لتوضيح التناقض غير المنطقي سأتناوله من منظورين ، المنظور الأول : طبيعة الخلق ، والمنظور الثاني : الفيض الإلهي
المنظور الأول : عن طبيعة خلق الأئمة ، فمعلوم ما اتفق عليه علماء الإمامية بأنهم خلقوا من نور الله قبل الخلق في عالم الذر *، ونسبوا لهم الكمال وصفات الله ــ سبحانه وتعالى عما يصفون ــ وقد عبر عنه السبحاتي بلفظ (كمال نفساني له أثره الخاص) ، وكون العامل الوراثي سبب العصمة، فهو ما عناه (الخارج عن اختيار المعصوم) ـ وهذا إن سلمنا له جدلاً ــ فلا يكون إلا بإرادة الله ومشيئته وبإحكام صنعته لا بجهل منه سبحانه بكيفيتها بعد الصيرورة، فلا يحتاج لمراقبة تصرفات الأئمة ليتبعه أمر بالفيض ، لأن في أصل خلقتهم إحكام نوراني متوارث يمنع العصيان . فكيف يجوز أن يبحث علماءهم بجواز ارتكاب المعصية من قبل المعصوم ومسألة اختياره ؟! يقول الشريف المرتضى بنص الكتاب أعلاه في مسألة النقض ذاته : (وعلى كل تقدير فالإنسان المعصوم مختار في فعله، قادر على كلا طرفي القضية من الفعل والترك ).
المنظور الثاني :عن الفيض الإلهي، فقد فرض السبحاتي أن العصمة تواجدت بعد الخلق وليس في حال الخلق وأنها لم تكسب صفة التواجد والإفاضة إلا بعد اطلاع الله على حياتهم ونياتهم ، وأن ترك المعصية كانت بحرية واختيار منهم، واستعمل أداة الشرط (لو) في قوله لو أفيضت لاستعانوا بها ، أي يقصد السبحاتي لو لم تحصل إفاضتها من الله لما استعانوا بها في حياتهم ، وأقول ،هذا لا خلاف عليه بالنسبة للأنبياء كما حصل مع النبي يوسف عليه السلام واستعصامه من غواية أمرأة العزيز، ولكن لا تصح عند الأئمة لأنه يناقض مروياتهم التي تقول أن الإمام يولد وله صفات الإمامة والعصمة لازمة لها ، فالسبحاتي نسف العصمة من حيث أراد إثباتها ونسف عقائد متواترة في كتبهم ، تماماً كما ناقض علماءهم إمامة الأئمة وفق آية إمامة إبراهيم عليه السلام التي جاءت بنص محكم بأن لطف الإمامة كما يصفوها جاء بعد الابتلاء لا قبله ، بينما يفترض أنهم ولدوا بها ومن جهة أخرى لم يعلم في سيرتهم رضي الله عنهم أن هناك ابتلاء لهم قبل إطلاق صفة الإمامة عليهم .
* أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن شعيب، عن عمران بن إسحاق الزعفراني، عن محمد بن مروان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله خلقنا من نور عظمته، ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش، فأسكن ذلك النور فيه، فكنا نحن خلقا وبشرا نورانيين لم يجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا، وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا و أبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لاحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا إلا للانبياء، ولذلك صرنا نحن وهم: الناس، وصار سائر الناس همج، للنار وإلى النار
الكافي / باب خلق أبدان الائمة وارواحهم وقلوبهم عليهم السلام
4 ـ
رفض صريح القرآن والسيرة :
ما زالت اعتقادات فاسدة في كتب الإمامية تصطدم بالقرآن والحديث والسيرة والعقل ، منها قوله :
أـ : إنّ القرآن الكريم يصرح بأنّ الهدف من بعث الأنبياء هو تزكية نفوس الناس وتصفيتهم من الرذائل وغرس الفضائل فيها، قال سبحانه حاكياً عن لسان إبراهيم: ( رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) . أ هـ
كيف أغفل معنى يتلوا عليهم آياتك وهي الآمرة بعادة الله العبادة الخالصة بالتوحيد وترك الشرك وإداء فروض الطاعة ؟ ( وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) الذاريات 56 . لو كان الهدف هو تزكية النفوس لاقتصرت الآية على جملة (يزكيهم) .
ب ـ أما عن علم الغيب عند الأئمة وقد نسفها السبحاتي أيضاً بحكمة الله . يقول : إنّ هذا العلم أعني ملكة العصمة لا يغيِّر الطبيعة الإنسانية المختارة في أفعالها الإرادية، ولا يخرجها إلى ساحة الإجبار والاضطرار كيف؟ والعلم من مبادئ الاختيار، ومجرد قوة العلم لا يوجب إلاّ قوة الإرادة كطالب السلامة إذا أيقن بكون مائع ما، سماً قاتلاً من حينه فإنّه يمتنع باختياره من شربه قطعاً، وإنّما يضطر الفاعل ويجبر إذا أخرج المجبر أحد طرفي الفعل والترك من الإمكان إلى الامتناع. أ هـ
كيف فسروا موت الحسن بالسم وموت موسى الكاظم وموت موسى الرضا رضي الله عنهم ؟
ج ــ رفض السبحاتي أن يسهو النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة لأنه تعامل بالعقل المتبوع للعقيدة الإمامية المعاصرة لا للمنطق وحكمة الدعوة . فقد أعترف عالمهم الماماقاني بأنه شيء مستحدث ، يقول في كتابه" تنقيح المقال" ( 3/ 240) أن نفي السهو عن الأئمة أصبح من ضرورات المذهب الشيعي ) .
أختلف علماءهم المتقدمين بأنهم كنوا يقولون بسهو النبي صلى الله عليه وسلم وينكرون من أنكرها ، يقول شيخهم ابن بابويه الملقب بالصدوق في "من لا يحضرة الفقيه"(1/234): (أن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ترى كيف يتجاهلون أحكام الشك في الصلاة وسجدتي السهو وصلاة الاحتياط
وهي مثبتة في كتبهم الفقهية ؟