الحمدُ لله رب العالمين
قد كتبتُ سابقاً موضوعاً بعنوان ( يا أهل السنة إتقوا الله فينا ) , وفيهِ مسألةٌ عظيمة وجب التحذير منها وهي ما قد يقع فيه الداعية من فتنة حب الظهور والثناء والمديح وهذا خطأ الكثيرين , لهذا أحببت أن تكون كلمتي بليغة هذه المرة وموعظةٍ أرجوا أن تكون في قلوبنا قوية فرب كلمةٍ تلقي بصاحبها سبعين خريفاً في النار , ورب كلمةٍ تلقيها تكون سبب سقوط داعية أعوذ بالله من الخذلان , إنها نصيحة محب وخائفٍ من النيران , ونصيحةُ إمرءٍ هو أجهل أهل الأرض فقد سئل عن الصادقين من قبل في موسى وعيسى وهم أنبياء الله فما بالكم بالكاذبين أمثالنا , وأخصكم بنفسي فأنا عنكم تلميذكم , وأحبكم ولستُ منكم , أرجوا أن أكون صالحاً وهكذا أحسبكم أحب الصالحين ولستُ منهم احب المتقين وأرجوا الله أن أكون منهم , ولكنها الخشية لله والخوف منهُ والرجاء هنا يأتي الثناء وإطلاق المديح والكلمات لا فتدخل في قلب الداعية المراء نسأل الله لنا ولكم السلامة والإخلاص فطالب العلمِ عليه بالعمل ثم العلم ومن علم ثم عمل كان في تمام العمل وطلاب العلم وأهلهُ وإليكم موعظتي عسى الله أن ينفع بها وينفعي قبلكم فلا أنا بشيخكم ولا أنا بأستاذكم ولا أنا بمعلمكم بل أنا منكم وإليكم أصغركم وأقلكم علماً أريد أن ألقى ربي وهو راضٍ عني لستُ من أهل العلم ولا من أهل الشريعة لستُ إلا رجلً أريد مرضات ربي وأبحث عن العلم لأنفع غيري فمن قال أنا تعلمتُ فناً لله تبارك وتعالى فهذا كاذبٌ فإحذروه , فإن العلم ينفع المرء بهِ نفسهُ ثم ينفع غيرهُ وبهِ يتقي النار ويرجو رحمة المنان وعليه فأنصتوا فأنا الفقير ذو العمل المقصر في الدين وأجهل الجاهلين أنصحكم فإيقظوا أنفسكم فهذا ليس سبيلكم .
قال الأصفهاني :
أعمل بعلمكَ , تغتنم أيها الرجلُ ** لا ينفع العلم إن لم يحسن العملُ
والعلمُ زينُ , وتقى الله زينتـــــهُ ** والمتقونَ لهم في علمهم شغـــلُ
وحجة الله يا ذا العلم بالغــــــــةٌ ** لا المكرُ ينفع فيها لا ولا الحِــيَـلُ
تعلم العلم وإعمل ما إستطعت بهِ ** لا يلهينكَ عنهُ اللهوُ والجــــــدلُ
كان الحسن البصري كثيراً ما يعاتب نفسهُ ويوبخها فيقول : تتكلمين بكلام الصحالين والقانتين العابدين , وتفعلين فعل الفاسقين والمنافقين المرائين , والله ما هذه صفات المخلصين .
أقول : ما حالي وحالُ كل من تنادونهم ( بالشيخ ) وهذه مسألةٌ عظيمة لا يستطيع حملها مثلي فالأصل في عمل المرء الإخلاص فإن إكتمل الإخلاص كان للمرء أن يكون داعياً لله راجياً رحمة الله تبارك وتعالى فإعمل لقبرٍ أنت واردهُ وإعمل للقاء رب الأرض , فإنك يا عبد الله مسؤولٌ أمام رب البريات , فإتقوا الله في إمرءٍ يرى أن المديح أمرٌ عظيمِ , فأنا تلميذكم وأخوكم وكثيرٌ من معي يوافقوني , فإتقوا الله أحبتي فكلمة الشيخ لا تأتي هباء منثوراً وما نحنُ لها أهل , بل نحنُ وإن صح تسميتنا فإنا طلاب علم وياليتنا نصل لذلك حتى فما أكثر المادحين وما أكثر المعجبين وهذا ما لا يريدهُ كل إمرءٍ يرجوا رحمة رب العالمين فإتقوا الله ونحنُ لكم إخوة .
وكان يوسف بن أسباط يقول : ما حاسبت نفسي قط إلا وظهر لي أنني مراءٍ خالصٌ .
وكان سفيان الثوري يقول : كل شيءٍ أظهرتهُ من عملي فلا أعده شيئاً , لعجز أمثالنا عن الإخلاص إذا رآه الناس . قلتُ : وما حالي يا إخوة حفظكم الله تقصمون ظهري وتهلكونني دائماً .
وكان القاضي الفضيل بن عياض يقول : إذا كان يسأل الصادقين عن صدقهم , مثل إسماعيل وعيسى عليهما السلام , فكيف بالكاذبين أمثالنا . قلتُ : أي وربي صدق صدق صدق .
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى : من أراد أن يأكل الخبز بالعلم فلتبكِ عليه البواكي .
وقال الذهبي رحمه الله : ينبغي للعالم أن يتكلم بنيةٍ وحسن قصدٍ , فإن أعجبهُ كلامه فليصمت , وإن أعجبهُ صمته فلينطق , ولا يفتر عن محاسبة نفسهِ فإنها تحب الظهور والثناء .
قلتُ : إتقوا الله في أخيكم وفي غيركم ما أنا إلا أجهلكم أحاولُ صد نفسي عن الوقوع بفتن الثناء والظهور , أخشى أن أفتتن فأفكر بترككم وما هذا عليَ بسهلٍ فإتقوا الله وأنصفوني فأنا أخوكم وما أجملها من فم أحدكم إذ ناداني بها وأنا لكم تلميذ وإلكم ومنكم أتعلم فإنصفوا أخاكم يا أهل الحق .
وقال علي بن بكار البصري الزاهد رحمه الله تعالى : لأن ألقى الشيطان أحب إلي من أن ألقى حذيفة المرعشي , أخافُ أن أتصنع لهُ , فأسقط من عين الله .
ختاماً ولن أطيل عليكم .
رحم الله من أهدى إلي عيوبي .
فأتقوا الله وأنصفونا غفر الله لي ولكم ما أنا بشيخ
وهذه المرة الثانية التي أنصح بها أرجوا أن تكون الاخيرة .
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كتبهُ وأملاه :
أخوكم تقي الدين السني
عاملهُ الله بلطفهِ وغفر له ذنوبهُ والمسلمين .