,
هم الأتقياء..الأنقياء..الأصفياء..هم الطهر ..هم أعلى درجات السمو البشري بعد الأنبياء.. ولم ولن يأت بشر يوازيهم أو يدانيهم في الفضل والدرجة.. هم رهبان بالليل فرسان بالنهار..هم جيل فريد..هم بشر ولكنهم ليسوا ككل البشر!!..هم تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم.. هم " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا".
وهم " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة..الأية.
وهم " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ".
وهم " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعدما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم ".
وهم الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم( النجوم أمنة السماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحـابي أتى أمتـي مـا يوعدون) رواه مسلم.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم( وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ) معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه ، وطلوع قرن الشيطان ، وظهور الروم وغيرهم عليهم ، وانتهاك مكة والمدينة وغير ذلك ، وهذه من معجزاته صلى الله عليه وسلم.
وهم الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ". صحيح مسلم
إذا هم في الجملة مرضي عنهم ، عدول ، ثقات ، زكاهم رب العزة والجلال ، فليسوا بحاجة بعد ذلك لمن يوثقهم أو يزكيهم أو يثني عليهم ، ولا يضرهم أيضا قدح قادح ، ولا طعن طاعن ، ثم هم بعد ذلك متفاوتون في الفضل والدرجات ، فلا يستقيم بحال من الأحوال أن نسوي بين صديق أو فاروق هذه الأمة وبين من أسلم بعد الفتح!! " وكلا وعد الحسنى " بل لا يمكن أن نسوي بين الشيخين ـ أبوبكر وعمر ـ وبين سائر الصحابة الكرام مهما كان فضله.
ثبت عن علي - رضي الله عنه - وتواتر عنه أنه قال وهو على منبر الكوفة: ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبوبكر ثم عمر -رضي الله عنهمــا-).
وعنه رضي الله عنه أنه قال: ( لا يفضلني أحد على الشيخين ـ أبوبكر وعمر ـ إلا جلدته حد المفــتري ).
والأحاديث والأثار في هذا المعنى يصعب حصرها في هذا المقام ولمن أراد المزيد فليراجع كتب السنة كالبخاري ومسلم..إلخ في أبواب فضائل الصحابة وغيرها.
فمن هنا أخي الكريم تستعجب غاية العجب ، كيف تم إخفاء هذين العلمين وسائر العشرة المبشرين بالجنة ، باستثناء بعض المواقف لأبي بكر الصديق ، وكذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه!!! فإنه قد أظهرت له ثلاثة مواقف في الفلم سيأتي ذكرها لاحقا.
قيل لنا لما كنا صغارا أن العشرة المبشرين بالجنة إكراما لهم!! لا يمكن ذكرهم وإظهار شخصياتهم لأنهم مبشرون بالجنة!!! وهذا القول كما هو ظاهر مردود مرذول من وجهين:
الوجه الأول: أن بعض الصحابة الذين تم إظهارهم في الفلم هم من سادات أهل الجنان:
حمزة بن عبد المطلب سيد شهداء هذه الأمة!! ومقطوع له بالجنة!!
جعفر بن أبي طالب شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنان!! قتل شهيدا في مؤتة!!
زيد بن حارثة شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنان!! قتل شهيدا في مؤتة!!
بلال بن رباح سمع النبي صلى الله عليه وسلم خفق نعليه في الجنان!!
وغيرهم من الصحابة الأطهار الأبرار.
الوجه الثاني: أن هذا القول فيه استنقاص للصحابة الكرام الذين تم إظهارهم في الفلم!!
لكن لو تأمل المتأمل في الشخصيات التي تم إبرازها في هذا الفلم لوجد تلك الشخصيات كلها أو معظمها مرضي عنها من قبل العقلية والعقيدة الشيعية!! الرافضية!! المجوسية!! وكل هذه المسميات مرادفات لمعنى واحد ، وكل هذه المسميات لها هدف واحد وواحد فقط هو هدم الإسلام من الداخل!! وإن غفل أو تغافل كثير من أهل الإسلام عن هذا الهدف!! وذلك لعقائدهم الفاسدة والتي منها:
اعتقادهم بأن المصحف محرف!!
اعتقادهم بأن الصحابة كفروا وارتدوا على أدبارهم!! إلا قليل منهم!!
اعتقادهم بأن أئمتهم يعلمون الغيب!!
يقول الخميني الهالك: ( إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب و لا نبي مرسل .. و قد ورد عنهم (ع) أن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب و لا نبي مرسل ) . انظر الحكومة الإسلامية ص 52.
اعتقادهم بأن جميع المسلمين كفار ما سوى فرقتهم!!
الطعن في عرض النبي صلى الله عليه وسلم وذلك باتهام عائشة رضي الله عنها بالزنا!!
وغير ذلك من العقائد الزائغة الضالة القائمة على الشرك والضلالات ، والبدع والمنكرات ، وهذا ليس رأي ولا اجتهادي إنما هو قول علماء الأمة قديما وحديثا:
قال الإمام مالك رحمه الله : الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس له نصيب في الإسلام .
وقال أيضاً رحمه الله : من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب رسول الله فقد أصابته هذه الآية ( ليغيظ بهم الكفار ) أي إنما كثرهم وقواهم ليغيظ بهم الكفار .
وقال الإمام الشافعي : ما رأيت في أهل الأهواء قوماً أشهد على الله بالزور من الرافضة .
وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن أبي بكر وعمر فقال: ترحم عليهما وتبرأ ممن يبغضهما
وقال أيضاَ عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة: ما أراه على الإسلام
وقال الإمام البخاري رحمه الله : ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي أم صليت خلف اليهودي والنصراني لا يسلم عليهم ولا يعادون ولا يناكحون ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم .
وقال ابن حزم رحمه الله : إن الروافض ليسوا من المسلمين وإنما هي فرقة حدثت أولاً بعد موت رسول الله بخمس وعشرين سنة وكان مبدؤها إجابة من خذله الله لدعوة من كاد للإسلام وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر .
وقال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله : فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم عياذاً بالله من ذلك وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبون من رضي الله عنهم .
وقال أيضاً رحمه الله : أجمع العلماء على تكفير من قذف عائشة بعد براءتها .
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله : إن أصل الرفض كيد الدين ومخالفة شريعة المسلمين
وقال أيضاً وبهذا يتبين أن كل رافضي خبيث يصير كافراً بتكفيره لصحابي واحد فكيف بمن كفر كل الصحابة واستثنى أفراداً يسيرة تغطية ً لما هو فيه من الضلال على الطغام الذين لا يعقلون الحجج .
وقال الإمام ابن أبي العز رحمه الله : إن أصل الرفض إنما أحدثه زنديق قصده أبطال دين الإسلام والقدح في الرسول .
وبعد هذه المقدمة اليسيرة عن الصحابة نصل للحديث عن الفاروق عمر ، ولن نستطيع أن نأتي على كل سيرة عمر إنما هي ومضة سريعة لذكر شيئ من فضائل هذا الرجل العظيم:
عند الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم أعزّ الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك : بأبي جهل ، أو بعمر بن الخطاب . قال : وكان أحبّهما إليه عمر . وصححه الألباني
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ما زلنا أعِزّة منذ أسلم عمر . رواه البخاري .
قال سعيد بن المسيب : أسلم عمر بعد أربعين رجلا وعشر نسوة ، فما هو إلا أن أسلم عمر فظهر الإسلام بمكة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله جعل الحق على لسان عُمَرَ وقَلْبِه . رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححه وابن حبان وغيرهم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِعُمَر رضي الله عنه : والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجّـاً إلا سلك فجّـاً غير فَجِّـك . رواه البخاري ومسلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أُرِيتُ في المنام أني أنزع بِدَلْوٍ بكرة على قليب ، فجاء أبو بكر فَنَزَعَ ذنوبا أو ذنوبين نزعا ضعيفا ، والله يغفر له ، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربا ، فلم أر عبقريا يَفْرِي فَرْيِهُ حتى رَوي الناس ، وضربوا بِعَطَن . رواه البخاري ومسلم .
ومن ذلك أن عمر رضي الله عنه وافَقَ ربه في ثلاث .
قال عمر : وافقت ربي في ثلاث : فقلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت "وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى" ، وآية الحجاب قلت : يا رسول الله لو أمَرْتَ نساءك أن يحتجبن ، فإنه يُكلّمهن البر والفاجر ، فَنَزَلَتْ آية الحجاب ، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت له "عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ" فَنَزَلَتْ هذه الآية . رواه البخاري من حديث أنس ، ومسلم من حديث ابن عمر
وهذا من الإلهام الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :
قد كان يكون في الأمم قبلكم مُحَدَّثُون ، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم . رواه البخاري ومسلم. قال ابن وهب : تفسير مُحَدَّثُون مُلْهَمُون وعمر رضي الله عنه هو الْمُحَدَّث الْمُلْهَم .
وفي الصحيحين أن علي بن أبي طالب قال في حق عمرعند تشييعه: ( ما خلفت أحداً أحب إلىّ من أن ألقى الله بمثل عمله منك وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كنت أسمع كثيراً رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:ذهبت أنا وأبوبكر وعمر، ودخلت أنا وأبوبكر وعمر،وخرجت أنا وأبوبكر وعمر، وإن كنت لأظن أن يجعلك الله معهما).
يهتز كسرى على كرسيه فرقا *** من باسه وملوك الروم تخشاه
هذه بعض فضائل عمر بن الخطاب وسيأتي مزيد من الفضائل والمواقف لعمر رضي الله عنه في ثنايا هذا البحث ، وقد قتل عمر بن الخطاب شهيدا في محرابه وهو يصلي بالمسلمين وكان طعنه على يد:
أبو لؤلؤة الفارسي المجوسي وهذا هو الاسم المعروف له في غالب من ترجم له ولكن في كتب الشيعة يلقبونه بـ(بابا شجاع الدين) - انظر مثلاً : الكنى والألقاب لعباس القمي
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" وأبو لؤلؤة كافر باتفاق أهل الإسلام كان مجوسيًا من عباد النيران،.. فقتل عمر بغضًا في الإسلام وأهله ، وحبا للمجوس، وانتقامًا للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم ، وقتل رؤساءهم ، وقسم أموالهم "
هذا هو عمر وهذه بعض سيرته ، ولا يمكن أخي الكريم أن تتصفح كتابا من كتب السير إلا وتجد فصلا خاصا بإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وما ذلك إلا لعظم أثره في الإسلام وظهوره ، وما ذلك إلا كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ما زلنا أعِزّة منذ أسلم عمر!! ولعلك أخي الكريم بعد هذا العرض السريع ، وهذه الوقفة الأولى تبين لك بوضوح وجلاء سر اختفاء عمر بن الخطاب من رسالة العقاد ، والعتب ليس على المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بلبنان ، فاؤلئك قوم هذا دينهم ، وذاك معتقدهم تجاه الصحابة عامة ، وعمر بن الخطاب خاصة ، ولكن العتب كل العتب على الهيئة المسئولة بالأزهر الشريف!! كيف مرت عليهم هذه الأمور وغيرها كما سيأتي إن شاء الله.