ولكنكم تستعجلون
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
لما سُقت خبراً عن حاملة لواء الصليب ، وأثار ذلك الخبر ما أثار من غَيظ القلب ، وكَمَد الصدر ، وحُرقة النفس ، فجاءت الكلمات تُـعـبِّـر عن نفثات مصدور !
لما كان ذلك جاءتني رسالة عتاب رقيق مَفَادها:
..........
وكان مما تضمنته رسالة العتاب : ( إني لأحسب لو ناديت : " حيّ على الجهاد " لهبّ خَلْفك أُناس تتلهّف نفوسهم إلى الجهاد في سبيل الله وإلى ساحات الوغى )
أما قول المعاتِب : لو ناديت " حي على الجهاد " فأقول : لست خيالياً ، ولا آيسا أو مؤيِّساً !
ولست من يقول : هلك الناس !
ولا ممن يقول : اكسر مجدافك
ولكني أحب أن أكون واقعياً
فلو نظرنا نظرة سريعة لصفوف الناس في صلاة الفجر لعلِمنا قدر الدِّين في نفوس الناس .
*وصلاة الفجر هي مقياس الإيمان
وإني لأخرج إلى صلاة الفجر فأتوهّم أن الحي مهجور !
والله يشهد أني أخرج إلى صلاة الفجر في بعض الأيام فلا أرى أحداً يمشي إلى صلاة الفجر ، وربما رأيت الرجل أو الرجلين !
فكيف نطمع في النصر على العدو وهذا حالنا مع صلاتنا ؟
لا يُصنـع الأبـطـال إلا *** فـي مساجدنـا الفِسـاح
فـي روضـة القـرآن فـي *** ظل الأحاديـث الصحـاح
شعـب بغـيـر عقـيـدة *** وَرَقٌ يُـذّرِّيِـه الـريـاح
من خان " حي على الصلاة" *** يَخون " حي على الكفاح "
كيف نطمع في النصر ونحن لم نكسب الجولة الأولى مع العدو المبين ؟
كيف نُريد النصر وأكثر الناس يسهرون على ما حرّم الله ثم لا يُصلّون الفجر ؟!
كيف .. وكيف .. ؟
ونحن نرى أن اهتمام الناس بدنياهم أضعاف أضعاف اهتمامهم بدِينهم
بل لا يُكاد يُذكر الاهتمام بالدِّين إلى جانب الاهتمام بالدنيا
لننظر إلى حال الناس عند بداية يوم دراسي !
أو مساهمة مالية ولو كانت محرّمة
كيف يتهافت عليها الناس ؟؟
وكيف يزدحمون عليها ؟؟
وما مدى إقبالهم عليها غير آبهين بحلال أو حرام
وكيف نرى إقبال الناس على التخفضيات ! وعلى اغتنام الفُرص واستغلالها
وهم قد أعرضوا عن فرص الآخرة إلا من رحم الله
ولا ترى من يرفع بالدِّين رأساً إلا القليل
فالله المستعان
أكرر :
لست آيسا ولا قانطاً ، فالنصر قريب ولكننا نستعجل النصر قبل انتصارانا على شهواتنا وحظوظ أنفسنا
"جاء خباب بن الأرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قال : قلنا له : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو الله لنا ؟
قال : كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض ، فيجعل فيه ، فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشقّ باثنتين ، وما يصده ذلك عن دينه ، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ، وما يَصدّه ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ." رواه البخاري .
هكذا نحن .. نستعجل
*نُريد قطف الثمرة قبل نضجها
*نريد النصر قبل أن ننتصر في أول خطوة
*نريد التمكين ولم نُحقق الإيمان
نريد أن ينصرنا الله ولم ننصر دينه
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )
" ولكنكم تستعجلون "
روي عن أبي جعفر محمد بن علي وعن الضحاك أنـهما قالا في قوله تعالى : ( قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا) : كان بينهما أربعون سنة .
وقال ابن جريج : يُقال إن فرعون ملك بعد هذه الآية أربعين سنة .
قال مرزوق العجلي : دعوت ربي في حاجة عشرين سنة فلم يقضِها لي ، ولم أيأس منها !
والنّصر آتٍ ، ولكنه يحتاج إلى انتصار على الأنفس والشهوات .
منقول (بتصرف)
http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/249.htm