العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتـــــــــديات العـــــــــــامـــة > الـمـنـتـدى الــرمــــضـانـــي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-09-08, 04:11 PM   رقم المشاركة : 11
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


الدرس العاشر : في بيان فوائد الصيام

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد :


فإن الصيام من أنفع العبادات وأعظمها آثارا في تطهير النفوس وتهذيب الأخلاق ،


وله فوائد عظيمة ، من أعظمها :



أنه سبب لزرع تقوى الله في القلوب وكف الجوارح عن المحرمات ، قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " [البقرة 183] فبين سبحانه في هذه الآية أنه شرع الصيام لعباده ليوفر لهم التقوى ، والتقوى كلمة جامعة لكل خصال الخير وقد علق الله بالتقوى خيرات كثيرة وثمرات عديدة ، وكرر ذكرها في كتابه لأهميتها وقد فسرها أهل العلم بأنها : فعل أوامر الله ، وترك مناهيه رجاء لثوابه وخوفا من عقابه ، وقوله تعالى " لعلكم تتقون " قال الإمام القرطبي رحمه الله : (لعل) ترجٍّ في حقهم ، و ( تتقون ) تتركون المعاصي ، فإنه كلما قل الأكل ضعفت الشهوة ، وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي ، وقيل : هو على العموم ، لأن الصيام هو كما قال عليه الصلاة والسلام " الصيام جُنة ووجاء " [أخرجه احمد 2/257، 402 (4/22) والنسائي رقم 2227 ، 2229 وابن ماجة رقم 1639 والطبراني في الكبير(8/157 ـ 158 رقم 7608) ، وسبب تقوى لأنه يميت الشهوات . انتهى بمعناه .



ومن فوائد الصيام : أنه يعود الإنسان الصبر والتحمل والجَلَدَ ، لأنه يحمله على ترك مألوفه ومفارقة شهواته عن طواعية واختيار ، وهو يعطي قوة للعاصي الذي ألف المعاصي على تركها والابتعاد عنها ، فهو يربيه تربية عملية على الصبر عنها ونسيانها حتى يتركها نهائيا ، فمثلا المدخن الذي سيطرت عليه عادة التدخين وصعب عليه تركها يستطيع بواسطة الصيام ترك هذه العادة السيئة والمادة الخبيثة بكل سهولة وكذلك سائر المعاصي .


ومن فوائد الصيام : أنه يمكّن الإنسان من التغلب على نفسه الأمارة بالسوء ، فغنها كانت في وقت الإفطار تغالب صاحبها وتنزع إلى تناول الشهوات المحرمة ، فلما جاء الصيام تمكن الإنسان من إمساك زمام نفسه وقيادتها إلى الحق .



ومن فوائد الصيام : أنه يسهل على الصائم فعل الطاعات ، وذلك ظاهر من تسابق الصائمين إلى فعل الطاعات التي ربما كانوا يتكاسلون عنها وتثقل عليهم في غير وقت الصيام .


ومن فوائد الصيام : أنه يرقق القلب ويلينه لذكر الله عز وجل ويقطع عنه الشواغل .


ومن فوائد الصيام : أنه ربما يحدث في قلب العبد محبة للطاعات وبغضا للمعاصي بصفة مستمرة ، فيكون منطلقا إلى تصحيح مفاهيم الإنسان وسلوكه في الحياة .


والحمد لله رب العالمين .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .







 
قديم 11-09-08, 01:09 PM   رقم المشاركة : 12
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


الدرس الحادي عشر : في بيان آداب الصيام

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي لانبي بعده ، وعلى آله وصحبه ... أما بعد :


اعلموا أن من آداب الصيام المهمة أن يصوم المسلم في الوقت المحدد للصوم شرعا


، فلا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ، فلا يصوم قبل ثبوت بداية الشهر ولا يصوم بعد نهايته على أنه منه ، قال صلى الله عليه وسلم " إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا " متفق عليه [أخرجه البخاري رقم 1900 ، ومسلم رقم 1080/8] ،


وقال عليه الصلاة والسلام " لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه " رواه أحمد والنسائي [أخرجه البخاري رقم 1906 ، ومسلم رقم 1080/3 ]


ففي الحديث الأول الأمر بالصيام عند رؤيته في البداية والإفطار عند رؤيته في النهاية ، ومعنى ذلك أن محل الصيام ما بين الهلالين فقط .


وفي الحديث الثاني : النهي عن الصيام قبل رؤية الهلال ، والنهي عن الإفطار قبل رؤيته ، وقد جاء النهي الصريح عن تقدم الشهر بصيام على نية أنه منه ، لأن ذلك زيادة على ما شرعه الله عز وجل ، فقد روى الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما " لا تصوموا قبل رمضان " [أخرجه الترمذي رقم 687 وقال : حديث ابن عباس حديث حسن صحيح ] ،


وروى أبو داود عنه " لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين " [أخرجه أحمد 1/158 ، 226 ، والدارمي رقم 1690 ، والترمذي رقم 688وابن خزيمة رقم 1912]


ولهذا ورد النهي عن صوم يوم الشك ، وقال عمار " من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم " رواه أبو داود والترمذي وصححه ، وقال : والعمل عليه عند أكثر أهل العلم [أخرجه أبو داود رقم 2334 ، والترمذي رقم 686 ، والنسائي رقم 2190 ، وابن ماجة رقم 1645 ، وقال الترمذي : حسن صحيح ]


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لأن الأصل والظاهر عدم الهلال فصومه تقدم لرمضان بيوم ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه .


وأصول الشريعة أدل على هذا القول منها على غيره ، فإن المشكوك في وجوبه لا يجب فعله ولا يستحب ، بل يستحب ترك فعله احتياطا ، فلم تحرم أصول الشريعة الاحتياط ، ولم توجبه بمجرد الشك .. انتهى .



ومن هذا نعلم بطلان دعوة الذين يدعون إلى أن نعتمد على الحساب الفلكي في صومنا وإفطارنا ، لأنهم بذلك يدعوننا إلى أن نصوم ونفطر قبل رؤية الهلال فنتقدم رمضان بيوم أو يومين ونصوم يوم الشك إلى غير ذلك من المحاذير .


ومن آداب الصيام تأخير السحور إن لم يخش طلوع الفجر الثاني لقول زيد بن ثابت رضي الله عنه : " تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة ، قلت كم كان بينهما ، قال قدر خمسين آية " متفق عليه [أخرجه البخاري رقم 1921 ومسلم رقم 1097] ، وفي حديث أبي ذر : "لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطور " [أخرجه أحمد 5/172 ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/140] ، ولأن ذلك أقوى على الصيام ، والله تعالى يقول " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " [البقرة 187]


والمراد به سواد الليل وبياض النهار ، وبعض الناس اليوم يسهرون معظم الليل ، فإذا أرادوا النوم تسحروا وناموا وتركوا صلاة الفجر ، فهؤلاء صاموا قبل وقت الصيام وتركوا صلاة الفجر ولا يبالون بأوامر الله ، فأي شعور عند هؤلاء نحو دينهم وصيامهم وصلاتهم إنهم لا يبالون ماداموا يعطون أنفسهم ما تهوى .


ومن آداب الصيام : تعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " متفق عليه [ أخرجه البخاري رقم 1957 ، ومسلم رقم 1098] أي لا يزال أمر هذه الأمة معظما وهم بخير ماداموا محافظين على هذه السنة .



ومن آداب الصيام : أن يفطر على رطب ، فإن لم يجد فعلى تمر ، لأنه صلى الله عليه وسلم ( كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم تكن فعلى تمرات فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء ) رواه أبو داود والترمذي



[أخرجه أبوداود رقم 3256 ، والترمذي رقم 543 ، وأحمد في المسند 3/164 ، والحاكم في المستدرك 1/432 ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، وسكت عنه الذهبي ] ،


ولا ينبغي المبالغة بما يقدم عند الإفطار من أنواع الأطعمة والأشربة ، لأن هذا يخالف السنة ، ويشغل عن الصلاة مع الجماعة .


وصلى الله وسلم على نبينا محمد
.







 
قديم 12-09-08, 02:48 PM   رقم المشاركة : 13
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


الدرس الثاني عشر : في بيان ما يحرم في حق الصائم

الحمد لله على فضله وإحسانه ، والصلاة والسلام على نبينا محمد الداعي إلى رضوانه ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وتمسك بسنته إلى يوم الدين ... أما بعد :


اعلموا أن للصوم آدابا تجب مراعاتها والتخلق بها ، ليكون الصوم متمشيا على الوجه المشروع لتترتب عليه فوائده ، ويحصل المقصود منه ولا يكون تعبا على صاحبه بدون فائدة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع " [أخرجه ابن ماجة رقم 1690 ، والنسائي في سننه الكبرى رقم 3249 ، وأحمد 2/ 373 ، والحاكم في المستدرك 1/431 والبيهقي في سننه الكبرى 4/ 27 ، وقال الحاكم : صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي ] ،



فليس الصوم مجرد ترك الطعام والشراب فقط ، ولكنه مع ذلك ترك ما لا ينبغي من الأقوال والأفعال المحرمة أوالمكروهة .


قال بعض السلف : أهون الصيام ترك الطعام والشراب ،


فإنه لا يتم التقرب إلى الله بترك الشهوات المباحة إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله عليه في كل حال ، والمسلم وإن كان واجبا عليه ترك الحرام في كل وقت إلا أنه في وقت الصيام آكد ، فالذي يفعل الحرام في غير وقت الصيام يأثم ويستحق العقوبة ، وإذا فعله في وقت الصيام فإنه مع الإثم واستحقاق العقوبة يؤثر ذلك على صيامه بالنقص أو البطلان ، الصائم حقيقة هو من صام بطنه عن الشراب والطعام وصامت جوارحه عن الآثام ، وصام لسانه عن الفحش ورديء الكلام ، وصام سمعه عن استماع الأغاني والمعازف والمزامير وكلام المغتاب والنمام ، وصام بصره عن النظر إلى الحرام .


قال النبي صلى الله عليه وسلم " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخاري [أخرجه البخاري رقم 1903]


إنه يجب على الصائم أن يجتنب الغيبة والنميمة والشتم ، لما روى الشيخان عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم " [أخرجه البخاري رقم 1894 ، ومسلم رقم 1151] .


وفي الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا " الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل ، فإن سابه أحد فليقل إني امرؤ صائم " [أخرجه البخاري رقم 1904 ، ومسلم رقم 1151/163]


والجنة : بضم الجيم ، ما يستر صاحبه و يمنعه أن يصيبه سلاح غيره ، فالصيام يحفظ صاحبه من الوقوع في المعاصي التي عاقبتها العذاب العاجل والآجل .


والرفث : هو الفحش ورديء الكلام ، وروى الإمام احمد وغيره مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم " إن الصيام جنة ما لم يخرقها " قيل بم يخرقها ؟ قال " بكذب أو غيبة " [أخرج الفقرة الأولى منه النسائي 4 / 167 رقم 2231 ، وأحمد في المسند 1/ 195 ، 196 ، وأبو يعلى في المسند 2/ 181 رقم 878 ، والبيهقي في الشعب 7/ 173 رقم 3294، 7/249 رقم 3370 ]


ففي هذا دليل على أن الغيبة تخرق الصيام ، أي تؤثر فيه ، والجُنّة إذا انخرقت لم تنفع صاحبها ، فكذلك الصيام إذا انخرق لم ينفع صاحبه .


والغيبة كما بينها الرسول صلى الله عليه وسلم هي "ذكرك أخاك بما يكره" [أخرجه مسلم رقم 2589 ، وأبوداود رقم 4874 ، والترمذي رقم 1934]


وجاء أنها تفطر الصائم كما في مسند الإمام أحمد : " أن امرأتين صامتا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكادتا أن تموتا من العطش ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنهما ، ثم ذكرتا له فدعاهما فأمرهما أن يستقيئا ، أي تستفرغاما في بطونهما ، فقاءتا ملء قدح قيحا ودما صديدا ولحما عبيطا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن هاتين صامتا عما حل الله لهما ، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما ،جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان من لحوم الناس " [أخرجه أحمد 5/431]



وما حصل من هاتين المرأتين عند الرسول من تقيؤ هذه المواد الخبيثة الكريهة هو مما أجراه الله على يد رسوله من المعجزات ليتبين للناس ما للغيبة من آثار قبيحة ، وقد قال الله تعالى " ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا " [الحجرات 12]


وقد دل الحديث على أن الغيبة تفطّر الصائم ، وهو تفطير معنوي ، معناه بطلان الثواب عند الجمهور .


وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه .







 
قديم 12-09-08, 02:49 PM   رقم المشاركة : 14
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


الدرس الثالث عشر: في بيان ما يكره للصائم

الحمد لله رب العالمين اختص الصيام لنفسه من بين سائر الأعمال، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه خير صحب وآل، أما بعد:

اعلموا أن الصائم في عبادة عظيمة لا يليق به أن يعكر صفوها بما يخل بها من الأقوال والأفعال غير المناسبة، لأنه في عبادة ما دام صائما حتى في حالة نومه إذا قصد به التقوي على الصيام وصلاة الليل فإن نومه يكون عبادة فلا ينبغي له أن يتلبس بحالة لا تتناسب مع هذه العبادة، ولهذا كان السلف الصالح إذا صاموا جلسوا في المساجد وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدا حرصا منهم على صيانة صيامهم.

والمسلم الصائم لا يتعين عليه أن يكون دائما في المسجد، لأنه يحتاج إلى مزاولة أعمال يحتاج إليها في معيشته، لكن يجب عليه المحافظة على حرمة صيامه أينما كان فيحرم عليه التفوه بالرديء من الكلام كالسب والشتم ولو سبه أحد أو شتمه لا يرد عليه بالمثل، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم" [أخرجه البخاري رقم 1894، 1904، ومسلم رقم 1151]، وروى الحاكم والبيهقي عنه: "ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم" [أخرجه الحاكم في المستدرك 1/431، والبيهقي في سننه الكبرى 4/270، والديلمي في مسند الفردوس رقم 5224، وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي]،


فدلت هذه الأحاديث على أن مما يتأكد على الصائم الاعتناء بصيامه والمحافظة عليه، وأنه لو تعدى عليه أحد بالضرب والشتم لم يجز له الرد عليه بالمثل، وإن كان القصاص جائزا، لكن في حالة الصيام يمتنع من ذلك ويقول: إني صائم، وإذا كان ذلك لا يجوز قصاصا فالابتداء به أشد تحريما وأعظم إثما، لأن الاعتداء يحرم في كل وقت كما قال تعالى: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [البقرة 190].

والاعتداء في حالة الصيام أشد شناعة وأعظم إثما، فيجب على الصائم أن يكف لسانه عما لا خير فيه من الكلام، كالكذب والغيبة والنميمة والمشاتمة وكل كلام قبيح، وكذا كف نفسه وبدنه عن سائر الشهوات والمحرمات، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يترك قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" [أخرجه البخاري رقم 1903]


وقوله صلى الله عليه وسلم "فلا يرفث ولا يفسق" وسر الصوم ومقصوده كسر النفس عن الهوى، والقوة على التحفظ من الشيطان وأعوانه،


قال بعض العلماء: ينبغي له أن يصوم بجميع جوارحه ببشرته وبعينه وبلسانه وبقلبه، فلا يغتب ولا يشتم ولا يخاصم ولا يكذب ولا يضيّع زمانه بإنشاد الأشعار ورواية الأسمار، والمضحكات والمدح والذم بغير حق، ولا يمد يده إلى باطل ولا يمشي برجله إلى باطل، وقد قال العلماء: إن الغيبة كما تكون باللسان تكون بغيره كالغمز بالعين واليد والشفة.

والصوم ينقص ثوابه بالمعاصي وإن لم يبطل بها، فقد لا يحصل الصائم على ثواب مع تحمله التعب بالجوع والعطش لأنه لم يصم الصوم المطلوب شرعا بترك المحرمات.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم للصائم إذا شتم بأن يقول إني صائم، ظاهره أنه يقول ذلك بلسانه إعلانا منه بما يمنعه من الرد على الشاتم وهو الصيام، وفي ذلك قطع للشر وتذكير لنفسه وللشاتم بحرمة الصيام ليندفع عنه خصمه بالتي هي أحسن.


هذا ونسأل الله عز وجل أن يعيننا على حفظ صومنا من المناقضات والمنقصات، وأن يوفقنا لفعل الخيرات، وترك المنكرات.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.







 
قديم 14-09-08, 05:29 AM   رقم المشاركة : 15
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


الدرس الرابع عشر: في بيان النوع الأول من مفسدات الصوم

الحمد لله رب العالمين، أمر بإصلاح العمل، ونهى عن إبطاله فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد 33]، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، وبعد:

اعلموا أنه يجب بيان مفسدات الصيام، ليعرفها المسلم فيبتعد عنها، ويكون على حذر منها.

وهذه المفسدات على نوعين:

النوع الأول: ما يبطل الصوم ويلزم معه القضاء.

النوع الثاني: ما يفسد ثواب الصوم ولا يلزم معه القضاء.

فالمفسدات التي تبطل الصوم وتوجب القضاء أنواع:

النوع الأول: الجماع:

فمتى جامع الصائم في نهار رمضان بطل صيامه، وعليه الإمساك بقية يومه، وعليه التوبة إلى الله والاستغفار، ويقضي هذا اليوم الذي جامع فيه، وعليه الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين، أطعم ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع من بر أو غيره مما يكون طعاما في عادة أهل البلد، والذي لا يستطيع الصيام هو الذي لا يقدر عليه لمانع صحيح، وليس معناه من يشق عليه الصيام، والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت وأهلكت، قال: "وما أهلكك؟" قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: "هل تجد ما تعتق به رقبة؟" قال: لا، قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال: لا، قال: "فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟" قال: لا، ثم جلس فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، قال: "تصدق بهذا"، فقال: أعلى أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، قال: "اذهب فأطعمه أهلك"" [أخرجه البخاري رقم 1936، ومسلم رقم 1111].

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الجماع في حق الصائم فيه شبه بالحيض والحجامة من ناحية أنه استفراغ، وفيه شبه بالأكل والشرب من ناحية الشهوة، فقال رحمه الله: وأما الجماع فباعتبار أنه سبب إنزال المني يجري مجرى الاستقاءة والحيض والاحتجام فإنه نوع من الاستفراغ ومن جهة أنه إحدى الشهوتين، فجرى مجرى الأكل والشرب، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه أنه قال في الصائم: "يدع طعامه وشرابه من أجلي" [أخرجه البخاري رقم 1894، ومسلم رقم 1151]، فترك الإنسان ما يشتهيه لله هو عبادة مقصودة يثاب عليها.

والجماع من أعظم نعيم البدن وسرور النفس وانبساطها، وهو يحرك الشهوة والدم والبدن أكثر من الأكل، فإذا كان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والغذاء يبسط الدم فتنبسط نفسه إلى الشهوات، فهذا المعنى في الجماع أبلغ، فإنه يبسط إرادة النفس للشهوات ويشغل إرادتها عن العبادة،


بل الجماع هو غاية الشهوات وشهوته أعظم من شهوة الطعام والشراب، ولهذا أوجب على المجامع كفارة الظهار فوجب عليه العتق أو ما يقوم مقامه بالسنة والإجماع، لأن هذا أغلظ ودواعيه أقوى،


والمفسدة به أشد فهذا أعظم الحكمتين في تحريم الجماع، وأما كونه يضعف البدن كالاستفراغ، فهذه حكمة أخرى، فصار فيها كالاستقاءة والحيض، وهو في ذلك أبلغ منهما، فكان إفساده الصوم أبلغ من إفساد الأكل والحيض.


انتهى كلامه رحمه الله.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.







 
قديم 16-09-08, 10:33 PM   رقم المشاركة : 16
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


الدرس الخامس عشر: في بيان النوع الثاني والثالث من مفسدات الصوم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

اعلموا أن الله قد أباح للصائم الاستمتاع بأهله في ليل الصيام، فقال سبحانه: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} [البقرة 187] والرفث كناية عن الجماع، وقيل الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته،


وعلى كل فتخصيص ذلك بالليل دليل على تحريمه على الصائم في نهار الصيام، وقد تقدم ما يترتب على من جامع في نهار الصيام من رمضان من الكفارة المغلظة، وهذا مما يؤكد على المسلم الابتعاد عما يوقع في المحذور ويخل بصيامه.

والنوع الثاني من المفطرات المفسدات للصوم:

إنزال المني من غير جماع، بل بسبب تقبيل أو مباشرة أو استمناء (وهو ما يسمى بالعادة السرية) أو تكرار نظر، فإذا أنزل الصائم بسبب من هذه الأسباب فسد صومه وعليه الإمساك بقية يومه ويقضي هذا اليوم الذي حصل فيه ذلك، ولا كفارة عليه لكن عليه التوبة والندم والاستغفار والابتعاد عن هذه الأشياء المثيرة للشهوة لأنه في عبادة عظيمة، مطلوب منه أن يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجل ربه عز وجل، والنائم إذا احتلم فأنزل لم يؤثر ذلك على صيامه وليس عليه شيء لأن ذلك بغير اختياره لكن عليه الاغتسال كما هو معلوم.

النوع الثالث من مفسدات الصوم:

الأكل والشرب متعمدا، لقوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة 187] فأباح سبحانه وتعالى الأكل والشرب إلى طلوع الفجر الثاني، ثم أمر بإتمام الصيام إلى الليل، وهذا معناه ترك الأكل والشرب في هذه الفترة ما بين طلوع الفجر إلى الليل.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه قال في الصائم: "يدع طعامه وشرابه من أجلي" ومثل الأكل والشرب إيصال شيء من الطعام أو الشراب إلى الجوف من غير طريق الفم.

وكذا إيصال كل شيء مائع أو جامد إلى جوفه: كأخذ الإبر المغذية وتناول الأدوية وحقن الدم في الصائم لإسعافه به، كل هذه الأمور تفسد صومه لأنها إما مغذية تقوم مقام الطعام،


وأما أدوية تصل إلى حلقه وجوفه فهي في حكم الطعام والشراب كما نص على ذلك كثير من الفقهاء رحمهم الله، أما الإبر غير المغذية، فإن كانت تؤخذ عن طريق الوريد فالذي يظهر أنها تفطر الصائم، لأنها تسير مع الدم وتنفذ إلى الجوف، وإن كانت تؤخذ عن طريق العضل فالأحوط تركها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" [أخرجه النسائي رقم 5727 وأحمد 1/ 200، وابن عدي في الكامل 1/ 203 والطبراني في الصغير رقم 32، 285، والترمذي رقم 2518 وقال: حديث حسن صحيح وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/74: إسناد حسن]


ومن احتاج إلى تناول شيء من هذه المذكورات لحالة مرضية تستدعي ذلك ولا تقبل التأجيل إلى الليل فإنه يتناول ويقضي ذلك اليوم لأنه مريض، والله تعالى رخص للمريض بالإفطار والقضاء من أيام أخر، والاكتحال يعتبره بعض الفقهاء من المفطرات لأنه ينفذ إلى الحلق ويجد الصائم طعم الكحل في حلقه غالبا، فلا ينبغي للصائم أن يكتحل في نهار الصيام، من باب الاحتياط وابتعادا عن الشبهة، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.







 
قديم 16-09-08, 10:35 PM   رقم المشاركة : 17
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


الدرس السادس عشر: في بيان النوع الرابع والخامس من مفسدات الصوم

الحمد لله ذي الفضل والإنعام، جعل الصيام جنة من الآثام، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه خير الأنام وسلم تسليما، أما بعد:

فالنوع الرابع من المفطرات:

استخراج الدم من الصائم بحجامة أو فصد أو سحب للتبرع به أو لإسعاف مريض ونحو ذلك،
والأصل في هذا قوله صلى الله عليه في الحجامة: "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه أحمد والترمذي [أخرجه أبوداد رقم 2367، والنسائي في سننه الكبرى رقم 3134، وابن ماجة رقم 1679 ـ 1681، وابن حبان في صحيحه رقم 3532، والحاكم في المستدرك 1/ 427، وقال صحيح على شرط الشيخين، وأحمد في المسند 5/ 276]، وقد وردت بمعناه أحاديث كثيرة، قال ابن خزيمة: ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والقول بأن الحجامة تفطر مذهب أكثر فقهاء الحديث كأحمد وإسحاق وابن خزيمة وابن المنذر، وأهل الحديث الفقهاء فيه العاملون به أخص الناس باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وهو وفق الأصول والقياس، والذين لم يروه احتجوا بما في صحيح البخاري: إنه احتجم صلى الله عليه وسلم وهو صائم محرم [أخرجه البخاري رقم 1938، 1939، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم]، وأحمد وغيره طعنوا في هذه الزيادة، وهي قوله "وهو صائم"، وقالوا: الثابت أنه احتجم وهو محرم، قال أحمد: "وهو صائم" ليس بصحيح إلى أن قال الشيخ: وهذا الذي ذكره أحمد هو الذي اتفق عليه الشيخان، ولهذا أعرض مسلم عنه ولم يثبت إلا حجامة المحرم. انتهى كلام الشيخ رحمه الله.

وأما خروج الدم بغير قصد من الصائم كالرعاف ودم الجراحة وخلع الضرس ونحوه فإنه لا يؤثر على الصيام، لأنه معذور في خروجه منه في هذه الحالات [لكن يجب عليه الحذر من ابتلاع الدم الخارج من الضرس ونحوه].

النوع الخامس: التقيؤ:

وهو استخراج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم متعمدا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من استقاء عمدا فليقض" حسنه الترمذي [ أخرجه الترمذي رقم 720، وأبو داود رقم 2380، وابن ماجة رقم 1676، وقال أبو عيسى: حديث حسن غريب] وقال: العمل عليه عند أهل العلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فنهى عن إخراج ما يقويه ويغذيه من الطعام والشراب الذي به يتغذى، لما يوجب إخراجه من نقصان بدنه وضعفه، فإنه إذا مكن منه ضره وكان متعديا في عبادته لا عادلا فيها.

أما إذا غلبه القيء وخرج منه بغير اختياره فإنه لا يؤثر على صيامه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء" رواه الترمذي [انظر تخريج الحديث السابق]، ومعنى ذرعه القيء: غلبه.

ومما ينهى عنه الصائم المبالغة في المضمضة والاستنشاق، قال صلى الله عليه وسلم: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" [أخرجه أبو داود رقم 142، 143، وابن ماجة رقم 407، وابن خزيمة في صحيحه رقم 150، وابن حبان في صحيحه رقم 159 والحاكم 1/ 147 ـ 148، وأحمد 4/ 33، وصححه الذهبي وابن حجر].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وذلك لأن نشق الماء بمنخريه ينزل الماء إلى حلقه وإلى جوفه فيحصل له ما يحصل للشارب بفمه، ويغذي بدنه من ذلك ويزول العطش بشرب الماء.

ويباح للصائم التبرد بالماء بالاستحمام به على جميع بدنه، ويحترز من دخول الماء إلى حلقه، ومن أكل أو شرب ناسيا فلا شيء عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" [أخرجه البخاري رقم 1933، ومسلم رقم 1155] وهذا من لطف الله بعباده وتيسيره عليهم، وقوله: "فليتم صومه" دليل على أن صومه صحيح وكذا لو طار إلى حلقه غبارٌ أو ذباب لم يؤثر على صيامه لعدم إمكان التحرز من ذلك.

واعلموا رحمكم الله أنه يجب على المسلم التحفظ على صيامه عما يخل به من المفطرات والمنقصات، فإذا حصل شيء من ذلك عن طريق النسيان فلا حرج عليه لقوله صلى الله عليه وسلم "عُفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"


[أخرجه البيهقي في سننه الكبرى 6/ 84 عن ابن عمر بلفظ " وضع عن أمتي " وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير 2/97 رقم 1430 بلفظ "إن الله تجاوز عن أمتي ثلاثة" عن ثوبان].

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.







 
قديم 16-09-08, 10:40 PM   رقم المشاركة : 18
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


الدرس السابع عشر: في بيان الأحكام المتعلقة بقضاء الصوم

الحمد لله رب العالمين شرع فيسر {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج 78] والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، أما بعد:

فاعلموا أنه يجب عليكم معرفة أحكام القضاء في حق من أفطر في نهار رمضان لعذر من الأعذار الشرعية، قال الله تعالى: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة} [البقرة 185].

ففي آخر هذه الآية الكريمة رخص الله بالإفطار في رمضان للمريض والمسافر، وأوجب عليهما القضاء إذا أخذا بالرخصة فأفطرا بأن يصوما عدد الأيام التي أفطراها من شهر آخر، وإن صاما رمضان ولم يأخذا بالرخصة فصومهما صحيح ومجزي عند جمهور أهل العلم وهو الحق،


وبين سبحانه الحكمة في هذه الرخصة، وهي أنه أراد التيسير على عباده ولم يرد لهم العسر والمشقة بتكليفهم بالصوم في حالة السفر والمرض، وأن الحكمة في إيجاب القضاء هي إكمال عدد الأيام التي أوجب الله صومها، ففي هذه الرخصة جمع بين التيسير واستكمال العدد المطلوب صومه، وهناك صنف ثالث ممن يرخص لهم بالإفطار، وهم الكبير الهرم والمريض المزمن، إذا لم يطيقا الصيام،


قال تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة 184]، ومعنى يطيقونه: يكلفونه ويشق عليهم، فعليهم بدل الصيام إطعام مسكين عن كل يوم، وهذا على ما ذهب إليه طائفة من العلماء في تفسير الآية وأنها لم تنسخ، وألحق بهؤلاء الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو على ولديهما من الصيام، كما روى عن ابن عباس أنه قال لأم ولد له حامل أو مرضعة: أنت بمنزلة الذين لا يطيقون الصيام، وعن ابن عمر أن إحدى بناته أرسلت تسأله عن صوم رمضان وهي حامل، قال: تفطر وتطعم عن كل يوم مسكينا، هؤلاء جميعا يباح لهم الإفطار في نهار رمضان نظرا لأعذارهم الشرعية ثم هم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:

1ـ قسم يجب عليهم القضاء فقط ولا فدية عليهم، وهم المريض والمسافر والحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما.

2 ـ وقسم يجب عليهم الفدية فقط ولا قضاء عليهم وهم العاجزون لهرم أو مرض لا يرجى برؤه.

3 ـ قسم يجب عليه القضاء والفدية وهم الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فقط، والفدية هنا: إطعام مسكين نصف صاع من طعام البلد عن كل يوم.


وهكذا ديننا يسر وسماحة يتمشى مع ظروف الإنسان ولا يكلفه ما لا يطيقه أو يشق عليه مشقة شديدة غير محتملة، يشرع للحضر أحكاما مناسبة وللسفر أحكاما مناسبة، ويشرع للصحيح ما يناسبه وللمريض ما يناسبه.

ومعنى هذا أن المسلم لا ينفك عن عبادة الله في جميع أحواله وأن الواجبات لا تسقط عنه سقوطا نهائيا، ولكنها تتكيف مع ظروفه.

قال الله تعالى: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الحجر 99] وقال عيسى عليه السلام فيما ذكره الله عنه: {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا} [مريم 31].

ومن الناس من يريد أن يستغل سماحة الإسلام استغلالا سيئا فيبيح لنفسه فعل المحرمات وترك الواجبات، ويقول الدين يسر، نعم إن الدين يسر ولكن ليس معنى ذلك أن ينفلت الإنسان من أحكامه ويتبع هوى نفسه، وإنما معنى سماحة الإسلام أنه ينتقل بالعبد من العبادة الشاقة إلى العبادة السهلة التي يستطيع أداءها في حالة العذر، ومن ذلك الانتقال بأصحاب الأعذار الشرعية من الصيام أداء في رمضان إلى الصيام قضاء في شهر آخر عندما تزول أعذارهم أو الانتقال بهم من الصيام إلى الإطعام إذا كانوا لا يقدرون على القضاء، فجمع لهم بين أداء الواجب وانتفاء المشقة والحرج، فلله الحمد والمنة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.







 
قديم 17-09-08, 04:22 PM   رقم المشاركة : 19
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


الدرس الثامن عشر: في بيان أحكام القضاء

الحمد لله القائل: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أُخر} [البقرة 185]، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وأصحابه السادة الغرر، أما بعد:

فاعلموا أن من أفطر في رمضان بسبب مباح، كالأعذار الشرعية التي تبيح الفطر، أو بسبب محرم كمن أبطل صومه بجماع أو غيره وجب عليه القضاء لقوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} [البقرة 184] ويستحب له المبادرة بالقضاء لإبراء ذمته، ويستحب أن يكون القضاء متتابعا، لأن القضاء يحكي الأداء، وإن لم يقض على الفور وجب العزم عليه، ويجوز له التأخير لأن وقته موسع، وكل واجب موسع يجوز تأخيره مع العزم عليه، كما يجوز تفرقته بأن يصومه متفرقا، لكن إذا لم يبق من شعبان إلا قدر ما عليه فإنه يجب عليه التتابع إجماعا لضيق الوقت ولا يجوز تأخيره إلى ما بعد رمضان الآخر لغير عذر، لقول عائشة رضي الله عنها: "كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم" متفق عليه. [أخرجه البخاري رقم 1950 ومسلم رقم 1146].

فدل هذا على أن وقت القضاء موسع إلى أن لا يبقى من شعبان إلا قدر الأيام التي عليه فيجب عليه صيامها قبل دخول رمضان الجديد، فإن أخر القضاء حتى أتى عليه رمضان الجديد فإنه يصوم رمضان الحاضر ويقضي ما عليه بعده، ثم إن كان تأخيره لعذر لم يتمكن معه من القضاء في تلك الفترة، فإنه ليس عليه إلا القضاء، وإن كان لغير عذر وجب عليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد.


وإذا مات من عليه القضاء قبل دخول رمضان الجديد فلا شيء عليه، لأن له تأخيره في تلك الفترة التي مات فيها، وإن مات بعد رمضان الجديد فإن كان تأخيره القضاء لعذر كالمرض والسفر حتى أدركه رمضان الجديد فلا شيء عليه أيضا، وإن كان تأخيره لغير عذر وجبت الكفارة في تركته بأن يخرج عنه إطعام مسكين عن كل يوم، وإن مات من عليه صوم كفارة، كصوم كفارة الظهار والصوم الواجب عن دم المتعة في الحج، فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكينا ولا يصام عنه، ويكون الإطعام من تركته، لأنه صيام لا تدخله النيابة في الحياة، فكذا بعد الموت، وهذا هو قول أكثر أهل العلم.

وإن مات من عليه صوم نذر استحب لوليه أن يصوم عنه لما ثبت في الصحيحين: "أن امرأة جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صيام نذر أفأصوم عنها؟، قال: "نعم"" [أخرجه البخاري رقم 1953 ومسلم 1148].

والولي هو الوارث، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: يصام عنه النذر دون الفرض الأصلي، وهذا مذهب أحمد وغيره، والمنصوص عن ابن عباس وعائشة وهو مقتضى والقياس، لأن النذر ليس واجبا بأصل الشرع، وإنما أوجبه العبد على نفسه فصار بمنزلة الدين، ولهذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالدين.

وأما الصوم الذي فرضه الله عليه ابتداء فهو أحد أركان الإسلام فلا تدخله النيابة بحال، كما لا تدخل الصلاة والشهادتين، فإن المقصود منهما طاعة العبد بنفسه وقيامه بحق العبودية التي خُلق لها وأمر بها، وهذا لا يؤديه عنه غيره ولا يصلي عنه غيره.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يطعم عنه كل يوم مسكين، وبذلك أخذ أحمد وإسحاق وغيرهما، وهو مقتضى النظر كما هو موجب الأثر،


فإن النذر كان ثابتا في الذمة فيفعل بعد الموت، وأما صوم رمضان فإن الله لم يوجبه على العاجز عنه، بل أمر العاجز بالفدية طعام مسكين، والقضاء إنما من قدر عليه لا على من عجز عنه، فلا يحتاج إلى أن يقضي أحد عن أحد، وأما صوم النذر وغيره من المنذورات فيفعل عنه بلا خلاف للأحاديث الصحيحة.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.







 
قديم 19-09-08, 03:12 PM   رقم المشاركة : 20
السليماني
عضو ماسي








السليماني غير متصل

السليماني is on a distinguished road


الدرس التاسع عشر: في صلاة التراويح وأحكامها

الحمد لله رب العالمين شرع لعباده في شهر رمضان أنواع الطاعات وحثهم على اغتنام الأوقات، والصلاة والسلام على نبينا محمد، أول سابق إلى الخيرات، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:

اعلموا وفقني الله وإياكم أن مما شرعه لكم نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر المبارك صلاة التراويح وهي سنة مؤكدة، سميت تراويح لأن الناس كانوا يستريحون فيها بين كل أربع ركعات

[أي بين كل تسليمتين، لأن التراويح مثنى مثنى، وصلاة التهجد كذلك، وقد يغلط بعض أئمة المساجد الذين لا فقه لديهم فلا يسلم بين كل ركعتين في التراويح أو التهجد وهذا خلاف السنة، وقد نص العلماء على أن من قام إلى ثالثة في التراويح أو في التهجد فهو كمن قام إلى ثالثة في فجر أي تبطل صلاته،


وسنذكر في آخر الكتاب إن شاء الله جوابا للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله يرد على هؤلاء ويبين خطأهم]


لأنهم كانوا يطيلون الصلاة وفِعلها جماعة في المسجد أفضل،


فقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ليالي ثم تأخر عن الصلاة بهم خوفا من أن تفرض عليهم، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة وصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" [أخرجه البخاري رقم 1129 ومسلم رقم 761]


وذلك في رمضان وفعلها صحابته من بعده، وتلقتها أمته بالقبول، وقال صلى الله عليه وسلم: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" [أخرجه أبو داود رقم 1375 وابن ماجة رقم 1327 والنسائي رقم 1365، 1606 والترمذي رقم 806، وقال: هذا حديث حسن صحيح] وقال عليه الصلاة والسلام: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه [أخرجه البخاري رقم 2009 ومسلم رقم 759]، فهي سنة ثابتة لا ينبغي للمسلم تركها.



أما عدد ركعاتها فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر في ذلك واسع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: له أن يصلي عشرين ركعة كما هو المشهور من من مذهب أحمد والشافعي، وله أن يصلي ستا وثلاثين كما هو مذهب مالك، وله أن يصلي إحدى عشرة ركعة وثلاث عشر ركعة وكل حسن، فيكون تكثير الركعات أو تقليلها بحسب طول القيام وقصره.


وعمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي صلى بهم عشرين ركعة، والصحابة رضي الله عنهم منهم من يقل ومنهم من يكثر، والحد المحدود لا نص عليه من الشارع صحيح، وكثير من الأئمة ـ أي أئمة المساجد ـ في التراويح يصلون صلاة لا يعقلونها ولا يطمئنون في الركوع ولا في السجود، والطمأنينة ركن، والمطلوب في الصلاة حضور القلب بين يدي الله تعالى واتعاظه بكلام الله إذا يتلى، وهذا لا يحصل في العجلة المكروهة، وصلاة عشر ركعات مع طول القراءة والطمأنينة أولى من عشرين ركعة مع العجلة المكروهة، لأن لب الصلاة وروحها هو إقبال القلب على الله عز وجل ورب قليل خير من كثير،


وكذلك ترتيل القراءة أفضل من السرعة، والسرعة المباحة هي التي لا يحصل فيها إسقاط شيء من الحروف، فإن أسقط بعض الحروف لأجل السرعة لم يجز ذلك وينهى عنه، واما إذا قرأ قراءة بينة ينتفع بها المصلون خلفه فحسن،


وقد ذم الله الذين يقرؤون القرآن بلا فهم معناه، فقال تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني}


[البقرة 78] أي تلاوة بلا فهم، والمراد من إنزال القرآن فهم معانيه والعمل به لا مجرد التلاوة. انتهى كلامه رحمه الله.

وبعض أئمة المساجد لا يصلون التراويح على الوجه المشروع لأنهم يسرعون في القراءة سرعة تخل بأداء القرآن على الوجه الصحيح، ولا يطمئنون في القيام والركوع والسجود، والطمأنينة ركن من أركان الصلاة، ويأخذون بالعدد الأقل في الركعات، فيجمعون بين تقليل الركعات وتخفيف الصلاة وإساءة القراءة، وهذا تلاعب بالعبادة،


[وبعضهم يخرج صوته خارج المسجد بواسطة الميكرفون فيشوش على من حوله من المساجد، وهذا لا يجوز، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من كان يقرأ القرآن والناس يصلون تطوعا فليس له أن يجهر جهرا يشغلهم به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يصلون في المسجد فقال: "يا أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة" انتهى. [مجموع الفتاوى (23، 61، 62، 63، 64 )]


فيجب عليهم أن يتقوا الله ويحسنوا صلاتهم، ولا يحرموا أنفسهم ومن خلفهم من أداء التراويح على الوجه المشروع.

[وبعض أئمة المساجد يسرع في القراءة ويطيلها من أجل أن يختم القرآن في أول العشر الأواخر أو وسطها فإذا ختمه ترك مسجده وسافر للعمرة وخلف مكانه من قد لا يصلح للإمامة، وهذا خطأ عظيم ونقص كبير، وتضييع لما وكل إليه من القيام بإمامة المصلين إلى آخر الشهر، فقيامه بذلك واجب عليه والعمرة مستحبة، فكيف يترك واجبا عليه لفعل مستحب؟ وإن بقاءه في مسجده وإكماله لعمله أفضل له من العمرة، وبعضهم إذا ختم القرآن خفف الصلاة وقلل القراءة في بقية ليالي الشهر التي هي ليالي الإعتاق من النار وكأن هؤلاء يرون أن المقصود من التراويح والتهجد هو ختم القرآن لا إحياء هذه الليالي المباركة بالقيام اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلبا لفضائلها وهذا جهل منهم وتلاعب بالعبادة، ونرجو الله أن يردهم إلى الصواب].

وفق الله الجميع لما فيه الصلاح والفلاح.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.







 
 

الكلمات الدلالية (Tags)
التراويح, الصيام, العيد, العشر الأواخر, الفوزان

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:46 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "