ثوابت الامه فى أمواج الفتن ....
عنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ قَالَ فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: "مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا؟" قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ قَالَ: "أَحْسَنْتُمْ" أَوْ "أَصَبْتُمْ" قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: "النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ".
فالسماء محفوظة بتلك الكواكب فإذا تناثرت وتساقطت وهنت السماء فتصدعت وتشققت ورسول الله صلى الله عليه وسلم زمام أمان للامه من الفتن فلما لحِق بربه سبحانه وتعالى أتى الامه والصحابه مايوعدون وصحابة النبى زمام أمان للامه فلما ذهبوا أتى الامه ما توعد .
لقد فُتح باب الفتنه بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكُسر بابها كسراً لن يغلق بعده أبداً بمقتل عمر بن الخطاب رضى الله عنه
لذلك من رحمة الله تعالى على هذه الامه المرحومه جعل لها ثوابت وعواصم تعصمها من الفتن فمن هذه العواصم التى تعصم العباد من الفتن :
* كثرة الاستعاذه بالله تبارك وتعالى من الفتن وشرها وسؤال الله العافية منها كما علمنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان كثيراً يستعيذ بربه من الفتن خوفاً على نفسه من جهة ومن جهة أخرى تعليماً لإصحابه من جهة أخرى فكان صلى الله عليه وسلم يختار أفضل الأوقات وأجمل المناسبات لهذ الإستعاذه
فعن أَبِي هُرَيْرَة َرضى الله عنه ، قَالَ : قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ ، يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ "
وكان الصحابه رضى الله عنهم أيضاً يتعوذون بالله من الفتن والدليل على ذلك لما رأى النبى صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر رضى الله عنه يحمل لبنتين لبنتين والناس يحملون لبنة لبنة فى بناء االمسجد قال صلى الله عليه وسلم ( ويح عمار تقتله الفئة الباغيه يدعوهم إلى الجنه ويدعونه إلى النار ) فقال عمار حينئذ أعوذ بالله من الفتن
* ومن العواصم أيضاً التى تعصم العباد من الفتن : العلم فالعلم عصمة لصاحبه من الفتن والدليل على ذلك حديث أبى بكره ( نُفيع بن الحارث ) رضى الله عنه قال سمعت حديثاً من رسول الله نفعنى الله به قال : لما مات كسرى قال النبى من ولوا عليهم قالوا إبنته قال لا يُفلح قوماً ولوا أمرهم إمرأه فما بين سماع ابى بكره هذا الحديث وبين انتفاعه أربعين سنه وذلك لما كانت الفتنه القائمه بين على بن أبى طالب وبين معاويه رضى الله عنهم فكلاهما مجتهد فمن إجتهد وأصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر يومها أى يوم هذه الفتنه كانت أم المؤمنين عائشه رضى الله عنها حاجة بمكه فقابلها طلحة والزبير رضى الله عنهم فكلماها على التحريض بالخروج للإخذ بدم عثمان رضى الله عنه فخرجت رضى الله عنها لتصلح بين الفئتين فلما رآها أبى بكره ( نفُيع بن الحارث ) تأول حديث النبى الذى سمعه فرجع فعصمه الله من تلك الفتنه فالعلم يعصم صاحبه من الفتن .
* ومن العواصم الإلتفاف حول العلماء الربانين فهم مصابيح الدجى ومفاتيح الخير هم الذين يوجهون الناس إلى طريق الحق والدليل على أن العلماء عصمة للإمه من الفتن قوله لإهل العلم قالها على بن المدينى شيخ البخارى قال ( إن الله أعز الدين يوم الردة بإبى بكر وأعز الدين يوم المحنه بإحمد بن حنبل ) فأبو بكر رضى الله عنه معروف بالرقة واللين ولكن فى وقت ما يتحول إلى أسد دفاعاً عن الدين وذلك
لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إرتد من العرب من إرتد فعزم أبو بكر رضى الله عنه على قتالهم عندها تحول عمر الأسد إلى حمل وديع فقال أتقاتلهم وقد شهدوا أن لا إله إلا الله فقال أبو بكر قولته المشهوره (( والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاه والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه )) فانشرح قلب عمر لما انشرح إليه قلب ابوبكر رضى الله عنهما .
ومثل ذلك لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم يومها قال عمر كلمه وهى خلاف الحق قال ( إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله مات ورسول الله ما مات لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران إلى ربه فغاب عن قومه أربعين ليليه ثم رجع إليهم بعد أن قيل أنه مات والله ليرجعن رسول الله ) عندها قال أبو بكر ( من كان يعبد محمد فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ) فقال عمر كلمه وقال أبو بكر كلمه فكلتا الكلمتين نفع الله بهما الأمه نفع الله بكلمة أبى بكر فثبت بها قلوب المؤمنين ونفع الله بكلمة عمر فأخاف بها المنافين المارقين فإن الله ينفع بالشر كما ينفع بالخير .
* ومن العواصم أيضا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فهو دأب الأنبياء والصالحين فما من نبى أرسله الله إلى قومه إلا وامرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر .
* التوبه فالإن كانت التوبه مطلوبة طيلة عمر العبد فهى أشد طلباً فى زمان الفتن فما نزل بلاء ولا فتن إلا بالذنوب وما رُفعت إلا بالتوبه .
* إعتزال الفتنه وإعتزال أهلها والقائمين عليها بل ومواطنها ولا يجوز للعبد أن يشارك فى الفتنه قال الله تعالى (( وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ))
لا تنسونا من صالح دعائكم