أورد هنا ما قاله الخليلي كاملًا , ثم الرد على المغالطات التي حواها كلامه وبيان حقيقة موقف الإباضية اتجاه عثمان وعلي رضي الله عنهما , ليتبين لذوي البصيرة حقيقة اعتقاد الإباضية اتجاه الصحابة , وكذب هذا الشخص على عوام الناس .
[ موقف الإباضية من عثمان وعلي ومسائل أخرى , لأحمد الخليلي ]
من شريط مفرغ
* موقف الإباضية من عثمان وعلي رضي الله عنهما:
يقول في سؤاله الأول : من بعض النقاط التي طالما تجول في خاطري ، وتثير التساؤل في ذهني ، نقطة موقف الأباضية من عثمان وعلي - رضي الله عنهما - ولا أخفي عليك أنني أكن لهما حباً عظيماً كما أكنه لعمر وأبو بكر - رضي الله عنهما - وهذا يخلق نوعاً من التضارب في ذهني بين ما عرفته طول حياتي عن عمر وأبو بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهما وبين ما أسمعه من رأي الأباضية في هذا الموضوع.
مكانة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم :
الجواب على هذا البحث أنني أعتقد أن لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم منزلة كبرى ، فقد أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم في كتابه في قوله :
" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً بيتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الأنجيل كزرع أخرج شطأه فأزره فاستغلظ فستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيض بهم الكفار وعد الله الذين أمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما " (الفتح : 29 )
وأثنى الحق تعالى عليهم في قوله :"لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريبا " ( الفتح :18) ، وفي قوله :" للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوأ الدار والأيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " ( الحشر :8) .
وإنني لحريص جداً على دخول في ظل الذين قال الله تعالى عنهم :" والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " ( الحشر:10).
وإنني أعتقد أن أحدنا لو أنفق مثل جبل أحد ذهباً لما ساوا ذلك مد أحدهم أو نصيفه ، كما أخبر بذلك الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - وإنني لحريص جداً على طي صحيفة الفتنة التي كانت بينهم ولم أكن أريد أن يتحدث لساني أو أن يكتب قلمي شيءٌ
عن تلك الفتنة عملاً بقول الله سبحانه :" تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون " ( البقرة : 134) وهذا المبدأ هو الذي أعلنه الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إذ قال :" تلك دماء طهر الله منها أسنتنا أفلا نطهر منها ألسنتنا " وهو نفسه الذي قاله الأمام نور الدين السالمي - رحمه الله - :-
فما مضى قبلك لو بساعة ** فدعه ليس البحث عنه طاعة
نحن الأُلى نسكت عمن قد مضى ** ولا نعد الشتم دين يرتضى
فهذه بلادنا لا تلقى ** فيها يسب الصحب
وهكذا كل بلاد المذهب ** مع كل عالم وكل غبي
جاهلانا لا يعرف الخلافا ** بينهم حتى الممات وافى
وعالم بالاختلاف يمضي ** في السر ما يلزمه من فرض ِ
موقف سماحة الشيخ أحمد الخليلي من الفتنة:
إذا كنت أكره شيء من التاريخ ، فإنني أكره ذلك التاريخ ، تاريخ الفتنة العمياء التي نجمت بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدت إلى تفرق هذه الأمة أشلاء ممزقة حتى طمع فيها عدوها ولو كان بإمكاني محو آثار هذه الدمغات السوداء من صحائف التاريخ ومن أذهان الناس لفعلت ، لتعود الوحدة بين هذه الأمة ، ولكن أنى لي أن أعمل ذلك والقدر قد كتب ما كتب والله سبحانه وتعالى لا راد لحكمه ولا معقب له وكل ما يحدث في هذا الوجود إنما هو بقضاء وقدر منه سبحانه وتعالى ولست هنا بصدد الحكم في تلك الفتنة العمياء ولا على أحد ممن خاض في تلك الفتنة أو ممن أصيب بشيء من شررها ، وإنما كل ما أريده الأن هو دفع التهم التي توجه إلى الأباضية في أنهم يعادون بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وينالون من كرامتهم والذي أريد أن أقوله أن الأباضية ليسو وحدهم في هذا الميدان فكثير من الناس تحدثوا عن تلك الفتنة ودونوا ما حدث فيها وقد كان موقف الأباضية كموقف غيرهم من الذين تحروا الحقيقة مجرد ذكر تلك الأحداث العظيمة التي وقعت في ذلك العصر ولا ريب أن الخلافة الإسلامية قد ولج إليها ما ولج بعد ما كبر الخليفة الثالث واستولى الرجال على أمره كما أثبت ذلك المؤرخون وكان على رأس هؤلاء الذين أوقدوا هذه الفتنة العمياء مروان بن الحكم ابن طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
مواقف القائلين والكاتبين في الفتنة وفي سيدنا عثمان:
* موقف عبد الله بن الأهتم:
ونحن إذا جئنا نتدبر ما قاله القائلون وما كتبه الكاتبون وجدنا أن الناس كانوا غير راضين عن تلك الفتنة ، فلنسمع إلى أحد الخطباء ألقى خطبة أمام الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو عبد الله بن الأهتم الذي وفد مع الوافدين إلى الخليفة العادل بعد ما ولي الخلافة ولم يرى الخليفة إلا وعبد الله بن الأهتم يخطب بدون استئذان منه حمد الله في خطبته وأثنى عليه وصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم ذكر جانباً من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وما واجه من تحديات من قبل قومه ثم ذكر الخليفة الأول ثم ذكر الخليفة الثاني ثم قال بعد ذلك :" ثم أنا والله لم نجتمع بعدهما إلا على ضلع أعوج ، وهذه الخطبة موجودة في الجزء الرابع من كتاب العقد الفريد لأبن عبد ربه ، وموجود أيضاً في البيان و التبيين أما في العقد الفريد فهي في الجزء الرابع في الصفحة الرابعة والتسعين وكلامه يعني انتقاد الأوضاع بعد عهد الخليفتين أبي بكر وعمر باللوم جاء في كثير من الكتب ذكر بعض الأحداث التي وقعت في عصر الخليفة الثالث عثمان بن عفان بعد ما بلغ من الكبر عتيا وتدخل مروان بن الحكم في أمر المسلمين .
ولنسمع إلى ما يقول أبن قتيبة صاحب كتاب الإمامة والسياسة وهو يقول في الجزء الأول من هذا الكتاب صفحة خمسة وثلاثين تحت عنوان ما أنكر الناس على عثمان قال :" وذكروا أنه أجتمع الناس من أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام - فكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله وسنة الصاحبين وما كان من هبته قوت افريقية لمروان وفيه حق الله ورسوله ومنهم ذوي القربى و اليتامى و المساكين وما كان من تطاوله في البنيان حتى عدو سبع دور بناها في المدينة ، داراً لنائلة وداراً لعائشة وغيرهما من أهله، وبنيان مروان القصور بذي خشب وعمارة الأموال بها من الخمس الواجب لله ولرسوله وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمه من بني أمية أحداث وخيمة لا صحبة لهم من الرسول ولا تجربة لهم بالأمور وما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة إذ صلى بهم الصبح وهو أمير عليها سكران أربع ركعات ثم قال لهم إن شئتم أزيدكم صلاة زدتكم وتعطيله إقامة الحد عليه وتأخيره ذلك عنه ، وتركه المهاجرين و الأنصار لا يستعملهم على شيء ولا يستشيرهم واستغنى برأيه عن رأيهم وما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة وما كان من إدراره القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام من المدينة ليست لهم صحبة من النبي عليه الصلاة والسلام ثم لا يغزون ولا يدبون وما كان من مجاوزته الخيزران إلى الصوت وأنه أول من ضرب بالسياط ظهور الناس وإنما كان ضرب الخليفتين قبله بالدرة والخيزران ثم تعاهد القوم ليدفعون الكتاب في يد عثمان وكان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وكانوا عشرة فلما خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان والكتاب في يدي عمار جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده فمضى حتى جاء دار عثمان فستأذن عليه فأذن له في يوم شاتٍ فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب قال: نعم قال: ومن كان معك؟ قال
كان معي نفر تفرقوا فرقا منك قال: من هم؟ قال: لا أخبرك بهم. قال : فلم اجترأت علي من بينهم؟ فقال مروان: يا أمير المؤمنين إن هذا العبد الأسود(يعني عمار)قد جرأ عليك الناس وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه قال عثمان: أضربوه. وضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فعشي عليه فجروه حتى طرحوه على باب الدار فأمرت به أم سلمه زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل منزلها وغضب فيه بني مغيرة وكان حليفهم فلما خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن الوليد بن المغيرة فقال: أما والله لأن مات عمار من ضربه هذا لأقتلن به رجلا عظيما من بني أمية .
فقال عثمان: لست هناك " إلى أخر ما جاء في كلامه.
وهذا موجود في الصفحة الخامسة والثلاثين والسادسة والثلاثين من الجزء الأول من كتاب الإمامة والسياسة وليس هو من مؤلفات الإباضية
وإذا جئنا إلى أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحاضر نجد كثيرا منهم أيضا تناولوا هذه الفتنة وتحدثوا عما جرى فيها بكل جرأة ومن بين هؤلاء شهيد الإسلام الأستاذ }سيد قطب في كتابه" العدالة الإجتماعية في الإسلام" ولنسمع بعض ما قاله الأستاذ سيد قطب في صفحة مائتين وعشرة من الكتاب المذكور يقول: " هذا التصور لحقيقة الحكم قد تغير شيئا ما دون شك على عهد عثمان وأن بقي في سيلج الإسلام لقد أدركت الخلافة عثمان وهو شيخ كبير ومن وراءه مروان بن الحكم يصرف الأمر بكثير من الانحراف عن الإسلام كما أن طبيعة عثمان الرخية وحدبه الشديد على أهله قد ساهم كلاهما في صدور تصرفات أنكرها الكثيرون من الصحابة من حوله وكان لها معقبات كثيرة وآثار في الفتنة التي عانى الإسلام منها كثيرا.
منح عثمان من بيت المال زوج ابنته الحارث بن الحكم يوم عرسه مائتي ألف درهم فلما أصبح الصباح جاء زيد بن الأرقم خازن مال المسلمين وقد بدى في وجهه الحزن وترقرقت في عينيه الدموع فسأله أن يعفيه من عمله ولما علم منه السبب وعرفه أنه عطيته لصهره من مال المسلمين. قال مستغربا:"أتبكي يا ابن الأرقم أن وصلت رحمي" فرد الرجل الذي يستشعر روح الإسلام المرهف لا يا أمير المؤمنين ولكن أبكي لأني أضنك أخذت هذا المال عوضا عن ما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله ،والله لو أعطيته مائة درهم لكان كثيرا فغضب عثمان على الرجل الذي لا يطيق ضميره هذه التوسعة من مال المسلمين على أقارب خليفة المسلمين وقال:" له ألق بالمفاتيح يا ابن الأرقم ، فان سنجد غيرك ".
موقف سيدنا علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - : *
والأمثلة كثيرة في سيرة عثمان على هذه التوسعات وقد منح الزبير ذات يوم ستمائة ألف ومنح طلحة مائتي ألف ونفل مروان بن الحكم خمس خراج إفريقيا ولقد عاتبه في ذلك ناس من الصحابة على رأسهم علي بن أبي طالب فأجاب: " إني لي قربة ورحماً" فأنكروا عليه وسألوه:" فما كان لأبي بكر وعمر قرابة ورحم؟"، فقال :" إن أبا بكر وعمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي "، فقاموا عنه غاضبين يقولون :" فهديهما والله أحب إلينا من هديك"، وغير المال كانت الولايات تغدق على الولاة من قرابة عثمان وفيهم معاوية الذي وسع عليه في الملك فضم إليه فلسطين وحلب وجمع له قيادة الأجناد الأربعة ومهد له بعد ذلك أن يطلب الملك في خلافة علي وقد جمع المال والأجناد وفيهم الحكم بن العاص طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي آواه عثمان وجعل ابنه مروان بن الحكم وزيره المتصرف وفيهم عبد الله بن سعدبن أبي السرح أخوه من الرضاعة ، ولقد كان الصحابة يرون هذه التصرفات الخطير العواقب ، فتداعون إلى المدينة لإنقاذ تقاليد الإسلام إنقاذ الخليفة من المحنة والخليفة في كبرته لا يملك أمره من مروان وأنه من الصعب أن نتهم روح الإسلام في نفس عثمان ولكن من الصعب كذالك أن نعفيه من الخطأ الذي نلتمس أسبابه من ولاية مروان الوزارة في كبرة عثمان ، ولقد إجتمع الناس فكلفوا علي بن أبي طالب أن يدخل إلى عثمان فيكلمه فدخل إليه فقال: " الناس ورائي وقد كلموني فيك والله ما أدري ما أقول لك وما أعرف شيئا تجهله ولا أدلك على أمر لا تعرفه إنك لتعلم ما نعلم ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ولا خلونا بشيء فنبلغك وما خصصنا بأمر دونك وقد رأيت وسمعت وصحبت رسول الله ونلت صهره وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحق منك ولا ابن الخطاب أولى بشيء من الخير منك وإنك أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحما ولقد نلت من صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم ينالا ولا
سبقاك إلى شيء فالله الله في نفسك فإنك والله ما تبصر من عمى ولا تعلم من جهل وإن الطريق لواضح بين وإن أعلام الدين لقائمة تعلم يا عثمان أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدي وهدى ، فأقام سنة معلومة وأمات بدعة متروكة فوالله إن كل لبين ،إن السنن لقائمة لها أعلام ، وإن شر الناس عند الله امام جائر ضل وضل به ، فأمات سنة معلومة ،وأحيى بدعة متروكة ، وأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يؤتى يوم القيامة بالأمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في جهنم". فقال عثمان:" قد والله علمت ليقولن الذي قلت إما والله لو كنت مكاني ما أعنتك ولا أسلمتك ولا أبدو عليك وما جاءت منكرا أن وصلت رحما وسدت خله وآويت ضائعاً ووليت شبيهاً بمن كان عمر يولي ، أشهدك بالله يا علي هل تعلم أن المغيرة بن شعبة ليس هناك "؟ قال :" نعم ". قال :" اتعلم أن عمر ولاه ؟" قال نعم :" فلم تلومني أن وليت ابن عامر في رحمي وقرابتي ؟" قال علي :" سأخبرك إن عمر كان من ولى فإنما يضع على صماخه إن بلغه عنه حرق جلبه ثم بلغ به أقصى الغاية وأنت لا تفعل ، ضعفت وركبت على أقربائك ". قال عثمان :" وأقرابك أيضاً . قال علي :" لعمري إن رحمهم مني لقريب ولكن الفضل في غيرهم ".قال عثمان :" هل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها وقد وليته ؟" قال علي :" أنشدك الله هل تعلم أن معاوية كان أخوف من عمر من يرفع غلام عمر منه؟ " قال :" نعم" قال علي :" فان معاوية يقطع الأمور دونك وأنت لا تعلمها فيقول للناس هذا أمر عثمان فيبلغك ولا تغير على معاوية "
(ينتهي كلام سيد قطب ).
ثم يقول الأستاذ شهيد الأسلام :" بعد ذلك وأخيراً ثارت الثأرة على عثمان وأختلط فيها الحق بالباطل والخير بالشر ، ولكن لابد لمن ينظر إلى أمور ينظر إلى الامور بعين الإسلام ويستشعر الأمور بروح الإسلام أن يقر أن تلك الثورة في عمومها كانت ثورة من روح الإسلام وذلك دون إغفال لمن كان وراءها من كيد اليهود من أبن سبأ - عليه لعنة الله - ".
وهذا كله موجود في كتاب العدالة الأجتماعية في الإسلام من صفحة ماتين وعشرة إلى صفحة ماتين وأثني عشر .
وكثير من الكاتبين تناولوا هذا الموضوع من نقد وتحليل ومن بينهم العلامة المرجودي في كتابه ( الخلافة والملك ) باللوم في كتابه (التجديد لهذا الدين ) وقد علل ما حدث في كتابه (التجديد لهذا الدين):" بأن الخليفة الثالث جاءته الخلافة وقد بلغ من الكبرعتيا ، وكان لم يمنح تلك المواهب التي أوتيهما العظيمان الذان تقدمان . فهل الأباضية وحدهم الذين يتحدثون عن مثل هذه الأشياء أو يكتبون عنها ؟ وهل نستطيع القول بأن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مجمعين على كراهة ما حدث على عثمان مع أن عثمان لم يقتل غيلة وإنما قتل بعد حصار دام نحو شهر ، فهل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين فتتحوا مدائن كسرى وهزموا قيصر واستطاعوا أن يطأوا بأقدامهم على عرشيهما هل كانوا عاجزين عن فك الحصار الذي كان مضروباً على عثمان لمدة شهر وهم في عاصمة الإسلام في المدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ؟
ولننقل هنا ما قاله ابن قتيبة ايضاً في كتابه ( الأمامة والسياسة ) في صفحة ستة وأربعين في دفن عثمان لنستجدي الحقيقة ، يقول :" وذكروا أن عبد الرحمن بن الأزهر قال : لم أكن دخلت في شيء من أمر عثمان لا عليه ولا له فإني لجالس بفناء داري ليلاً بعد ما قتل عثمان بليلة إذ جاءني المنذر بن الزبير فقال إن أخي يدعوك فقمت إليه فقال لي : إنا أردنا أن ندفن عثمان فهل لك ؟ فقلت والله ما دخلت في شيء من شأنه وما أريد ذلك . فانصرفت عنه ثم أتبعته فإذا في نفر فيهم حبير بن مطعم وأبو جهم بن حذيفة و المسور بن محرمة وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير ، فحتملوه على باب وإن رأسه ليقول طق طق فوضعوه في موقع الجنائز فقام إليهم رجال من الأنصار فقالوا لهم :لا والله لا تصلون عليه . فقال أبو الجهم : ألا تدعون نصلي عليه فقد صلى الله عليه وملائكته . فقال له رجل ٌ منهم : إن كنت فأدخلك الله مدخله. قال له : حشرني الله معه . فقال له : إن الله حاشرك مع الشياطين والله إن تركناكم به لزعجتم منا . فقال القوم لأبي جهم :اسكت عنهم وكف ، فسكت فاحتملوه ثم انطلقوا مسرعين ، فكأني اسمع وقع رأسه على اللوح حتى وضعوه في أدنى البقيع ، فأتاهم جبلة بن عمر الساعدي من الأنصار: والله لا تدفنوه في بقيع رسول الله ولا نترككم تصلون عليه . فقال أبو الجهم : فانطلقوا بنا ، إن لم نصلي عليه فقد صلى الله عليه . ووخرجوا ومعهم عائشة بنت عثمان معها مصباح في حق . إذا اتوا به حس كوكب حفروا له حفرة ثم قاموا يصلون عليه وأمامهم حبير بن مطعم ، فلما رأته ابنته صاحت ،فقال ابن الزبير : والله لأن لم تسكت لأضربن الذي فيه عي************ ، فدفنوه ولم يلحدوه بدمن وحثوا عليه الثراب حثوا ".
فهذا الذي نتقله ابن قتيبة وهو من غير الأباضية وهو يدل على موقف جماعة من الأنصار من هذه الفتنة ، فهل يمكن بعد ذلك أن نحكم بأن الذين قتلوه هم رعاع من الناس جاءوا شذاذاً من الآفاق إلى المدينة المنورة فاستطاعوا أن يحققوا مقصدهم وأن يصلوا إلى غايتهم وأن يصدعوا الأسلام بقتل خليفته مع عجز المهاجرين والأنصار عن الكف عنه ، إن ذلك مما لا يقبله المنطق السليم وأنني مع ذلك لا أريد أن أعلق شيئاً على ما قاله المؤرخون ، وأقول إن الأهلة عليهم بأنفسهم ، ولست أستطيع أن أحكم بشيء من تلك الأحداث العظام ، وأنما أقول ما قلته من قبل بأن السلامة في العمل بقول الله سبحانه :" تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون " وأنما أردت بما ذكرتموها هنا تبرئة ذمة الأباضية من التهمة ، فهم ليسوا وحدهم الذين يتحدثون عن هذه الأحداث التي وقعت في عهد الخليفة الثالث وإنما ثم كثير من المؤرخين والكاتبين من المتقدمين والمحدثين تحدثوا عنها فكيف ينحى باللوم على الأباضية وحدهم ، إن ذلك أمر لا يخلوا من تعصب من هؤلاء الذين ينحون بالملامة على الإباضية ويتركون غيرهم من الذين خاضوا في هذه الأحداث بالكلام .
موقف الإباضية من علي وقضية التحكيم:
أما بالنسبة إلى الخليفة الرابع الأمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - فإن الأباضية لا يزيدون عن حكاية ما حدث في عهده ولا ينالون من شخصهِ شيئاً وهم أكثر الناس تقديراً له وأحتراماً لصحبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته منه ، ويدركون كل الأدراك أنه من أفقه صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وأكثرهم إطلاعاً على سيرته عليه أفضل الصلاة والسلام وأكثرهم علماً بكتاب الله سبحانه وتعالى لذلك كثيراً ما يأخذون آرائه في الفقه كما هو واضح في كتب الفقه حتى في الأشياء التي لا يأخذ فيها الجمهور بآراء الخليفة الرابع الأمام علي - كرم الله وجهه - وإنما يذكرون قضية التحكيم ، تحكيم الحكمين الذي أكره عليها الأمام علي ولم يكن راضياً عنها ، ونصحه كثيرٌ من أصحاب العقول والأفكار والبصائر عن قبول التحكيم ، ولكن الظروف أجبرته على قبول التحكيم ، ثم فعل ذلك أنقلب أولئك الذين أرغموه على التحكيم إلى أولئك الذين رفضوا التحكيم بعد ظهور آثار التحكيم السلبية ، فكان السبب في قتلهم وإبادة جمع غفير منهم ، ونجد الأمة جلوها تقف موقف الغير المنصف في هذه القضية ، ونجد أولئك الذين ناصروا الأمام علي ووقفوا بجانبه وعضدوه وحرسوا أن لا تنال الخدعة شيء منه ، ولا من أمره أولئك الذين يرمون من قبل كثير من الكتاب ، فنجد أهل النهروان معرضين للنقد ومعرضين للتكفير من قبل كثير من الكتاب مع أنهم يعذرون الذين ثاروا على الأمام علي بقصد القضاء على الخلافة الأسلامية وبقصد تحويلها إلى ملك عظيم ، فنجدهم يعذرون معاوية بن ابي سفيان وأصحابه أهل الشام ، بينما ينتقدون أهل النهروان ويقولون أن معاوية كان مجتهداً ، فلماذا لا يصوغ الاجتهاد لأهل النهروان ؟ ويقولون أيضاً إن معاوية كان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان هذا مصوغاً لعذره فكثير من أهل النهروان أيضاً من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنهم حرقوص بن زهير السعدي
وعبد الله بن وهب الراسبي ، وأخرون أيضاً كانوا من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا جئنا ما كتبه الأباضية في ذلك نجد كتاباتهم تتسم بالأدب والحشمة وتعظيم مقام الأمام علي وأحترام قرابته من النبي-صلى الله عليه وسلم-حتى في مقام العتاب ، لنسمع إلى أحد من الذين عاتبوا الأمام علي على قبوله تحكيم الحكمين ، ماذا قال له يقول العلامة أبو مسلم في قصيدته الرائية المشهورة برائية المحكمة :-
على أن علت فوق الرماح مصاحف ** ونادوا إلى حكم الكتاب نصير
مكيدة عمر حيث رنت حباله ** وكادت بحور القاصفين تغور
أبى حسن ذرها حكومة فاسق ** جراحات بدر في حشال تفور
أبا حسن أقدم فأنت على هدى ** وأنت بغايات الغوي بصير
أبا حسن لا تعطين دنيدة ** وأنت بسلطان القدير قدير
أبا حسن إن تعطها اليوم لم تزل ** يحل عداها فاجراُ ومبير
أبا حسن أطلقتها لطليقها ** وانت بقيد الأشعري أسير
اتحسبن خيل الله عن خير خصمه ** وسبعون ألفاً فوقهن هصورا
اتوها رعالاً تنسف الشام نسفةً ** نثارات عمار لهن زفير
وصك ثغور القاسطين بفيلق ** له مدٌ من ربه ونصير
فلا يبقى إلا علوةٌ أو تحصهم ** ويركبن صخر قبه وسرير
فمالك والتحكيم والحكم ظاهر ** وأنت عليٌ والشأم تنور
فالدين شك أم هوادة عاجز ** تجوزنها أم للفقار كثير
وهذا كان كلامهم كاه يشعر باحترام الأمام علي وتقديره ، وإنما كانوا يعاتبونه على قبوله التحكيم ونحن نقول إن قبوله للتحكيم كان ليس عن رضاً منه كما ينم عن ذلك كلامه بنفسه ، وهذه القضية تحتاج إلى دراسة ولست أريد أن أخوض فيها وأتحدث عنها طويلاً ، وإنما بحسب ما قلته و الذي أصرح به بأن جميع الأباضية مستعدون أن يطووا صحائف تلك الفتنة التي حدثت في عهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينبت فيها بنبت شفه ، ولا يخط فيها حرفاً واحداً، ولكن لابد من احترام أهل النهروان أيضاً وعدم النيل منهم ، فيجب على المسلمين جميعاً أن يتساعدوا على كف الخوض في تلك الفتن حتى تعود للمسلمين وحدتهم ولا يثيروا أشياء حدثت قبل أربعة عشر قرناً هم في ألف عنا عن إثارتها في هذا العصر الذي هم فيه أحوج ما يكون إلى من يجمع الشمل ويؤلف بين القلوب والله تعالى ولي التوفيق . " اهـ
والان وقت الشروع بالرد ::