بيان التوحيد ومحاربة الشرك
الحمد لله الذي بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وبعث رسله جميعاً بالتوحيد، وشرع الجهاد لأجل حماية هذه الكلمة العظيمة : لا إله إلا الله. فالإسلام هو دين التوحيد، ولا يقبل الله تعالى من الأولين والآخرين ديناً غيره، وَبِه قَامَتْ الْأَرْضُ وَالسّمَوَاتُ، وَخُلِقَتْ لِأَجْلِه جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَبِه أَرْسَلَ اللّهُ تَعَالَى رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، وَشَرَعَ شَرَائِعَهُ، وَلِأَجْلِه نُصِبَتْ الْمَوَازِينُ، وَوُضِعَتْ الدّوَاوِينُ، وَقَامَ سُوقُ الْجَنّةِ وَالنّارِ، وَبِه انْقَسَمَت الْخَلِيقَةُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفّارِ، وَالْأَبْرَارِ وَالْفُجّارِ، فَهِو مَنْشَأُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، وَالثّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَلِأَجْلِه جُرّدَتْ سُيُوفُ الْجِهَادِ، وَهِو حَقّ اللّهِ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ، وهِو كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ وَمِفْتَاحُ دَارِ السّلَامِ ". زاد المعاد (1/34) بتصرف.
وما قاتل النبي صلى الله عليه وسلم قومه وأقاربه ألا من أجله، فالدفاع عن التوحيد واجب على كل مؤمن، سواء كان دفاعاً بالنفس أو باللسان أو بالمال أو بالجاه أو بكل ما أوتي الإنسان.
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ*وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ*أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا*وَلَا يُنْقِذُونِ*إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ*إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِيس:20-25.
" فلما قال ذلك وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه، ولم يكن له أحد يمنع.
قال قتادة -رحمه الله - :"جعلوا يرجمونه بالحجارة، وهو يقول: اللهم اهد قومي، فلم يزالوا به حتى قتلوه".
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ يس:26-27 .
قال ابن عباس: نصح قومه في حياته بقوله: يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ، وبعد مماته في قوله:يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ..
وهكذا المؤمن لا تلقاه إلا ناصحا، وجاء مؤمن آل فرعون الرجل الآخر ناصحاً لموسى عليه السلام : وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ جاء مناصراً لنبي الله موسى وجاء مؤيداً أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ..غافر : 28 .
وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ غافر:32 .
وهكذا قام يبين لهم، أن هذا الدين يهدي إلى الرشد يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ غافر: من الآية38 .
يبين لهم أن التوحيد يؤدي إلى الجنة وأن الكفر يؤدي إلى النار،وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ , تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآَخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ* فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ غافر :41 -45 .
إن إزالة رسوم الشرك والوثنية، بعد قيام المعركة لأجل التوحيد هو الهدف من تلك المعركة، وقد حطّم النبي صلى الله عليه وسلم الأوثان والأصنام حول الكعبة، وهكذا قام أولياءهم من بعده يزيلون الأضرحة والمشاهد والمزارات التي تعبد من دون الله، ويهدمون رموز الضلالة والخرافة، التي يأتي الناس إليها ليشركوا بالله، ويتخذوا من دونه أندادا ويصرفون أنواع من العبادة لغير الله .
دَخَلَ النبي صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِائَةِ نُصُبٍ؛ فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ)،(جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ). .
ولما دخل الكعبة وجد فيها صورة إبراهيم وإسماعيل فأمر بها فأخرجت. .
وعلى هذا كان يبعث أصحابه بإزالة كل ما يعبد من دون الله، عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ. .
نماذج من التاريخ في محاربة مظاهر الشرك
وهكذا يا عباد الله لما انحرف بعض الامة عن مسار التوحيد قيض الله تعالى لهم من يعيدهم إليه ولو سالت الدماء وبذلت الأرواح والمهج والأموال فإن النفس والنفيس يهون دون هذه المعركة
قال ابن القيم رحمه الله : لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً، فإنها شعار الكفر والشرك، وهي أعظم المنكرات.
قال ابن القيم رحمه الله : لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً، فإنها شعار الكفر والشرك، وهي أعظم المنكرات، فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة، وهذا حكم المَشَاهِد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثاناً وطواغيت تعبد من دون الله، والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته، وكثير منها بمنـزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى أو أعظم شركاً،والله المستعان .
وهكذا لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثقيف بوجوب هدم مواضع الشرك التي تُتخذ بيوتاً للطواغيت، ورفض أن يؤجل ذلك وعلى هذا مضى الأئمة، ورموز الشرك والوثنية بالذات يجب العناية البالغة بإزالتها، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه، وجاء في سيرة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله [لابن شداد] أن ملك الانجليز كتب إليه يطلب الصليب، الذي استولى عليه صلاح الدين،وكان هؤلاء الكفرة يحملونه في معاركهم، فيزينون وينحتون ويعظمون ويضخمون ويجعلونه شعاراً لهم، يسيرون خلفه بالمعارك، فكتب لصلاح الدين: وأما الصليب فهو خشبة عندكم لا مقدار له، وهو عندنا عظيم، فليمن به السلطان علينا. فأجابه صلاح الدين: وأما الصليب فهلاكه عندنا قربة عظيمة، لا يجوز لنا أن نفرطَ فيها إلا لمصلحة راجعة إلى الإسلام هي أوفى منها..
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي رحمه الله في تاريخه: رأيت جماعة من أهل مصر يعتقدون أن الشمس إذا كانت في الحَمَل، وتوجه أحدهم إلى أبي الهول، وبخّر أمامه ... وقال ثلاثا وستين مرة كلماتٍ يحفظونها، ويقول معها: يا أبا الهول افعل كذا ؛ فزعموا أن ذلك يتفق وقوعه. يعني يحصل وأن الأمنيات تتحقق والرغبات تقع .
فكان الشيخ قطب الدين [القسطلاّني] يتوجه إلى أبي الهول ويعلو رأسه بالحذاء، ويقول: يا أبا الهول افعل كذا، افعل كذا !! يفعل ذلك إهانة لأبي الهول، وعكساً لذلك المقصد الفاسد. .
هكذا يرى العامة أن فعلهم ليس بشيء، وان لا يؤدي إلى نتيجة، وقال أبو شامة:" ولقد أعجبني ما صنعه الشيخ أبو إسحاق الجبينائي ببلاد أفريقية، فقد كانت العامة قد افتُتِنوا بعين تسمى عين العافية، يأتونها من الآفاق، من تعذّر عليها نكاح أو ولد، فخرج إليها أبو إسحاق ذات ليلةٍ في السحر، فهدمها، وأذّن الصبحَ عليها، ثم قال: اللهم إني هدمتُها لك فلا ترفع لها رأساً... فما رُفِعَ لها رأس إلى الآن".
وهكذا كان يعمد أهل العلم والسلطان من أهل التوحيد إلى هدم هذه المشاهد والأضرحة التي افتتن الناس بها، " وأمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي، وما حوله من المنازل والدور، ونودي في الناس: من وجد هنا بعد ثلاثة أيام ذهبنا به إلى السجن"..
ومحمود ابن سبكتكين الذي كان فاتحاً لبلاد الهند، وأراد كسر الصنم الأعظم الذي لهم، يفيدون إليه كما يحج الناس إلى الكعبة، فبذل له الهنود أموالاً جزيلة ليترك لهم صنمهم الأكبر، وربما رغب بعض من معه بذلك فقال : لأن أنادى يوم القيامة: أين محمود الذي كسر الصنم؟ أحب إليَّ مِن أن يقال: أين محمود الذي ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا.
فكسره فوجد فيه من الجواهر واللآلئ والذهب ما يزيد على ما بذلوه له أضعافاً مضاعفة. .
قامت المعارك من أجل التوحيد، ولما ارتد المرتدون قام الصديق، وفتح المسلمون الأمصار من أجل التوحيد، وهكذا فتحت الشام ومصر وهكذا فتحت العراق وهكذا فتح المغرب والمشرق، وقامت معارك المسلمين في اليرموك والقادسية وحطين وعين جالوت والزلاقة وكان أهل العلم يؤيدون أهل التوحيد من هؤلاء الذين يقاتلون أعداء الله كما فعل شيخ الإسلام رحمه الله في قتال التتر، ومعركة ملاذ كرد التي وقعت بين سلاجقة المسلمين بقيادة ألب أرسلان، والبيزنطيين النصارى في عام (463هـ)، وانتصر فيها المسلمون السلاجقة وأُسر الإمبراطور البيزنطي يومها وكان انتصار المسلمين فيها نقطة فاصلة؛ حيث قضت على سيطرة دولة الروم على أكثر مناطق آسيا الصغرى وأضعفت قوتها، وكان هو التمهيد الفعلي لفتح القسطنطنية بعدها ولو بمدة طويلة.
وجاء الإمام أبو نصر محمد بن عبد الملك فقال للسلطان ألب أرسلان:"إنك تقاتل عن دينٍ وعدَ اللهُ بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر فإنهم يدعون للمجاهدين".
فلما كان تلك الساعة صلى بهم، وبكى السلطان، فبكى الناس لبكائه، ودعا، فأمنوا، فقال لهم: من أراد الانصراف فلينصرف، فما ههُنا سلطان يأمر ولا ينهى.
فانخلع من قوته وتبرأ من حوله، وألقى القوس والنشاب، وأخذ السيف، ولبس البياض وتحنط، وقال: إن قتلت فهذا كفني". .
وقد استجاب الله لدعاء عباده، فكان الفتح العظيم في معركة ملاذكرد.
وهكذا معركة جالديران، التي لقي فيها السلطان العثماني ذلك الصفوي الذي قاد الصفويين المشركين للمعركة، وكان إسماعيل الصفوي المشرك قد أعلن مذهبه المبتدع مذهباً رسمياً لجميع رعاياه بعد أن أخضعهم بالسيف، والذي لم يرضى قتله، وأجبرهم على البدعة.
حتى قام السلطان سليم الأول بلقاءه مع رجال الحرب والعلماء في ذلك السهل في جالديران في صحراء شرق أناضول وانتهت المعركة (1514م)، وذكر لهم خطورة الصفويين، فاتفق الجميع على ضرورة محاربتهم، فخرج السلطان على رأس جيش كبير.
والتقى الفريقان في صحراء جالديران شرق الأناضول، وانتهت المعركة بهزيمة الصفويين هزيمة نكراء، وفرار قائدهم من المعركة إلى أذربيجان، ووقوع كثير من قواده في الأسر.
ودخل سليم الأول مدينة تبريز عاصمة الصفويين، فاستولى على أموال إسماعيل الصفوي وبعث بها إلى إستانبول، ثم قفل راجعا إلى بلاده، مكتفيا بهذا النصر الكبير..
ويا ليته اكمل ما بدأه لأن أولئك القوم قد عادوا بعد ذلك فاكتويت بلاد المسلمين بنارهم حتى الآن، ودفاعاً عن التوحيد قامت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وكان في نجدٍ من مظاهر الشرك وعبادة الأشجار والأحجار وانتشار السحرة والكهنة ما الله به عليم، فلما وفق الله تعالى الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، للتحالف في ذلك اللقاء التاريخي مع محمد بن سعود رحمه الله أمير الدرعية، الذي ناصر دعوة التوحيد فتبايع الأمير والشيخ في عام 1157هـ على نصرة التوحيد، وأقامة الشريعة وتحقيق الأمر الإلهي بإزالة الشرك، فاتسع نفوذ تلك القرية وقويت تلك الدولة حتى قال الإمام الشوكاني عن الإمام محمد بن عبد الوهاب : الداعي إلى التوحيد، المنكِر على المعتقدين في الأموات، ما زال يُجاهد مَن يخالفه، وكانت تلك البلاد قد غَلبتْ عليها أمورُ الجاهليَّة، وصار الإسلامُ فيها غريبًا .
وقال ابن غنام في تاريخه: " خرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومعه عثمان بن معمر وكثير من جماعتهم إلى الأماكن التي فيها الأشجار التي يعظمها عامة الناس والقباب وأبنية القبور، فقطعوا الأشجار وهدموا المشاهد والقبور، وعدلوها على السنة، وكان الشيخ هو الذي هدم قبة زيد بن الخطاب بيده "
وكاتب العلماء، وهكذا أجاب كثيرون، وألفت الكتب دفاعاً عن التوحيد، وهكذا يكون هذا العمل أعظم القربات عند الله، لأنه الأصل الأصيل، لأنه الركن المكين، وحبل الله المتين، الذي من اعتصم به أي هذا التوحيد اهتدى، ومن دافع عنه رضي الله عنه، ومن بذل من أجله تقبل الله منه.
قال بن كثير رحمه الله : في سنة إحدى وأربعين ومائة خرجت طائفة يقال لها "الراوندية" على المنصور .. يقولون بالتناسخ، ويزعمون أن روح آدم انتقلت إلى عثمان بن نهيك، وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم أبو جعفر المنصور, وأن الهيثم بن معاوية جبريل، قبحهم الله .
أتوا يوما قصر المنصور فجعلوا يطوفون به ويقولون: هذا قصر ربنا.
فخرج المنصور بجيشه وخرج معه الناس لقتالهم، وخرج معه أهل الأسواق أيضا، فالتفوا عليهم من كل ناحية فحصدوهم عن آخرهم، ولم يبق منهم بقية".
وقال ابن حجر في ترجمة محمد بن سعيد المصلوب : "قتله المنصور في الزندقة".
قام الأئمة يناظرون ويردون ويصبرون حتى في محنة خلق القرآن حصل من ثبات الإمام أحمد رحمه الله ما حصل حتى قال أهل العلم أيد الله المسلمين بأبي يوم بكر يوم الردة، وبالإمام أحمد يوم المحنة، وجد الخلفاء في تتبع الزنادقة، الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، قال شيخ الإسلام رحمه الله : "ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال القرآن مخلوق الجعد بن درهم ثم الجهم بن صفوان وكلاهما قتلهم المسلمون..".
"وفي سنة 167هـ جدَّ المهديُّ في طلب الزنادقة والبحث عنهم وقتلهم ".
حتى كان يلقب بقصاب الزنادقة، واستتاب القادر بالله، وكان من الخلفاء صاحب سنة طائفة من أهل الاعتزال والرفض وأخذ خطوطهم بالتوبة.
محاربة الشرك باللسان والبيان
وجرت فتن انتصر فيها أهل الحق للحق، فنصرهم الله سبحانه وتعالى، لم يكن الانتصار قاصراً أو مقتصراً على السيف والسنان، بل كان اللسان والبيان نصيراً للحق، معلناً للتوحيد مبيناً خطورة الشرك ناسفاً لأساساته، وهكذا كان الرد على أهل البدع جهاداً في سبيل الله وألفت الكتب من أجل ذلك، فلماذا ألف الإمام بن خزيمة كتاب التوحيد، وكذلك الإمام بن منده، وكذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله ألفوا كتاب التوحيد ولقيت من المختصرات والشروح والتهذيبات والتعليقات والنظم ما لقيته اهتماما من أهل التوحيد بها وألف في الرد على المبتدعة كتاب الإيمان للقاسم بن سلام والرد على الزنادقة والجهمية لأحمد بن حنبل، والرد على الجهمية وخلق أفعال العباد للبخاري، ونقض عثمان بن سعيد على الجهمي الكاذب العنيد فيما افترى على الله في التوحيد، وكتاب السنة لأحمد والسنن لأبي داؤود السجستاني، والسنة للأثرم، ولأبي بكر الخلال، وللهروي والسنة لأبي شيخ الأصبهاني، وذم الكلام للهروي، وشرح أصول السنة للألكائي، وغير ذلك من المصنفات، ولما ألف بعض أهل الضلال من غلاة الباطنية كتاباً فيه خطوات زيارة القبور والمشاهد والطواف به سبعاً وحلق الرأس عندها والنحر بعد ذلك، ألف أهل العلم في الرد عليه، وأن مثل هذه الكتب يجب إتلافها، ويحرم طبعها ونشرها، وشراؤها وإهداؤها، لما فتحت أرض فارس وجدوا فيها كتباً كثيرة، فكتب سعد إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في شأنها، فكتب إليه عمر أن: اطرحوها في الماء؛ فإن يكن ما فيها هدىً فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالاً فقد كفاناه الله. فطرحوها في الماء أو في النار، وذهبت علوم الفرس فيه.
وأفتى العلماء بعدم جواز نشر كتب الكلام والفلسفة والجدل لأنها تطعن في العقيدة وتشوش على الناس وتجلب الشكوك، هذا الذي يريده أهل النفاق اليوم مما يريدون إحياؤه وتعمل من أجله رسائل عند الكفار لأجل إحياء المذاهب المنحرفة القديمة وتعظيم أشخاصها ودراساتٍ تُقدّم بشأنها، واستعراض لتلك الدراسات في بعض القنوات، دفاعاً عن التوحيد نظمت المنظومات، كنونية ابن القيم، ونونية القحطاني، وهكذا الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله، وعندما ينشرح صدر المؤمن بالتوحيد يكون ما يخرج منه من نفثاتٍ تؤيد دين الله،
كن في أمورك كلها متوسطا
عدلا بلا نقص ولا رجحان
واعلم بأن الله ربٌّ واحدٌ
متنزهٌ عن ثالث أو ثان
الأول المبدي بغير بداية
والآخر المفني وليس بفان
وقاموا بفضح المبتدعة والكلام بشأنهم .
مدحوا النبي وخونوا أصحابه
ورموهم بالظلم والعدوان
حبوا قرابته وسبوا صحبه
جدلان عند الله منتقضان
من وسائل التوحيد المناظرة، قاموا يناظرون، وعلى خطى إبراهيم عليه السلام يسيرون،إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ *وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَالأنبياء : 52-58 .
وكانت كلمات المسلمين في أحد رداً على من قال: لنا العزى ولا عزى لكم.
فقال رسول الله : (قولوا الله مولانا ولا مولى لكم)
ونادى أبو سفيان: اعل هبل !
قال رسول الله :(قولوا: الله أعلى وأجل). .
ولما طُعن في جناب التوحيد تولى الصحابة الرد من يوم ما ظهرت البدع، من ظهور القدرية رد ابن عمر، ومن يوم أن ظهر الخوارج رد ابن عباس وهكذا سار السلف على طريقتهم، فناظروا حتى رجع بمناظرة ابن عباس ألفان من هؤلاء الخوارج.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أنصار التوحيد، اللهم اجعلنا ممن يذب عن سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم إنا نسألك أن تحيينا حياة طيبة، أحينا مؤمنين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين،