التصريح العدائي الذي صدر من قبل الروس بحق السعودية ويتهمها بأنها تدعم الإرهاب في سوريا هو فصل جديد من السقوط الروسي المستمر في المحيط العربي، وكان الرد السعودي الفوري والمناسب مستحقا جدا.
والواقع أن هذا الرد يأتي في ظل سياسة الإفلاس الروسي الواضحة في الدفاع عن أنظمة قمعية مستبدة وطاغية، والوقوف معها حتى الرمق الأخير دون الاستفادة ولا الاتعاظ من التجارب السابقة لها في دول أخرى.
اليوم روسيا تقف بكل ما أوتيت من قوة وثقل عسكري واستخباراتي ودبلوماسي لدعم نظام بشار الأسد المتهاوي وتدور حول نفسها المرة تلو الأخرى لإيجاد أسباب أخرى تروج لها مثل أن ما يحدث في سوريا اليوم له دوافع أخرى غير أن نظام بشار الأسد قمعي وطاغٍ وإجرامي؛ فتارة يلومون أطماع الغرب ومخططاته وتارة أخرى يلومون الإرهاب والتطرف والجماعات المسلحة وهو نسخة تماما مما يروج له نظام بشار الأسد وأبواقه الإعلامية البائسة.
الروس برأيهم المستقل الحالي أو بعباءتهم السوفياتية القديمة كانوا دوما السند الفاشل للقضايا الحقة، فهم كانوا من أولى الدول التي اعترفت فورا بالكيان الإسرائيلي المقام على أراضٍ عربية مغتصبة ومع ذلك ظلوا سنوات طويلة «يبيعون» للعرب أنهم معهم وفي خندق واحد داعمين ومؤيدين لهم في مطلبهم وحروبهم ضد إسرائيل، بل إن الورطة العربية الأكبر والأضخم في سنة 1967 والتي سميت لاحقا لطفا وتأدبا بمسمى النكسة.. كل هذه المأساة بدأت من خلال معلومة استخباراتية مررها الروس للسوريين (وقتها كان المسؤول عن الدفاع السوري حافظ الأسد) بأن هناك حشودا إسرائيلية ضخمة على الجولان وأبلغ السوريون فورا جمال عبد الناصر الذي بدأ في التأجيج الإعلامي بالحرب والمواجهة ضد إسرائيل ولم تكن هناك أي حشود لإسرائيل على الجولان ولم تكن مصر مستعدة لدخول الحرب وشربت مصر وسوريا الطعم الروسي وتحقق لإسرائيل نصر كبير وحصلت على أراضٍ مهولة أضافت لرقعتها الجغرافية أضعافا مضاعفة بشكل سريع ومدهش.
والكل يعرف مواقفها المترددة والمتواطئة في دعم السادات خلال تجهيزه للجيش المصري قبل دخوله لحرب 1973 وهو ما أعلن عن بعد ذلك صراحة واضطره إلى طرد كافة الخبراء العسكريين والفنيين السوفيات الموجودين في مصر.
ارتبط الحضور السوفياتي دوما في العقلية العربية بأنها تدعم الحكومات الطاغية والقمعية وأنها أسهمت بشكل أكبر في تضييق الحريات ونشر الجهل وتفشي الفساد وفقدان الهيبة والاحترام لمنظومة الدولة في ذهنية المواطن وطبعا كان الروس والسوفيات هم الراعي الأول لأنظمة ناصر والقذافي والأسد وصدام واليمن الجنوبي والكل يعلم أي نوع من الحكم وأي نوع من الأنظمة كانت هذه طبعا وما الذي تركته لبلادها من فقر وجهل وفساد وطغيان ومظلمة.
أما السعودية فكان من قدرها أن تكون على النقيض تماما من الحكم السوفياتي وهي الدولة التي تبنت القرآن والسنة كأساس لنظام الحكم فيها وبالتالي كان بديهيا أن يكون الخط السياسي الإلحادي الذي تبناه السوفيات بمثابة العدو لها، وهي واجهت محاولات لإدخال هذا النفس الشيوعي إلى أراضيها في الخمسينات والستينات الميلادية من القرن الماضي بشجاعة وببسالة وقضت فورا على هذا الخطر الذي أزكته الاستخبارات الروسية بمختلف الأشكال.
وكانت المواجهة الكبرى في سقوط الحكم السوفياتي بأفغانستان وسقوط الاتحاد السوفياتي نفسه مما ترتب عليه إعادة النظر في علاقة سوية بين الروس والسعوديين ولكن بوتين الرئيس الروسي المتخرج من قلب الـ«كي جي بي» قلب الاستخبارات الروسية يدير بلاده بعقلية الاستخبارات وليس بالدبلوماسية حتى حول روسيا إلى رمز لكل ما هو فاسد وأصبحت روسيا اليوم سمعتها أسيرة المافيا الرأسمالية في اقتصادها وكذلك هي أسيرة المافيا السياسية في دبلوماسيتها وهي مسألة يفهم من ورائها هذا التصعيد الهمجي للخطاب الروسي الأخير بحق السعودية.
...... حسين شبكشي ........
....................................
10-03-12, 08:05 AM
العرض المتطور
