قراءة في تقرير أمنستي عن جرائم الميليشيات الشيعية
1- إفلات تام من العقاب.. حكم الميليشيات في العراق
دأبت الميليشيات الشيعية خلال الأشهر الأخيرة على اختطاف وقتل مدنيين ّسنة في بغداد ومناطق أخرى من البلاد، وما انفكت هذه الميليشيات التي غالبا ما تقوم الحكومة العراقية بدعمها وتسليحها، تنشط وتعمل وفق مستويات متفاوتة من التعاون مع القوات الحكومية – ما بين موافقة هذه الأخيرة ضمنيا، وتنفيذ عمليات منسقة، بل وحتى مشركة فيما بينها. ولهذه الأسباب، ّ تحمل منظمة العفو الدولية الحكومة العراقية المسؤولية إلى حد كبر عما ترتكبه هذه الميليشيات من انتهاكات جسيمة لحقوق اإنسان، بما في ذلك جرائم الحرب.
واختطف الضحايا من منازلهم أو أماكن عملهم أو لدى مرورهم بنقاط التفتيش، وعُثر على الكثير منهم موتى في وقت لاحق، قيدت أيديهم وأطلق عليهم الرصاص في مؤخرة الرأس، وعزز العاملون في وزارة الصحة من تقارير وروايات عائات الضحايا والشهود؛ وأخبر عاملو الوزارة منظمة العفو الدولية أنه قد وصلتهم في الأشهر الأخيرة عشرات الجثث مجهولة الهوية قتل اصحابها بعيار ناري في مؤخرة الرأس مع تقييد أياديهم في الأغلب بأصفاد أو قيود معدنية أو بلاستيكية أو حبال أو خرق قماش.
وتظهر صور الجثث التي أطلع أقارب الضحايا منظمة العفو الدولية عليها والجثث الأخرى التي تمت مشاهدتها في مرحة بغداد نمطا متسقا من عمليات القتل العمد على شاكلة الإعدامات الميدانية.
ولقد قتل بعض الضحايا حتى بعد أن تمكنت عائاتهم من دفع الفدية لإفراج عنهم. وأخبرت عدد من العائلات منظمة العفو الدولية عن تفاصيل معاناتهم بدءا من تلقى ااتصال الهاتفي المخيف من الخاطفبن، وسعيهم المحموم لتأمين مبلغ الفدية ودفعها، ُوليفاجئوا بعد هذا العناء أن أحبتهم قد قتلوا عى الرغم من ذلك كله.
وقالت إحدى الأمهات الثكالى لمنظمة العفو الدولية: “لقد توسلت الأصدقاء والمعارف كي يقوموا بإقراضي مبلغ الفدية وإنقاذ ابني، ولكن وبعد أن دفعت المبلغ قاموا بقتله، وما من طريقة أمامي الآن لسداد المال الذي اقرضته، كون
ولدي كان الوحيد الذي يعمل من بن أفراد أسرتنا”
وما زال العشرات من الضحايا الآخرين في عداد المفقودين، ولم يعرف مصيرهم أو مكان تواجدهم بعد مرور أسابيع وشهور عى اختطافهم”.
ولقد حرصت منظمة العفو الدولية عى توثيق عشرات حالات الاختطاف وعمليات القتل غير المشروع التي تمت على أيدي عناصر الميليشيات الشيعية في بغداد وسامراء وكركوك علاوة على الإبلاغ عن حالات أخرى كثيرة مشابهة في أنحاء أخرى من البلاد.
وترتكب جرائم من هذه القبيل في ظل ازدياد التوترات الطائفية في البلاد، ومنذ أن خسرت قوات الحكومة العراقية السيطرة عى معظم مناطق شمال العراق لصالح الجماعة الإسامية المسلحة التي تطلق على نفسها اسم “الدولة
الإسامية”.
أواخر يونيو/ حزيران الماضي، تصاعدت وتيرة الهجمات الطائفية بشكل ملحوظ لتصل مستويات غير مسبوقة منذ 2007-2006، وهي الفترة التي شهدت وقوع أسوأ النزاعات المدنية في تاريخ العراق الحديث.
ودأبت الميليشيات الشيعية المدعومة من الحكومة، وجماعات المعارضة السنية المسلحة على استهداف المدنيين من الجانب
الآخر، وبالإضافة إلى الانتهاكات الجماعية التي ارتكبها مقاتلو الدولة الإسامية عى صعيد حقوق الإنسان في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، فلقد قام هؤلاء على نحو متكرر بتفجيرات في المناطق ذات الأغلبية الشيعية في العاصمة بغداد وغيرها من المناطق، حيث استهدفت تلك التفجيرات المدنيين الشيعة عن عمد –لا سيما في أماكن عبادتهم – أو أنهم تسببوا بمقتل المدنيين عى هامش هجماتهم التي استهدفت عناصر قوات الأمن أو الميليشيات الموالية للحكومة.
ومن جانبها، فلقد استغلت الميليشيات الشيعية المناخ المواتي المتمثل بانعدام سيادة القانون والإفات من العقاب،ّ وعملت على اختطاف رجال سنّة
وقتلهم، فيما ظهر أنه انتقام من هجمات الدولة الإسامية، وكذلك أحيانا من أجل ابتزاز ذوي الضحايا للحصول عى اموال مقابل إطلاق سراح المختطفين.
ومع عدم قدرة قوات الحكومة على توفير الأمن والحماية للسكان المدنيين في البلاد أو عدم رغبتها في ذلك، أصبحت الميليشيات تعمل بحرية غير مسبوقة وتمكنت من ارتكاب مثل هذه الجرائم مع إفلاتها من العقاب.
وفي جميع الحالات تقريبا التي يوردها التقرير الحالي، وفي الحالات التي أبلغت منظمة العفو الدولية عنها، كان الجناة الرئيسيون هم من عناصر الميليشيات الشيعية.
ومع ذلك، فلا يمكن تجاهل مسؤولية الحكومة عن مثل هذه الأفعال التي جاءت نتاجاً لتورطها في تسليح تلك الميليشيات ومساندتها وتواطؤ قوات الأمن في ارتكاب تلك الانتهاكات أو غضها الطرف عنها. وفي الوقت نفسه، فلقد استمرت القوات الحكومية ترتكب انتهاكات با هوادة أيضا.
يتبع