كيف تتقدم أمة تحتقر العمل في الزراعة والصناعة؟
عبدالله خلف
نشأت حضارة بلاد الغرب من اهتمام شعوبها بالزراعة والصناعة وتطورتا مع العلوم والثقافة.. وكلاهما محتقر عند العرب فالصانع (القين) بمثابة العبد المملوك، والقين في اللغة الحداد، وكل صانع قين والجمع أقيان وقيون. جاء في التهذيب كل عامل في الحديد عند العرب قين.. في حديث خباب «كنت قينا في الجاهلية» وفلان قان الحديد قينا سبكه وسواه سيفا أو خنجراً أو عمل أداة للنجارة والبناء قال الشاعر:
ولي كبد مجروحة قد بدت بها
صدوع الهوى، لو أن قينا يقيمها
وكيف يقين القين صدعا فتشتفي
به كبد أبت الجروح أنينها
***
وقن إناءك عند القين لإصلاحه..
ولاحتقار العرب مهنة الصانع قالوا عن الكذاب قين:
بكرت أمية غدوة برهين
خانتك، ان القين غير أمين
والقينة الأمة المغنية، والأمة عموما وان كانت غير مغنية. والقين للتذكير والتأنيث، فلان قين وهي قين وقينة.. وقيل القينة الأمة المغنية..
***
ولقد أسهب الدكتور علي الوردي في كتابه (طبيعة المجتمع العراقي) وكُتب أخرى تناولت نفسية المجتمع العراقي.. فالأصول العربية تأنف من العمل في الصناعة ولا يعمل فيها في العراق إلا الذين من أصول غير عربية أو من العرب ذوي المراتب القبلية المتدنية وهذا ينطبق على الزراعة التي لا يمارسها العربي إلا في النخيل وتربية الماشية، ويفخر أهل بادية العراق والعشائر بأعمال السطو في الغزوات وهذا ما كان سائداً قبل الحرب العالمية الأولى.
وعند مجيء الانجليز واحتلالهم للعراق منعوا غزوات العشائر والقبائل على بعضها.. وفي دول شبه الجزيرة العربية نراهم يحتقرون أيضا الأعمال الصناعية والزراعية.. وزارع النخل رغم أنه كان يوفر أهم مادة غذائية في كل العصور إلا أنه محتقر ويطلق عليه اسم (انخيلاوي) وتعادل الشتيمة هي نخيلاوي والألف الظاهرة هي في النطق فقط لتجنب لفظ المتحرك فيكون حرف النون مجزوما ولصعوبة النطق به مجزوما تتقدمه الألف في النطق.. كما نقول بنفس الوزن احميداني بدل حميداني.. ومثله محمد وحسين لتجنب الحركة يجزم الحرف الأول وفي النطق تتقدمه الهمزة أو الألف.
ونلاحظ أن دول شبه الجزيرة العربية كانت شعوبها تأنف من العمل في الزراعة إلا سكان الواحات التي ألفت الزراعة وهم محتقرون اجتماعيا وهذا هو في العراق حيث أهل البادية لا يحترمون العمل بالزراعة ولا الصناعة.
الآن تغيرت الأحوال مع استقدام العمالة من شرق آسيا.. ولو تغيرت الظروف ورحل هؤلاء عندها تتوقف الزراعة والصناعة الحرفية.. وسكان البادية في عموم البلاد العربية لا يعملون في الزراعة ولا الصناعة.
ويستثنى من الشعوب العربية التي ارتبطت بالأرض في حضاراتها مصر منذ عهودها القديمة ولم تعتمد على عمالة خارجية كما هو في العراق في العهدين الأموي والعباسي حيث كانت الزراعة بيد الزنج والفرس وكذلك الصناعة.. هكذا تخلفت الأمة العربية في تشييد الحضارة لأنها كانت تأنف من الزراعة والصناعة.