أين اختفى أهل السنة في سوريا العلوية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه :
إلى كل الذين يسألون عن أهل السنة في سوريا أين ذهبوا أين غابوا ، أين شخوصهم وأرواحهم ، بل إلى كل الذين يرفعون صور حسن نصر الله في سوريا ، وإلى من تشيع من أهل السنة أقدم هذه المادة والمزيد في المستقبل : (
من واقع سجن تدمر
إلى جميع الذين أصابهم بغي وظلم وعسف العصابة المجرمة الحاكمة في دمشق أن يبادروا إلى تسجيل وتوثيق ما لديهم من معلومات لتقديم المجرمين إلى محكمة عادلة قريبة بإذن الله .
أبو الفرج الناعوري
(أحزان لا تزول)
لا أدري كيف أصف لقائي بهذا الرجل فقد عرفته منذ عشرين عاما ، ثم غاب عني إلى أن التقينا قدرا في أحد شوارع حلب التي أفد إليها كل مدة ..
نظر إلي طويلا ، ونظرت إليه ، ترددت في السلام عليه ؟ فلربما كان شخصا آخر شبيها به ؟!
ولكنه قطع هذا التردد ، واندفع نحوي متعجبا وهو يقول : كأنك نسيتني ؟ أنا فلان الذي كان معك في دورة الرقباء الجامعيين .
صرخت من أعماقي : أهذا أنت ؟ سبحان الله ! لقد تغيرت كثيرا؟ !
ارتسمت على شفتيه ابتسامة مرة ، وهز رأسه : نعم تغيرت كثيرا ولكن أحزاني لم تتغير ولم تتبدل . ثم أردف :ألا تحب أن تسمع قصتي ؟!
أجبته على استحياء : بلى ! ومضيت معه إلى منـزله القريب
قلت : ماذا حدث لك ، أعرف أنك كنت معنا في الدورة ، ثم اختفيت فجأة ، ولم يجرؤ أحد على أن يسأل عنك ؟!
قال : نعم ! اختفيت ، أو أُخفيت اثني عشر عاما في سجن تدمر العسكري ؟! أتدري لماذا ؟
قلت : لا ! ولكن أعرف أن كثيرين من معارفنا وأصدقائنا قد أُخذوا ولم يعودوا ؟ !
قال : اُعتقلتُ وأنا عائد من إجازتي عند مدخل الثكنة .
لم يحقق معي أحد ، ولكن ضابط الأمن أَسَرَّ إلى أحد معارفه بأن تقريرا وصله عني ، ولا بد من سوقي إلى تدمر للتحقيق .
قلت : وساقوك إلى تدمر ؟!
قال لأرى الويلات ! تصورْ أنه لم يستدعني أحد ، ولم يسألني سائل ، وفي نهاية السنة الثانية عشرة استدعيتُ مع مجموعة من الموقوفين ، وأُخذنا للتحقيق أو المحاكمة في طابور طويل !
نظر القاضي إلى ملفي ، ثم صَفَر صفرة طويلة وهو يقول : شو عم تساوي هون يا بن …..
أبوك وأبو اللي جابك لعندي ؟؟؟؟؟؟!!!!!
ثم رمى الملف في وجهي وقال وهو يقلب شفتيه بنـزق وقرف مرددا ما جاء في التقرير : حلبي … يصلي يُخشى منه في المستقبل
أُعدت إلى الزنزانة مرة أخرى ليُنادى عليَّ بعد شهرين تقريبا ويطلق سراحي ؟ !
بدا التأثر على وجهي ، وكادت الدمعة تطفر من عيني .
ركّز نظره علي وقال : أحزنك وضعي ؟!
قلت : كثيرا !
قال : كيف لو رأيتَ ما رأيتُ ؟
صمت قليلا وقال : سأذكر لك حادثتين فقط من عشرات الحوادث التي عايشتها بنفسي .
أخذت منديلا ،وتظاهرت بأني أمسح جبهتي وقلت : حدثني عن الإعدامات التي كانت تتم مرتين في الأسبوع
قال: بل كانت تتم كل يوم وكل ساعة ؟!
قلت : كيف ؟
قال : الإعدامات الأسبوعية كانت تتم في ساحة خاصة ولكن هناك إعدامات داخل الزنازين .
قلت : داخل الزنازين ؟ !
قال : نعم ، فقد كان علينا ونحن داخل الزنزانة إذا فتح الجلاد الباب أن نركض ليرتمي بعضنا فوق بعض ، ولسوء الحظ كان معنا شاب صغير السن لم يتعود هذا الأمر ، فتأخر قليلا فأمسك به الجلاد ، وأخرجه من بيننا ووضع رقبته على طرف العتبة، وما زال يعصرها بحذائه العسكري بكل ما أوتي من قوة ، إلى أن فقد المسكين الحركة ، فتركه وقد خمدت أنفاسه !
انطلقنا إلى الشاب فوجدناه قد فارق الحياة ، بذلنا كل ما نعرف وما نستطيع فعله بدون فائدة
انتظرنا قليلا ، ثم طرقنا الباب وقلنا : عندنا سجين مات !
فجاء الوحش وصرخ : كيف مات؟!
كان الشرر يتطاير من عينيه وكأنه لم يفعل شيئا
قلنا : لا ندري
فشتمنا بألفاظه البذيئة ثم فتح الباب لإخراج الجثة .
ترقرقت دمعة صامتة في عيني ، فمسحتها بطرف ثوبي
مرت فترة من الصمت الحزين ، ثم بادرته وقلت :
والحادثة الأخرى ؟
قال : إنها لا تختلف عن الأولى ، ففي أحد أيام رمضان وقبيل الغروب فُتحت أبواب الزنازين للدخول بعد التنفس الذي كان عملية تعذيب يتفنن بها الجلادون .
كانت السياط تلاحقنا فتعثر شاب مريض ولم يستطع الدخول ، فأمسك به الجلاد ووضع رأسه بين الجدار وبين باب الزنزانة الحديدي ، وأخذ يضغط بشدة حتى سقط ميتا لا حراك فيه ثم أشار بلا مبالاة إلى اثنين منا لحمل الجثة إلى سيارة البلدية التي تنقل بها القمامة .
قلت : وهل أفطرتم ؟
قال : نعم ، ولكن على الدموع الصامتة والتأوهات الخافتة ، والدعاء الذي ينطلق إلى السماء غضا طريا .
قلت ، وقد أحسست أن لديه الكثير مما يؤسي النفس :حسبك ، لقد نكأت جراحا في صدري ،لم تلتئم بعد . )