كوكب المعرفة تبين لي انك فعلاً طالب حق وهداية, أسأل الله أن يهديني ويهديك إلى ما يحب ويرضى, وبعد:
قوله: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء,{ معنى هذا القول ان الله عز وجل يغفر ما دون الشرك لمن يشاء, ولأن بعضهم ما جمعوا بين الآيات والأحاديث المتواترة اشتبه عليهم الأمر, واعتقدوا ان قوله: {لمن يشاء} أنه يوجد موحدين لم يشأ الله ان يغفر لهم فهذا الدليل ضد أهل السنة!! وهذا الفهم للآية كما ذكرت لم يسبقهم إليه أحد, وهو خاطئ .
ودليل ذلك أن:
قوله: لمن يشاء: يعني من لم يشرك بالله فهو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له مباشرة وان شاء عذبه ثم أخرجه من النار بالشفاعة التي تواترت أحاديثها, ويدل على ذلك أيضا هذه الآية: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ{[الحجر: 2], قال الترمذي في "السنن": هَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2], قَالُوا: إِذَا أُخْرِجَ أَهْلُ التَّوْحِيدِ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُوا الجَنَّةَ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ "
قال ابن كثير في "تفسيره":
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْل، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} قَالَ: هَذَا فِي الجُهنَمين إِذْ رَأَوْهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فَرْوة العَبْدي؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَانَا يَتَأَوَّلَانِ هَذِهِ الآية: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} يَتَأَوَّلَانِهَا: يَوْمَ يَحْبِسُ اللَّهُ أَهْلَ الْخَطَايَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فِي النَّارِ. قَالَ: فَيَقُولُ لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فِي الدُّنْيَا. قَالَ: فَيَغْضَبُ اللَّهُ لَهُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، فَيُخْرِجُهُمْ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَا يَقُولُ أَهْلُ النَّارِ لِلْمُوَحِّدِينَ: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِيمَانُكُمْ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ. قَالَ: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ. قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: { رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ،
أما قوله: لمن يشاء : هل يوجد مانع أن يغفر الله لجميع الموحدين, مباشرة كان أو غير مباشرة ؟؟؟؟؟؟؟ لا يوجد أي مانع أبدا, فإن شاء (غفر لهم جميعا مباشرة؛ لولا أن تواترت الأحاديث بأن صنف من الموحدين سوف يدخلون النار ثم يخرجون بالشفاعة), أو إن شاء (غفر لبعضهم مباشرة وغفر لبعضهم بعد تعذيبهم وهذا ما تواترت عليه الأحاديث, وهو الأصح), فلا معقّب لحكمه سبحانه وتعالى, فإنه إن غفر لهم جميعاً مباشرة فقد أوفى بوعده, وإن غفر لبعضهم مباشرة وبعضهم أخّر لهم المغفرة فقد أوفى بوعده, ثم إن هذه المشيئة التي ذكرها في قوله: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} قد أخبرنا بها الله عز وجل في كتابه وسنة نبيه المتواترة, وسيأتي ذكر ذلك .
مثال توضيحي مُبسّط:
انت معك 100 شخص في دائرتك, ولله المثل الأعلى, فقلت لهم من داوم في دائرة أخرى غير دائرتي فلن أعفو عنه أبدا,, أمّا من لم يفعل ذلك فسأعفوا لمن شئت منكم ,, فجاءك ثلاث أصناف: الصنف الأول: 50 شخص داوموا في دائرة أخرى, والصنف الثاني: 30 شخص لم يداموا إلا في دائرتك ولكنهم يغيبون ومرات يحضرون, والصنف الثالث: 20 شخص ملتزمين لا يغيبون ,,
س/ هل تعتبر أخلفت وعدك إذا فعلت الآتي: عفوت عن الـ 20 شخص مباشرة, وأما الـ 30 شخص ففصلتهم شهرين ثم عفوت عنهم, وأرجعتهم لدائرتك ؟؟؟
ج/ لا وألف لا, فأنت هنا لم تخلف وعدك؛ لأن وعدك أنك لن تغفر للذي داوم في دائرة أخرى, وهؤلاء لم يداوموا إلا عندك, ولله المثل الأعلى .
ثم إن المشيئة المذكورة في هذه الآية: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء{ قد أخبرنا بها الله عز وجل وهي من الغيبيات التي أخبرنا بها نبيه صلى الله عليه وسلم, فقد أخبرنا الله عز وجل أنه سيغفر لصنف من الموحدين مباشرة ويدخلهم الجنة بغير حساب ولا عذاب, وأخبرنا نبيه صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيه ربه عز وجل:- {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى{ أن الله سيعذّب بعض الموحدين ثم يخرجهم من النار ويدخلهم الجنة بشفاعته وشفاعة الأنبياء والمؤمنين والملائكة, وهذا القول أحاديثه متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فلا يوجد أي تعارض عند أهل الحق, الذين يجمعون بين الآيات وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي لا يمكن أن تتعارض أبدا إن صحت هذه الأحاديث .
قال الخليلي في كتابه "الحق الدامغ":
(ومع وجود هذا المخلّص الذي أمرنا بأن نفزع إليه من كوارث الإختلاف, فإن الخلاف لم يزل والشقاق لم يستأصل, فقد تُؤوِل الكتاب تأوّلات شتّى لم تُستمد إلا من الوهم, ولم تُستلهم إلا من الهوى, وكذلك السُنّة ... الخ) ص: 7
فأرجوا منك تطبيق هذه القاعدة العظيمة ؟؟!!!